قلنا من قبل إن الانتخابات الرئاسية الأخيرة كشفت عن ديمقراطية صحيحة مائة فى المائة، وأن الإرادة السياسية لدى الدولة المصرية حريصة كل الحرص على تفعيل الحياة السياسية والحزبية فى البلاد بشكل لم يسبق له مثيل، وقد كشفت هذه الانتخابات عن جو ديمقراطى جديد فى مصر، لم يكن موجوداً منذ ثورة 23 يوليو 1952، خاصة بعد حل الأحزاب السياسية بقرار من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ولأول مرة فى مصر منذ هذا التاريخ نجد انتخابات رئاسية يشارك فيها ثلاثة أحزاب سياسية هى الوفد والمصرى الديمقراطى الاجتماعى والشعب الجمهورى، وهذا يعنى أن هناك تفعيلاً حقيقياً لمواد الدستور التى تقضى بتفعيل الحياة السياسية والحزبية، خاصة المادة الخامسة التى تقضى بالتداول السلمى للسلطة وتفعيل الحياة الحزبية، وهذه الإرادة السياسية تعنى دخول مصر مرحلة جديدة من تنشيط الحياة السياسية، وهذا لن يتأتى أبداً إلا من خلال الأحزاب السياسية الفاعلة التى تساند الدولة الوطنية فى كل مهامها، من خلال آلية ديمقراطية صحيحة وسليمة.
وقد تبينت هذه الرؤية الواضحة من خلال إجراء الانتخابات الرئاسية، ولأن المعارضة جزء أساسى من النظام قد وجدنا ثلاثة أحزاب تخوض الانتخابات وتشارك فيها بفاعلية ظاهرة وواضحة، وأدت دورها الوطنى بكل قدرة واقتدار، وقد عرض المرشحون الثلاثة الدكتور عبدالسند يمامة ممثلاً لحزب الوفد وفريد زهران ممثلاً عن الحزب المصرى الديمقراطى، وحازم عمر ممثلاً عن الشعبى الجمهورى، وقد عرض الثلاثة برامجهم وطرحوا أفكارهم بكل حيادية وشفافية لم تعهدها مصر من قبل، وكل وسائل الإعلام المختلفة الحكومية والخاصة عرضت برامجهم وناقشت أفكارهم، وتركت الأمر للمواطن يختار رئيسه كما يريد ويؤمن به، هذه هى الديمقراطية الحقيقية التى يتغياها المواطنون من زمن طويل، والحق يقال إن الإرادة السياسية للدولة المصرية فى الجمهورية الجديدة، وراء هذه الصورة الرائعة التى تم تصديرها إلى كل بقاع الدنيا، وأكدت أن مصر الدولة القوية والقادرة، لديها القدرة الفائقة أن تصنع مستقبلاً جديداً للبلاد من خلال تفعيل الحياة السياسية والحزبية.
وأحزاب المعارضة التى خاضت الانتخابات من خلال المرشحين الثلاثة عبدالسند يمامة وفريد زهران وحازم عمر، وجدناهم مارسوا دوراً وطنياً أكثر من رائع، رغم خسارتهم فى الانتخابات الرئاسية، وهذا لا يعنى أبداً التقليل من أدائهم السياسى، فقد مارس الثلاثة دوراً سياسياً مهماً فى تفعيل الحياة السياسية وأدوا معارضة «خلوقة» بعيداً عن المزايدات السياسية، لإيمانهم الشديد بأن المعارضة جزء لا يتجزأ من النظام السياسى للدولة الوطنية المصرية، وخلال الانتخابات الرئاسية وجدنا الثلاثة أدوا دورهم بشكل بالغ الاحترام، من خلال عرض برامجهم وأفكارهم ورؤاهم لكل الأزمات التى يعانى منها المواطنون. المرشحون الثلاثة الذين عبروا عن المعارضة، تعاملوا مع المناخ السياسى الجديد والإرادة السياسية الجديدة، من منطلق الحرص على الوطن والمواطن، فلم نجد أحداً منهم، يستقوى مثلاً بالخارج، أو ينصاع وراء دعوات السلبية التى نشرها أهل الفوضى والاضطراب أو الذين لا يريدون أن تقوم قائمة لمصر.
عبدالسند يمامة وفريد زهران وحازم عمر، يستحقون الإشادة بهم ليس لخوضهم الانتخابات فحسب وإنما لإيمانهم الشديد والبالغ، أنهم أدوا دوراً وطنياً بالغ الأهمية فى تفعيل الحياة السياسية والحزبية، ولم يتكاسلوا فى أداء هذا الدور، ولم تؤثر فيهم قيد أنملة حملات كثيرة اندلعت ضدهم خلال العملية الانتخابية، وطالما أن هناك إرادة سياسية من الدولة بتفعيل الديمقراطية من خلال الأحزاب السياسية، فلا بد أن تكون الأحزاب على قدر هذه المهمة الوطنية من خلال تنشيط أدائها ودورها السياسى.
