لجريدة عمان:
2025-03-15@09:01:03 GMT

مواجهة أكبر أربعة تحديات اقتصادية أمامنا

تاريخ النشر: 14th, January 2024 GMT

لقد أكد عام مضطرب آخر أن الاقتصاد العالمي يمر بنقطة تحول. نحن نواجه أربعة تحديات كبرى: التحول المناخي، ومشكلة الوظائف الجيدة، وأزمة التنمية الاقتصادية، والبحث عن شكل أحدث وأكثر صحة للعولمة. ولكن لمعالجة كل من هذه التحديات، يتعين علينا التخلي عن أنماط التفكير الراسخة والسعي إلى إيجاد حلول إبداعية وعملية، مع إدراك أن هذه الجهود لن تكون بالضرورة مُنسقة وتجريبية.

تُشكل التغيرات المناخية التحدي الأكثر صعوبة، والذي تم تجاهله لفترة طويلة ــ وبتكاليف باهظة. إذا أردنا تجنب الحكم على البشرية بمستقبل بائس، فيتعين علينا اتخاذ إجراءات سريعة لإزالة الكربون من الاقتصاد العالمي. لقد أدركنا منذ زمن بعيد أهمية وضرورة التوقف عن استخدام الوقود الأحفوري، والعمل على تطوير البدائل المراعية للبيئة، وتعزيز دفاعاتنا ضد الأضرار البيئية الدائمة التي أحدثها التقاعس عن العمل في الماضي بالفعل. ومع ذلك، فقد أصبح من الواضح أنه من غير المرجح تحقيق جلّ هذه الأهداف من خلال التعاون العالمي أو السياسات المُفضلة لدى خبراء الاقتصاد. بدلاً من ذلك، سوف تعمل البلدان بشكل مُنفرد على تنفيذ أجنداتها الخضراء، وإتباع السياسات التي تُراعي على أكمل وجه قيودها السياسية المُحددة، كما فعلت الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي بالفعل. وسوف تكون النتيجة عبارة عن مزيج من الحدود القصوى المفروضة على الانبعاثات، والحوافز الضريبية، ودعم البحث والتطوير، والسياسات الصناعية الخضراء، في ظل قدر ضئيل من التماسك العالمي والتكاليف العرضية التي تتحملها بلدان أخرى.

وعلى الرغم من أن الأمر قد يكون فوضويًا، إلا أن ممارسة ضغوط غير مُنسقة لتعزيز العمل المناخي قد يكون أفضل ما يمكننا أن نأمل فيه في الوقت الحالي. لكن بيئتنا المادية ليست التهديد الوحيد الذي نواجهه. فقد كان عدم المساواة، وتآكل الطبقة المتوسطة، واستقطاب سوق العمل، سبباً في إلحاق أضرار لا تقل خطورة ببيئتنا الاجتماعية.

وقد أصبحت العواقب الآن واضحة على نطاق واسع. فالفجوات الاقتصادية والإقليمية والثقافية داخل البلدان آخذة في الاتساع، ويبدو أن الديمقراطية الليبرالية (والقيم التي تدعمها) في تراجع، مما يعكس الدعم المتزايد للشعبويين الاستبداديين الكارهين للأجانب وردود الفعل العنيفة المتزايدة ضد الخبرات العلمية والفنية.

يمكن أن تساعد التحويلات الاجتماعية ودولة الرفاه الاجتماعي، ولكن الأمر الأكثر احتياجاً الآن هو زيادة المعروض من الوظائف الجيدة للعمال الأقل تعليماً الذين فقدوا القدرة على الوصول إليها.

نحن بحاجة إلى فرص عمل أكثر إنتاجية ذات أجور جيدة قادرة على توفير الكرامة لأولئك الذين لا يحملون شهادات جامعية. ولن يتطلب توسيع نطاق المعروض من مثل هذه الوظائف المزيد من الاستثمار في التعليم ودفاعًا أقوى عن حقوق العُمال فحسب، بل وأيضاً نسخة جديدة من السياسات الصناعية في مجال الخدمات، حيث سيتم خلق الجزء الأكبر من فرص العمل في المستقبل. ويعكس اختفاء الوظائف في قطاع التصنيع مع مرور الوقت زيادة في التشغيل الآلي ومنافسة عالمية أقوى. ولم تكن البلدان النامية محصنة ضد أي من هذين العامِلَين. فقد شهدت العديد من هذه البلدان «تراجعاً مبكراً في مجال التصنيع»: فقد أصبح استيعابها للعمال في شركات التصنيع الرسمية والإنتاجية محدوداً للغاية الآن، مما يعني أنها ممنوعة من اتباع الاستراتيجيات الإنمائية المُوجهة نحو التصدير والتي كانت فعالة للغاية في شرق آسيا وعدد قليل من البلدان الأخرى. وإلى جانب التحدي المناخي، تتطلب أزمة استراتيجيات النمو هذه في البلدان المنخفضة الدخل نموذجًا إنمائيًا جديدًا تمامًا.

