راهن العرب منذ فترة طويلة على مجموعة من الاحتمالات التي تستند إلى القانون الدولي، وللقيم الحضارية من ناحية، وإلى ضرورات المصالح وحمايتها من ناحية ثانية، إضافة إلى احتمالات الحماية من المحور المخالف بقصد إعادة التوازن، أو سباق النفوذ والمصالح.
وتفصيلًا راهن العرب على أن القوانين الدولية التي وضعتها الأمم المتحدة، وأقرها العالم كله، والخاصة بحماية المدنيين، وتجريم إبادتهم، أو تجويعهم، أو حصارهم، أو قتل الأسرى، أو تعذيبهم، أو استخدام الأسلحة المحرمة دوليًا، وتجريم تدمير المنازل والمؤسسات الخدمية، والمناطق الأثرية، وكل هذه الجرائم التي أسسوا لها نظامًا دوليًا، من مجلس أمن يملك التدخل العسكري لمنعها، إلى محكمة عدل دولية لتجريم وعقاب من يفعلها، كانت أحد الرهانات الخاسرة التي اعتمد عليها العرب عندما بدأ أول صدام عربي مع الإمبراطورية الأمريكية التي تقود العالم، وتجره خلفها.
وجدد العرب رهانهم الخاسر مرة أخرى مع غزو العراق في العام 2003، عندما أوهمهم الأمريكان أنهم جاءوا إلى بلاد الرافدين فقط لتخليص العراق من نظام صدام حسين الإرهابي، ولكنهم عندما دخلوا بتحالف من 60 دولة أوروبية، وعربية، وآسيوية، واعتبروا أن شعب العرق كله إرهابي، وأن حضارته، وتاريخه، وأرضه، وفراته، ونخيله إرهابيون يجب القضاء عليهم.
وكان يجب أن يسقط رهان العرب على ما يسمى بالقوانين الدولية، وقيم الحضارة الأمريكية، والأوروبية، ولكنهم ظلوا يتمسكون بتلك الرهانات الخاسرة.
وجاءت الحرب الأمريكية - الإسرائيلية على غزة أصغر وأفقر قطاع عربي في أمتنا، وأيضًا راهن العرب على أن أمريكا، وإسرائيل، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا، إنما جاءوا واشتركوا في الحرب فقط لضرب ما يسمى بإرهاب حماس.
واستمتع وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، بالضحك على العرب، والسخرية منهم عندما تجول في عواصمهم ويقنعهم أن الحرب هي أسبوع أو أسبوعان سيتم التخلص فيهما من قيادات حماس الإرهابية، ثم نجلس سويًا على منضدة الحوار، لنعيد إعمار غزة، ونبدأ سلامًا مع الفلسطينيين، تمهيدًا لإعلان دولة فلسطين، التي تضم غزة والضفة الغربية.
كان الرجل فرحًا وسعيدًا، وهو يحصل على الدعم والموافقة، بل ويشاهد هذا التسابق المحموم، وهم يتسابقون على تجرع كؤوس الوهم الكاذبة، وبدلًا من أسبوع أو أسبوعين يسمح فيها لإسرائيل بتصفية الإرهاب المزعوم، دخلت الحرب الآن شهرها الرابع، وبدلًا من ترك الأمر لإسرائيل، حاربت كل جيوشهم إلى جانبها، وكأنها حرب عالمية ثالثة، وبدلًا من قتل وملاحقة قيادات حماس، سحقوا رؤوس آلاف الأطفال، والناس، والعجائز، ولم يتركوا شيئًا حيا على الأرض إلا ودهسوه، وكما فعلوا في العراق سحقوا المنازل والمؤسسات، والأبراج، ونهبوا الوثائق، والآثار، واستخدموا كل أنواع الأسلحة المحرمة دوليًا، ومنعوا الماء والغذاء والدواء والكهرباء والاتصالات، ولم يتركوا فعلًا نص القانون الدولي على تجريمه إلا وفعلوه مجتمعين ومتحدين في حرب عالمية ثالثة مذهلة، وهم كانوا يواجهون في الحربين الأولى والثانية دولا وجيوشا وطائرات وصواريخ ودبابات، وخططا عسكرية، واستخبارات، ولكنهم جاءوا الآن يواجهون مجموعات بشرية بسيطة لا تجد دعمًا أو مساندة من أي دولة من دول العالم، صنعوا بأيديهم أسلحتهم البدائية للدفاع عن أنفسهم ووطنهم وكرامتهم، في مواجهة هذا الطغيان الأسود، الذي لا يبدو أبدا أنه سوف يتوقف عند غزة، ولكنه ضرب في اليمن، وفي لبنان، وفي العراق، وسوريا ضربات أولية تشير إلى أن رهانا آخر خسره العرب، وهو وهْم أن الحرب ستقف عند غزة.