وأعتقد أن رؤساء الأحزاب الذين خاضوا الانتخابات سيحسب لهم التاريخ هذه الخطوة، لأنهم مارسوا دوراً وطنياً مهماً من خلال معارضة موضوعية خلوقة تهدف إلى خدمة مصر أولاً وأخيراً.
«وللحديث بقية»
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: معارضة وطنية معارضة الانتخابات الرئاسية الأخيرة الحياة السياسية الانتخابات الانتخابات الرئاسیة من خلال
إقرأ أيضاً:
خلال ندوة بالمعرض.. كيف كانت الحياة اليومية في عصر الرعامسة؟
استضاف معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ56، وتحت محور "مصريات"، ندوة لمناقشة كتاب "الحياة اليومية في مصر في عصر الرعامسة" لعالم الآثار الفرنسي بيير مونتيه.
وتولي إدارة النقاش الباحث محمود أنور، بينما قدم التحليل العلمي للكتاب الدكتور ميسرة عبد الله حسين، أستاذ الآثار والديانة المصرية القديمة بجامعة القاهرة.
واستهل محمود أنور الندوة بالإشارة إلى عظمة الحضارة المصرية القديمة وما قدمته للبشرية من إنجازات لا تزال ماثلة حتى اليوم.
وأوضح أن كتاب "الحياة اليومية في مصر في عصر الرعامسة" يعد دراسة رائدة تبتعد عن السرد التاريخي التقليدي، وتقترب من تفاصيل الحياة اليومية للمصريين القدماء، متناولًا المساكن، الحرف، الفنون، النشاط الزراعي، الأسرة، والمعابد، ليقدم صورة أكثر حيوية وإنسانية عن المجتمع المصري القديم.
وأضاف أن مونتيه استند إلى مصادر أصلية غنية، وهو ما دفعه لاختيار عصر الرعامسة تحديدًا، إذ يتميز بوفرة الوثائق والنقوش التي تسجل ملامح الحياة خلال تلك الحقبة التي شهدت ازدهارًا حضاريًا واسع النطاق.
من جانبه، أكد الدكتور ميسرة عبد الله حسين، أن الكتاب يشكل علامة فارقة في دراسات التاريخ المصري، حيث يتناول عصر الرعامسة، وهو العصر الذي شهد استعادة أمجاد الإمبراطورية المصرية بعد تأسيسها في الأسرة الثامنة عشرة.
وأوضح أن بيير مونتيه ينتمي إلى المدرسة الفرنسية في علم المصريات، وهي إحدى أهم المدارس الأثرية التي أسهمت بعمق في دراسة الآثار المصرية، حيث كان على رأسها جان فرانسوا شامبليون، مكتشف رموز حجر رشيد. كما أشار إلى أن علم الآثار المصرية كان يُصنّف في الماضي ضمن الآثار الشرقية، إلا أن جهود علماء مثل مونتيه جعلته مجالًا مستقلاً بذاته.
وسلط الدكتور ميسرة عبد الله حسين الضوء على الرحلة البحثية لـبيير مونتيه، حيث بدأ اهتمامه بالآثار الشرقية، ثم انتقل إلى مصر عام 1932، وتوجه إلى منطقة تانيس حيث أجرى أهم اكتشافاته. وكان من أبرز إنجازاته العثور على المقابر الملكية للأسرتين الحادية والعشرين والثانية والعشرين، حيث اكتشف خمس مقابر ملكية بحالة جيدة الحفظ عام 1939. وعلى الرغم من أهمية هذه الاكتشافات، إلا أنها لم تحظ بالاهتمام الإعلامي الكافي بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية، مقارنة بمقبرة توت عنخ آمون التي اكتُشفت في ظروف أكثر استقرارا.
وأوضح الدكتور ميسرة عبد الله، أن مونتيه اتبع منهجية دقيقة في دراسة الحياة اليومية، حيث اختار فترة تاريخية محددة بدلًا من التعميم الذي لجأ إليه بعض الباحثين. فبدلًا من تقديم صورة شاملة عن مصر القديمة بكل عصورها، ركّز على عصر الرعامسة، مستعرضًا تأثير الظروف الاجتماعية والسياسية على تفاصيل الحياة اليومية.
وأشار إلى أن الكتاب يختلف عن الدراسات التقليدية من حيث التعمق في تفاصيل معيشة المصريين القدماء، إذ يناقش جوانب مثل أنماط السكن، أساليب الزراعة، النشاط الحرفي، وشكل الحياة الأسرية، مقدمًا بذلك صورة نابضة بالحياة عن المجتمع المصري في تلك الفترة.