maqamaat@hotmail.com
قال وما أكثر ما كان يقول: خلق الله آدم أبا للبشر وزوده بالمعارف الضرورية لعمارة الأرض في قوله "وعلم آدم الأسماء كلها ". وقد استغرق الجدال والتحاور حول مصدر تلك المعارف قروناً بين فلاسفة الشرق والغرب ولم يجدوا بداً في نهاية المطاف, من الاعتراف بأن الإنسان مزود بها قبلياً مكنونة في العقل الذي يعد علامة فارقة ميزت الإنسان وجعلته بمصباح ما ركب في خلقه من ذلك العلم ,المسيرالمهيمن علي أمر الأرض دون سائر المخلوقات وبينها بل أكثرها تتفوق عليه بالقوة البدنية والقدرةعلي الفعل والبطش.
وقد كان آدم في نعيم ما قبل التكليف قد خبرمذاق الحياة السهلة الهنيئة التي لا تعب فيها ولا ضجر, قد اشتهي استجابة لغريزة ركبت فيه أن يبقي حيث هوهانئا آمنا أبد الآبدين في الجنان المخضرة الزاهية الألوان ونسي أن ذلك كائن ولكن بشروط وامتحانات فغوي ثم هوي إلي الأرض وقد وعي الدرس وهو يحمل خارطة طريق إلي الخلود الذي اشتهي . و ظل نسل آدم يغالب الشهوات والرغائب المغروسة في جيناته مذ بدا في ذلك النعيم المقيم لم تقتلع خطيئته الأولي حب الخلود وكراهية الفناء وتولدت بذلك البغضاء والأثرة والأنانية في عقبه حين ظنوا أنه بالامكان التعجيل بتحقيق النعيم وربما اسدامته قبل الأوان ودون امتحان وظل التأريخ البشري كله سجين الهرج والهرج هو الموت. " أتجعل فيها من يسفك الدماء" ذاك سبق في علم الله ولله في خلقه شؤون! فترات السلام في التاريخ البشري جد قليلة حتي انها لم تذكرسوي مرتين : حقبة السلام الاسبانية ( باكس اسبانيش)وكانت بضعاً وعشرين عاماً ! ثم الامريكية (باكس أمريكانا) التي نعيشها منذ الحرب الثانية ومنذ ذلك الحين لم تتوقف الحروب الطاحنة المدمرة , صحيح أنها لم تشمل كل المعمورة لكنها تنوعت بين إبادات جماعية للبشر وتطهير علي الهوية والعرق والدين في أكثر من مكان وحتي الآن!
بدأ الشر في بيت آدم النبي المبجل الذي تقبل ربه توبته فلم يورث الخطيئة أحداً من ولده فكل نفس بما كسبت رهينة ولكن وفي مثل هذا البيت المثالي سولت نفس قابيل أن يقتل أخاه هابيل. ولما تكاثرت ذرية آدم مع الزمن قل فيها الأخيار وكثرت الأوادم الشيطانية يترسمون خطي المجرم قابيل في التقتيل والتدميرحتي استفحل فلم تصمد حضارة اليونان ثم الرومان من جحافل من الآوباش تدمرما شيده العقل البشري فأصبح أثرا بعد عين ثم جاء المغول فجعلوا بغداد العلوم ومنارة الدنيا قاعاً صفصفا ونحن وفي الألفية الثالثة تتعرض غزة هاشم للموت في كل ثانية من الزمان مثلما نتعرض نحن في السودان لوحوش آدمية متعطشة للدماء تحاكي فعال جنكز خان وحفيده هولاكو تتسلي بقتل الأطفال والعجزة والنساء وحرق المكتبات وكل ما يمت للمعرفة بصلة والعالم (المتحضر) يقلب قواميسه يلتمس فيها مصطلحا لهذه الحرب يخلي ساحته من المسؤولية ويريح ضمائر قلة فيه بقيت حية, يروم خداعها وهو يعلم علم اليقين من يقف وراءها ويشعل أوارها .