وكان أحد الرهانات الخاسرة، هو ظن العرب أن أمريكا وروسيا سوف تتدخلان حتمًا في الحرب ضد هذا التحالف الذي يذيقهما الويلات في أوكرانيا، وتايوان، وأن فرصة تاريخية لجرجرة هذه العصابات الإجرامية بعيدًا عن عواصمهم وإدخالهم في بئر سحيقة بالشرق الأوسط لا يخرجون منها، ولكن حتى هذا الرهان قد سقط، واتضح أن كلا البلدين يحاول بيع موقفه في الشرق الأوسط للحصول على تخفيف المواجهة مع الإمبراطورية الكونية التي تديرها عصابات اليهود.
وأخيرًا، لا يجب أبدًا أن يراهن العرب بعد اليوم إلا على أنفسهم، وقوتهم، وسلاحهم، ووحدتهم، ولا يُعقل أن يحاربونا جماعات، وهم الأقوياء، ونحاربهم فرادى ونحن الضعفاء.
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
رسمياً.. الصومال يعلن انتهاء أزمة البحر الأحمر مع إثيوبيا
يمن مونيتور/ مقديشو/ وكالات:
أعلن وزير خارجية الصومال أحمد معلم فقي، يوم الخميس، حل الصراع بين بلاده وإثيوبيا، مشيرا إلى “النضج الدبلوماسي المتزايد” لدى مقديشو والذي مكنه من تحقيق هذا الاختراق.
وأكد وزير الخارجية الصومالي في مؤتمر صحفي اليوم بمقديشو أهمية الوحدة والتعاون في الشؤون الإقليمية، مضيفا أن هذا الاتفاق يمهد الطريق لتحسين التعاون والاستقرار بين الصومال وجيرانه في المنطقة.
وأعرب فقي، عن تفاؤله بالمستقبل وقال إن هذا الاختراق الدبلوماسي يمكن أن يؤدي إلى شراكات تعود بالنفع ليس فقط على الصومال بل على المنطقة بأكملها.
وأكد أن “القضايا الخلافية مع إثيوبيا تم حلها بفضل صبر وحكمة الصومال، على الرغم من احتلال إثيوبيا سابقاً لأرضنا”.
ولم يقدم الوزير الصومالي تفاصيل بشأن طلب إثيوبيا الوصول إلى البحر أو وجود قوات إثيوبية ضمن مهمة الاتحاد الإفريقي في الصومال.
ويأتي الإعلان في أعقاب وصول وفد إثيوبي رفيع المستوى إلى مقديشو بقيادة وزيرة الدفاع عائشة محمد موسى، ووزير الدولة للشؤون الخارجية مسغانو أرجا.
وفي 11 ديسمبر الماضي، اتفق الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، على إنهاء الخلاف بينهما خلال قمة عقدت في أنقرة بمشاركة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
ويمثل إعلان اليوم نهاية لخلافات طويلة بين الجارين، كما ينهي المهلة التي حددها الصومال بنهاية العام الماضي، لخروج القوات الإثيوبية من أراضيه، لكن موقف مقديشو الجديد لم يفصح عما إذا كانت قد غيرت رأيها وستدعو أديس أبابا للمشاركة بقواتها في بعثة الاتحاد الإفريقي الجديدة لحفظ السلام في الصومال AUSSOM.
وتنشر إثيوبيا نحو 3000 جندي في الصومال كجزء من قوة حفظ السلام الأفريقية (ATMIS) و7000 جندي آخرين وفقا لاتفاق ثنائي مع الصومال بهدف محاربة حركة الشباب، وفقا لتقارير.
وكان أعلن الصومال في وقت سابق أنه لن يدعو إثيوبيا للمشاركة في بعثة حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي AUSSOM والتي بدأت مهامها أمس الأول من يناير، خلافا لبعثة ATMIS التي انتهت ولايتها وكانت القوات الإثيوبية تمثل العدد الأكبر فيها.