الحرب النووية بين أمريكا وكوريا الشمالية خطر حقيقي

إدارة الرئيس جو بايدن واجهت عند وصولها للحكم قيادة كورية شمالية قلقة، مع مشهد دولي سريع التغير.

ليس من الخطأ التفكير فيما يمكن أن يجذب بيونغ يانغ إلى المحادثات مع واشنطن. والأمر بسيط لكنه ليس سهلا.

آسيا تشهد صعود النفوذ الصيني وتراجع الدور الأمريكي، في حين كانت أوروبا مسرحا لعودة النفوذ الروسي، وصولا لغزو أوكرانيا.

على واشنطن السعي بإخلاص نحو تطبيع العلاقات مع كوريا الشمالية وجعل هدف تفكيك ترسانتها النووية هدفا أبعد مدى وليس الخطوة الأولى في عملية التقارب.

سيناريوهات قد تقود إلى الحرب النووية بشمال شرق آسيا مثل "سيناريو تايوان" إذ تتحرك الصين ضد تايوان ردا على تحركات استفزازية لقيادة تايوان، لتتحرك واشنطن دعما لتايوان.

* * *

واشنطن: في الوقت الذي تتركز فيه أنظار الكثيرين على التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط بدءا من الحرب بين إسرائيل والفلسطينيين في قطاع غزة إلى المواجهة بين الولايات المتحدة وحلفائها من ناحية وجماعة الحوثيين اليمنية في جنوب البحر الأحمر من ناحية أخرى، يتزايد خطر الترسانة النووية والصاروخية لكوريا الشمالية، واحتمالات نشوب صراع مسلح في شمال شرق آسيا.

وفي تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية قال المحلل الاستراتيجي والدبلوماسي الأمريكي المخضرم روبرت غالوتشي إن هناك تغيرا واضحا في النهج الذي تبنته كوريا الشمالية خلال السنوات الأخيرة، مقارنة بنهجها طوال عقود سابقة. وانتقلت بيونغ يانغ من المفاوضات البطيئة في عهد إدارتي الرئيسين السابقين كلينتون وبوش إلى سلسلة استفزازات، من إغراق سفن وقصف جزر وإسقاط طائرات مروحية واختبار أسلحة نووية لتجد واشنطن نفسها أمام وضع مختلف تماما في شبه الجزيرة الكورية.

ولم تبد كوريا الشمالية طوال السنوات الثلاث الماضية أي اهتمام بالدخول في مفاوضات مطولة مع الولايات المتحدة. وبدلا من الاستفزازات التي تستهدف جذب الانتباه وخلق أوراق مساومة، فإنها أجرت اختبارات لأسلحة باليستية طويلة المدى لمنع أي محاولة لتغيير نظام حكمها، والحصول على المواد اللازمة لتوسيع ترسانتها النووية، والتهديد باستخدام الأسلحة النووية “أولا” في حال نشوب أي صراع.

ويضيف غالوتشي الاستاذ البارز للدبلوماسية العملية في كلية وولش سكول للعلاقات الخارجية في جامعة جورج تاون الأمريكية أن إدارة الرئيس جو بايدن واجهت عند وصولها للحكم قيادة كورية شمالية قلقة، مع مشهد دولي سريع التغير.

فكانت آسيا تشهد صعود النفوذ الصيني وتراجع الدور الأمريكي، في حين كانت أوروبا مسرحا لعودة النفوذ الروسي، وصولا لغزو أوكرانيا. في الوقت نفسه اختار الجيل الثالث من عائلة كيم الحاكمة في كوريا الشمالية المحافظة على العلاقات مع بكين وتبني دورها الرئيسي كدولة حليفة للصين مع التحسين السريع لعلاقاتها مع موسكو وتكوين شكل من التحالف الديكتاتوري.

وفي ظل هذه الأوضاع يمكن توقع الأسوأ والتفكير في احتمال نشوب حرب نووية في شمال شرق آسيا خلال 2024 والبحث سبل تجنب مثل هذا السيناريو الكارثي.

