إذا أردنا هزيمة الإسلاميين فعلينا إخراجهم من دواخلنا وتنظيماتنا أولاً.

*محمد سليمان عبدالرحيم

* “ إنهم يفوقون سوء الظن العريض، وكلما أسأت الظن بالإخوان المسلمين تجد نفسك أنك كنت تحسن الظن بهم!"
الشهيد الأستاذ محمود محمد طه
* "لقد جاءت دولة الإنقاذ، الدولة الدينية الأصولية، كخلاصة مركزة لا تشوبها شائبة لكل النقائص والتشوهات التي صاحبت مسيرتنا الوطنية منذ الاستقلال.

جاءت تجسيداً لنزعات الاستعلاء الديني والعرقي التي تصور للبعض أنهم فوق البشر، وتتويجاً لغرائز الأنانية والطمع التي تبرر لهم الاستيلاء على كل الثروات، وصيغة متطرفة لأهواء الانفراد بالسلطة، وإخضاع الشعب إخضاعاً كلياً وتسييره بالحديد والنار، وبالتعذيب الوحشي، والدم المراق، والإبادة الجماعية. لذلك، ليس من المنظور أن تنتهي الحروب في بلادنا وهذه الحركة في السلطة أو في موقع يمكنها من الوثوب عليها"
المفكر الراحل الخاتم عدلان

بتلك العبارة الرشيقة للأستاذ محمود محمد طه، وبتلك الفقرة المبينة للأستاذ الخاتم عدلان، وضع المفكران المعيار الذهبي والثابت لفهم وتقييم الحركة الإسلامية في أي وقت من الأوقات. إن أي فهم للحركة الإسلامية وأي تقييم لممارساتها وقدراتها يقل عن أو لا يتسق مع رؤية الأستاذ محمود محمد طه وتحليل الأستاذ الخاتم عدلان في الاقتباسين أعلاه، هو، في نظري، فهم قاصر وتقييم معيب. بالرغم من هذا، فإن طائفة من المثقفين، المحسوبين تاريخياً على معسكر اليسار والقوى الديمقراطية والليبرالية، لازالت تسعى بكل قوة لتبرئة ساحة الإسلاميين من وزر إشعال هذه الحرب اللعينة، بل وتتهم من يؤكدون مسؤولية الإسلاميين عنها بأنهم مصابون بلوثة العداء للكيزان أو "الكيزانوفوبيا". الغريب هو أن بعض هؤلاء المثقفين كانوا هم أنفسهم ضحايا لممارسات الكيزان، فماهو الذي يدفعهم إلى هذا الموقف المماليء لجلاديهم على حساب الحقيقة، الحقيقة التي تنطق بها أجسادهم وتجاربهم الشخصية حتى وإن سكتت عنها أفواهم وأقلامهم؟! هؤلاء المثقفين يهدفون إلى إقناعنا، كما يمكننا أن نستخلص من كتاباتهم وتصريحاتهم، أن الحركة الإسلامية قد ضربت ضربة قاصمة في ثورة ديسمبر أو، على الأقل، أنه قد تم تقليم أظفارها بحيث لم تعد لديها القدرة على تدبير مؤامرات بهذا الحجم، أو أنها، في كل الأحوال، أصبحت مجرد حركة سياسية وليست بذلك القدر من الشر، وهذه خدعة خبيثة ليس إلا.

لقد نشأت الحركة الإسلامية في السودان في نهاية أربعينات القرن المنصرم بعد ميلاد الحزب الشيوعي السوداني وكرد فعل له. في انتخابات سنة 1965 أحرزت الحركة الإسلامية مقعداً واحداً من مقاعد الخريجين بينما كسب الحزب الشيوعي 11 مقعداً، ومع ذلك في نهاية تلك السنة تمكنت الحركة الإسلامية من حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من الجمعية التأسيسية. وحينما انقلب اليسار على الإسلاميين في مايو 1969، عادوا في 1978 ليشاركوا النميري الحكم، فوضعوا الأساس لدولتهم الدينية وبنوا إمبراطوريتهم المالية. وحينما تم إسقاط النميري في 1985، كانوا هم على رأس المجلس العسكري الانتقالي فعرقلوا تحقيق أهداف الانتفاضة وصمموا الانتخابات ليحرزوا 58 مقعداً في البرلمان، وحينما توحدت القوى الديمقراطية والوطنية ضدهم قاموا بانقلابهم المشؤوم في 1989 لينفردوا بالسلطة طيلة ثلاثين عاماً. هذه الحركة التي تمكنت من الانقلاب على ثلاث ثورات شعبية وأجهاضها وتمرير أجندتها فوق رؤوس الجميع من قبل، هي ذات الحركة التي يطلب منا الآن أن نصدق أنها قد أصبحت حملاً وديعاً بلا أظفار ولا أنياب وأنه لا خطر منها على الإطلاق، وأن تخوفاتنا منها هي مجرد كيزانوفوبيا!

