نُكران الجميل.. من صفات الأنذال
تاريخ النشر: 14th, January 2024 GMT
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر: "مَن لم يَشكُرِ القليلَ لم يَشكُرِ الكثيرَ، ومَن لم يَشكُرِ الناسَ لم يَشكُرِ اللهَ، والتحدُّثُ بنِعمةِ اللهِ شُكرٌ، وتَرْكُها كفْرٌ، والجماعةُ رَحمةٌ، والفُرقةُ عذابٌ".
إن جحود المعروف صفة ذميمة كريهة المعنى، تبعد صاحبها عن أخلاق الإسلام الذي دعا أبناءه إلى الوفاء والفضيلة، وأمرهم بتذكر الفضل ونسبته إلى أهله، يقول - تعالى -: {وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} (البقرة: 237).
فمن واجب المسلم أن يعترف بالجميل لصاحبه، وألا يتصف بالجحود؛ لأنه حينئذ يكون من المطففين، والله عز وجل يقول: {ويل للمطففين} (المطففين: 1). قال وهب بن منبّه- رحمه الله تعالى-: (ترك المكافأة من التّطفيف). فإذا كان ترك المكافأة من التطفيف فكيف بالجحود!.
قال إبراهيم بن مهديّ مخاطبا المأمون:
لـئـن جحـدتـك معـروفـا مَنَنتَ به إنّي لفي اللّؤم أحظى منك بالكرم
تعفو بعدل وتسطو إن سطوت به فلا عـدمتـك مـن عـاف ومـنتقــم
إن من تعوَّد نكران نعمة الناس وفضلهم عليه وترك شكره لهم، كان من عادته كفر نعمة الله عز وجل وترك الشكر له.
وقد قص علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قصة بعض الجاحدين وما حل بهم من عقوبة الله تعالى، حين قال صلى الله عليه وسلم: " إنّ ثلاثة في بني إسرائيل: أبرص وأقرع وأعمى. فأراد الله أن يبتليهم «أي يمتحنهم».فبعث إليهم مَلَكا. فأتى الأبرصَ فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: لون حسن وجلد حسن، ويذهب عنّي الّذي قد قذرني النّاس. قال: فمسحه فذهب عنه قذره، وأُعطي لونا حسنا وجلدا حسنا. قال:
فأيّ المال أحبّ إليك؟ قال: الإبل. قال: فأعطي ناقة عشراء. قال: بارك الله لك فيها. قال: فأتى الأقرع فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: شعر حسن ويذهب عنّي هذا الّذي قذرني النّاس. قال:
فمسحه فذهب عنه وأعطي شعرا حسنا. قال: فأيّ المال أحبّ إليك؟ قال: البقر. فأعطي بقرة حاملا.
فقال: بارك الله لك فيها. قال: فأتى الأعمى فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: أن يردّ الله إليّ بصري فأبصر به النّاس. قال: فمسحه فردّ الله إليه بصره.
قال: فأيّ المال أحبّ إليك؟. قال: الغنم. فأعطي شاة والدا «أي: وضعت ولده وهو معها». فأنتج هذان، وولّد هذا. قال: فكان لهذا واد من الإبل، ولهذا واد من البقر، ولهذا واد من الغنم. قال: ثمّ إنّه أتى الأبرص في صورته وهيئته. فقال: رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلّا بالله ثمّ بك. أسألك بالّذي أعطاك اللّون الحسن والجلد الحسن والمال بعيرا أتبلّغ عليه في سفري. فقال: الحقوق كثيرة.
فقال له: كأنّي أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرك النّاس؟ فقيرا فأعطاك الله؟ فقال: إنّما ورثت هذا المال كابرا عن كابر. فقال: إن كنتَ كاذبا، فصيّرك الله إلى ما كنت. قال: وأتى الأقرع في صورته فقال له مثل ما قال لهذا، وردّ عليه مثل ما ردّ على هذا، فقال: إن كنت كاذبا فصيّرك الله إلى ما كنت.