وكما هو الحال في الاقتصادات المتقدمة، ستكون الخدمات المصدر الرئيسي لخلق فرص العمل في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. ومع ذلك، تخضع أغلب الخدمات في هذه الاقتصادات لهيمنة مؤسسات صغيرة الحجم وغير رسمية ــ غالباً ما تكون سفن ذات ملكية فردية ــ ولا تملك في الأساس نماذج جاهزة للتنمية القائمة على الخدمات لمحاكاتها. وسيتعين على الحكومات التجربة عبر الجمع بين الاستثمار في التحول الأخضر وتحسين الإنتاجية في مجال خدمات استيعاب العمالة.

وأخيرًا، يجب إعادة اختراع العولمة نفسها. لقد تم تجاوز نموذج العولمة المفرطة في مرحلة ما بعد عام 1990 من خلال صعود المنافسة الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين، وإيلاء أولوية أعلى للمخاوف الاجتماعية والاقتصادية المحلية والمتعلقة بالصحة العامة والبيئة. ولم تعد العولمة في هيئتها الحالية صالحة لتحقيق الغرض، وسيتعين علينا استبدالها بفهم جديد يعيد التوازن بين الاحتياجات الوطنية ومتطلبات الاقتصاد العالمي السليم الذي يُسهل التجارة الدولية والاستثمار الأجنبي الطويل الأجل.

وعلى الأرجح، سيكون نموذج العولمة الجديد أقل تدخلاً، مع الاعتراف باحتياجات كل البلدان (وليس فقط القوى الكبرى) التي تريد قدرًا أعظم من المرونة السياسية في التعامل مع التحديات الداخلية وضرورات الأمن الوطني. ومن بين الاحتمالات تبني الولايات المتحدة أو الصين نظرة توسعية أكثر مما ينبغي فيما يتعلق باحتياجاتها الأمنية، سعياً إلى تحقيق التفوق العالمي (في حالة الولايات المتحدة) أو الهيمنة الإقليمية (الصين).

وستكون النتيجة «تسليح» الاعتماد الاقتصادي المتبادل وفك الارتباط الاقتصادي الكبير، مع التعامل مع التجارة والاستثمار باعتبارهما لعبة لا تخدم أية مصالح أُحادية الجانب. ولكن قد يكون هناك أيضاً سيناريو أكثر إيجابية حيث تعمل كل من القوتين على إبقاء طموحاتها الجيوسياسية تحت السيطرة، مع الاعتراف بإمكانية تحقيق أهدافهما الاقتصادية المتنافسة بشكل أفضل من خلال التسوية والتعاون. وقد يخدم هذا السيناريو الاقتصاد العالمي بشكل جيد، حتى لو كان، أو ربما لأنه لا يرقى إلى مستوى العولمة المفرطة.

وكما أظهر عصر بريتون وودز، فإن التوسع الكبير في التجارة والاستثمار العالميين يتوافق مع نموذج العولمة الهزيل، حيث تحتفظ البلدان بقدر كبير من الاستقلال السياسي الذي يمكن من خلاله تعزيز التماسك الاجتماعي والنمو الاقتصادي في الداخل. إن أعظم هدية يمكن أن تقدمها القوى الكبرى للاقتصاد العالمي تتمثل في إدارة اقتصاداتها المحلية بشكل جيد.

تتطلب كل هذه التحديات أفكارًا وأطرًا جديدة. نحن لسنا بحاجة إلى التخلص من الاقتصاد التقليدي. ولكن لكي يحافظ خبراء الاقتصاد على هيمنتهم، سيتعين عليهم تعلم كيفية تطبيق أدوات تجارتهم على الأهداف والقيود الحالية. كما يتعين عليهم أن يكونوا منفتحين على التجارب ومؤيدين إذا اتخذت الحكومات إجراءات لا تتفق مع قواعد اللعبة التي كانت سائدة في الماضي.

داني رودريك أستاذ الاقتصاد السياسي الدولي في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، ومؤلف كتاب «الحديث الصريح بشأن التجارة: أفكار لاقتصاد عالمي عاقل».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاقتصاد العالمی الولایات المتحدة نموذج ا

إقرأ أيضاً:

سلطان النيادي: نسعى لبناء نموذج مستدام لتمكين الشباب

عقد مركز الشباب العربي، أمس الأربعاء، ملتقاه السنوي الأول لشركائه الإستراتيجيين في أبوظبي، بحضور مجموعة من المؤسسات والشخصيات البارزة في مجال تمكين الشباب العربي وبناء قدراتهم.

