بوابة الوفد:
2024-10-02@09:12:08 GMT

لا عقل للرصاص

تاريخ النشر: 14th, January 2024 GMT

الهوس الوطنى كالهوس الدينى أوله غضب، وآخره دم، لذا لا يختلف إبراهيم الوردانى كثيرا، عن خالد الإسلامبولى، فكلاهما احتكم إلى الغدر: رصاص خاطف ينطلق صوب مّن يخالفونهم رأيا أو موقفا، فيحكمون بإعدامهم.

فى 1910 قتل إبراهيم الوردانى، بطرس غالى رئيس الوزراء بست رصاصات، ثُم تحول لبطل شعبى، فى ظل شارع غوغائى، لا تعليم لديه، ولا وعى، ولا منهج.

كان مُبرر «الورداني» أن بطرس غالى خائن، لأنه يصانع الاحتلال، ويرى تمديد اتفاق قناة السويس. وفى حقيقة الأمر، فإن كل ذلك لا يخلع عن بطرس غالى مصريته، وهو سياسى يُختلف معه ويُتفق، لكن لا يُباح دمه.

وإذا كان لنا أن نُحكم عقولنا الآن، فإننا نرى أن سجن الشاعر على الغاياتى بسبب ديوانه «وطنيتي» لأنه مدح القاتل فيه، وهلل لجرمه، هو سجن فى محله، فلقد قال الشاعر فى ديوانه «ماذا جرى فى ساحة الميدانِ/ قتل الخئون مسدس الورداني/ طلقات نار أم حطام مُهند/ يدوى نذير الموت فى الأركانِ/ فرماه عن كثب بست عجلت/ خطوات عزرائيل بالأكفانِ». ومثل هذا النظم الركيك يُمثل تبريرا وتحفيزا للشباب لقتل كل سياسى يختلفون معه بدعوى خيانته.

والمؤسف أن نيران الكراهية السياسية يُمكن أن تطال كل شخص، وتحول كل إنسان إلى خائن فى نظر القتلة. وهذا ما حدث مع سعد زغلول فى 12 يوليو 1924، وهو رئيس وزراء مصر، وكان مسافرا إلى الإسكندرية بالقطار، وفوجئ بشاب أهوج يظهر فجأة أمامه ويطلق عليه رصاصة أصابته فى ساعده، قبل أن يُمسك به الناس.

وهذا الحدث الاستثنائى الغريب استفز خلايا البحث والابداع لدى الروائى الجميل والطبيب النابه إيمان يحيى، فدفعه لكتابة نص مُنير لافت يُفكك فيه الواقعة بشمول وسرد ماتع استجلاء لوقائع غير مشهورة فى التاريخ، تحت عنوان «رصاصة الدِلبشاني» إشارة إلى اسم القاتل عبداللطيف الدلبشانى.

لقد اعتبر القاتل الوطنى سعد زغلول خائنا لأنه يفاوض الإنجليز على الاستقلال، بينما يؤمن هو بأنه لا مفاوضة إلا بعد الجلاء، وهو شعار خائب لا معنى له، إذ ما الداعى للتفاوض إن جرى الجلاء.

لكن فى خلفية المشهد كما يوثق لنا إيمان يحيى نرى الدلبشانى موجها من شخوص لا يعرفهم جلبوا له المُسدس وهيأوا له مسرح الجريمة، وهم يمثلون القصر الملكى، ورئيس الديوان فى ذلك الوقت حسن نشأت، فضلا عن البوليس السياسى الإنجليزى وعلى رأسه إنجرام بك الذى قام بإخفاء سلاح الجريمة حتى يُفسد القضية.

ويقول إيمان يحيى إن اطلاق النار على سعد زغلول وهو فى العقد الثامن من عمره، كان الحادث الوحيد فى تاريخ الاغتيالات السياسية الذى لم يحاكم فيه مُتهم لأن سلاح الجريمة اختفى، ثُم اكتشف القاتل أنه كان دمية فى أيدى قوى أعظم، وانتهى به الأمر فى مستشفى المجاذيب بالعباسية.

لم يُفرق الهوس الوطنى بين ضحية وأخرى، فكل مَن يختلف معهم القتلة الوطنيون مهدرو الدم. وقطعا فإن أى زعيم مهما بلغت درجة شعبيته يمكن أن يتعرض لذلك، فخلف الأستار لا يُدرك قاتل مَن يُحركه.

فى الثلاثين من يناير سنة 1948 ذهب شاب مهووس اسمه ناتهورام غودسى إلى مبنى الاجتماعات الهندية، وأطلق ثلاث رصاصات على حبيب الشعب المهاتما غاندى لأنه اختلف مع رؤاه بشأن الوحدة الوطنية بين المسلمين والهندوس فى الهند. فارق الرجل الذى كان مثالا للتحرر والتسامح والزهد الحياة بسبب اعتقاد مخالف يراه إنسان آخر.