ويرى الدبلوماسي الأمريكي المخضرم روبرت غالوتشي الذي عمل كسفير متجول ومبعوث خاص لوزارة الخارجية الأمريكية مهمته التركيز بشكل أساسي على جهود منع الانتشار النووي والصواريخ بعيدة المدى في العالم أن هناك سيناريوهات عديدة يمكن أن تقود إلى تلك الحرب النووية في شمال شرق آسيا. ومن هذه السيناريوهات يوجد ما يسمى "سيناريو تايوان"، وفيه ستتحرك الصين ضد تايوان التي تعتبرها إقليما منشقا ردا على أي تحركات استفزازية من جانب القيادة التايوانية، لتتحرك واشنطن دعم لحليفتها تايوان.

وفي هذه الحالة يمكن أن تتحرك كوريا الشمالية سواء بتشجيع من الصين أو بدونه، لدعم بكين، بتوجيه تهديدات نووية لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها في شمال شرق آسيا، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة ستواجه دولتين نوويتين في مسرح واحد، إلا إذا اختارت روسيا أن تصبح الثالثة.

في المقابل فإن اليابان وكوريا الجنوبية حليفتي الولايات المتحدة غير نوويتين. وهما تعتمدان على واشنطن لمنع حدوث هذا السيناريو، الذي يجب التفكير فيه بجدية لأن الدول يمكن أن تكون انتهازية مثل قادتها.

وهناك سيناريو آخر أقل تعقيدا، وفيه ستقرر القيادة الكورية الشمالية استخدام ترسانتها النووية والصاروخية لإجبار جارتها الجنوبية على الخضوع للتوجهات السياسية والحدودية للشمال وضمان ردع الولايات المتحدة عن التدخل دعما لكوريا الجنوبية.

ومن المهم في هذا السيناريو أو في أي سيناريو آخر مطروح، إدراك أن ما ستقوم به الولايات المتحدة بالفعل ليس هو النقطة المهمة، وإنما المهم هو ما تعتقد القيادة الكورية الشمالية أن واشنطن ستقوم به.

فقد تعتقد كوريا الشمالية أن ترسانتها الصاروخية العابرة للقارات يمكنها ليس فقط ردع الولايات المتحدة عن محاولة تغيير نظام الحكم في بيونغ يانغ، وإنما تقلص أيضا قدرتها على دعم حلفائها في آسيا. وتصور كوريا الشمالية لهذه النقطة بالذات يمكن أن يحدد ما إذا كانت الحرب نووية ستنشب في آسيا أم لا.

ويقول غالوتشي الذي ترأس الوفد الأمريكي في مفاوضات الأزمة النووية الكورية الشمالية عام 1994 إنه إذا كانت الولايات المتحدة قلقه بالفعل من احتمال نشوب حرب نووية، فعليها التفكير في السيناريوهات المختلفة التي يمكن أن تؤدي إليها، بعيدا عن مجرد فكرة مدى فشل الردع الأمريكي لبيونغ يانغ.

وهناك احتمال وقوع حادث عارض أو قيام الجيش الكوري الشمالي بإطلاق صاروخ نووي دون إذن من القيادة العليا. فرغم كل شيء تعتبر كوريا الشمالية "جديدة على اللعبة النووية" مقارنة بالدول النووية الأخرى. كما أن الحديث الكوري الشمالي الصاخب عن الاستعداد لاستخدام الأسلحة النووية، لا يجب أن يكون سببا للثقة في أن احتمال حدوث هذا الأمر ضعيف.

ويكفي القول إن تنامي الترسانات النووية في شمال شرق آسيا، وفي بيئة يسيطر عليها التنافس وأحيانا العداء السياسي، يفرض على الإدارة الأمريكية إعادة النظر في استراتيجيتها الإقليمية والتفكير في مخاطر الاعتماد على سياسة "الدبلوماسية هي الملاذ الأخير"، والتفكير جيدا في العودة إلى المسار الدبلوماسي، رغم صعوبة تحقيق هذا الأمر خلال العام الحالي في ضوء انشغال إدارة الرئيس بايدن بالانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر المقبل.

