الجزيرة:
2025-07-09@09:31:35 GMT

بين الواقعية والتجريد.. ما هو فن الحياة الصامتة؟

تاريخ النشر: 17th, July 2023 GMT

بين الواقعية والتجريد.. ما هو فن الحياة الصامتة؟

يعد فن الطبيعة الصامتة أو الساكنة (Still Life) واحدا من أكثر مذاهب الفن التشكيلي التي استمرت في جذب ممارسي وهواة الفنون حول العالم، لما ينطوي عليه من تصوير الأشياء الثابتة، مثل الفواكه والزهور وأدوات الحياة اليومية، أو حتى التكوينات المجردة المرتبة على الأرفف، بشكل جيد يبعث على الشعور بالهدوء وتقدير الجمال الموجود في الأشياء العادية.

ويعود رسم الحياة الساكنة إلى قرون مضت، وقد تطور مع الوقت، مشكلاً مذهبًا ضارب في القدم وعظيم القيمة بعالم الفنون التشكيلية متعدد المذاهب والمدارس.

والسبب في ذلك أنه يحتاج كامل انتباه الفنان للتفاصيل الدقيقة، ومراقبة النور والظل طوال الوقت كي يتمكن من التقاط جوهر وجمال الأشياء والعناصر محل الرسم.

لذلك نرى أن لوحات هذا المذهب تتميز بالعرض الدقيق للأنسجة وترتيب الأجسام في تكوينات مثيرة ومتوازنة بصريًا، واستخدام الألوان والأقمشة لإنشاء تمثيل واقعي أو خيالي يُثري من قيمة الأشياء البسيطة.

وإحدى السمات المميزة لفن الطبيعة الصامتة أو الساكنة هي قدرته القبض على لحظة زمنية شديدة الانفلات، وتجميدها على قماش اللوحة مُخلدًا إياها إلى الأبد.

فمثلا في لوحة "الحياة الساكنة لطعام وأكواب وأبريق على منضدة" Still Life Food.. Glasses and a Jug on a Table -للفنان الهولندي بيتر كلايس (1597-1660) الذي كان رسامًا محترفًا للوحات الحياة الساكنة- تصوير آسر يسبر فيه أغوار عالم الرفاهية الذي كانت تعيشه الطبقات الأرستقراطية الهولندية في القرن 17.

لوحة" الحياة الساكنة لطعام وأكواب وأبريق على منضدة" للفنان بيتر كلايس (غيتي إيميجز)

وتعرض اللوحة مجموعة من الأطباق الفاخرة، الكمثرى وغير ذلك من الفاكهة، والمحار النضرة والخبز المعروض بشكل جميل. وأولى كلايس اهتمامًا خاصًا ودقيقًا بالتفاصيل كي يضفي لمسة من الحيوية للألوان النابضة بالحياة ليجذب بالتبعية عين المشاهد إلى هذا العالم من الوفرة.

وإلى جانب الطعام، هناك مجموعة من أدوات المائدة المصنوعة بدقة وإبريق فضي لامع يرمز إلى الرقي والفخامة. وكل هذا يعطي إحساسًا بالهدوء أثناء تأمل العناصر التي تتخلل التكوين.

ومن خلال هذا العمل البارع، لا يدعونا كلايس لتذوق تلك اللحظة الثرية فحسب، بل يدفعنا للتفكير في الطبيعة العابرة للممتلكات المادية والجمال العابر للحياة نفسها.

وعلى نفس المنوال، نرى في لوحة "الحياة الساكنة لسمك وقط Visstilleven met kat"، مرسومة عام 1620، للرسامة البلجيكية كلارا بيترز، حالة التربص والغموض التي تكتنف القط والتي تخلف إحساسًا بالواقعية والمكائد.

وتُظهر اللوحة أيضًا اهتمام الرسامة الشديد بالتفاصيل ومهارتها في إتقان الحياة الساكنة خاصة بالطريقة التي صورت بها جلد وألوان السمك، إلى جانب تكوين وترتيب الأشياء الموجودة على نحو يبث الحياة في العناصر المعروضة.

وتستعرض اللوحة أيضا تغير شكل وطبيعة القط والمأكولات بين الظل والنور، من الألوان الداكنة للألوان الدافئة ثم الزاهية، بشكل يعزز الشعور بالهدوء وتقدير قيمة وسحر اللحظات العابرة.

