في ديسمبر/كانون الأول الماضي، شكَّلت الولايات المتحدة الأميركية تحالفا يضم أكثر من عشرين دولة أُطلق عليه اسم "حارس الازدهار" بدعوى الرد على هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، أصدر التحالف تحذيرا لوقف العمليات، لكنَّ الحوثيين لم يتوقفوا عن استهداف السفن التابعة لدولة الاحتلال الإسرائيلي والمتجهة إليها، بل إنهم كثفوا هجماتهم مؤخرا، لتقرر القوات الأميركية والبريطانية في النهاية توجيه ضربات جوية وصاروخية على أهداف داخل الأراضي اليمنية.

 

ما طبيعة الضربة الأميركية البريطانية؟

 

في فجر الجمعة 12 يناير/كانون الثاني الجاري، ضربت القوات الأميركية والبريطانية أكثر من 60 هدفا في 16 موقعا للحوثيين، تلتها ضربة أصغر فجر اليوم السبت. وتقول وزارة الدفاع الأميركية (1) إن الأهداف تنوعت بين مستودعات الذخيرة، ومرافق الإنتاج، وأنظمة إطلاق الصواريخ والمسيرات، وأنظمة رادار الدفاع الجوي، ومراكز القيادة والسيطرة، التي عادة ما تدير العمليات القتالية وتتولى مهام التنسيق بين الوحدات.

 

تركزت الضربات على مناطق قريبة من مضيق باب المندب مثل الحديدة وتعز وصنعاء، وقامت بها مركبات بحرية مثل "يو إس إس فلوريدا"، الغواصة الأميركية من طراز "أوهايو" التي تحمل 154 من صواريخ كروز من طراز "توماهوك"، إلى جانب عدد من السفن السطحية الأميركية التي لم تحدد، مع طائرات "تايفون" النفاثة، وهي مقاتلات متعددة المهام تعمل بمحركين ويقودها طيار واحد، وتُعَدُّ الطائرات الأساسية لسلاح الجو البريطاني.

 

هذه ليست المرة الأولى التي يُستهدف فيها الحوثيون من قِبل قوات أميركية، ففي ديسمبر/كانون الأول الماضي، قامت طائرات هليكوبتر تابعة للبحرية الأميركية باستهداف زوارق حربية للجماعة اليمنية أثناء عملية لإيقاف سفينة الحاويات "ميرسك هانجتشو".

 

ما الصواريخ التي استهدفت المواقع الحوثية؟

 

لم تعلن الولايات المتحدة أو بريطانيا عن كل أنواع الصواريخ المستخدمة في الضربة، لكننا نعرف أن القوات البحرية الأميركية بشكل أساسي استخدمت صواريخ من طراز "توماهوك" للهجوم الأرضي (TLAM)، وهي صواريخ كروز بعيدة المدى، تُطلَق من السفن السطحية والغواصات، وتحمل رأسا حربيا متفجرا يزن 500 كيلوغرام تقريبا (2).

 

تتميز صواريخ "توماهوك" بأنها عالية الدقة، وهي تعمل على ارتفاعات منخفضة نسبيا، ويمكنها المناورة على طول خط سيرها نحو الهدف، وبذلك يمكنها تجاوز أنظمة الرادار، وتستخدم هذه النوعية من الصواريخ نظام تحديد المواقع العالمي، ما يُمكِّنها من تغيير مسارها بعد الإطلاق حسب تغير الأوامر من القيادة.

 

وإلى جانب ذلك، انطلقت من الطائرات البريطانية (3) صواريخ "بيفواي 4″، وهي نسخة بريطانية محسنة من صواريخ "بيفواي 2" التي تنتجها شركة "لوكهيد مارتن" الأميركية، وتعتمد في الأساس على قنبلة "إم كي 82" بوزن 227 كغم للأغراض العامة، ولكن مع إضافة باحث ليزر متقدم مثبت على رأس الصاروخ وزعانف للتوجيه، الأمر الذي يعطيها دقة شديدة. جُهِّز هذا الإصدار الأحدث من القنبلة بقدرات تحديد المواقع العالمية ونظام الملاحة بالقصور الذاتي، ما يرفع دقتها ويُمكِّنها من العمل في جميع الأحوال الجوية.

 

ما الذي يعنيه ذلك من الناحية الإستراتيجية؟

 

عموما، فإن مهام (4) كهذه تستخدم ذخائر موجهة بدقة (PGMs)، وهي أسلحة تُوجَّه لإصابة هدف محدد بدقة عالية وأضرار جانبية منخفضة، ولذا فهي تستخدم تقنيات مختلفة، مثل الليزر أو الرادار أو الأشعة تحت الحمراء أو نظام تحديد المواقع العالمي أو التوجيه بالقصور الذاتي لضبط مسار رحلتها وتصحيح أخطائها.

