محاولة لفهم مواقف الحزب الشيوعي السوداني في الراهن السياسي
تاريخ النشر: 14th, January 2024 GMT
طه جعفر الخليفة
Social chastity and political purification
العفاف الإجتماعي و الطُهْر السياسي
ليس بيننا من يشك في أن المجتمع السوداني في كافة أنحاء البلد جنوب و شمال، غرب و شرق و في الوسط يُعْلَي من قيم عفاف اليد و طُهْر اللسان. عفاف اليد بيننا يعني الإمتناع عن المكاسب غير المشروعة و طهر اللسان يعني الإبتعاد عن اللغة المؤذية للمستمعين.
شوهت فترة حكمهم أخلاق السودانيين و لا يكاد ينفرط مجلس للسودانيين دون ذكر هذه الحقيقة. كانت فترة حكم الإسلاميين فترة مظلمة من تاريخنا.
الفساد السياسي بمفهوم إستغلال النفوذ من أجل مكاسب مالية و إجتماعية ملمح أساسي للمارسة السياسية خلال حقب الديكتاتوريات العسكرية يسار و يمين و مختلف ألوانه. الكذب و التلفيق ملحمح أساسي للصحافة التابعة للأنظمة المستبدة و النماذج تتري. من أين يجييء هذا النوع من الكسيبة السياسيين و الصحفيين و الإعلاميين؟ سؤال مشروع و مهم. بالنظر لهذا النسيج المتفرد من القيم السامية التي يتحلي بها بنات و ابناء شعبنا المغوار الجسور. أعتقد أنهم يجيئون من خلال عمليات خلخلة البنية الإجتماعية التي يخلقها الفساد السياسي بمفهومه العريض.
إيِداً آذتو ما بنسالما .. (محجوب شريف و ألحان وردي نشيد فارس الحِمَى)
لا يتهم الحزب الشيوعي السوداني أحزاب قحت أو القوي المنضوية تحت لواء تقدم بقيادة حمدوك في ذممهم المالية أو في أخلاقياتهم السياسية فهم عند الحزب مكان أحترام في هذه الناحية. و علي الصعيد الفكري المترتب علي الموقف الطبقي لا لوم علي قوي رأسمالية تدير مصالحها كما تريد عبر المؤسسات الحزبية والتحالفات السياسية، لأن هذه هي طبيعة الرأسمالية. ما يعترض عليه الحزب الشيوعي السوداني هو العمل مع المجرمين من عناصر اللجنة الأمنية لنظام البشير و بقية الفلول الكذَبة خلال الفترة من سقوط البشير و ابن عوف و إلي اليوم. ما يعترض عليه الحزب الشيوعي السوداني هو الرضوخ المخزي لحكومتي الفنرة الإنتقالية لضغوط اللجنة الأمنية و لقد إنعكس ذلك علي سبيل المثال في تسليم ملف السلام للمجرم حميدتي و كذلك أدارة ملف اللجنة الإقتصادية و تسليم ملف العلاقات الخارجية و غيرها للمجرم البرهان. مثل هذه النقاط هي ما يعترض عليه الحزب الشيوعي السوداني. و الأهم من ذلك عدم إنفاذ ملف المحاسبة علس جرائم و إنتهاكات نظام البشير و فترة تسلط اللجنة الأمنية. هذه هي نقاط الخلاف الأساسية.
رفض الحزب الشيوعي عبر تصريح الأستاذ صالح محمود التعامل مع الدعوة التي قدمها مشكوراً رئيس الوزراء حمدوك للحزب الشيوعي للإلتحاق بمبادرة تقدم/حميدتي من أجل وقف الحرب. بالمناسبة ينشط الفلول و آخرين في الترويج لأن ما تمّ بين الطرفين هو إتفاق سياسي أو تكوين حاضنة سياسية للدعم السريع و لقد نسي هؤلاء الرجوع لمسودة الإعلان المشترك التي نصت علي بناء جيش قومي موحد و علي إبعاد العسكر عن السياسة، وهذه ببساطة تعني أن لا دور لحميدتي في مستقبل السودان. و للمعلومية ما يشغل حميدتي و البرهان و الهاربون الكيزان هو النجاة من المحاسبة و الأفلات من العقاب و الحوز علي مكاسب الفساد أو علي الأقل نصيب منها. هذا ما يشغل المجرمين. دافعهم لكل هذه الممارسات الإجرامية هو الخوف من المحاسبة و معروف في ثقافتنا خوف اللصوص!
ما تمّ في أديس اببا إعلان سياسي و ليس إتفاق سياسي ولا بناء لحاضنة.
يتسآءل البعض عن كيف سينجز الحزب الشيوعي إختراقاً سياسيا عبر موقف لا للحرب، إختراق يؤدي لوقف الحرب و إنهاء معاناة السودانيين علي الصعيد الإنساني و غيره. كما إعتاد الحزب الشيوعي السوداني فهو يعمل مع الجماهير لتجقيق خطه السياسي. من أراد أن يفهم كيف سيتم وقف الحرب دون الحوجة للتعامل مع الجيش أو الدعم السريع أو تنظيم علي كرتي و احمد هارون و أسامة عبد الله و عبد الباسط حمزة الإسلامي العسكري. عليه أن يطرح هذا السؤال علي نفسه أولا و يفكر مع الحزب الشيوعي السوداني حول الكيفية. إقترح الحزبُ بناء جبهة مدنية عريضة لوقف الحرب، و إقترح أن يتم وقف الحرب عبر العمل من داخل الأراضي السودانية عبر النشاط السلمي و المدني. كيفية تنفيذ هذا المشروع يحددها قبول الجماهير للمقترحين. دونكم الشيوعيون في أماكن السكن و العمل و تعرفونهم. الشيوعيون لا يفكرون للجماهير و لا يعلمون نيابة عنهم أنما يعملون معهم و بإلتزام كامل. فهذه هي الحرب و ذلكم الطريق لوقفها. و لن تقصر عضوية الحزب في الشرح و التوصيل لهذه المقترحات عبر منابر الحزب الشيوعي السوداني.