قال: وأتى الأعمى في صورته وهيئته، فقال: رجل مسكين وابن سبيل، انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلّا بالله ثمّ بك. أسألك، بالّذي ردّ عليك بصرك شاة أتبلّغ بها في سفري، فقال: قد كنت أعمى فردّ الله إليّ بصري، فخذ ما شئت، ودع ما شئت، فوالله لا أجهدك اليوم شيئا أخذته لله.فقال: أمسك مالك، فإنّما ابتليتم، فقد رضي عنك وسخط على صاحبيك" متفق عليه.
قال الشّنقيطيّ- رحمه الله تعالى- في معنى قوله تعالى: {أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} (النحل: 71): (هذا إنكار من الله عليهم جحودهم بنعمته؛ لأنّ الكافر يستعمل نعم الله في معصية الله فيستعين بكلّ ما أنعم الله به عليه على معصيته؛ فإنّه يرزقهم ويعافيهم، وهم يعبدون غيره، وجحود النّعمة كفرانها).
الجحود صفة الكافرين السابقين:
الله تبارك وتعالى هو الخالق الرازق المدبر ولي النعم: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعۡمَةࣲ فَمِنَ ٱللَّهِ} (النحل: 53).
وقد ذكر الله في كتابه قصص الجاحدين، ومنها قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ. وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} (لقمان: 31- 32).
وقال تعالى: {وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ.وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ} (هود: 59- 60).
وأخبر الله تعالى عن فرعون وقومه عندما جاءهم نبي الله موسى عليه السلام بالآيات الواضحات البينات أنهم: { وجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} (النمل: 14).
الجحود سبب زوال النعم:
قال االله تبارك وتعالى: {وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لئن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِیدَنَّكُمۡۖ وَلَئن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِیدࣱ} (إبراهيم: 7). قال ابن كثير في تفسيرها: (لئن شكرتم لأزيدنكم أي لئن شكرتم نعمتي عليكم لأزيدنكم منها، ولئن كفرتم أي كفرتم النعم وسترتموها وجحدتموها إن عذابي لشديد، وذلك بسلبها عنهم وعقابه إياهم على كفرها).
وقال سعيد بن جبير- رحمه الله تعالى- عند تفسير قوله تعالى: {إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ..} (القلم: 17). كان أصحابها من قرية يقال لها ضروان على ستّة أميال من صنعاء، وكان أبوهم قد خلف لهم هذه الجنّة، وكانوا من أهل الكتاب، وقد كان أبوهم يسير فيها سيرة حسنة، فإنّ ما يستغلّ منها يردّ فيها ما تحتاج إليه، ويدّخر لعياله قوت سنتهم، ويتصدّق بالفاضل. فلمّا مات وورثه بنوه قالوا: لقد كان أبونا أحمق؛ إذ كان يصرف من هذه شيئا للفقراء، ولو أنّا منعناهم لتوفّر ذلك علينا، فلمّا عزموا على ذلك عوقبوا بنقيض قصدهم فأذهب الله ما بأيديهم بالكلّيّة رأس المال والرّبح والصّدقة فلم يبق لهم شيء).
وقال عقب ذلك ابن كثير- رحمه الله تعالى-: (هكذا عذاب من خالف أمر الله، وبخل بما آتاه الله وأنعم به عليه، ومنع حقّ المسكين والفقير وذوي الحاجات وبدّل نعمة الله كفرا).
أخيرا إذا كان الجحود صفة اللئيم الظالم، فإنه لا ينبغي أن يمتنع أهل المعروف عن بذله؛ لأنهم يرجون ما عند الله تعالى من الأجر والثواب، قال ابن المبارك رحمه الله تعالى:
يد المعروف غنم حيث كانت تحمّلها شكور أو كفـور
ففي شكر الشّكور لها جـزاء وعند الله ما كفر الكفور
عن اسلام.ويب
المصدر: أخبارنا
كلمات دلالية: رحمه الله تعالى الله علیه
إقرأ أيضاً:
هيئة علماء فلسطين: تجريد المقاومة من سلاحها خيانة لله ورسوله
#سواليف
ردت #هيئة_علماء_فلسطين، الجمعة، على سؤال حول #نزع #سلاح_المقاومة في #غزة، وبيان #مخاطر هذه الدعوة.
