خاركيف- لطالما كانت خاركيف هدفا رئيسا لأي قوات أو أحزاب أو قوى إقليمية أو دولية، على مدار عقود طويلة، ويشهد تاريخ المدينة وحاضرها على ذلك، منذ الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا.

وكان وصول قوات ألمانيا النازية إلى خاركيف في 25 أكتوبر/تشرين الأول 1941 سببا رئيسا لتدخل دول الحلفاء إلى جانب موسكو في الحرب العالمية الثانية، لا سيما وأنها كانت من أقوى المدن السوفياتية وأكثرها تحصينا.

وتعدّ المدينة من أوائل المدن التي أُعيد بناؤها بعد الحرب؛ لأنها ضمت عددا من مصانع الدبابات والمدرعات ومحركات الطائرات وغيرها من الآليات الثقيلة، كما حصلت بعد الحرب على "وسام لينين" الشرفي، وصفة "المدينة البطلة"، واحدة من بين 12 مدينة سوفياتية قاومت الألمان آنذاك.

ولرمزيتها المستندة بالأساس إلى مكانتها العسكرية والصناعية وموقعها الجغرافي، اختيرت المدينة في 2010 مكانا لتمديد عقد اتفاقية بقاء الأسطول الروسي في البحر الأسود بين موسكو وكييف، بعد وصول الرئيس الأوكراني الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش، إلى سدة الحكم.

عمال يزيلون الحطام الذي خلفه القصف الروسي على وسط مدينة خاركيف في 2 يناير/كانون الثاني الجاري (الجزيرة) مظاهر انفصالية قديمة

غالبا ما كانت خاركيف وبشكل عام مدينة يدعم سكانها حظوظ الموالين لروسيا في أي انتخابات، وكانت في 2014 من المدن التي شهدت حراكا انفصاليا كبيرا، ولكن لم يكتب له النجاح، على غرار مدن دونيتسك ولوغانسك، لأن كييف سارعت إلى وأده بالقوة آنذاك.

وقبيل الحرب الراهنة، توقع الرئيس الأوكراني بالفعل أن تكون خاركيف هدفا رئيسا لأي اجتياح روسي واسع النطاق، وهو الأمر الذي حدث فعلا، لكنه شمل خاركيف ومقاطعات شرقية وشمالية وجنوبية عدة أخرى معا.

وتتمحور الرواية الروسية الصريحة اليوم حول أحقية الروس بالمدينة، لأنهم يرون فيها "إرثا تاريخيا"، ويعدّون أن غالبية سكانها الناطقين بالروسية "مضطهدي الحقوق" من سلطات كييف الموالية للغرب، وهي رواية يكذبها الأوكرانيون، الذين يؤكدون أن المدينة غُيرت ديموغرافيا على مدار عقود، وحلّت عليها لعنة الموقع الجغرافي القريب من روسيا، كما يرون.

وفي حديث مع الجزيرة نت، يقول المؤرخ أوليكساندر بالي، مؤلف كتاب "الموجز في تاريخ أوكرانيا" أن "الاتحاد السوفياتي عمل على تغيير ديموغرافية المدن الكبرى عمدا، بتوطين الناطقين بالروسية فيها ومنع تداول الأوكرانية؛ ولهذا نجد أن سكان مدن خاركيف ودونيتسك ولوهانسك وحتى كييف كانوا يتحدثون الروسية أكثر قبل الحرب، في حين أن معظم سكان الضواحي يتحدثون الأوكرانية".

ويضيف في حديثه عن المقاطعة الشرقية التي تحمل اسم المدينة، وتبلغ مساحتها 31.4 ألف كم مربع، أنه "في بلدات وقرى وضواحي خاركيف، يتحدث الناس الأوكرانية على الطريقة المسماة "سورجيك"، وهي الأوكرانية التي تأثرت بالروسية بحكم القرب منها".

فندق "خاركيف بالاتس" في خاركيف قُصف بداية العام الجاري بحجة أن نزلاءه كانوا من المرتزقة الأجانب (الجزيرة) تغير "هوى" خاركيف المفاجئ

منذ أحداث سنة 2014، وما تبعها من ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، ودعمها جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، اللتين ضمتهما رسميا دون اعتراف دولي في سبتمبر/أيلول 2022، تغير هوى خاركيف جذريا على ما يبدو، حتى باتت من أكثر المدن معاداة لما يسمى بـ"العالم الروسي"، ومناهضة له.

ويبرز ذلك من خلال حجم المقاومة التي أبدتها المدينة منذ بداية الحرب، إضافة إلى تحول كثير من سكان المدينة إلى تحدث الأوكرانية عمدا، وهو ما يؤكده المؤرخ بالي بقوله "غير ملايين الأوكرانيين نظرتهم إلى روسيا بعد أحداث 2014، وتحولت في أعينهم إلى عدو بدلا من شقيق، وخاركيف لم تكن استثناء هنا".