وتحوّل بيترز بهذا العمل الأشياء العادية إلى مواضيع استثنائية لتحفز المشاهدين على رؤية العالم من حولهم بنظرة جديدة، فيها تقدير للجماليات الموجودة في الأشياء البسيطة التي نتجاهلها في كثير من الأحيان.

الخروج عن المألوف

عمل فن الطبيعة الصامتة مطلع القرن العشرين كمنصة تجريبية أتاحت لرواد مدارس الفن الحديث -مثل الانطباعية والتعبيرية والتكعيبية- دفع حدود التمثيل التقليدي للحياة الساكنة إلى عالم آخر. ففي حين اختار بعض الفنانين الواقعية في تمثيل وتشكيل الحياة الساكنة، مال آخرون نحو التجريد والعبث بالشكل واللون والفرشاة.

زهور ووعاء من الفاكهة على طاولة للفنان بول غوغان (غيتي إيميجز)

وقد احتضن فن الطبيعة الصامتة هذا التنوع في النهج الذي انتشر منذ مطلع القرن الماضي، وحتى الوقت الراهن بسبب مرونته. وكان هذا المذهب قادرًا على التكيف والتطور مع التغيرات الزمنية والحركات الفنية، سواء التقليدي منها أو الطليعي وحتى المعاصر.

فمثلا في لوحة "سلة التفاح" (Basket of Apples) للرسام الانطباعي الفرنسي بول سيزان (1839-1906) تتويج مبهج لعبقريته، وتم الانتهاء من هذه الحياة الساكنة عام 1893.

وتمثل هذه اللوحة انعكاسًا قويًا لأسلوب سيزان ما بعد الانطباعي، حيث يعتمد رسم العناصر والمواضيع على إيحاء انسيابي بأن هذا يبدو وكأنه تفاح بعيدا عن المعايير الواقعية الصارمة.

سلة التفاح لبول سيزان (غيتي إيميجز)

وتتميز اللوحة بترتيب كمية التفاح الموضوع بعناية في سلة من الخيزران على مفرش طاولة ريفي وخلفية محايدة. ويؤدي استخدام سيزان الفرشاة بشكل تمويهي -الأسلوب الذي عرفت به ما بعد الانطباعية- وتوظيف الألوان إلى تفاعل آسر بين الأشكال الهندسية والطبيعة العضوية للفاكهة.

ويلتقط الفنان ببراعة جوهر كل تفاحة، ويعرض بعناية القوام والأشكال والألوان الفردية مما يخلف توترًا ديناميكيًا داخل التكوين، بينما تترك المستويات المجزأة إحساسًا بعدة وجهات وزوايا نظر متنوعة. وتضيف هذه التقنية عمقًا وتعقيدًا للوحة، مما يدعو المشاهد إلى الانخراط في اللوحة.

وكما جرت العادة في لوحات الطبيعة الصامتة، فإن واحدا من أكثر جوانب "سلة التفاح" اللافتة للنظر هي مسرحية الضوء والظل، حيث حقق سيزان تباينًا رائعًا بين الظلال الداكنة للوعاء والألوان النابضة بالحياة للتفاح، وجعلها تنبض بالحياة.

وعليه، يمكن القول إن لوحات الطبيعة الصامتة تتمتع بمكانة رفيعة في عالم الفنون الجميلة حيث تقدم نظرة فريدة للأشياء العادية البسيطة، وتفسح المجال نحو تقدير الجمال الموجود بأبسط الأشياء. فالشعور بالسلام والروعة والجمال لا يقتضيان عيش حياة فارهة بالضرورة.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

بعد عرض لوحتها.. فنانة دنماركية تتهم مها الصغير بالسرقة

اتهمت الفنانة الدنماركية ليزا لاش نيلسون، الإعلامية المصرية مها الصغير، طليقة الفنان أحمد السقا، بسرقة لوحة فنية لها، ونسبتها إلى نفسها من دون وجه حق، وذلك بعدما ظهرت مها الصغير، في لقاء تلفزيوني لها الشهر الماضي وعرضت اللوحة على أنها إحدى رسوماتها.

الأزمة التي اشتعلت خلال الساعات الماضية، تعود إلى حلقة تلفزيونية عرضت في برنامج "معكم منى الشاذلي"، عبر شاشة "on"، في الأسبوع الأول من شهر يونيو الماضي، حيث تحدثت الفنانة المصرية عن حبها للفنون بشكل عام، ومن بينها الرسم، وقالت إنها تمارس تلك الهواية منذ وقت طويل وترسم بعض اللوحات، وعرضت هذه اللوحة بين أعمالها.

