الجزيرة:
2025-10-17@18:45:08 GMT

بين الواقعية والتجريد.. ما هو فن الحياة الصامتة؟

تاريخ النشر: 17th, July 2023 GMT

بين الواقعية والتجريد.. ما هو فن الحياة الصامتة؟

يعد فن الطبيعة الصامتة أو الساكنة (Still Life) واحدا من أكثر مذاهب الفن التشكيلي التي استمرت في جذب ممارسي وهواة الفنون حول العالم، لما ينطوي عليه من تصوير الأشياء الثابتة، مثل الفواكه والزهور وأدوات الحياة اليومية، أو حتى التكوينات المجردة المرتبة على الأرفف، بشكل جيد يبعث على الشعور بالهدوء وتقدير الجمال الموجود في الأشياء العادية.

ويعود رسم الحياة الساكنة إلى قرون مضت، وقد تطور مع الوقت، مشكلاً مذهبًا ضارب في القدم وعظيم القيمة بعالم الفنون التشكيلية متعدد المذاهب والمدارس.

والسبب في ذلك أنه يحتاج كامل انتباه الفنان للتفاصيل الدقيقة، ومراقبة النور والظل طوال الوقت كي يتمكن من التقاط جوهر وجمال الأشياء والعناصر محل الرسم.

لذلك نرى أن لوحات هذا المذهب تتميز بالعرض الدقيق للأنسجة وترتيب الأجسام في تكوينات مثيرة ومتوازنة بصريًا، واستخدام الألوان والأقمشة لإنشاء تمثيل واقعي أو خيالي يُثري من قيمة الأشياء البسيطة.

وإحدى السمات المميزة لفن الطبيعة الصامتة أو الساكنة هي قدرته القبض على لحظة زمنية شديدة الانفلات، وتجميدها على قماش اللوحة مُخلدًا إياها إلى الأبد.

فمثلا في لوحة "الحياة الساكنة لطعام وأكواب وأبريق على منضدة" Still Life Food.. Glasses and a Jug on a Table -للفنان الهولندي بيتر كلايس (1597-1660) الذي كان رسامًا محترفًا للوحات الحياة الساكنة- تصوير آسر يسبر فيه أغوار عالم الرفاهية الذي كانت تعيشه الطبقات الأرستقراطية الهولندية في القرن 17.

لوحة" الحياة الساكنة لطعام وأكواب وأبريق على منضدة" للفنان بيتر كلايس (غيتي إيميجز)

وتعرض اللوحة مجموعة من الأطباق الفاخرة، الكمثرى وغير ذلك من الفاكهة، والمحار النضرة والخبز المعروض بشكل جميل. وأولى كلايس اهتمامًا خاصًا ودقيقًا بالتفاصيل كي يضفي لمسة من الحيوية للألوان النابضة بالحياة ليجذب بالتبعية عين المشاهد إلى هذا العالم من الوفرة.

وإلى جانب الطعام، هناك مجموعة من أدوات المائدة المصنوعة بدقة وإبريق فضي لامع يرمز إلى الرقي والفخامة. وكل هذا يعطي إحساسًا بالهدوء أثناء تأمل العناصر التي تتخلل التكوين.

ومن خلال هذا العمل البارع، لا يدعونا كلايس لتذوق تلك اللحظة الثرية فحسب، بل يدفعنا للتفكير في الطبيعة العابرة للممتلكات المادية والجمال العابر للحياة نفسها.

وعلى نفس المنوال، نرى في لوحة "الحياة الساكنة لسمك وقط Visstilleven met kat"، مرسومة عام 1620، للرسامة البلجيكية كلارا بيترز، حالة التربص والغموض التي تكتنف القط والتي تخلف إحساسًا بالواقعية والمكائد.

وتُظهر اللوحة أيضًا اهتمام الرسامة الشديد بالتفاصيل ومهارتها في إتقان الحياة الساكنة خاصة بالطريقة التي صورت بها جلد وألوان السمك، إلى جانب تكوين وترتيب الأشياء الموجودة على نحو يبث الحياة في العناصر المعروضة.

وتستعرض اللوحة أيضا تغير شكل وطبيعة القط والمأكولات بين الظل والنور، من الألوان الداكنة للألوان الدافئة ثم الزاهية، بشكل يعزز الشعور بالهدوء وتقدير قيمة وسحر اللحظات العابرة.

وتحوّل بيترز بهذا العمل الأشياء العادية إلى مواضيع استثنائية لتحفز المشاهدين على رؤية العالم من حولهم بنظرة جديدة، فيها تقدير للجماليات الموجودة في الأشياء البسيطة التي نتجاهلها في كثير من الأحيان.

