جون هارفارد.. القس الذي تبرع لبناء أقدم جامعة أميركية
تاريخ النشر: 15th, January 2024 GMT
جون هارفارد قس بروتستانتي بريطاني الجنسية، عاش في الفترة ما بين 1607 و1638، قضى الطاعون على عائلته، وأصبح الوريث الوحيد لممتلكاتها، وتوفي في سن مبكرة.
تخرج من كلية إيمانويل في جامعة كامبردج، ثم هاجر عام 1637 إلى نيو إنغلاند، وعاش على الأراضي الأميركية 13 شهرا فقط، وتبرع بنصف ثروته و400 كتاب من مكتبته لتأسيس كلية عام 1636 حملت اسمه عام 1639 وأصبحت جامعة هارفارد عام 1780، وهي أقدم وأعرق الجامعات في الولايات المتحدة.
ولد جون هارفارد في لندن عام 1607، وعمّد يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني في كاتدرائية القديس سافيور(كاتدرائية ساوثوارك حاليا)، وكان الابن الثاني لوالده روبرت، الذي امتهن الجزارة وكان ناشطا دينيا، وأمه كاثرين روجرز، ابنة تاجر للمواشي وعضو مجلس محلي، وكان له 5 إخوة آخرين من أبيه.
نشأ في عائلة إنجليزية مسيحية تتبنى المذهب التطهري (بيوريتانية) من الطبقة المتوسطة، تنحدر من ستراتفورد أون أفون، حيث احتفظت والدته بمنزل يعرف اليوم باسم "هارفارد هاوس" في هاي ستريت.
في عام 1625، اجتاح الطاعون لندن، وقضى على عائلة جون، ولم يبق منها سوى شقيقه توماس ووالدته التي بزواجها مرتين، نمت تركة العائلة مرة أخرى.
في يوليو/تموز 1635 أصبح الشاب ثريا من العقارات الموروثة بعد وفاة والدته، وبعدها بعام كان الفرد الوحيد الباقي من عائلته على قيد الحياة إثر وفاة شقيقه، وورث أملاكا تقدر بأكثر من 1600 جنيه إسترليني.
تزوج في 19 أبريل/نيسان 1636 من امرأة تدعى "آن سادلر" وأبحر إلى نيو إنغلاند بحثا عن مجتمع جديد ومناخ أكثر حرية لآرائه "البيوريتانية".
استقر في المستعمرات الأميركية بتشارلز تاون في أغسطس/آب 1637، وعاش على الأراضي الأميركية لمدة 13 شهرا فقط، إذ توفي في سن الـ31، ولم يرزق بأطفال.
قال بعض معاصريه إنه كان رجلا محبا للعلم وميالا لمساعدة زملائه، ووصفه إدوارد إيفريت (سياسي وحاكم سابق لولاية ماساشوستس) بأنه "فاعل التعليم والدين الذي لا يُنسى في أميركا".
وقال عنه القس توماس شيبرد، في الكتيب الشهير "الثمار الأولى لنيو إنغلاند" إنه "كان عالما وتقيا في حياته".
الدراسة والتكوين العلميالتحق جون في طفولته بالمدرسة في مسقط رأسه، وتوقف تعليمه الرسمي في نهاية الدورة الدراسية، ويرجح أنه خلال تلك الفترة اتجه ليتعلم مهنة عملية، إذ كان أحد إخوته عاملا في قطاع القماش.
بمساعدة عميد كنيسة سانت سافيور، الذي كان صديقا لعائلته، تم قبوله وهو في سن الـ20 بكلية إيمانويل في كامبردج في 19 ديسمبر/كانون الأول 1627، وكانت آنذاك منطقة كالفينية محافِظة.
درس بالكلية -التي أنشئت في موقع دير الدومينيكان في القرن الـ13 لتدريب رجال الدين- لأكثر من 7 سنوات، حيث حصل على درجة البكالوريوس عام 1632، ودرجة الماجستير عام 1635، وهو ما شكّل إنجازا كبيرا لعائلة هارفارد.
ذكر المؤرخون أن العديد من الوثائق القانونية في إنجلترا تشير إلى أن جون كان كاتبا، وعندما هاجر إلى تشارلز تاون أصبح وزوجته عضوين في الكنيسة، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1637، شغل منصب مساعد القس، ولا يعرف ما إذا كان قد تم ترسيمه أسقفا أم لا.
كما استثمر بعضا من ثروته في تربية الماشية، وخصص حوالي 120 فدانا لهذا الغرض. وكان هذا العمل في جوهره استمرارا جزئيا لعمل والده الجزار، كما يشير مؤرخ جامعة هارفارد صامويل إليوت موريسون.
المتبرع التاريخياستقر جون في تشارلز تاون، بعد 9 أشهر من تأسيس أول نواة أكاديمية يشار إليها باسم "الكلية" أو "الكلية القديمة" بمبلغ 400 جنيه إسترليني. وذلك بتصويت من المحكمة العليا لمستعمرة خليج ماساشوستس يوم 8 سبتمبر/أيلول عام 1636.