وأخيرا يقول غالوتشي الذي شغل منصب عميد كلية وولش سكول للعلاقات الخارجية لمدة 13 عاما إنه ليس من الخطأ التفكير فيما يمكن أن يجذب بيونغ يانغ إلى المحادثات مع واشنطن.

والأمر بسيط لكنه ليس سهلا. فعلى الولايات المتحدة السعي بإخلاص نحو تطبيع العلاقات مع كوريا الشمالية وجعل هدف تفكيك ترسانتها النووية هدفا أبعد مدى وليس الخطوة الأولى في عملية التقارب.

كما يجب أن يكون مطروحا على مائدة المناقشات من البداية تخفيف العقوبات على كوريا الشمالية وميثاق التدريبات العسكرية الأمريكية الكورية الجنوبية وتحسين سياسات حقوق الإنسان في كوريا الشمالية، وهو أمر أبدت بيونغ يانغ استعدادها له في الماضي، كما أنه حيوي لتطبيع العلاقات. وكما قال غالوتشي فالأمر قد يكون بسيطا لكنه ليس سهلا.

المصدر | (د ب أ)

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: أمريكا الصين كوريا الشمالية الأسلحة النووية الحرب النووية تطبيع العلاقات الولایات المتحدة ترسانتها النوویة کوریا الشمالیة الحرب النوویة بیونغ یانغ التفکیر فی یمکن أن

إقرأ أيضاً:

هل صاروخ كوريا الشمالية الأقوى في العالم فعّال في الحروب؟.. خبراء يجيبون

أعلنت كوريا الشمالية أن الصاروخ الباليستي العابر للقارات الذي أطلقته مؤخراً هو "الأقوى في العالم"، وهو تصريح يراه الخبراء مجرد دعاية غير واقعية. 

ووصف الخبراء الصاروخ بأنه كبير جداً لدرجة قد تجعله غير فعّال في حالات الحرب الفعلية.

الصاروخ، الذي أُطلق يوم الخميس، حلق على ارتفاع أعلى ولأطول مدة مقارنة بأي تجربة سابقة لكوريا الشمالية. 

وأوضح الخبراء الدوليون أن هذا الاختبار لم يثبت أن بيونغ يانغ قد تجاوزت العقبات التكنولوجية التي تمنعها من امتلاك صواريخ باليستية عابرة للقارات قادرة على استهداف البر الرئيسي للولايات المتحدة.

وحسب وكالة الأنباء المركزية الكورية، يُعرف الصاروخ باسم "هواسونغ-19"، ووصفته الوكالة بأنه "نظام سلاح مثالي". 

وأشارت إلى أن الزعيم الكوري الشمالي كيم يونغ أون حضر عملية الإطلاق، في خطوة اعتبرتها بيونغ يانغ تأكيداً على عزمها مواجهة التهديدات الخارجية.

ملاحظات الخبراء: حجم الصاروخ يؤثر على فعاليته

وفقاً لخبراء في كوريا الجنوبية، فإن حجم الصاروخ ومركبته الإطلاقية الكبيرين يثيران شكوكاً حول قدرة الصاروخ على المناورة في ظروف الحرب. 

لي سانجمين، خبير في معهد التحليلات الدفاعية الكوري، أوضح أن زيادة حجم الصاروخ يؤدي بالضرورة إلى زيادة حجم مركبة الإطلاق، ما يقلل من قدرتها على الحركة.

تشير التقديرات إلى أن صاروخ "هواسونغ-19" يبلغ طوله حوالي 28 متراً، وهو أكبر من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات المستخدمة في الولايات المتحدة وروسيا، التي يقل طولها عن 20 متراً.

وحسب تشانغ يونغ كون، خبير الصواريخ في معهد الأبحاث الاستراتيجية الوطنية في سيول، فإن هذا الحجم الكبير قد يسهل على أجهزة الاستخبارات الكورية الجنوبية اكتشاف خطة الإطلاق مسبقاً، ما يجعله هدفاً محتملاً لهجمات استباقية.