الخروج عن المألوف

عمل فن الطبيعة الصامتة مطلع القرن العشرين كمنصة تجريبية أتاحت لرواد مدارس الفن الحديث -مثل الانطباعية والتعبيرية والتكعيبية- دفع حدود التمثيل التقليدي للحياة الساكنة إلى عالم آخر. ففي حين اختار بعض الفنانين الواقعية في تمثيل وتشكيل الحياة الساكنة، مال آخرون نحو التجريد والعبث بالشكل واللون والفرشاة.

زهور ووعاء من الفاكهة على طاولة للفنان بول غوغان (غيتي إيميجز)

وقد احتضن فن الطبيعة الصامتة هذا التنوع في النهج الذي انتشر منذ مطلع القرن الماضي، وحتى الوقت الراهن بسبب مرونته. وكان هذا المذهب قادرًا على التكيف والتطور مع التغيرات الزمنية والحركات الفنية، سواء التقليدي منها أو الطليعي وحتى المعاصر.

فمثلا في لوحة "سلة التفاح" (Basket of Apples) للرسام الانطباعي الفرنسي بول سيزان (1839-1906) تتويج مبهج لعبقريته، وتم الانتهاء من هذه الحياة الساكنة عام 1893.

وتمثل هذه اللوحة انعكاسًا قويًا لأسلوب سيزان ما بعد الانطباعي، حيث يعتمد رسم العناصر والمواضيع على إيحاء انسيابي بأن هذا يبدو وكأنه تفاح بعيدا عن المعايير الواقعية الصارمة.

سلة التفاح لبول سيزان (غيتي إيميجز)

وتتميز اللوحة بترتيب كمية التفاح الموضوع بعناية في سلة من الخيزران على مفرش طاولة ريفي وخلفية محايدة. ويؤدي استخدام سيزان الفرشاة بشكل تمويهي -الأسلوب الذي عرفت به ما بعد الانطباعية- وتوظيف الألوان إلى تفاعل آسر بين الأشكال الهندسية والطبيعة العضوية للفاكهة.

ويلتقط الفنان ببراعة جوهر كل تفاحة، ويعرض بعناية القوام والأشكال والألوان الفردية مما يخلف توترًا ديناميكيًا داخل التكوين، بينما تترك المستويات المجزأة إحساسًا بعدة وجهات وزوايا نظر متنوعة. وتضيف هذه التقنية عمقًا وتعقيدًا للوحة، مما يدعو المشاهد إلى الانخراط في اللوحة.

وكما جرت العادة في لوحات الطبيعة الصامتة، فإن واحدا من أكثر جوانب "سلة التفاح" اللافتة للنظر هي مسرحية الضوء والظل، حيث حقق سيزان تباينًا رائعًا بين الظلال الداكنة للوعاء والألوان النابضة بالحياة للتفاح، وجعلها تنبض بالحياة.

وعليه، يمكن القول إن لوحات الطبيعة الصامتة تتمتع بمكانة رفيعة في عالم الفنون الجميلة حيث تقدم نظرة فريدة للأشياء العادية البسيطة، وتفسح المجال نحو تقدير الجمال الموجود بأبسط الأشياء. فالشعور بالسلام والروعة والجمال لا يقتضيان عيش حياة فارهة بالضرورة.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

الكوكب يغلي والكربون يهيمن... تحذير عالمي من فشل الطبيعة في السيطرة على المناخ

العلماء يشيرون إلى أن الاحترار العالمي الناتج عن النشاط البشري رفع متوسط حرارة الأرض بمقدار 1.3 درجة مئوية، ما أدى إلى “فشل غير مسبوق لمصارف الكربون الأرضية”. اعلان

أظهرت بيانات الأمم المتحدة أن تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي ارتفع بمعدل قياسي خلال عام 2024 ليصل إلى مستوى غير مسبوق، ما يعمّق أزمة المناخ التي تهدد الأرواح وسبل العيش حول العالم.

وفق تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO)، ارتفع متوسط تركيز ثاني أكسيد الكربون العالمي بمقدار 3.5 جزء في المليون ليصل إلى 424 جزءًا في المليون، وهو أكبر زيادة منذ بدء القياسات الحديثة عام 1957.

ويُعزى هذا الارتفاع إلى مجموعة عوامل أبرزها استمرار احتراق الوقود الأحفوري رغم تعهّد الدول في 2023 بالانتقال التدريجي بعيدًا عن الفحم والنفط والغاز. كما ساهمت حرائق الغابات المتزايدة بفعل الجفاف وارتفاع درجات الحرارة في إطلاق كميات ضخمة من الكربون في الغلاف الجوي، خصوصًا في الأمريكتين التي شهدت أشد حرائق غابات تاريخية خلال عام 2024.