 

هذا يعني أن الولايات المتحدة وبريطانيا عمدتا -حتى الآن- إلى تقديم ضربة محدودة للحوثيين، تؤدي مهمة محددة هي الحد من قدرات الحوثيين على تنفيذ عملياتهم في باب المندب أو توسيعها مستقبلا، فضلا عن تقويض قدرات إطلاق الصواريخ الخاصة بهم، مع الحرص على خفض عدد الضحايا إلى الحد الأدنى من أجل تقليص فرص الرد الحوثي، هذه الضربة لا تشير بأي شكل إلى نية الانخراط في حرب أوسع.

 

وقد صرح الرئيس الأميركي بايدن نفسه في أكثر من مرة وبوضوح أن الولايات المتحدة الأميركية لا تريد أن تنخرط أو توسع الصراع في الشرق الأوسط (ويأتي ذلك في سياق أن شعبية الرجل تواجه مشكلة حاليا بعد الدعم غير المشروط لقصف الاحتلال الإسرائيلي لغزة، الذي تسبب في استشهاد عشرات الآلاف من الأبرياء).

 

ما الرد المتوقع من الحوثيين؟

 

أعلن الحوثيون بعد الضربة أن كل المصالح الأميركية والبريطانية في البحر الأحمر صارت "أهدافا مشروعة" بالنسبة لهم، وبناء على ذلك فربما يحاولون رفع معدلات العمليات في البحر الأحمر وتوسيعها لتشمل سفنا غير إسرائيلية، من المتوقع كذلك أن تزيد وتيرة إطلاق الصواريخ والمسيرات الحوثية ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي شمالا خلال الفترة القادمة لإثبات أن الضربة الأميركية البريطانية لم تكن مؤثرة إلا بنزر يسير.

 

لن تكون هذه هي المرة الأولى التي يرد فيها الحوثيون مباشرة وبشكل عسكري على الجيش الأميركي، فخلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أعلن الحوثيون عن تمكنهم من إسقاط مسيرة أميركية من طراز "إم كيو 9" في المياه الإقليمية لليمن. جاء ذلك بسبب قيام المدمرة الأميركية "يو إس إس كارني" بإسقاط صواريخ ومسيرات حوثية كانت متوجهة إلى إسرائيل.

 

يمتلك الحوثيون ترسانة ضخمة من الأسلحة لا يمكن لضربة كتلك أن تقضي عليها، وبشكل خاص فإن قدرات الحوثيين في نطاق مدى الصواريخ قد تطورت مؤخرا، تأمل مثلا صواريخ "طوفان" الباليستية التي يتراوح مداها بين 1350-1900 كيلومتر، التي استُخدمت مؤخرا لضرب أهداف في جنوب دولة الاحتلال، كل هذا وبالطبع لم نتحدث عن ترسانة الحوثيين من المسيرات الجديدة، مثل طائرات "صماد" بأنواعها التي تشبه مسيرات "شاهد" الإيرانية، ويتراوح مداها بين 1200-1700 كيلومتر.

 

إلى جانب ذلك، فإن القوات البحرية التابعة للحوثيين قد تطورت بشكل غير مسبوق، فباتت تمتلك زوارق قتال من أنواع مختلفة، بعضها يمتلك القدرة على حمل أسلحة متوسطة وخفيفة ويمكنها إطلاق صواريخ "كاتيوشا" عيار 107 ملم، ويمكن للبعض حمل أنظمة دفاع جوي، وقد طُوِّرت خصوصا لضرب السفن والسيطرة عليها.

 

يمتلك الحوثيون كذلك ألغاما بحرية لإتلاف أو تدمير السفن السطحية أو الغواصات، مع نسخ جديدة من الصواريخ الموجهة المضادة للسفن بمدى يتراوح بين 200-400 كيلومتر، وهي أخطر سلاح يمتلكه الحوثيون في هذا النطاق.

 

الصورة الكاملة: كيف يؤثر ذلك على الوضع في المنطقة؟

 

في أدنى الأحوال، سوف يحرص الحوثيون على إثبات فشل الضربة الأميركية البريطانية في تحقيق أهدافها من خلال تكثيف عملياتهم ضد الاحتلال، وهو ما يعني إمكانية تكرار الضربات الأميركية. لكن من غير المرجح أن تكون الضربات بعيدة المدى كافية لتحقيق أهدافها، فضلا عن أن تكرارها يخاطر بدفع الحوثيين إلى الرد.