كلما أنبت الزمان قناة ركب المرء في القناة سنانا
ولا بد من مقاومة للشر والخضوع له مذلة لا تليق بكرامة الإنسان:
ومراد النفوس أصغرمن أن نتعادي فيه وأن نتفاني
لكن الفتي يلاقي المنايا كالحات ولا يلاقي الهوان
وتتحول القناة إلي صاروخ أسرع من الصوت والمانجنيق الحارق إلي قنابل نووية وهايدروجينية تبيد الملايين في لحظات. يحدث ذلك متزامنا مع تطور العمران والقضاء علي كثير من الأمراض وتعدد مباهج الأطعمة والأشربة بل وتحييد الطقس الشديد البرودة أو القائظ الحرارة .تفسد ذلك تلك الغرائز السالبة ,الأثرة والبغضاء وحب السيطرة والإذلال. ذلك كله بوسائل التدليس والكذب والإفتراء فلا ينعم إنسان بهناء ولا راحة بال وتصبح أكثر الأمراض جراء ما يآكل الإنسان وما يشرب بل بما يتنفس من هواء!
ظواهر الحياة تبدو رائعة و ناطحات السحاب من أبنية الزجاج الملون تتسابق إلي السماء في كل مكان : في شنغهاي وطوكيو وسياتل وميلبورن وحتي في أماكن عديدة في العالم الفقير حتي لو أنك نزلت ليلا دون أن تعلم في احداها لا تعرف أين أنت . لقد قضت المحاكاة الفجة علي جمال التنوع المميزلكل مكان وشارة كل ثقافة وحضارة. لم؟ لأن تلك الأبنية الزجاجية الشاهقة عدوها عنواناً علي التحضر والرقي بل وتسابقوا أيهم يملك أعلاها وأقربها إلي السماء بينما يعيش تحت ظلالها في كل مكان ملايين يعيشون في العراء لا يملكون قوت يومهم.هل جعلت هذه الطفرات الهائلة في العمران من الإنسان كائناً أكثر رحمة وأنبل نفساً أم أننا إزاء خطين متوازيين لا يلتقيان أبدأ مادة تأخذ بلباب الحياة ومخلوق تتغلب عليه غرائزه وشهواته كل يوم يحسب التطور في غلواء المادة وجبروتها!
الحياة في عالم اليوم تعد أخطر من أي وقت مضي إذ يمكن أن يبيدها الضغط علي أزرار تفني الحياة علي هذا الكوكب الجميل.
ما قيمة التطور إذن؟ وما جدوي اللهاث المحموم علي مقتنياته؟ هذه الهواتف الذكية, ألم تصبح عيئا علي الإنسانية يقتل بها وقته بلا طائل أو تخترق بها أجهزة الأوادم الشيطانية أسراره للإيقاع به وجلب التعاسة والضنك إلي ساحاته وحماه؟
هل بلغ الإنسان الغاية أو بلغ (الميس) من الحياة فبدا يعبث بها كعبث الصغارالأغرار بكل عظيم النفع من الأشياء؟ تحولت كل المجتمعات من الاحتشام الي التبذل وأصبح العري منقبة والتفحش تلقائية محببة تماماً كما بدأ آدم إذ بداعاريا بلا لباس هو وزوجه حواء ثم رقي نسله في الإنسانية بالحياء فاسستتركل الناس إلا قلة في الأدغال وفرض التساكن تقسيم العمل وتباين الأدوارلتتكامل في خدمة حركة الحياة وأصبح التزاوج بين الذكر والأنثي وصفة لا يراد بها اشباع الشهوة وحدها بل مطية إلي الإ كثار وحفظ النسل مثلما تفعل سائر الأحياء. حتي هذه القيمة أصبحت اليوم قيد النظر وأصبح الجندر حسب الاختيار فطفلك في المدرسة هو الذي يحدد ما إذا كان ذكرا أم أنثي ويستحق حينئذ الهرمون الذي يحقق غايته دون علمك وليس لك أن تعترض ! قال بايدن لقد ولي زمان هذا ابن فلان! وافلاطون في جمهوريته قبل آلاف