في ليلة تأصيلية بامتياز: قصة “بسطة أم محمد” : العودة إلى الجذور
تاريخ النشر: 14th, January 2024 GMT
كتب ـ د. الفاتح كامل
في ليلة تراثية تأصيلية بامتياز، قدم الأستاذ عبد العلام الفلقي رئيس اللجنة الثقافية في محايل عسير، جنوب المملكة العربية السعودية، بصوته الوقور الهادئ المثقف، قدم الأستاذ محمد علي الشاعري، وهو قاص وروائي وكاتب مقالات سعودي من العيار الثقيل. وتنبع أهمية ما يكتبه الشاعري، من كونه يؤصل للتراث والتقاليد السعودية، بلغة السهل الممتنع في بساطة طرحه ورؤيته العميقة للحياة السعودية بمختلف مراحلها.
في ملتقى "هيفان" الشريك الثقافي، هذا الملتقى الذي يرعاه بعناية الحاذق الخبير الأستاذ محمد الحسن الشهري، والذي وفر متسعا يعانق فيه هواء محايل العليل، دقة ورفاهية وجمالية وسحر المكان المنتقى بعناية، انطلقت تلقائية محمد علي راسخة الجذور لتعانق هواء المكان الذي القى بشاعريته على حضور غص بهم المكان الزاهي عبيره وألوانه.
في قصته الماتعة " بسطة أم محمد وسمن عمتي صفية بالسوق الشعبي"، وهي القصة التي يبدو عنوانها طويلا أكثر مما ينبغي ، وإن جاء العنوان بصورته تلك متعمدا، يحكي أو يحاكي الشاعري بتلقائيته المحببة، تناول شريحة مهمة من شرائح المجتمع السعودي، وهي شريحة النساء البسيطات الكادحات اللائي يعرضن بضائعهن التي لا تتعدى السمن والعسل والعطور وبعض المستلزمات القليلة التي تماثل تطلعاتهن المقبولة في اطار مساعدة أسرهن، في ما يعرف بـ "البسطات" وهي جمع بسطة. وهي بالمناسبة شريحة لا يستهان بها في بناء أسر واخراج أيادي نظيفة طاهرة تشارك في بناء هذه المملكة الحبيبة لقلوبنا، وبالمناسبة هذه الشريحة المهمة والتي يقل تناولها في أدبنا بمختلف ضروبه من أدب شعبي تقليدي أو حديث ، هي شريحة موجودة في دول عربية عديدة لها امتداداتها بمصر والسودان ولبنان وسائر دولنا العربية.
محمد علي الشاعري، في هذه القصة الرائعة الموغلة في بساطتها، يتناول هذه الشريحة العاملة الكادحة بالبيع الحلال، وهو شيء يحسب له ويحمد عليه. وغني عن الذكر من الايغال في المحلية انتقل كبار الأدباء للعالمية، فعلها من قبل وولي سنوكا وسنغور والروائي العبقري الطيب صالح. ويفعلها اليوم الشاعري.
المحلية التي تقود للعالمية وصفها من قبل الكاتب "إبراهيم درويش" في قراءته لأدب الطيب صالح "رحمه الله"
"يصف الأديب السوداني الراحل الطيب صالح 1929 - 2009 كيف وصل لندن في خمسينيات القرن الماضي وكيف عاش تجربة البرد التي لم يكن يعرفها في بلده الأصلي، وكيف أن تجربة البرد أدت به للحنين إلى وطنه، ناسه وأهله في السودان، كان ذلك في عام 1953 حيث يقول أنه وجد نفسه أمام موجة برد لم تعانها بريطانيا منذ فترة طويلة، ويتحدث كان البرد يتسرب إلى كل جسده والى أسنانه التي أخذت تصطك 'لسعني البرد وأحسست بزمهرير داخلي وكيف بدأ يلوم نفسه على قراره والحظ العاثر الذي جلبه للندن". جاء للعمل في 'بي بي سي' ولم تكن له خبرة في العمل الإذاعي وشعر أنه وقع في ورطة. وفي جو لندن البارد ووحدته القاتلة في مدينة غريبة بدأ الصالح يحن إلى دفء عائلته وبلده وعشيرته وعندها كتب قصته القصيرة 'نخلة على الجدول' القصة التي ضمنها مجموعته القصصية 'دومة ود حامد' ،ويواصل صالح تذكره عن لحظة الوصول والصدام مع لندن كما ورد في كتاب طلحة جبريل 'على الدرب: مع الطيب صالح ملامح من سيرة ذاتية' (1995)، أنه عندما يعيد قراءة القصة كان يتذكر أنها ولدت ببساطة في لحظة حنين لوطنه. والقصة جاءت نتاج تعبير عن الحنين من خلال مناخها ومحاولة استعادته. لندن التي واجهها صالح ستظل مركز حياته وصراعه مع الأفكار وبناء الشخصيات، فقد عاش فيها أكثر مما عاش فيها بطله مصطفى سعيد 'موسم الهجرة للشمال'، ولم يعد مثل سعيد إلى السودان إلا زائرا عاديا للعائلة فيما تبقى منها، ومحاضرا في مرات أخرى لكن سعيد مثل صديقه منسي يوسف بسطاروس في روايته / مذكراته عن تلك العلاقة ظل سودانيا وريفيا من السودان يعيش في قلب لندن لأنه كما يقول ظل يحمل التجربة الريفية في داخلة، القرية تجمدت في عقله وتحولت لنوستالجيا، والأسى الوحيد الذي حمله طوال حياته ان تجربته وذكرياته عن قريته و'ناسه' لن تعود أبدا أو لم تعد إليه وهو حي. وهو كما تشي شخصياته وأبطاله ظل متجذراً في الخصوصية السودانية مع انه عاش في عاصمة الإمبراطورية السابقة وتزوج منها جولي ماكلين (اسكتلندية) عام 1965 وخلف ثلاث بنات، زينب وسميرة وسارة.