 

يقود ذلك إلى إمكانية تطوير قوات التحالف عملياتها إلى وجود عسكري فعلي على الأرض لدفع الحوثيين نحو الداخل بعيدا عن خط الساحل لتقليص قدرتهم على تعطيل حركة السفن في البحر الأحمر، لكن هذا السيناريو يبقى غير مرجح حتى الآن بسبب تكلفته المرتفعة، خاصة أن ذلك كله يأتي في سياق العملية العسكرية البرية التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، وهي معركة باتت تشارك فيها عدة أطراف منها مثلا حزب الله في الشمال والشرق، الذي يصعّد عملياته ضد دولة الاحتلال يوما بعد يوم، ناهيك بـ"المقاومة الإسلامية في العراق" التي استهدفت القواعد الأميركية في سوريا والعراق بأكثر من 120 هجوما حتى الآن.

 

هذه الجهات ربما تصعّد بالتبعية عملياتها ردا على العملية الأميركية البريطانية ضد الحوثيين، وكل ما سبق من شأنه أن يصعّد الصراع في المنطقة وقد ينقله إلى حرب إقليمية تدخل فيها العديد من الجهات والدول، وهو احتمال يقلق الأميركيين إلى حدٍّ كبير، خاصة مع زيادة الضغوط لإنهاء الحرب على غزة، ما يدفعنا للقول إن الضربات الأميركية تهدف في المقام الأول إلى الردع وإثبات قدرة واشنطن على التدخل لحماية الملاحة في البحر الأحمر، أكثر من كونها مُصمَّمة لتحقيق أهداف عسكرية حقيقية على الأرض.


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن أمريكا البحر الأحمر الحوثي الملاحة الدولية الأمیرکیة البریطانیة الاحتلال الإسرائیلی الولایات المتحدة فی البحر الأحمر دولة الاحتلال من طراز أکثر من

إقرأ أيضاً:

جهود مصرية سعودية.. هل تنجح في تغيير مسار الأزمة السورية؟

تُكثف مصر جهودها لدعم سوريا والحفاظ على مؤسساتها، وتعمل مع الأطراف المعنية وفقاً لأربع محددات رئيسة، يرتكز عليها موقف القاهرة من الأحداث.

من جانبه، أكد الدكتور عمرو الشوبكي، مستشار “مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن المحددات المصرية الأربع في محلها، لكنها بحاجة إلى خطط وتحركات فعلية على الأرض”.

وأشار إلى الجهود المصرية لإصدار قرار عربي يدين التوغل الإسرائيلي في الجولان، ودعم هذا الموقف بتحركات مماثلة في مجلس الأمن، مشدداً على ضرورة تعزيز هذا التحرك بالتنسيق مع تركيا.

وأوضح الشوبكي أن المحددات المصرية تتماشى بشكل كبير مع الموقف العربي، داعياً إلى “صياغة خطط عملية لتحركات سياسية ودبلوماسية تواكب التطورات في سوريا، وتدعم المسار الانتقالي بناءً على هذه المحددات.

وشهدت الأيام الماضية اتصالات مصرية مكثفة مع الأطراف الإقليمية والدولية لبحث تطورات الوضع في سوريا.

وأكدت مصر دعمها لعملية سياسية شاملة بملكية وطنية سورية، تلبّي طموحات الشعب السوري، وتحفظ استقرار سوريا وأمنها وسيادتها على كامل أراضيها.

من جانبه، بحث الدكتور بدر عبد العاطي، وزير الخارجية والهجرة، والأمير فيصل بن فرحان، وزير خارجية المملكة العربية السعودية الشقيقة، خلال اتصال هاتفي، مستجدات الأوضاع على الساحة السورية، اتصالا بالتطورات السياسية والميدانية الأخيرة.

وأكد «عبد العاطي» أهمية دعم الدولة السورية، خلال هذه المرحلة الفاصلة في تاريخ سوريا الشقيقة، وضرورة احترام سيادتها ووحدة وسلامة أراضيها، وتمكين مؤسساتها الوطنية من الاضطلاع بدورها، وتبني عملية سياسية شاملة بملكية وقيادة سورية، يشارك فيها جميع مكونات الشعب السوري لاستعادة الاستقرار في أراضي سوريا كافة.

وتناول الوزيران آخر التطورات في قطاع غزة، واستعرض «عبد العاطي» جهود مصر المكثفة مع الأطراف المعنية، للتوصل لوقف فوري ومستدام لإطلاق النار، ونفاذ المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى القطاع.