ونشرت فنانة تشكيلة دنماركية تدعي ليزا لاش نيلسون، أمس، عبر حسابها الرسمي على "إنستغرام" منشوراً قالت فيه إن مها الصغير نسبت اللوحة لنفسها خلال لقائها بالبرنامج، هي من بين اللوحات التي رسمتها منذ 6 أعوام.

وكتبت ليزا لاش نيلسون: "إنه لأمر رائع أن ترى عملك على الشاشة الكبيرة في برنامج تلفزيوني في مصر -بلد يبلغ عدد سكانها 140 مليون نسمة- وسيكون أكثر تأثيرًا إذا ذكر اسمك بالفعل، لكن مها الصغير المذيعة والمصممة المشهورة نسيت تذكره، وبدلًا من ذلك تدعي أنها رسمت اللوحة "صنعت لنفسي بعض الأجنحة"، التي رسمتها أنا في عام 2019- بما في ذلك أعمال 3 فنانين آخرين في برنامج منى الشاذلي الحواري، نسخ أعمال الآخرين هو شيء واحد، ولكن التقاط صورة للوحة الفعلية، التي صنعها شخص آخر، وأخذ الملكية العامة لها.. هذا جديد بالنسبة لي".

وأضافت: "مع ذلك اخترت أن أعتبرها مجاملة كبيرة أن مها الصغير تحب عملي جدا، لدرجة أنها تريد فعلا ارتكاب جريمة وفقاً للقانون المصري والدولي واتفاقية برن باستخدامها في الرسم والترويج لنفسها، لكن بما أن مها والأشخاص في القناة التلفزيونية يرفضون الرد على محاولاتي للاتصال بهم، حتى أتمكن من إبداء تقديري لهم، فسأغتنم هذه الفرصة لإعادة نشر اللوحة التي رأيتها عدة مرات على وسائل التواصل الاجتماعي تستخدم كرمز الكفاح من أجل الحرية في جميع أنحاء العالم (أنا فخور به حقا)".

واختتمت: "دعونا نقول بصوت عال، ليس من الجيد أن تأخذ عمل آخرين واستخدامه للترويج أو كسب المال لنفسك من دون دفع أو حتى تسجيل الفضل للمالك الأصلي، إنه ليس فقط انتهاكا للقانون ولكن أيضا الشخص الذي وضع روحه ووقته في العمل، في نفس الوقت أود أن أذكر أنني أعطيت بوبي سبارو الإذن لاستخدام الصورة كغطاء لكتابها، ببساطة لأن بوبي شخص جميل وطلبت مني بلطف".

View this post on Instagram

A post shared by Lisa Lach-Nielsen art (@lisa.lachnielsen)

فيما أكدت إدارة برنامج "معكم منى الشاذلي"، بأن اللوحة التي عرضت بالبرنامج هي ملك الفنانة الدنماركية "ليزا لاش نيلسون"، وكتبت الصفحة الرسمية للبرنامج عبر موقع "فيسبوك" منشوراً جاء فيه "اللوحة من إبداع الفنانة الدنماركية ليزا لاش نيلسون، نحترم المبدعين الحقيقيين، ونقدر إبداعاتهم الأصلية في كل المجالات".

أحمد السقامها الصغيرليزا لاش نيلسونقد يعجبك أيضاًNo stories found.

مقالات مشابهة

  • رابط وخطوات الاستعلام عن مخالفات المرور 2025 مجانا برقم اللوحة
  • الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء في نقاشات النقل الذكي بجدة
  • ورشة صناعية وسط أحياء سكنية بالمحمدية تثير غضب الساكنة
  • حماس: “مصائد الموت” للاحتلال بغطاء أمريكي تكشف الطبيعة الاجرامية
  • ارحموها.. إعلامية تدعم مها الصغير بعد أزمة سرقة اللوحات
  • بعد عرض لوحتها.. فنانة دنماركية تتهم مها الصغير بالسرقة
  • "تدريب تنينك" يعود بشكل حيّ ويُحلق نحو القمّة: النسخة الواقعية تُحطم أرقام السلسلة وتحقق نصف مليار دولار عالميًا!
  • ريف السعودية: تطبيق نظام القطعان الذكية لإدارة الماشية بإنترنت الأشياء
  • العربية لحماية الطبيعة تطلق تقريرها السنوي لعام 2024
  • تطبيق نظام «القطعان الذكية» لإدارة مزارع تربية الماشية يعتمد على تقنيات إنترنت الأشياء