الحركة الإسلامية لم تستطع تحقيق كل تلك (الإنجازات) صدفة أو بالحظ، وإنما بتخطيط محكم تميز بالدهاء وبكثير من الخبث. لقد استفادت الحركة الإسلامية من واقع التخلف المزري والجهل الفاضح والدجل والخرافة الذي يعم بلادنا وعرفت كيف تستثمره لصالحها. ثانياً، انتبهت الحركة الإسلامية إلى هشاشة وضعف الأحزاب السياسية السودانية، وخاصة الحزبين الكبيرين تاريخياً، فعرفت كيف تخترقها وتمرر أجندتها من خلالها. ثالثاً، قامت الحركة الإسلامية بتأهيل كوادرها في مختلف المجالات تأهيلاً عالياً في الوقت الذي حجبت فيه فرص التعليم والتأهيل عن الآخرين، ورابعاً، امتلكت المال والصلات التي تمكنها من شراء الذمم وفتح الأبواب المغلقة. الأهم من هذا كله هو أن الحركة الإسلامية قد استطاعت من خلال كل تلك العوامل أن تخلق البيئة الصالحة (Ecosystem) لنموها وتمددها واستدامتها. هذه البيئة الصالحة، في جانبها البشري، تتكون من طبقة واسعة من ضحايا الجهل والخرافة، وفئة كبيرة من أصحاب المصالح الفاسدة المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمصالح وبوجود الحركة الإسلامية، كما تشمل أيضاً عدداً من المثقفين الذين لا يمكن اعتبارهم إسلاميين بحال من الأحوال. الحركة الإسلامية لا تريد من هؤلاء المثقفين أن ينضموا لها تنظيمياً أو أن يكتبوا مقرظين لها أو مشيدين بها. إنها تدرك أنهم سيكونون أكثر فائدة لها من موقعهم "المستقل والمحايد" هذا، بل والذي يبدو تاريخياً مناهضاً للإسلاميين. الحركة الإسلامية تدرك أنه يمكن لهؤلاء المثقفين من هذا الموقع أن يحققوا لها أهدافاً، مثل تضليل الجماهير وتغبيش وعيها وإلغاء ذاكرتها، أفضل بكثير مما تستطيع هي أن تحققه بنفسها.
لقد تمرست الحركة الإسلامية، في خلال مسيرتها الطويلة، في تحقيق أهدافها عن طريق الآخرين. لقد حلت الحزب الشيوعي في 1965 بواسطة الحزبين الكبيرين، وطبقت الشريعة الإسلامية وأقامت دولتها الدينية بواسطة جعفر النميري، وفصلت الجنوب في سنة 2011 بواسطة الحركة الشعبية لتحرير السودان، هذا على سبيل المثال لا الحصر. الآن، ومنذ أن اندلعت هذه الحرب اللعينة، فإن الجميع يعلمون أنه ما من سبيل لإيقافها إلا بوحدة واسعة للقوى المدنية والشعبية، بل وجميعهم يدعون إلى بناء جبهة مدنية واسعة أو عريضة أو سمها ما شئت. لكن، ها نحن الآن على أبواب الشهر العاشر من الحرب، وما يزال أمر بناء هذه الجبهة وتحقيق الوحدة المطلوبة حلماً بعيد المنال، فمن هو المستفيد النهائي من هذا الوضع؟ من هو الطرف الذي يعمل لدعم وتشجيع الاتجاهات الأنانية والنرجسية التي تجعل من قوانا السياسية والمدنية جزراً منعزلة، ضعيفة الفعالية، محدودة القاعدة، وممنوعة من التواصل مع بعضها البعض، تغذ السير في طريق الانتحار؟ وبعد، هل نحن بحاجة إلى عدسة مكبرة لنعرف من هو المستفيد النهائي من هذا الشقاق ومن إطالة أمد الحرب؟

abuhisham51@outlook.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الحرکة الإسلامیة من هذا