وأكد عبدالعاطي أهمية دعم الدولة السورية خلال هذه المرحلة الفاصلة في تاريخ سوريا الشقيقة، وضرورة احترام سيادتها ووحدة وسلامة أراضيها، وتمكين مؤسساتها الوطنية من الاضطلاع بدورها، وتبني عملية سياسية شاملة بملكية وقيادة سورية يشارك فيها جميع مكونات الشعب السوري لاستعادة الاستقرار في كافة أراضي سوريا.

كما تناول الوزيران آخر التطورات في قطاع غزة، حيث استعرض الوزير عبد العاطي جهود مصر المكثفة مع الأطراف المعنية للتوصل لوقف فوري ومستدام لإطلاق النار، ونفاذ المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى القطاع.

كما تلقى الدكتور بدر عبدالعاطي، وزير الخارجية والهجرة، اليوم الاثنين، اتصالًا هاتفيًا من أيمن الصفدي، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشئون المغتربين بالمملكة الأردنية الهاشمية.

‏‎ناقش الوزيران، وفقا لبيان وزارة الخارجية اليوم، أبرز المستجدات على الساحة السورية، حيث استمع وزير الخارجية من نظيره الأردني إلى نتائج الزيارة التي أجراها اليوم إلى سوريا.


وجدد الوزيران التأكيد على أهمية دعم الدولة السورية واحترام سيادتها ووحدة وسلامة أراضيها، وتعزيز التنسيق بين الأطراف الفاعلة الإقليمية والدولية بهدف دعم سوريا، وجهود الشعب السوري في إعادة بناء وطنه ومؤسساته عبر عملية سياسية شاملة بملكية وقيادة سورية تشارك فيها كل مكونات الشعب السوري وتضمن حقوقهم.
قال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، إن استراتيجية مصر في التعامل مع قضايا الإقليم تعتمد بشكل أساسي على تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة، ومع ذلك فإن الممارسات الإجرامية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة قد أدت إلى تفجر المشهد الإقليمي، مما فتح المجال لصراعات ثنائية ومتعددة الأطراف، وهذه الصراعات بدأت في غزة، ثم انتقلت إلى جنوب لبنان، وصولا إلى سوريا في الفترة الأخيرة.

وأضاف الدكتور طارق فهمي، خلال تصريحات لـ "صدى البلد"، أن كافة الأحداث التي شهدها الإقليم، وما زالت تجري، هي نتاج مباشر لحرب غزة، وتأثيراتها الممتدة.

وأشار فهمي، إلى أن مصر دعت بشكل مستمر إلى ضرورة وقف العدوان على قطاع غزة، كما طالبت الاحتلال بتوفير المساعدات الإنسانية اللازمة للقطاع.

ومن ناحية أخرى تقود جهودا مستمرة لدعم القضية الفلسطينية، بما في ذلك الوساطة بين الفصائل الفلسطينية لتحقيق المصالحة، وتعمل على التفاوض لوقف التصعيد مع الكيان الإسرائيلي المتغطرس، ودعم حل الدولتين، وعلى الجانب الآخر الفصائل الليبية المختلفة.

ودور مصر يتسم بالتوازن بين المصلحة الوطنية، ومسؤوليتها كدولة مركزية في المنطقة، ويؤكد على التزامها بدعم الأمن والاستقرار والتنمية في العالم العربي وإفريقيا بل في المنطقة بأكملها.

مقالات مشابهة

  • خبير استراتيجي: الكهوف تصعب مهمة إسرائيل في تدمير أسلحة الحوثيين
  • محللون صهاينة: غاراتنا تفتح شهية “الحوثيين” لإطلاق مزيد من الصواريخ علينا
  • اليمن أم إيران؟ صراع داخل إسرائيل حول كيفية التعامل مع الحوثيين
  • حيرة في إسرائيل.. غاراتنا تفتح شهية الحوثيين لإطلاق الصواريخ
  • تحليل عبري: هل تحارب إسرائيل الحوثيين أم دولة اليمن.. وما الصعوبات التي تواجه السعودية والإمارات؟ (ترجمة خاصة)
  • صحف عالمية: صواريخ الحوثيين تخلف آثارا عميقة على إسرائيل
  • الاحتلال يشتري المزيد من صواريخ حيتس.. فشلت بصد صواريخ الحوثيين
  • صواريخ الحوثيين تثير القلق في إسرائيل: صفارات الإنذار تدوي مجددًا
  • موقع عبري: الحوثيون لا يمكن ردعهم.. الجماعة التي تتحدى الولايات المتحدة وتتحدى العالم
  • جهود مصرية سعودية.. هل تنجح في تغيير مسار الأزمة السورية؟