ويشكل هذا الملتقى منصة حوارية مهمة تجمع رواد التنمية الشبابية، وتوجه جهودهم لتحقيق آثار إيجابية ومستدامة في واقع الشباب العربي.
وتوجه الدكتور سلطان بن سيف النيادي، وزير دولة لشؤون الشباب نائب رئيس مركز الشباب العربي، في كلمة له خلال افتتاح الملتقى بالشكر للمؤسسات والشخصيات التي وضعت ثقتها في الشباب وفتحت أبوابها وسخَّرت مواردها للاستثمار في طاقاتهم، مؤكداً أهمية العمل المشترك مع كافة مؤسسات العمل التنموي في الإمارات والمنطقة لبناء نموذج مستدام من الشراكة يعزز من نجاح واستمرارية البرامج الموجهة لتمكين الشباب.
وأضاف: "اليوم نعمل تحت رؤية رئيس المركز الشيخ ذياب بن محمد بن زايد آل نهيان، نائب رئيس ديوان الرئاسة للشؤون التنموية وأسر الشهداء، وملتزمون بتوفير الفرص وبناء بيئة مستدامة تدعم طاقات الشباب عبر تكامل جهود مؤسسات النفع العام والقطاع الثالث بالشراكة مع القطاعين العام والخاص من أجل استدامة العمل التنموي بأشكاله".
وشدد على أهمية تصميم برامج تدريبية وريادية تلبي احتياجات الشباب وتستجيب لمتطلبات سوق العمل بما يعزز تنافسيتهم في مجالات العمل والابتكار.
وأضاف أن هذه البرامج والمبادرات هي جوهر عمل مركز الشباب العربي، الذي يهدف إلى ربط الشباب بالفرص.
وتم خلال الملتقى تكريم مجموعة من قادة المؤسسات والشركاء بمنحهم درع تكريم المركز.
كما شهد الملتقى عقد جلسة حوارية بعنوان "التحول من التعاون إلى الشراكات لاستثمار طاقات الشباب"، والتي أدارتها الأستاذة فاطمة الحلامي، المديرة التنفيذية لمركز الشباب العربي بمشاركة عدد من قيادات المؤسسات الإقليمية والدولية.
وتحدث في الجلسة سامر قسطنطيني مدير إدارة الشؤون الحكومية في شركة شنايدر إليكتريك، عن جهود الشركة في تدريب وتأهيل الشباب عبر برامج تعزز مهاراتهم في مجالات الطاقة والاستدامة.
وأكد أهمية استقطاب المواهب الشابة والمساهمة في تطوير الحلول المبتكرة التي تساهم في تحقيق التنمية المستدامة.

مبادرات شبابية 

من جانبه أكد أحمد طالب الشامسي، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الإمارات، أن الشراكات الإستراتيجية هي حجر الأساس في نجاح المبادرات الشبابية.
وأشار إلى أن البرامج والمبادرات التي تطلقها المؤسسة تعتمد على التعاون المؤسسي مع جهات متعددة لتحقيق تأثير دائم، ودعا إلى مشاركة التجارب الناجحة مع دول المنطقة لدعم المبادرات التي تخدم المجتمعات العربية.
كما استضافت الجلسة تركي بن عبد الرحمن السجان، المدير العام التنفيذي لتطوير الأعمال والشراكات في مؤسسة محمد بن سلمان “مسك”، الذي استعرض تجارب المؤسسة في تطوير الشراكات على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، مؤكداً أن التحدي الحقيقي يكمن في استدامة الشراكات لتحقيق أثر مستدام في قطاع العمل الشبابي.
وفي إطار فعاليات الملتقى، أعلن مركز الشباب العربي عن باقات الشراكات والرعايات للعام 2025 – 2026، بهدف تعزيز التعاون مع الجهات الداعمة لتمكين الشباب.
كما تم توقيع اتفاقية مع مؤسسة محمد بن سلمان "مسك"، لدعم الابتكار والتعليم وتمكين الشباب العربي عبر برامج مشتركة، إضافة إلى الإعلان عن شراكة جديدة مع شركة باكمان AI لتعزيز دور الشباب العربي في التجارة الرقمية وريادة الأعمال.
ويواصل مركز الشباب العربي جهوده في تمكين الشباب، من خلال بيئة داعمة تعزز تنمية قدراتهم وتوسع آفاقهم المهنية والريادية، ويعمل مع عدد من الشركاء الإقليميين والدوليين لضمان مشاركة الشباب في صياغة الحلول والمشاركة الفاعلة في مسيرة التنمية.

مقالات مشابهة

  • المجلس الوطني لحقوق الإنسان يدعو إلى مواجهة التحديات التي تعاني منها فئة ذوي الاحتياجات الخاصة
  • FP: هل يتمكن حكام سوريا الجدد من مواجهة المشاكل التي زرعها الاستعمار الغربي
  • أربعة أحكام تهم المرأة المسلمة في رمضان.. الأزهر العالمي للفتوى يكشفها
  • المركزي الأوروبي يحذر من آثار الحرب التجارية على الاقتصاد العالمي
  • يخوضها ترامب .. أوروبا تحذر من خطر حرب الرسوم على الاقتصاد العالمي
  • البنك الأوروبي يحذر من آثار الحرب التجارية على الاقتصاد العالمي
  • قيادي بحزب العدل: العمل المهني ركيزة أساسية لخلق بيئة اقتصادية مستدامة
  • سلطان النيادي: نسعى لبناء نموذج مستدام لتمكين الشباب
  • بعد ارتفاع.. أسعار النفط تتراجع وسط قلق من تأثير الرسوم على الاقتصاد العالمي
  • المشاط لأعضاء الجمعية المصرية البريطانية للأعمال: نستهدف نموذج نمو اقتصادي يقوم على الصناعة والتصدير والقطاعات القابلة للتداول