في عام 1638 أوصى جون هارفارد بنصف ممتلكاته (780 جنيها إسترلينيا)، للكلية التي بدأت دينية بهدف إعداد وتدريب قساوسة، للمستعمرة التي لجأ إليها المهاجرون الأوروبيون البروتستانتيون شمال شرقي الولايات المتحدة.
وأطلق على الضاحية التي تأسست فيها نواة الجامعة (أول قطعة عقارية بالكلية كانت منزلا وفدانا من الأرض) في مدينة "نيو تاون" اسم "كامبردج"، ثم تضاعفت مساحتها وتحولت إلى مدينة بالاسم نفسه، تكريما للجامعة البريطانية التي تخرج فيها جون في موطنه الأصلي إنجلترا.
في 13 مارس/آذار 1639، أصدرت المحكمة العامة الكبرى لماساشوستس مرسوما، بتغيير اسم الكلية إلى "هارفارد" تكريما لأول متبرع رئيسي لها، والذي كانت قيمة تبرعاته تعادل حينئذ عائدات الضرائب السنوية للمستعمرة، وفق دراسات تاريخية.
ويُعتقد أن القس الشاب كان مريضا وعلى فراش الموت، إذ لم يتمكن من كتابة وصية خطية، فأوصى شفويا بتبرعاته التي كانت تضم أيضا مكتبته المكونة من 329 عنوانا (إجمالي 400 مجلد)، تحتفظ أرشيفات الجامعة بقائمة أول كتالوج مطبوع لها أنجزته منذ عام 1723.
كانت محتويات مكتبة جون أول مجموعة بالكلية، وتمثل قواميس وكتبا في النحو والكلاسيكيات، بعضها بلغاتها الأصلية، والبعض الآخر بترجمات مشهورة.
وبدأت الكلية بـ12 طالبا، تبرع لهم بعض فاعلي الخير بالكتب إلى جانب تبرعات جون المالية والمكتبية. ومن تلك البداية المتواضعة، تطورت جامعة هارفارد منذ أكثر من 3 قرون، وتراكمت أصولها الوقفية حتى صار أحد معايير تقييم المرشحين لرئاستها، هو "قدرته على تحصيل أوقاف جديدة لصالح الجامعة".
في ليلة 24 يناير/كانون الثاني 1764، احترقت قاعة هارفارد بالكلية، ما أدى إلى تدمير جميع المجلدات الموجودة في المكتبة، وبقي مجلد واحد فقط من مجموعة جون، وقيل إنه سلم من الحرق، لأنه كان معارا وتأخر مستعيره عن موعد تسليمه.
تمثالفي عام 1883، كتب رجل الأعمال الخيرية في بوسطن صامويل جيمس بريدج -الذي أظهر اهتمامه بالتاريخ الأميركي رغبة في إنقاذ الشخصيات المهملة- خطابا إلى خريجي جامعة هارفارد، يعرض فيه دفع ثمن تمثال برونزي تخليدا لجون هارفارد، وقدرت كلفته المادية بأكثر من 20 ألف دولار.
وخلال احتفال جامعة هارفارد بالذكرى المئوية الثالثة، تم في 15 أكتوبر/تشرين الأول 1884 الكشف عن نصب تذكاري لجون هارفارد صممه النحات الفرنسي "دانييل تشيستر فرينش" من البرونز.
يصور النصب شابا نحيفا ذا شعر طويل، جالسا على كرسي بردائه الأكاديمي، ويضع كتابا مفتوحا على ساقه اليمنى، والمزيد من الكتب مكدسة تحت كرسيه، وعلى قاعدة من الغرانيت تحت النصب كتب "جون هارفارد – المؤسس – 1638".
ويُنظر إلى التمثال -الذي وضع أول مرة أمام القاعة التذكارية وبعد 25 عاما تم نقله إلى الساحة عام 1924- باعتباره "تجسيدا مثاليا" لقيم جامعة هارفارد، ويرتبط بها ارتباطا وثيقا.
وقد أصبح التمثال "رمزا لجامعة هارفارد ونقطة محورية في أقدم جزء من ساحتها"، حتى وإن لم يكن محاكاة أو تشبيها فعليا لجون هارفارد، كما يقول تشارلز إليوت نورتون، أول أستاذ لتاريخ الفن بجامعة هارفارد.
الوفاةتوفي جون هارفارد في 14 سبتمبر/أيلول 1638، عن عمر ناهز 31 عاما بسبب مرض السل. وذلك بعد عامين من تأسيس الجامعة التي حملت اسمه.
