البحر الأحمر.. حسابات الحرب والسلام والربح والخسارة
تاريخ النشر: 15th, January 2024 GMT
هل يتحول البحر الأحمر إلى ساحة حرب مفتوحة على خلفية الحرب على قطاع غزة، ولماذا يعتبر هذا الممر الحيوي المكان الأكثر احتمالا لتوسيع رقعة الحرب، في وقت تبدو فيه بقية الجبهات مضبوطة وهناك من يمتلك القدرة على تبريدها كلما سخنت.
قياسا بالجبهة اللبنانية، أو العراقية، أو السورية، تبدو الأمور مختلفة نسبيا في اليمن، ففي الجبهات الثلاث السابقة هناك قواعد اشتباك متفق عليها، وهناك خلف كل جبهة حكومة مركزية تملك القرار إلى حد بعيد، وإذا كانت لا تملك القرار كله كما هو الحال في لبنان، فإنها تملك جزءا منه على الأقل، أما في اليمن فإن قواعد الاشتباك مع الأمريكي والإسرائيلي غير محددة بدقة، والحكومة المركزية بعيدة تماما عن القرار العسكري لجماعة أنصار الله (الحوثيين).
بالنسبة لأطراف الصراع المحتملة في البحر الأحمر فهي وإن بدت متعددة بحكم أن الجميع متضرر من عرقلة الملاحة في هذا الشريان الاقتصادي، إلا أن الواقع يقول إن أمريكا وبريطانيا وإسرائيل، هم المستهدفون فعليا من نشاط جماعة الحوثي العسكري في البحر الأحمر، خاصة أن الجماعة ربطت عملياتها بالضغط على إسرائيل ومن يدعمها أو يساندها، لذلك باتت الأمور واضحة، وبما أن إيران هي الداعم الرئيسي للجماعة اليمنية فإن إيران مرشحة لتكون طرفا في هذه الأزمة.
ولا تبدو دول الخليج “السعودية، الإمارات، الكويت، قطر” مندفعة كثيرا في هذه المواجهة، وهي جميعها لديها تجربة مع اليمنيين منذ عام 2015، والجميع يحاول الخروج من هذا الاشتباك بأقل الخسائر، أما مصر فإنها منذ وصول عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم فإنها تسير في ركب الدول الخليجية الرئيسية “السعودية والإمارات” لذلك فإن أي مواجهة قادمة في البحر الأحمر لن تكون مصر طرفا فيها.
تحددت أطراف النزاع مبدئيا فكيف يمكن أن تتطور الأمور، هذا السؤال ربما تجيب عليه الأخبار الواردة من العواصم المشتركة في الصراع أصلا.
واشنطن تقول إنها على جهوزية تامة لتوسيع ضرباتها ضد الحوثيين، إذا تكررت الهجومات على السفن التجارية، وهي قدمت نموذجا لنوعية الضربات يوم الجمعة الماضي، كما أرسلت رسالة خاصة لطهران، بحسب الرئيس جو بايدن، الذي لم يتحدث عن مضمون الرسالة لكنه قال “إنها سلمت بشكل خاص لطهران التي تدعم الحوثيين” و علينا أن نفهم أنها إذا رسالة تحذير ليس أقل من ذلك.
بريطانيا تجاوزت مجلس العموم، ووجهت ضربات جوية خارج الحدود دون العودة للمشرعين، هذا يعني أن القرار العسكري أعلى من القرار التشريعي، وعلينا ألا ننخدع بفكرة الديمقراطية دائما، لأن المصالح في العرف الرأسمالي أعلى أهمية من الديمقراطية، وهذا بدا جليا في حرب العراق والحرب على ليبيا واليوم الحرب على قطاع غزة.
بالنسبة لإسرائيل، فهي على كل حال في حالة حرب، وإذا وجدت من ينفذ المهمة نيابة عنها فلن تقول “لا” وستشارك في أي مجهود عسكري أمريكي بريطاني ضد اليمن، لأنها لا تريد أن تبقى تجارتها البحرية ومطاراتها وموانئها هدفا لجماعة الحوثيين التي لا ترتبط بأي حكومة من حكومات المنطقة التي تمون عليها إسرائيل، لذلك فإن إسرائيل ربما تدفع باتجاه توسيع الحرب لتصل اليمن، هي التي حذرت قبل شهر من الآن من أنها قد تلجأ لحل فردي في حال لم يجد المجتمع الدولي حلا لقضية الملاحة في البحر الأحمر، وعلينا ألا ننسى أن إسرائيل حاربت عبد الناصر في اليمن قبل 60 عاما بسبب أهمية باب المندب ليس إلا.
أما إيران فإنها على الأرجح لا ترغب بحرب طويلة ومكلفة في جبهة بعيدة نسبيا عن أرض الخصم، فالمواجهة في البحر الأحمر مكلفة لإيران وخسائر العدو فيها ستكون مادية لا أكثر، إلا إذا قررت طهران ضرب القواعد الأمريكية في الخليج، وهذا غير وارد حفاظا على المناخ الودي الذي ساد منذ أشهر بينها وبين السعودية ومجلس التعاون الخليجي عموما.
الحوثيون، ينتظرون إشارة طهران إما لتوسيع الاشتباك أو للانكفاء بهدوء، وربما يكون وقف القتال في غزة هو السلم الذي سينزل الجميع من أعلى الشجرة، فسبب التوتر سينتهي إذا توقفت النار في غزة، وعندها سيتجنب الجميع الحرج، إذا كانوا فعلا محرجين من فتح جبهة نار جديدة في هذه المنطقة.