ضعف المصارف الطبيعية للكربون

يبدي العلماء قلقهم من أن المصارف الطبيعية للكربون، أي الغابات والمحيطات التي تمتص نصف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنويًا، بدأت تفقد فعاليتها.

المحيطات: ارتفاع درجة حرارتها يقلل قدرتها على امتصاص الكربون.

اليابسة: الجفاف وحرائق الغابات تحد من نمو النباتات، مما يقلل امتصاصها للغاز.

وكانت مصارف الكربون أقل فعالية في سنوات ظاهرة النينيو مثل 2023 و2024، عندما تؤدي التغيّرات في رياح المحيط الهادئ والتيارات البحرية إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية.

Related حرائق القطب الشمالي تجتاح أقصى شمال روسيا وتطلق ملايين الأطنان من الكربون في الغلاف الجويخدعة مناخية.. كيف تحوّلت التعويضات الكربونية إلى أداة لتلميع صورة الملوّثين؟12 قتيلًا في حادث تسمم بغاز أول أكسيد الكربون بمنتجع للتزلج في جورجيا

لكن العلماء يشيرون إلى أن الاحترار العالمي الناتج عن النشاط البشري رفع متوسط حرارة الأرض بمقدار 1.3 درجة مئوية، ما أدى إلى “فشل غير مسبوق لمصارف الكربون الأرضية”.

قالت الدكتورة أوكسانا تاراسوفا، كبيرة العلماء في WMO: “تراجع فعالية مصارف الكربون يعني بقاء كميات أكبر من الغاز في الغلاف الجوي، ما يسرّع الاحترار العالمي. تعزيز مراقبة غازات الدفيئة أصبح ضرورة لفهم هذه الدورات الخطيرة.”

وتحذر المنظمة من أن ارتفاع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لن يقتصر تأثيره على المناخ الحالي، بل سيمتد لمئات السنين بسبب مدة بقاء الغاز الطويلة في الغلاف الجوي.

وقالت كو باريت، نائبة الأمين العام للمنظمة:“الحرارة المحتبسة بفعل ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات الدفيئة تُسارع اضطراب المناخ وتزيد الظواهر الجوية المتطرفة. خفض الانبعاثات ضرورة حيوية لأمننا الاقتصادي ورفاه مجتمعاتنا.”

ارتفاع قياسي في الميثان وأكسيد النيتروز

رصدت WMO أيضًا مستويات قياسية من الميثان وأكسيد النيتروز، ثاني وثالث أهم غازات الدفيئة البشرية المصدر.

الميثان: حوالي 40% منه من مصادر طبيعية، لكنه يزيد بفعل الاحترار في الأراضي الرطبة، فيما ينتج الباقي عن الوقود الأحفوري، الماشية، تحلل النفايات، وزراعة الأرز.

أكسيد النيتروز: ينبعث من الإفراط في استخدام الأسمدة الزراعية وبعض العمليات الصناعية.

وأصدرت المنظمة نشرة غازات الدفيئة السنوية قبل شهر من انعقاد قمة المناخ COP30 في بيليم، البرازيل، حيث ستبحث الدول تعزيز إجراءاتها المناخية. وتستند البيانات إلى شبكة عالمية من 500 محطة رصد حول العالم.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي يحدد الأشياء في الصور بدقة
  • إعادة انتخاب الإماراتية رزان المبارك رئيسة للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة
  • حمدان بن زايد يهنئ رزان المبارك على إعادة انتخابها لرئاسة الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة
  • مدبولي: أسبوع القاهرة للمياه صار منبراً عالمياً لتبادل الخبرات وصياغة الحلول الواقعية
  • «العالمي للحفاظ على الطبيعة» يختتم فعالياته بمشاركة محلية ودولية واسعة
  • استشاري: الجلطة الصامتة تترك أثرها بوضوح ويمكن اكتشافها
  • الكوكب يغلي والكربون يهيمن... تحذير عالمي من فشل الطبيعة في السيطرة على المناخ
  • جماهير تايلور سويفت تتدفق إلى متحف فيسبادن بحثا عن أوفيليا الأصلية
  • شراكة فنية بين الدوحة وباريس تعيد الحياة لأشهر لوحات كوربيه
  • «جامعة الإمارات» تشارك في المؤتمر العالمي للحفاظ على الطبيعة 2025