وقالت الهيئة في بيان مطول لها ردا على السؤال، إنه لا بد من بيان جملة أمور: أولها: أن “امتلاك القوة بكل أشكالها هو السبيل لمنع عدوان #أهل_الكفر على #بلاد_المسلمين، وحماية أرضهم ودمائهم وأعراضهم، والحيلولة دون توسع أعداء الله في مواقع أخرى من بلاد المسلمين؛ وهذه المقاصد الشرعية أجملتها الآية الكريمة في سورة الأنفال حيث قال سبحانه ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾ [ الأنفال: 60]”.
وأضافت أنه “أوجبت هذه الآية على #المسلمين السعي لامتلاك ما يستطيعون من أسباب #القوة السائدة في زمانهم لتكون رادعاً للأعداء. قال الإمام الرازي رحمه الله تعالى: هذا عام في كل ما يُتقوى به على حرب العدو، وكل ما هو آلة للغزو والجهاد فهو من جملة القوة. فإذا كان المسلمون مكلفين بالسعي لامتلاك القوة التي لا يمتلكونها، فمن باب أولى التكليفُ بالحفاظ على القوة التي يمتلكونها وتطويرها وعدم التخلي عنها”.
مقالات ذات صلة شهيدان ومصابون بغارة إسرائيلية على خيمة بخان يونس 2025/03/29وأكملت أن ثانيها: “مما يزيد هذا الأمر وضوحاً أن ربنا سبحانه قد حذَّر عباده المؤمنين المجاهدين من الغفلة عن أسلحتهم في زمن الحروب أو أن يتركوها حتى وهم يؤدُّون الشعائر التعبُّدِية؛ لما في ذلك مِن مَنْحِ فرصة للعدو أن يتقوى بذلك عليهم ويحقق أهدافه فيهم، كما قال تعالى: ﴿ وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً …﴾”.
وأوضحت أن “الصحابة رضي الله عنهم يمسون ويصبحون في أسلحتهم رغم بعد شُقة العدو عنهم، فكيف بِمَنْ حاصرهم العدو ولا يأمنون في بلادهم طرفة عين من كيده”.
وتابعت أن ثالثها: “دعواهم أن نزع السلاح من أجل منع تهجير أهل غزة إنما هي دعوة باطلة مخادِعة يشهد بكذبها الواقع والتاريخ، أما الواقع فإن الذي مَنَعَ هجرةَ أهل غزة في هذه الحرب إنما هو وجود المجاهدين سادة أعزة يمتلكون شيئاً من القوة في مواجهة الصهاينة الذين بذلوا كلَّ جهد لإخراجهم؛ إضافة إلى صمود أهل غزة من خلال اِلْتِفَافِهِمْ حول المقاومة واعتدادهم بها، وإلا فإن مثل هذا العدوان بضراوته وتجرده من كل قيمة إنسانية كان كفيلاً بتهجير أهل غزة، لولا وجود مقاومة قوية شجاعة مسلَّحة بما أمكنها إعداده من أسباب القوة”.
وأما ثبوت ذلك بالتجربة التاريخية فذلك من خلال أحداث كثيرة ليس آخرها اغتصاب أكثر أراضي فلسطين 1948 حيث صودر سلاح الشعب الفلسطيني، وبذلت له الدول العربية وعوداً بقتال الصهاينة وجهزت لذلك جيشاً صورياً، وتعهدت له بعدم التهجير، ثم بالعودة بعد التهجير…. وكانت الهزيمة والتهجير والتآمر على حقه في العودة إلى أرضه وبلاده، وقد قال سبحانه ﴿فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ﴾ [الحشر: 2]، قال البيضاوي في تفسير هذه الآية: {فاعتبروا يا أولي الأبصار} فاتعظوا بحالهم فلا تُغدَروا، ولا تعتمدوا على غير الله[3]، أي أن المطلوب الاستفادة من عِبَر التاريخ ووقائعه مع الأعداء والحذر من غدرهم وعدم الاستسلام لهم مخافة وقيعتهم بعد ذلك.