روايته 'موسم الهجرة للشمال' اعتبرها الناقد ادوارد سعيد واحدة من أهم ست روايات في الأدب العربي وبحسب تصنيف عربي اهم راوية في القرن العشرين. وان عاش صالح معظم حياته في لندن فقد كانت المدينة في مركز روايته أو مواجهته مع تراث الإمبراطورية في روايته 'موسم الهجرة إلى الشمال' التي اعتبرتها صحيفة 'اوبزيرفر' اللندنية عند صدور ترجمتها للانكليزية الجميلة التي قام بها دينيس ديفيس جونسون، إنها نسخة جديدة من ألف ليلة وليلة ولكنها أوروبية وليست عربية".
شكرا للأستاذ المبدع المتألق عبد العلام الفلقي في رعايته لهذه المنتديات المستنيرة الواعية ، ويمتد شكري للشريك الأدبي "مقهى هيفان" بقيادة ربانه الماهر الأستاذ محمد الحسن الشهري، على هذا الثراء وهذا الإثراء للحوار الأدبي المفيد والذي يقود الدول للبناء ، وهو ما نشهده بأم أعيننا في مملكة الخير الناهضة شديدة الازدهار في ظل قيادة حكيمة تعرف ما تريد لشعبها المفضال الكريم الذي يستحق كل خير، المملكة العربية السعودية دولة عظمى قادمة في ظل رؤية استراتيجية واضحة متقدمة لدورها في المستقبل.
رئيس تحرير "مجلة النخبة الرائدة"
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الطیب صالح
إقرأ أيضاً:
“يفكه يا ليفة!”.. محمد رمضان يرد على منتقدي إطلالته في كوتشيلا
متابعة بتجــرد: في أول تعليق له بعد الجدل الواسع الذي أثارته إطلالته في مهرجان “كوتشيلا فالي” في الولايات المتحدة، خرج الفنان محمد رمضان عن صمته موضحاً سبب اختياره للزي الذي ظهر به خلال حفله الأول في المهرجان، مشيراً إلى أن الهدف كان تمثيل الحضارة الفرعونية ورفع اسم مصر، لا إثارة الجدل كما رُوّج عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وظهر رمضان في مقطع فيديو نشره عبر حساباته الرسمية، مرتدياً ملابس عادية، وقال: “أنا كنت مأجّل الرد لأني كنت مركز في الحفلة الثانية في كوتشيلا، الحفلة اللي شايلة اسمي واسم بلدي واسم جمهوري اللي في ضهري من أول يوم”.
وأكد الفنان المصري أنه لم يرتدِ يوماً ملابس نسائية، قائلاً: “جمهوري اللي حافظني وكبرت قدّامه عارف إن محمد رمضان عمره ما لبس لبس واحدة ست، لا في فيلم ولا في مسلسل، مع كامل احترامي للفنانين اللي عملوها. أنا لبست حلق في فيلم وكليب، لكن في الحقيقة عمري ما لبست حلق، ولا هلبس”.
وختم رمضان رسالته بالتأكيد على أن ما ارتداه في الحفلة الأولى لم يكن بقصد الظهور كما تم تفسيره على السوشيال ميديا، موضحاً: “الملابس كانت فرعونية، والمصممة فريدة، يمكن ماكانش معاها جنيهات كفاية فطلع قصير شوية… ومحمد رمضان ما يلبسش برا، محمد رمضان يفكه يا ليفة”.
View this post on InstagramA post shared by Mohamed Ramadan (@mr1)
main 2025-04-23Bitajarod