السنين لم يزد علي ذلك القول حين قال بإرغام الناس علي تسليم المواليد للدولة لتنشئتهم ! لكنك في زمن التقدم هذا معني باطعامهم ومعيشتهم علي أن لهم أن يختاروا الجندر الذي يريدون ولكن وفي ذات الوقت لوارتكبوا جريمة فتلك مسؤوليتك! والأسرة تعرف بأنها الجمع بين حبيبين ليس مهماً فيه أن يكونا من جندرين مختلفين فيكون بين رجل ورجل وامرأة وإمرأة . قال ذلك ناشط أمريكي ساخط علي ذلك لزعيم قبيلة الماساي في كينيا يطلعه علي مجمل الحال في العالم المتحضر ففزع الرجل وقال كيف يكون ذلك؟ قال له هل تريد الذهاب معي إلي أمريكا فقال الزعيم بحدة لا.. لا.. لا أريد الذهاب إلي هناك إبداً! وطلب الناشط من أستاذ في علم الأجتماع في احدي الجامعات أن يعـرف المرأة فاستشاط الأستاذ غضبا ورفض الإجابة مخافة أن تثور عليه جماعات الاثنوية فيفقد وظيفته. عاد إلي بيته غضبان أسفي قال لزوجته عرفي لي المرأة فمدت إليه علبة استعصي عليها فتحها ليفتحها! ترد بلسان الحال لا المقال!! ولشدة تحامل القوانين علي الرجل تراجعت نسب الزواج ويتراجع معها بإطراد عدد السكان في الدول الصناعية وتتزايد المخاوف من زيادتهم في إفريقيا. تري أي تدابير ستتخذ لمنع ذلك؟!
أو ذلك من قلة الكوابح والقوانين الضابطة لإيقاع الحياة؟ علي العكس من ذلك فهناك وفرة منها بلغت حتي التخمة أتعبت الخيريين من الخبراء في الصياغة والضبط القانوني لدرء العدوان وإنصاف الضعفاء ويوم أجيز الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بدل بعض المؤمنين عقائدهم الراسخة في العدل والإنصاف واعتنقوا ذلك الإعلان توهماً منهم أنه أضبط وأكثر استجابة لروح العصر وصدرت بعده قوانين ومعاهدات واتفاقات لذات الغاية المتوخاة لتحقيق العدل والإنصاف. ولكن الذي حدث بعد العام 1948 رهيب ومخيف في سربنتيشا وفي فلسطين وفي السودان وفي أماكن عديدة في العالم ليتبين أن تلك القوانين صنعت للصغار الضعفاء ولتحديد مسارات لا يتجاوزونها ليظلوا حيث هم في مؤخرة الركب وتبقي أيضاً الحقيقة الصادمة أن القوة هي الحاكمة!
ولو لا الخوف علي الصحة لاستبيح زواج المحارم وقد كان ممارساً في القديم, وهل أبقينا علي سبة كانت مذمومة في القديم إلا أحييناها؟!
قال أبو الطيب:
يا أخت معتنق الفوارس في الوغي لأخوك ثم أرق منك وأرحم
يرمي إليك مع العفاف وعنده أن المجوس تصيب فيما تحكم
قالوا كانت المجوس تجيز زواج الأخ من أخته وهو هنا قد خاطبها تأدباً بالأخت وهي ليست له بأخت وقد أخذ بجمالها لكنه عف لمجرد المجاز أن تكون حليلة له. العالم يتدحرج من ذري الأخلاق إلي حضيضها فكيف سيكون غداً؟؟
ظل الناس يقولون لمن لا يعجبه الحال ليذهب ليشرب من البحر يعنون البحر المالح الذي لا يشرب ماؤه هذا علي الأقل قبل اختراع محليات مائه وتلك ينقل حصادها عبر الصنابير! وحتي لوكان بالامكان الشراب منها كيف ذلك وقد تلوثت ؟! حتي الطيور المعتمدة علي أحيائها غدت مهددة بالإنقراض بفضلات البلاستيك وغيرها وغدت تموت بالملايين حتف أنفها!