وقالت الهيئة في البيان، إن رابعها أن “تلك الدعوة الآثمة إنما صدرت من الرئيس الأمريكي الذي لا يشك عاقل في عداوته للإسلام وأهله، وذلك من خلال دعمه المطلق للكيان الصهيوني، ويعينه على ذلك من حكام المسلمين من لم يعرف عنهم نصرةٌ للمجاهدين ولا عونٌ لهم، بل قد كان بعضهم عوناً للصهاينة وعيناً لهم؛ فلا ثقة لمسلم بهؤلاء ولا أولئك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «لا يُلْدَغُ المُؤْمِنُ مِن جُحْرٍ واحِدٍ مَرَّتَيْنِ»”.
وذكّرت الهيئة عموم المسلمين، أن “أهل فلسطين عامة وأهل غزة خاصة واقعون تحت احتلال ظالم اعتدى على حقوقهم وبلادهم ومقدسات الأمة والشريعة توجب عليهم وعلى الامة جهاد عدوهم، قال تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم} وقال سبحانه {واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم} قال الإمام المرغيناني في الهداية: “فإن هجم العدو على بلد وجب على جميع الناس الدفع تخرج المرأة بغير إذن زوجها والعبد بغير إذن المولى؛ لأنه صار فرض عين وملك اليمين ورق النكاح لا يظهر في حق فروض الأعيان كما في الصلاة والصوم”.
وقالت إنه “من المعلوم أن السلاح وإعداد العدة والقوة وامتلاك أفضل ما يمكن منها هو سبيل هذا الدفع، فعلى الدول التي تطالب المقاومة بالاستسلام أن تدعم المجاهدين، خاصة بعدما رأت أثر الإعداد وطيب ثمرته، وعليها أن تعلم أنها الهدف الثاني فيما لو فرغ العدو – لا قدَّر الله – من أهل غزة؛ فإن مقاومة الشعب الفلسطيني خط دفاع الأول، وعلى الأمة تقويته بكل سبيل”.
وأوضحت الهيئة في الفتوى، أنه “لا يجوز شرعاً لمسلم – حاكماً أو محكوما – أن يطالب المقاومة بتسليم سلاحها لما ينطوي عليه من خطورة على البلاد والعباد من خلال ما أوضحنا، ومن يدعو الى ذلك من الحكام فلا يمكن اعتباره جاهلاً بحقيقة الأمر، وإنما هو خائنٌ لله ورسوله والمؤمنين، ومتآمرٌ على المقاومة والمقدسات داعم للعدو وساعٍ في تحقيق مراده”.
وشددت على أنه “يحرم السعي في نزع السلاح، وقد صرح الفقهاء من قديم بذلك؛ حيث نطقت نصوصهم بعدم جواز الصلح مع الكفار إذا لم تكن في الصلح مصلحة للمسلمين راجحة، أو لم تدع اليه ضرورة. فإذا لم يكن الصلح جائزا عند عدم وجود المصلحة للمسلمين فتسليم الأسلحة للكفار أولى بعدم الجواز في هذه الحالة. خاصة أن هناك مضرة للمسلمين حيث يؤدي تسليم الأسلحة الى تهجير المسلمين من أوطانهم واستيلاء الصهاينة على غزة وقتل شعبها ومجاهديها فضلاً عن أن توجد مصلحة. قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: ولا يَجُوزُ أن يُهادِنَهم على أن يُعْطِيَهم المسْلِمُون شَيْئًا بحالٍ؛ لأنّ القَتْلَ للمُسْلِمِين شَهادَةٌ، وأنّ الإسْلامَ أعَزُّ مِنْ أن يُعْطَى مُشْرِكٌ على أن يَكُفَّ عن أهْلِه؛ لأنّ أهْلَه قاتِلِين ومَقْتُولِين ظاهِرُون على الحَقِّ، إلّا في حالٍ يَخافُون فيها الاصْطِلامَ، فيُعْطُون مِنْ أمْوالِهِم، أو يَفْتَدِي مأسُورًا فلا بَأسَ؛ لأنّ هذا مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ[6]. ومثل هذا منقول عن كثير من علماء المذاهب الفقهية”.