إقرأ أيضاً:

الحزب الشيوعي السوداني: وحدة السودان وسلامة أراضيه واجب الساعة ولا شرعية لحكومات نتجت عن الانقلاب وحرب ابريل 2023

الحزب الشيوعي السوداني يكرر ويجدد موقفه الثابت والرافض لمحاولات حكومة الأمر الواقع في بورتسودان بقيادة عبدالفتاح البرهان لتكوين حكومة فترة انتقالية مع الموالين له من فلول نظام المؤتمر الوطني المحلول. كذلك يرفض الحزب محاولات مجموعة نيروبي بقيادة محمد حمدان دقلو التي تسعي لتشكيل حكومة موازية في المناطق التي تسيطر عليها

بيان من المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني

#وحدة السودان وسلامة أراضيه واجب الساعة
#لا شرعية لحكومات نتجت عن الانقلاب وحرب ابريل 2023

الحزب الشيوعي السوداني يكرر ويجدد موقفه الثابت والرافض لمحاولات حكومة الأمر الواقع في بورتسودان بقيادة عبدالفتاح البرهان لتكوين حكومة فترة انتقالية مع الموالين له من فلول نظام المؤتمر الوطني المحلول. كذلك يرفض الحزب محاولات مجموعة نيروبي بقيادة محمد حمدان دقلو التي تسعي لتشكيل حكومة موازية في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.
يؤكد الحزب الشيوعي ان الجهتين المذكورتين تفتقران للتفويض الجماهيري المطلوب من قبل الشعب كضرورة اساسية للحصول علي الشرعية الدستورية.
يعتبر الحزب ان طرفي النزاع هما وجهان لعملة واحدة. وانهما مسؤولان بالتضامن والانفراد عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في دارفور وهما مسؤولان عن تفجر الكارثة الإنسانية هناك في العام 2003 التي نتجت عنها جرائم الابادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب الي جانب ارتكاب الانتهاكات الواسعة والممنهجة في بقية أنحاء البلاد من بينها مجزرة القيادة العامة في الخرطوم.
طرفا الحرب أيضا شريكان في إجهاض وتقويض العدالة بتقاعسهما عن ملاحقة المتورطين في ارتكاب المجازر والانتهاكات واسعة النطاق ولجوئهما الي تكوين لجان تحقيق صورية عديمة الصلاحية والقدرة علي الوصول الي نتائج وتوصيات من شأنها تحقيق العدالة بهدف تضليل الرأي العام المحلي والاقليمي والدولي وتضليل الضحايا وذويهم وكذلك بهدف قطع الطريق أمام اللجان الدولية المحايدة.
يحذر الحزب ان محاولات الطرفين واعوانهما في الداخل والخارج في تشكيل الحكومتين ستقود الي تعقيدات لا حصر لها وستفاقم من خطورة الوضع الراهن من بينها زيادة الاستقطابات علي أسس قبلية وجهوية في بلد تعاني فيها المؤسسات الإدارية وهياكل الحكم من الهشاشة بسبب الفساد. كما تحمل الكثير من مجتمعاتها ارثا ثقيلا بسبب الصراعات القبلية والجهوية.
سكان المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع مضطرون للتعايش مع سلطات الدعم السريع ولكنهم ليسوا خاضعين لها بكل تأكيد حيث لا يزال الملايين من ضحايا الجنجويد والدعم السريع يعانون من مهانة اللجوء والنزوح وهم ينتظرون تحقيق العدالة والانصاف.
من الجانب الاخر فإن حكومة البرهان المرتقبة والتي ستتشكل من خصوم واعداء الشعب؛ فلول نظام المؤتمر الوطني المحلول والموالين لهم الذين قطعوا الطريق أمام ثورة ديسمبر المجيدة وظلوا يخططون لتقسيم السودان تارة ب( مثلث حمدي) و( دولة البحر والنهر) وتارة بضم ولايات سودانية الى مصر ! هؤلاء لن تقبل بهم جماهير الشعب السوداني وقواه الحية خاصة في ظل استمرار جذوة الثورة التي لا تزال متقدة رغم العثرات.
اصرار طرفي الحرب علي رفض الجلوس حول طاولة المفاوضات للوصول الي اتفاق بوقف الحرب والسماح بدخول المساعدات الإنسانية عبر المعابر الحدودية والداخلية يعرض حياة اكثر من خمس وعشرين مليون شخص لخطر الموت جوعا بسبب حرمانهم من الحصول علي معينات الحياة الضرورية من الغذاء والدواء. كما يزيد من معاناة اكثر من عشرة مليون سوداني من العالقين في مخيمات النزوح واللجوء.
الحزب الشيوعي السوداني يحمل البرهان والمليشيات التي تحارب معه من انصار النظام المباد بمختلف مسمياتها
كما يحمل الحزب مجموعة
نيروبي الموالية للجنجويد المعروفة باسم مجموعة التاسيس مسؤولية الانتهاكات التي ستشهدها مناطق سيطرة الدعم السريع واي مناطق اخري في البلاد باعتبارهم شركاء لمليشيا الجنجويد.
الحزب الشيوعي يتابع مبادرات المؤسسات الإقليمية والدولية من بينها مجلس الأمن و الاتحاد الافريقي و الاتحاد الأوروبي ومجلس حقوق الإنسان التي صدرت مع بداية هذا العام بخصوص الوضع في السودان خاصة فيما يتعلق بعدم الاعتراف بحكومة بورتسودان ورفض قيام اي حكومة في الأراضي التي تسيطر عليها الدعم السريع. ومع ذلك فالحزب يطالب بعدم الاكتفاء بإصدار البيانات وتكرار التصريحات المصحوبة بالقلق.بدلا عن ادانة والزام القوى الدولية والاقليمية الكف عن مد طرفي الحرب بالسلاح والعتاد والمعلومات اللوجستية. والمطلوب هو المضي قدما في تطبيق وتنفيذ القرارات التي صدرت من المؤسسات المذكورة بشأن الوضع الكارثي في السودان خاصة حول وقف الحرب واتخاذ تدابير ملموسة بشأن حماية المدنيين ومعالجة الوضع الإنساني المتدهور وتطبيق العدالة.
يتحمل مكتب مدعي المحكمة الجنائية الدولية مسؤوليته في الشروع في اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة في مواجهة عناصر حكومة الأمر الواقع في بورتسودان كذلك في مواجهة عناصر الدعم السريع وحلفائهم الجدد في مجموعة التاسيس التي انضمت لمليشيا الجنجويد في نيروبي.
يدعو الحزب الشيوعي السوداني جماهير الشعب السوداني وقواه الحية للتصدي لمحاولات طرفي الحرب وحلفائهم في الداخل والخارج والتي تسعي لقطع الطريق أمام ثورة ديسمبر المجيدة وتفتيت وحدة البلاد.

