تكملةً لمقالي السابق، ومن الأحكام المهمِّ ذكرُها كذلك، ما يتعلق بقضاءِ الحاجة، فلا يجوز للإنسان أن يستقبلَ القبلةَ أو يستدبرَها لبولٍ أو غائطٍ في الصحراء، خلافاً للبنيانِ الذي أجاز كثيرٌ من العلماء استقبالَ القبلة أو استدبارَها فيه، أما في الصحراء فلا يجوز مطلقاً، وهذا أمر يغفلُ عنه كثيرٌ من الناس. قال صلى الله عليه وسلم: (إذَا أتَيْتُمُ الغَائِطَ فلا تَسْتَقْبِلُوا القِبْلَةَ، ولَا تَسْتَدْبِرُوهَا ولَكِنْ شَرِّقُوا أوْ غَرِّبُوا).
ومن الجيدِ أن يتخللَ أوقاتَ النزهةِ شيءٌ من ذكر لله، فـ(إنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً يَطُوفُونَ في الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أهْلَ الذِّكْرِ، فإذا وجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنادَوْا: هَلُمُّوا إلى حاجَتِكُمْ قالَ: فَيَحُفُّونَهُمْ بأَجْنِحَتِهِمْ إلى السَّماءِ الدُّنْيا) كما قال ذلك الحبيب صلى الله عليه وسلم، فما أجمل أن تزينوا نزهتَكم بتلاوةِ آياتٍ من كتاب الله، أو مدارسةِ سورةٍ من القرآن، أو قراءةٍ لأحاديثِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أو تذاكرٍ لدروس الحياة يستفيد منها الأولاد، أو غيرِ ذلك مما ينفع في الدين والدنيا. قال صلى الله عليه وسلم: (ما جلَسَ قَومٌ مَجلِسًا لم يَذكروا اللهَ فيه، ولم يُصَلُّوا على النَّبيِّ؛ إلَّا كان تِرَةً عليهم يَومَ القيامةِ) أي حسرةً عليهم يتحسرون على فاتهم من فضل الذكر في هذا المجلس.
ومن الفرص العظيمة التي يمكن استثمارها في البرّية، التفكرُ في خلق الله، والتأملُ في عجيب صنعه. تتأملَ في النجوم ولمعان ضوئها، وفي السماء وجمال حَبكتِها، وفي الجبالِ وعظمِ خلقها.
(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)
وإن ممّا يجب استحضاره في رحلات النزهة، القاعدةُ النبويةُ الشريفةُ في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار)، فلا يجوز للإنسان أن يعرِّضَ نفسه أو أهله وولده أو غيره للأخطار والأضرار، كأن يبيتَ في الأوديةِ التي تتعرض للسيولِ وقتَ الأمطار، أو يجلسَ في الطرق والممرات، أو يُنَجِّسَ أماكنَ الظلِّ التي يقصدها الناس، أو يتركَ المكانَ مليئاً بالقمامةِ والأوساخ. فكل ذلك أذىً محرم يؤثم عليه الإنسان.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ) قالوا: وَما اللَّعَّانَانِ يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: (الذي يَتَخَلَّى في طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ في ظِلِّهِمْ).
ومن وجد شيئا من الأذى في الطرقات، فإن العملَ على إزالتِه من شعبِ الإيمان، وحسنِ الخلق، وقيِّمِ الحضارة، قال صلى الله عليه وسلم: (بيْنَما رَجُلٌ يَمْشِي بطَرِيقٍ وجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ علَى الطَّرِيقِ فأخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ له فَغَفَرَ له).
ونذكِّر الجميعَ عند خروجهم إلى التنزُّه، بأهميةِ المحافظة على الغطاءِ النباتي، وعدمِ قطع الأشجار وإشعالِ النار، إلا في الأماكن المسموح بها، وضرورةِ إطفائها قبل مغادرة المكان، كما نؤكد على الالتزامِ بالأنظمة التي أصدرتها الجهاتِ المعنية بشأن المحّميات الطبيعية وعدمِ الإعتداءِ عليها.
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: تعدد أسماء النبي في القرآن دليل على عظمة مكانته
قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء، إن تعدد أسماء النبي محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم، حيث سُمي "محمداً" و"أحمد"، جاء لمخاطبة العرب بحسب لغتهم وما يفهمونه من معاني التعظيم والحب والمهابة.
وأوضح عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي الجمهورية الأسبق، خلال تصريح اليوم الأحد، أن الصحابة الكرام كانوا يهابون النظر مباشرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم من شدة مهابته، مشيراً إلى أن أم معبد، وهي من القلائل الذين وصفوه وصفاً دقيقاً، استطاعت أن تدقق النظر فيه لأنها لم تكن تعرفه مسبقاً.
وأضاف أن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم ليس بدعة، بل هو أمر أكدته نصوص الشرع، فقد عظّمه الله تعالى حين قرن اسمه باسمه على قوائم العرش، كما توسل به آدم عليه السلام إلى الله بعدما أُخرج من الجنة، عندما قال: "رأيت اسم محمد مقروناً باسمك".
وأشار إلى أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، قبل البعثة، عُرف بين قومه بلقب "الصادق الأمين"، وهو ما يدل على كمال خلقه. ومع نزول الوحي، انتقل النبي إلى مقام الربانية، حيث شُق صدره الشريف ثلاث مرات وطُهر قلبه وملئ بالحكمة ونُزع منه حظ الشيطان، في إشارة إلى إزالة أي ميل رحيم قد يمتد حتى للشيطان، إذ أُرسل النبي صلى الله عليه وسلم "رحمة للعالمين".
وأكد أن فهم هذه المعاني العظيمة حول شخصية النبي ومكانته واجبٌ على المسلمين، لأنه يمثل جوهر الإيمان ومحور التعظيم الذي أمر به الشرع.