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=408224
طه جعفر الخليفة
اونتاريو -كندا
14 يناير 2024م
taha.e.taha@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحزب الشیوعی السودانی
إقرأ أيضاً:
البوصلة البولندية لفهم ما يجري في أوروبا
في كل قارة هناك دولة أو بضعة دول تكون هي المفتاح لفهم التحولات السياسية والعسكرية التي يجري فيها. وبولندا كانت دوما هي البوصلة التي تحدد مستقبل أوروبا، فهي دولة مركزية كبيرة تقع في شرق أوروبا انضمت للاتحاد الأوروبي، وهي جسر جغرافي وسياسي وثقافي بين أوروبا الغربية من جهة وبين روسيا وأوروبا الشرقية من جهة أخرى. وتشير علاقات وارسو الحالية مع كل من أوكرانيا والاتحاد الأوروبي وروسيا إلى أن ما يدور فيها يساعد بشكل كبير في فهم التحولات المصيرية التي تموج بها القارة الأوروبية.
فبداية، بولندا هي العنوان الكبير في الحروب العالمية التي دارت رحاها بشكل رئيس بين الأوروبيين. فهي الدولة التي لم تكن لتقوم وتحصل على استقلالها لولا انهيار ثلاث إمبراطوريات في الحرب العالمية الأولى، وهو الإمبراطورية النمساوية المجرية، والقيصرية الألمانية، والإمبراطورية الروسية، إذ كانت الأراضي البولندية مقسمة بين أراضي كل هذه الإمبراطوريات. أما في الحرب العالمية الثانية فكانت شرارة البدء من بولندا عندما غزتها ألمانيا بقيادة أدولف هتلر.
وبولندا الحالية تتحسس مسدسها مما يجري في أوكرانيا، وقد أعلنت استهداف تدريب مائة ألف متطوع في الجيش سنويا لتعزيز الاحتياطات العسكرية. ولا تخفي وارسو خشيتها من أن تكون الثانية على قائمة الغزو الروسي على غرار أوكرانيا، إذ طالب الرئيس البولندي أندريه دودا الولايات المتحدة الأمريكية بنشر أسلحة نووية في أراضي بلاده، كوسيلة للردع ضد ما عبر عنه صراحة بأنه عدوان روسي مستقبلي.
هذا الأمر يعني أكثر مما يوصف بأنه عسكرة لأوروبا، أي العودة إلى أساليب التسليح التقليدي لمواجهة المخاطر العسكرية المحتملة في هذه القارة التي لطالما تغنت بالتعلم من دروس حروب الماضي. والحالة البولندية تظهر أن الطموح الروسي ماض في طريقه أوروبيا كما شرحنا في عدة مقالات خلال السنوات الماضية.
ومن ناحية أخرى، فإن ما يجري في بولندا يشي بأن مشاريع الاندماج بين أوروبا الشرقية والمنظومة الغربية ممثلة سياسيا في الاتحاد الأوروبي وعسكريا في حلف شمال الأطلسي الناتو هي مشاريع لم تؤت الثمار المرجوة منها. وذلك لأن عضوية بولندا للناتو لم تعد مقنعة لوارسو في قدرتها على الحماية من غزو روسي، بدليل هذه الزيادة الرهيبة التي تستهدفها في جنود الاحتياط في الجيش، وبدليل آخر متعلق بطلب نشر هذه الأسلحة النووية.
أما على صعيد الاتحاد الأوروبي فيكفي أن نعرف أن أحد الأسباب الرئيسة لتصويت البريطانيين للخروج من الاتحاد الأوروبي هو العمالة البولندية التي اعتبرها البريطانيون منافسة لهم في سوق العمل، والأدهى من ذلك اعتبروها مهددة لثقافتهم المحلية بعد الانتشار الكبير للبولنديين في البلاد لدرجة أصبحت فيها اللغة البولندية هي اللغة الثانية في بريطانيا بعد الإنجليزية. بعبارة أخرى، لم تطق واحدة من أكبر الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي عضوية بولندا بعد الاندماج وتركت لها الاتحاد برمته.
إذا عرفنا كيف تنظر روسيا لبولندا تكتمل لنا دائرة الفهم، فموسكو ترى في بولندا ليس فقط قطعة سابقة من أراضيها قبل الحرب العالمية الأولى ولكن رأس حربة للمشروع السوفييتي سابقا في قلب أوروبا، فحلف وارسو كان المعادل الأمني للمعسكر الشرقي في مواجهة حلف شمال الأطلسي الناتو. وحين ترى روسيا أن هذا الحليف التاريخي لا يُستخدم فقط لدعم أوكرانيا في مواجهتها، ولكن يستخدم في بناء قواعد أمريكية كتلك التي أعلنت الولايات المتحدة عن إقامتها في مدينة بوزنان شرق البلاد قبل عامين، فإنها بالتأكيد تنظر لما يجري بشكل عدائي.
x.com/HanyBeshr