عاش نضال الشعب السوداني من أجل الحرية والعدالة والاستقلال ومن اجل وحدة البلاد.

المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني
٣/مارس/٢٠٢٥  

مقالات مشابهة

  • تركيا.. الحركة القومية يلغي اجتماعه للمرة الخامسة بسبب مرضه زعيمه
  • بعد فرض رسوم جمركية جديدة.. من المستفيد الأكبر من اشتعال الحرب التجارية؟ أمريكا أم الصين!!
  • ما هي الدول الأوروبية التي ستشارك في "تحالف الراغبين" من أجل أوكرانيا؟
  • الحزب الشيوعي السوداني: وحدة السودان وسلامة أراضيه واجب الساعة ولا شرعية لحكومات نتجت عن الانقلاب وحرب ابريل 2023
  • زيلينسكي: أوكرانيا بحاجة إلى سلام حقيقي
  • «الشيوعي السوداني» يحذر من تبعات محاولات طرفي الحرب لتشكيل حكومات
  • ما هي الأسباب التي تعزز فرص الهجوم الإسرائيلي على إيران؟
  • الحَرْبُ مُنْعَطَفٌ تِكْتِيكِيٌّ أَمْ مُطَبٌّ دْيالِكْتِيكِيٌّ (2)
  • موسم التشرذم السياسي في السودان
  • عدسة شفق نيوز توثق هلال رمضان قرب مئذنة القاسم (صور)