وأكدت أن “مسألة تسليم السلاح تقع في إطار الاستسلام للعدو وهذه مسألة بحثها العلماء بحثاً مفصلا وملخص القول: إن “الأصل أن الاستسلام للعدو والهزيمة أمامه لا يجوز وهو من الكبائر؛ قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)”.
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال) اجتنبوا السبع الموبقات -يعني: المهلكات- قلنا: وما هن يا رسول الله؟ وذكر منها التولي يوم الزحف…..)
وبحسب الفتوى فإن “الاستسلام للعدوان يجوز اضطراراً في حالة واحدة، وهي حالة أن يخشى المسلمون على أنفسهم الهلاك إن قاتلوا، ولهم أمل معتبر في النجاة إن استسلموا، ومع ذلك فإنه لا يُنكَر على المسلمين رفض الاستسلام حتى في هذه الحالة وأن يختاروا طريق الجهاد وإرهاق العدو؛ وذلك لأن القتل شهادة”.
ويُستدل لذلك بقصة أصحاب الرجيع إذ منهم من استسلم آملاً في الحياة، ومنهم من آثر المقاومة حتى الاستشهاد، قال الخطابي في معالم السنن في فقه هذا الحديث “وفيه من العلم أن المسلم يجالد العدو إذا أرهق (أحيط به) ولا يستأسر له، ما قدر على الامتناع منه.ا.هــــ وقال المنذري في مختصر السنن: وفيه أنه جائز أن يستأمن من المسلم، وقال بعضهم: لا بأس كما فعل عاصم”.ا.هــــ وقال ابن حجر في فتح الباري “وفي الحديث أن للأسير أن يمتنع من قبول الأمان، ولا يمكِّن من نفسه ولو قتل أنفة من أن يجري عليه حكم الكافر، وفقا للفتوى.
وتابعت: “وحالتنا أن الاستسلام وإلقاء السلاح إنما هو تمكين لعدو لا يرقب فينا إلاً ولا ذمة من أن يفعل فينا ما يشاء بلا كلفة تلحقه، بينما رفض الاستسلام يحتمل معه الانتصار، خاصة وأن عدونا جبان، بينما مجاهدونا – كثر الله سوادهم – أصحاب إقدام وطُلّاب شهادة، وعليه فإنه لا يجوز الاستسلام، وإذا علمنا أن إلقاء السلاح ما هو إلا استسلام وتمكين للعدو فإنه لا يجوز في حالتنا أبداً، حتى يعلم العدو أن ثمن عدوانه باهظ، ولا يجوز لنا أن ندعه يحقق مراده بلا كلفة مما يجرؤه على توسيع إطار عدوانه، والله تعالى أعلم”.
وشددت الفتوى على أنه “يجب على شعوب المسلمين عامة وشعوب البلاد التي يدعو قادتها لهذه المؤامرة خاصة أن يتصدوا لهذه الدعوات وأن يخرجوا إلى الشارع مستنكرين، تكثيراً لسواد المسلمين ودعماً لإخوانهم المجاهدين، وإغاظة للكفار والمنافقين”.
وبيّنت أن خلاصة القول: إن “الدعوة إلى تجريد المقاومة من سلاحها، أو دعوتها إلى تسليم ذلك السلاح هي خيانة لله ورسوله وللمسلمين، إذ الحفاظ على ذلك السلاح واجب متحتم؛ لأنه السبيل المتعين للدفاع عن الأرض والمقدسات والأموال والأعراض، (وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) وحرام على أي دولة مسلمة الاستجابة أو الموافقة على تلك الرغبات الصهيونية أو الأمريكية. وأن كل من يدعو إلى نزع سلاح المقاومة مقابل وعود سياسية يُعَدُّ متعاوِناً مع العدو وخائناً للأمة وحقوقها وموالياً للأعداء والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51]”.
وأنه لا يجوز لأهل فلسطين لا سيما المجاهدين الموافقة على تسليم السلاح لما يترتب ذلك من مفاسد عظيمة منها تهجير الناس وتمكين الصهاينة من أرضنا ومقدساتنا وتحقيق مرادهم من الحرب، والله تعالى يقول: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّلذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ﴾”.