ودُفن في مقبرة شارع فيبس في تشارلز تاون، وحين اختفت علامة دفنه الأصلية خلال الثورة الأميركية، تم إنشاء نصب تذكاري آخر من قبل خريجي جامعة هارفارد عام 1828 في المقبرة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: جامعة هارفارد
إقرأ أيضاً:
حشرة الجحيم.. اكتشاف أقدم نملة عمرها 113 مليون سنة بالبرازيل
كشف باحثون من متحف علم الحيوان في جامعة ساو باولو بالبرازيل عن أقدم أحفورة نملة معروفة حتى الآن، تعود إلى 113 مليون سنة، لتسلط الضوء على فصل جديد ومبكر من تاريخ تطور هذه الحشرات الاجتماعية.
وفقا للدراسة، التي نشرت يوم 24 أبريل/نيسان الجاري في مجلة "كارنت بيولوجي"، تعود النملة المكتشفة إلى فصيلة منقرضة تعرف باسم "نمل الجحيم" (هايدوميرميسيني)، تميزت بفكيها الطويلين والمقوسين بشكل يشبه المنجل، وهو ما يشير إلى أن لديها أساليب افتراس متخصصة تختلف عن النمل المعاصر.
وقال الباحث الرئيسي في الدراسة "أندرسون ليبيكو" -باحث الدكتوراه في علم الحشرات في متحف علم الحيوان بجامعة ساو باولو- في تصريحات للجزيرة نت إن "هذا الاكتشاف لا يمثل فقط أقدم سجل جيولوجي لا جدال فيه للنمل، بل يكشف عن نوع جديد ينتمي إلى فصيلة نمل الجحيم المنقرضة، المعروفة بتكيفاتها الافتراسية الغريبة".
وأضاف: "رغم أن هذا النوع يمثل سلالة قديمة، فإنه يظهر ميزات تشريحية متطورة جدا تشير إلى سلوكيات صيد فريدة".
عثر الباحثون على الأحفورة الاستثنائية محفوظة في صخور من الحجر الجيري ضمن تشكيل "كراتو" الشهير شمال شرقي البرازيل، وهو موقع جيولوجي يعرف عالميا بقدرته على حفظ الأحافير الدقيقة بتفاصيل مذهلة.
إعلانووفقا للمؤلف الرئيسي، تكمن فرادة هذه الأحفورة في كونها الأولى من نوعها التي تكتشف في صخور الحجر الجيري بدلا من الكهرمان، الذي كان حتى وقت قريب المصدر الأساسي لمعظم أحافير نمل الجحيم المعروفة، خصوصا في ميانمار وفرنسا. وبهذا تفتح الأحفورة البرازيلية الباب لفهم أوسع لانتشار وتنوع النمل في العصور السحيقة.
وأوضح ليبيكو: "حتى الآن، كانت جميع نملات الجحيم التي نعرفها محفوظة في الكهرمان، لكن هذه هي المرة الأولى التي نرى فيها واحدة متحجرة داخل الصخور. وهذا بحد ذاته إنجاز علمي مهم".
وأشار ليبيكو إلى أن الاكتشاف تم خلال فحص منهجي لإحدى أكبر مجموعات الحشرات الأحفورية في العالم، والمحفوظة حاليا في متحف علم الحيوان بجامعة ساو باولو.
دهشة العلماءاستخدم الباحثون تقنية التصوير المقطعي المحوسب ثلاثي الأبعاد، التي تعتمد على الأشعة السينية لرؤية البنية الداخلية للأحافير دون الإضرار بها.
وأظهرت النتائج أن النملة الجديدة ترتبط ارتباطا وثيقا بنملات الجحيم التي تم العثور عليها سابقا في الكهرمان البورمي، مما يدل على أن هذه الحشرات كانت منتشرة على نطاق واسع، وعبرت قارات عديدة خلال فترة العصر الطباشيري.
لكن ما أثار دهشة العلماء حقا، هو التعقيد الشديد في أجزاء فم هذه النملة. وعلى عكس معظم أنواع النمل الحديثة التي تمتلك فكوكا تتحرك جانبيا، فإن هذه النملة كانت تمتلك فكوكا تتجه إلى الأمام وتقع أمام العينين، مما يشير إلى نظام افتراس غير مسبوق.
"كنا نتوقع أن نرى صفات مميزة لنمل الجحيم، لكن الدهشة كانت في مدى التخصص والتطور في جهازها الفكي. إنها تمتلك بنية معقدة بشكل يثير تساؤلات حول مدى سرعة تطور النمل وقدرته على التكيف مع بيئات افتراسية مختلفة منذ بدايات ظهوره"، يضيف ليبيكو.
وتطرح هذه النتائج تساؤلات أوسع حول الضغوط البيئية والتطورية التي أدت إلى نشوء هذه السمات غير المألوفة لدى نمل الجحيم، حسب الباحث. كما تبرز أهمية استخدام التكنولوجيا الحديثة مثل التصوير المقطعي ثلاثي الأبعاد لفهم أعمق للتاريخ الطبيعي لكوكب الأرض.
إعلانويشير المؤلف الرئيسي للدراسة إلى أن هذا الاكتشاف لا يعيد رسم خريطة تطور النمل فحسب، بل يسلط الضوء على الإمكانات الهائلة للبحث الأحفوري في أميركا الجنوبية.