ويتابع "في أولى أيام الحرب، وصل الروس سريعا إلى داخل أحياء المدينة، لكن مقاومتها فاجأتهم، فهي لم تكن متوقعة بهذا الحجم، وكبدتهم خسائر كبيرة، ثم انتهت بانسحابهم من معظم أراضي المقاطعة في سبتمبر/أيلول 2022 أيضا".

ويضيف المؤرخ "برأيي، خاركيف أوجعت العدو أكثر من غيرها؛ لأن الناطقين بالروسية فيها هم الذين كان يقاتلون الروس، ويقولون لهم إن هذه أرض أوكرانية، ولن تستباح لكم، وهو ما انعكس إيجابا على معنويات الأوكرانيين والجيش، وسلبا على الجانب الآخر".

عمدة مدينة خاركيف إيهور تيريخوف للجزيرة نت "هدف القصف على خاركيف هو الانتقام من المدينة وساكنيها" (الجزيرة) مدينة مستباحة بالقصف

ولهذه الأسباب جميعها، وبحكم أنها أقرب المدن الكبيرة إلى الحدود الروسية، حيث يبعد مركزها نحو 40 كم فقط عن حدود مقاطعة بيلغورود، تبدو خاركيف "مستباحة" أمام القصف، الذي يصيبها بوتيرة شبه يومية أكثر من غيرها.

يوضح عمدة المدينة إيهور تيريخوف، للجزيرة نت "خاركيف تقصف غالبا بصواريخ "إس 300"، وبحكم الموقع الجغرافي القريب من بيلغورود الروسية، فإن هذه الصواريخ تصل إلى أهدافها خلال 40 ثانية فقط"، ويضيف "نحتاج إلى دفاعات قادرة على اعتراض هذه الصواريخ بكفاءة، لا سيما وأنها تسلك مسارا باليستيا يصعب على الدفاعات المتوفرة التعامل معها".

وبالفعل، كثيرا ما تسمع أصوات الانفجارات في المدينة قبل أن تدوي صافرات الإنذار، وما أكثر دويها وطول ساعات التحذير من خطر القصف في خاركيف، أما في باقي مدن المقاطعة، فيبدو الوضع أسوأ، حيث تستبيح قذائف الهاون وغراد وغيرها مختلف المواقع، دون أن تستطيع الدفاعات صدها جميعها.

"دوافع انتقامية"

يعدّ العمدة تيريخوف أن هدف القصف على خاركيف هو "الانتقام من المدينة وساكنيها"، مؤكدا أنه "يصيب غالبا الأحياء السكنية وشبكات الطاقة وغيرها من البنى التحتية الحيوية ومرافق المواصلات، ويخلق أعباء كثيرة".

كما أشار إلى أن "وتيرة القصف على المدينة زادت مؤخرا، تماما كما حل مع مدن أوكرانية أخرى، وهذا كان متوقعا من المعتدي الروسي مع اشتداد البرد"، حيث تصل درجات الحرارة في خاركيف إلى ما دون 15 درجة تحت الصفر.

لكن لهذا "الانتقام" سببا آخر، على ما يبدو، فالمدينة "المستباحة" أصبحت مصدر إزعاج للروس، وخاصة في بيلغورود المجاورة، التي تقصف بعنف من حين إلى آخر، والأمر بينهما بات فعلا ورد فعل. لكن إيفان ستوباك، الخبير العسكري في "المعهد الأوكراني للمستقبل"، والمستشار السابق لشؤون الأمن العسكري في البرلمان الأوكراني، يرى أن "الأمر ليس كذلك تماما، وإن كان غير مستبعد".

ويوضح ستوباك في حديث مع الجزيرة نت "هذا حدث وسيحدث؛ ولكن يجب أن نذكر أن كييف كثيرا ما تشير إلى أن القصف على بيلغورود وغيرها ناتج عن أخطاء روسية (فيما يتعلق بكفاءة بعض أنواع الصواريخ المستخدمة)، أو حتى نتيجة تعمد قيادة روسيا قصف أحياء سكنية في مدن داخل أراضيها، بهدف تعبئة النفوس محليا ضد أوكرانيا، وضمان استمرار الحرب".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: القصف على

إقرأ أيضاً:

الذهب يواصل الصعود على وقع الحرب الروسية الأوكرانية.. والدولار يتوقف عن الصعود

واصل الذهب الصعود خلال تعاملات اليوم على وقع احتدام الحرب الروسية الأوكرانية وترقب قرار من الاحتياطي الاتحادي بشأن الفائدة الأميركية، في حين توقف الدولار عن ارتفاعاته مع انتظار استيضاح السياسات الاقتصادية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب.