تري كم من الناس يملك قيمة تذكرة يروج لها هذه الأيام, تنقلك إلي سطح المريخ البعيد وسطح نادي مريخنا في أمدرمان بعيد المنال لا يزال محتلاً لا يقربه عاقل يكابد الحياة بين الأحياء؟ الله وحده العليم والمستعان!
وأنت يقيني أنك تتمني كما أتمني أن نستمسك بعري الأخلاق وندعو للعض عليها بالنواجذ حفظا وحفاظاً علي الحرث والنسل!
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
تأثير الإنفلونسرز على مفهوم الحياة المثالية لدى المراهقين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تؤثر منصات التواصل الاجتماعي بكافة أشكالها في تشكيل مفهوم الحياة المثالية لدى المراهقين، حيث يسعى العديد من المراهقين إلى تقليد أسلوب حياة الإنفلونسرز الذين يبدون وكأنهم يعيشون حياة مليئة بالرفاهية والنجاح والمغامرات المثيرة، إلا أن هذه الصورة المثالية التي يتم عرضها على منصات التواصل الاجتماعي مثل الانستجرام أو التيك توك أو حتى اليوتيوب، ماهي إلا لقطات يتم انتقاؤها بعناية شديدة بعد أن يكون قد تم تعديلها بأكثر من وسيلة لتصل إلى الكمال، وهذه الصورة غير واقعية قد تشكل مفهوم الحياة المثالية للمراهقين من خلال مايتم عرضه في ارتداء ملابس فاخرة، وامتلاك سيارات فخمة، والسفر إلى أماكن سياحية مختلفة، وصولا إلى علاقات اجتماعية وعاطفية مثالية وكأنها خالية من المشاكل أو التحديات، كل ذلك يعزز الانطباع لدى المراهقين بأن هذه هي المعايير التي يجب أن يسعوا إليها، حيث أنهم في تلك المرحلة العمرية يكونون في عملية تطوير لهويتهم الشخصية، وأكثر عرضة للتأثر بهذه الصور المثالية، فعندما يقوم المراهقون بمقارنة حياتهم مع الحياة التي يعرضها الإنفلونسرز يشعرون بعدم الرضا أو الدونية، وتلك المقارنات المستمرة قد تؤدي إلى شعورهم بعدم الثقة في النفس وأنهم لا يستطيعون الوصول إلى نفس المعايير أو النجاح الذي يظهر في صور الإنفلونسرز.
كما أن بعض المراهقين لا يتوقفون عند مجرد مشاهدة هذه الصور فقط، بل يتفاعلون مع الإنفلونسرز على منصات التواصل الاجتماعي بشكل يومي، وهذا التفاعل المستمر يعزز لديهم تأثير الإنفلونسرز لدرجة ان يصبحوا بالنسبة لهم قدوة ومثل أعلى يحتذون به. ومع كل مشاركة لصورة أو حدث جديد، قد يزداد الضغط على المراهقين لتحقيق مظهر أو نمط حياة مشابه، مما يفقدهم القدرة على قبول أنفسهم كما هم، ويصبح هدفهم الرئيسي هو أن يظهروا كما يظهر الإنفلونسرز، بدلًا من التركيز على تطوير مهاراتهم الشخصية أو التعبير عن أنفسهم بطريقة إيجابية تتناسب مع هويتهم الحقيقية. لكن هناك بعض النصائح التي من شأنها أن تقلل من هذا التأثير السلبي على المراهقين، ويتثمل ذلك في أن يتعلموا كيفية تقبل الاختلاف من حولهم سواء كان هذا الاختلاف في المظهر الخارجي أو في المستوى الاجتماعي أو في أسلوب الحياة، بالإضافة إلى تحديد المعايير الخاصة بهم بعيدًا عن الصور المثالية التي تعرضها منصات التواصل الاجتماعي، كذلك يوجد للأهل وللبيئة الاجتماعية المحيطة بالمراهقين دور في تعزيز وعيهم بالتأثيرات السلبية لمنصات التواصل الاجتماعي، وتوجيههم نحو استخدام تلك المنصات بشكل واعٍ ومتوازن.