ويبقى أن نقول إن الجبهات المضبوطة في سوريا ولبنان، ليست مضمونة عندما تكبر مساحة النار، لأن حرارة الحريق الكبير قد تؤدي لانفجارات جانبية لمخازن التوتر في كل المنطقة.
وربطا بنقل ملف البحر الأحمر إلى أروقة مجلس الأمن، فإن الإشارة كانت واضحة، فالصين وروسيا وافقتا على قرار المجلس الذي دعا إلى وقف “فوري” لهجمات الحوثيين على سفن في البحر الأحمر، ومطالباً كلّ الدول باحترام حظر الأسلحة المفروض الجماعة اليمنية، وهذا يعني أن الغطاء الدولي غير متوفر لأي طرف إقليمي يقرر خوض المواجهة في البحر الأحمر أو دعم الحوثيين.
يبقى أن نقول إن هذه الحرب وهذه النار المشتعلة مرتبطة جوهريا بأهمية البحر الأحمر فبحسب تقرير نشره موقع “ذا أتلانتك كاونسل” يتم نقل أكثر من 80% من التجارة الدولية من حيث الحجم عن طريق البحر، وكما يوضح الوضع الحالي في البحر الأحمر، فإن تعطيل طرق الشحن يمكن أن يكون له آثار واسعة النطاق، حيث تشير التقديرات إلى أن 10% من التجارة العالمية من حيث الحجم تستخدم هذا الطريق، ويشمل ذلك 20% من إجمالي شحن الحاويات، ونحو 10% من النفط المنقول بحراً، و8% من الغاز الطبيعي المسال.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: أمريكا إسرائيل إيران البحر الأحمر الحوثيين بريطانيا فی البحر الأحمر
إقرأ أيضاً:
معهد أمريكي يسلط الضوء على القاذفة الشبحية B-2 ونوع الذخائر التي استهدفت تحصينات الحوثيين في اليمن (ترجمة خاصة)
سلط معهد أمريكي الضوء على أهمية نشر القاذفة الشبحية B-2في اليمن ونوعية حجم الذخائر التي قصفت أهدافا محصنة لجماعة الحوثي في البلاد وكيف يمكن لها أن تساعد في تعزيز الرسائل الأميركية إلى إيران.
وقال "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" في تحليل ترجم أبرز مضمونه "الموقع بوست" إن "الأهمية الاستراتيجية لضربة دقيقة على اليمن باستخدام زوج من الأصول الوطنية الأميركية بقيمة 2.2 مليار دولار أميركي توضح التزام واشنطن القوي بمكافحة التهديدات للأمن الدولي".
وأشار إلى الطائرة B-2 تتمتع بعدد من السمات المحددة التي تؤكد على أهمية نشرها في اليمن. لافتا إلى أن التصميم المتقدم في التخفي والقدرة على البقاء يجعل من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، استهداف وتدمير الطائرة B-2، مما يسمح للقاذفة باختراق المجال الجوي المحمي بشدة وتوجيه ضربات دقيقة على أهداف محصنة.
وتطرق التحليل إلى الأسلحة الموجهة بدقة التي يمكن أن تحملها الطائرة B-2 لهذا النوع من المهام وقال: قنبلتان خارقتان للذخائر الضخمة من طراز GBU-57A/B، يبلغ وزن كل منهما 13.6 طن، وقادرة على اختراق 60 قدمًا من الخرسانة المسلحة أو 200 قدم من الأرض؛ وقنبلتان من طراز GBU-28/B أو GBU-37/B بوزن 2.2 طن، قادرتان على اختراق أكثر من 20 قدمًا من الخرسانة المسلحة أو 100 قدم من الأرض؛ أوما يصل إلى ستة عشر قنبلة من طراز GBU-31 بوزن 907 كجم، كل منها قادرة على اختراق أكثر من 6 أقدام من الخرسانة المسلحة.
وتشير التقارير إلى أن القاذفات المستخدمة في مهمة اليمن استخدمت قنابل اختراقية من طراز GBU-31 فقط، وهو ما كان ينبغي أن يكون سلاحاً مناسباً نظراً للطبيعة غير المتينة للكهوف الجيرية والرملية حول صنعاء وصعدة التي يستخدمها الحوثيون لتخزين الأسلحة. كما تفيد التقارير بأن نحو عشرين قنبلة اختراقية فقط في الخدمة، مما يجعلها أصولاً ثمينة للغاية في مخزون B-2.
وأكد التحليل أنه لا يوجد أي دولة أخرى في العالم لديها ما يعادل بشكل مباشر مزيج B-2 من التخفي والمدى والقدرة على الحمولة. بالإضافة إلى ذلك، لا توجد دولة تقترب في دعم مثل هذا الأصل لوجستيًا على مثل هذه المسافات الكبيرة.
وقال "يبدو أن الطائرة المشاركة في الضربة على اليمن انطلقت من قاعدة وايتمان الجوية في ميسوري. يبلغ مدى B-2 غير المزود بالوقود حوالي 11000 كيلومتر، واعتمادًا على الطريق، فإن اليمن ستكون رحلة حوالي 14000 كيلومتر في كل اتجاه.
وتابع المعهد الأمريكي "كانت هناك حاجة إلى عمليات إعادة تزويد بالوقود جواً متعددة حتى تصل الرحلة إلى وجهتها وتعود إلى الوطن. أيضًا، في حين أن المجال الجوي اليمني ليس محميًا بشكل كبير، فإن استخدام B-2 لا يزال يتطلب مستوى معينًا من السرية لحماية الإجراءات التشغيلية".