الذهب

ارتفعت أسعار الذهب اليوم للجلسة الرابعة على التوالي مدعومة بزيادة الطلب على الملاذ الآمن وسط احتدام الحرب الروسية-الأوكرانية في وقت يترقب فيه المستثمرون مؤشرات عن أسعار الفائدة بالولايات المتحدة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2بيتكوين ترتفع إلى أعلى مستوى على الإطلاق قرب 98 ألف دولارlist 2 of 2الأنظار على النفط.. إيكونومست: انتظروا ضغطا أميركيا أقصى على إيرانend of list

وزادت العقود الفورية للذهب 0.71% مسجلة 2669.11 دولارا للأوقية في وقت كتابة هذا التقرير، وصعدت العقود الأميركية الآجلة للذهب 0.72% مسجلة 2669.61 دولارا للأوقية.

وكانت أوكرانيا أطلقت أمس الأربعاء وابلا من صواريخ ستورم شادو البريطانية على روسيا، وهو أحدث سلاح غربي جديد يُسمح لها باستخدامه ضد أهداف في العمق الروسي بعد يوم من إطلاقها صواريخ أتاكمز الأميركية.

كما استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة، الأمر الذي زاد من التوترات الجيوسياسية.

وذكر مؤشر فيدووتش لشركة سي إم إي للخدمات المالية أن الأسواق ترى الآن احتمالا بنسبة 54% بخفض أسعار الفائدة 25 نقطة أساس في ديسمبر/كانون الأول.

وبالنسبة للمعادن النفيسة الأخرى:

زادت الفضة 1.12% مسجلة 31.20 دولارا للأوقية. وارتفع البلاتين 0.17% إلى 964.58 دولارا للأوقية. وصعد البلاديوم 1.43% إلى 1040.20 دولارا. الذهب واصل ارتفاعاته للجلسة الرابعة على التوالي (شترستوك) الدولار

توقف صعود الدولار وسط مساع لاستيضاح ملامح السياسات التي اقترحها دونالد ترامب وقرار البنك المركزي الأميركي بشأن أسعار الفائدة.

وهبط مؤشر الدولار 0.06% مسجلا 106.62 نقاط، لكنه احتفظ بأغلب مكاسب الجلسة السابقة بعد أن قارب الأسبوع الماضي أعلى مستوى له في عام أمام سلة عملات عند 107.07.

وأظهر استطلاع للرأي أجرته رويترز أن معظم خبراء الاقتصاد يتوقعون أن يخفض مجلس الاحتياطي الاتحادي أسعار الفائدة في اجتماعه في ديسمبر/كانون الأول، على أن يقر تخفيضات أقل في 2025 مقارنة بالتوقعات التي صدرت قبل شهر بسبب خطر ارتفاع التضخم جراء سياسات ترامب.

وزاد الدولار بأكثر من 2% منذ فوز ترامب بدفعة من رهانات على أن سياساته ستؤجج التضخم وتحدّ من الخطوات المقبلة من المركزي الأميركي لخفض أسعار الفائدة.

وتراجع اليورو قليلا بنسبة 0.08% مسجلا 1.0536 دولار بعد أن هبط 0.5% أمس ليعود بذلك صوب أدنى مستوى أمام الدولار منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 والذي سجله الأسبوع الماضي وبلغ 1.0496 دولار. وانخفض الجنيه الإسترليني 0.079% مسجلا 1.2639 دولار. وتخلى الدولار عن مكاسبه أمام الين بعد تلك التصريحات وهبط 0.57% إلى 154.52 ينا.

وقال محافظ بنك اليابان كازو أويدا اليوم الخميس إن البنك المركزي سيأخذ في اعتباره تحركات أسعار الصرف وهو يُعدّ توقعاته للاقتصاد والأسعار.

مقالات مشابهة

  • قوات كييف تعترف بخسارة أكثر من 40% من الأراضي التي احتلتها في كورسك
  • ألمانيا: أوروبا تواجه تهديداً طويل الأمد بسبب الحرب الأوكرانية
  • أوكرانيا تخسر أكثر من 40% من الأراضي التي استولت عليها في كورسك
  • الجيش الروسي يدمر مقاتلة ميج 29 ودبابة ليوبارد تابعة للقوات الأوكرانية
  • «البحرية الأوكرانية»: الأسطول الروسي في حالة شلل بالبحر الأسود
  • لأول مرة روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابرًا للقارات.. آخر تطورات الحرب الأوكرانية
  • مخاوف التصعيد في الحرب الأوكرانية تصعد بأسعار النفط 2%
  • الذهب يواصل الصعود على وقع الحرب الروسية الأوكرانية.. والدولار يتوقف عن الصعود
  • الأركان الأوكرانية: الجيش الروسي استخدم في هجوم دنيبرو صاروخًا باليستيًا عابرًا للقارات
  • 13 جهة حكومية وخاصة في انطلاق هاكاثون ”المدينة الذكية“ بالأحساء