تحديات تكنولوجية لم تُحل

وعلى الرغم من التقدم الذي حققته كوريا الشمالية في برنامجها الصاروخي، إلا أن هناك عقبات تقنية لم يتم التغلب عليها بعد.

الخبراء يشيرون إلى أن كوريا الشمالية لم تثبت حتى الآن قدرتها على ضمان بقاء الرؤوس الحربية عند إعادة دخولها الغلاف الجوي، وهو عامل أساسي في نجاح الصواريخ العابرة للقارات.

لي سانجمين يرى أن زيادة مدى الصواريخ دون حل هذه المشكلات التقنية يعكس افتقار كوريا الشمالية إلى الثقة في قدرتها على إعادة دخول الغلاف الجوي بشكل آمن.

التركيز على الدعاية بدلاً من التقنية

أثار بيان وسائل الإعلام الكورية الشمالية تركيزاً واضحاً على الدعاية، مع غياب التفاصيل التكنولوجية حول قدرات الصاروخ الجديد.

في المقابل، يشير تشانغ يونغ كون إلى أن هذه البيانات غالباً ما تُستخدم لتعزيز الصورة الوطنية لكوريا الشمالية أمام المجتمع الدولي.

كوريا الجنوبية والولايات المتحدة عبرتا عن قلقهما من توسع برنامج كوريا الشمالية الصاروخي.

وأدانت الدولتان في بيان مشترك يوم الخميس إطلاق الصاروخ، معتبرتين ذلك انتهاكاً لقرارات مجلس الأمن الدولي.

 كما فرضت كوريا الجنوبية عقوبات جديدة على 11 فرداً و4 منظمات كورية شمالية لدورهم المزعوم في تمويل برنامج الأسلحة.

التعاون العسكري بين كوريا الشمالية وروسيا

إطلاق الصاروخ يأتي في وقت تتزايد فيه الشكوك حول تعزيز التعاون العسكري بين كوريا الشمالية وروسيا، مع تقارير تفيد بأن بيونغ يانغ قد أرسلت قوات لدعم روسيا في الحرب الأوكرانية. 

يُعتقد أن كوريا الشمالية تسعى للحصول على تكنولوجيا عسكرية روسية متقدمة مقابل مشاركتها في النزاع، ما يزيد من المخاوف حول تعزيز قدراتها النووية والصاروخية.

الخلاصة

ورغم مزاعم كوريا الشمالية حول قدراتها العسكرية، فإن التجارب الأخيرة تشير إلى أن بيونغ يانغ لا تزال تواجه تحديات تقنية كبرى تحول دون تحقيق أهدافها الاستراتيجية، بينما تبقى طموحاتها في تطوير صواريخ قادرة على ضرب البر الرئيسي للولايات المتحدة محل تشكيك من قبل الخبراء الدوليين.

مقالات مشابهة

  • الولايات المتحدة توقع مذكرة تفاهم مع كوريا الجنوبية للتعاون في مجال الطاقة النووية المدنية
  • سيكونون أهدافاً مشروعة في أوكرانيا..واشنطن تهدد باستهداف جنود كوريا الشمالية
  • الولايات المتحدة تحلق قاذفة بعيدة المدى في مناورة مع كوريا الجنوبية واليابان رداً على تجربة كوريا الشمالية الصاروخية
  • ردًا على كوريا الشمالية.. 3 دول بينهم أمريكا تجري مناورات جوية
  • رداً على إطلاق كوريا الشمالية صاروخاً باليستياً..أمريكا تنشر قاذفات استراتيجية في الجنوبية
  • هل صاروخ كوريا الشمالية الأقوى في العالم فعّال في الحروب؟.. خبراء يجيبون
  • روسيا تدعم إجراءت كوريا الشمالية لكبح جماح الولايات المتحدة
  • بسبب جنود كوريا الشمالية..زيلينسكي: أمريكا وبريطانيا وألمانيا تكتفي بالمشاهدة
  • واشنطن تواجه محور روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية.. الآلاف من القوات الخاصة الكورية الشمالية دخلوا إلى روسيا للانتشار في كورسك
  • الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية تحددان ردهما على التعاون الروسي الكوري الشمالي