لو فكر الوردانى، والدلبشانى، وحسين توفيق، والسادات، ومصطفى كمال صدقى، والإسلامبولى وأشياعهم للحظات قبل استهداف فرائسهم، والاندفاع للقتلن لو استغلوا عقولهم التى منحها الله لهم، لو خططوا ودرسوا فيما هو تال، لأدركوا أن الرصاص لا يُمكن أن يُصحح أمرا يراه البعض خطأ، فمتاهات الدم لا تنتهى.

والله أعلم

[email protected]

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: مصطفى عبيد

إقرأ أيضاً:

الكيان اغتال “هنية السني” و “نصر الله الشيعي” .. متى يتوحد الفريقان أمام القاتل؟

سرايا - قال عبد العظيم حماد رئيس التحرير الأسبق لصحيفتي الأهرام والشروق، إن (إسرائيل) للأسف تمكنت من إضعاف المقاومة كثيرًا في كل من غزة ولبنان وهي كذلك تفعل ماتشاء في سورية ولم تعد هناك في المشرق العربي قوة يحسب حسابها بل حالة مخيفة من فراغ القوة إذ كانت العراق أيضا قد أُخرجت من المعادلة منذ الغزو الأمريكي عام 2003 فكيف يمكن إحباط استراتيجية الهيمنة الإقليمية الإسرائيلية؟.


وإجابة على التساؤل الموجع يقول حماد: “نظريا لا أمل بغير توحد الإقليم في مواجهة هذه الإستراتيجية؛ العرب بمن فيهم مصر والسعودية والخليج وتركيا وإيران فهل يتحقق ذلك أم يظل أصحاب الإقليم الأصليون أسري تناقضاتهم الثانوية متغافلين عن التناقض الرئيسي مع الصهيونية؟!”.


من جهتها أبدت د. عالية المهدي العميد الأسبق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية استياءها من عدم إعلان الحداد أو التعزية في وفاة السيد حسن نصرالله من قيادات الدول العربية.


وأضافت: “هذا هو العربي الوحيد الشجاع الذي قاوم (إسرائيل) دفاعا عن جنوب لبنان وكان مسمارا في دماغهم”.

واختتمت مؤكدة أنها حزينة من موقف القيادات العربية.

وأردفت “المهدي”: “الدور عليكم بعد مقتل سماحة السيد حسن نصرالله”.

د.محمد نصر علام وزير الري المصري الأسبق قالها صراحة ودون مواربة: “الغرب و (إسرائيل) على وشك إنهاء المرحلة الأولى من مخطط إنشاء (إسرائيل) الكبرى بالقضاء على المقاومة العسكرية لشعبى فلسطين ولبنان!! والمرحلة القادمة لتهجير أصحاب الأرض بالقوة قد تؤدى لاحتكاكات مع عدة دول عربية، وقد تشهد المنطقة ردود أفعال مفاجئة!”.


السني والشيعي
في ذات السياق قال الخبير التربوي د.سعيد إسماعيل إن الصهاينة قتلوا (هنية) السني، و(نصر الله) الشيعي.
ودعا “إسماعيل” إلى وحدة الفريقين أمام القاتل!

من جهته دعا المهندس حامد تعلب (أحد أبطال حرب أكتوبر) إلى الانتباه لأمريكا ومافعلته فى العراق، من خلقها شيعة وسنة.

ويضيف أن العدو دائما يعلم كيف يخترق صفوفنا ونحن على استعداد لذلك.

السياسي سيد مشرف وجه نداء إلى قادة العرب، أكد فيه أن التاريخ لن يرحمهم.

وذكّر مشرف بقول الشاعر:

“أصابعُ كفِّ المرءِ في العدِّ خمسةٌ
ولكنّها في مقبِضِ السّيفِ واحدُ”.

إقرأ أيضاً : من كان الجاسوس؟ .. (إسرائيل) كانت تعرف مكان نصر الله مُنذ أشهر وقرّرت اغتياله خوفًا من اختفائه - تفاصيل إقرأ أيضاً : "بـ 80 قنبلة خارقة للتحصينات تزن الواحدة منها طنًا" .. تفاصيل جديدة حول اغتيال حسن نصراللهإقرأ أيضاً : بالصور .. بدء فعاليات ملتقى مستقبل الإعلام والاتصال في الأردن

مقالات مشابهة

  • الشهادةُ حياة
  • القلب الأبيض خطر.. جمال شعبان: القلب هو القاتل الأول للإنسان
  • أوشك على الموت خلال مشاركته في برنامج تحدٍ
  • مخاطر إعتام عدسة العين
  • شبانة: إمام عاشور يظل مستهدفًا.. وهذه نصيحتي له
  • هدف بلعمري القاتل.. الرجاء يفوز على أولمبيك آسفي
  • "ديربي مدريد".. شغب وتوقف وتعادل في الوقت القاتل
  • أضرار الإهمال في علاج إعتام عدسة العين
  • من خلف زجاج ضد الرصاص.. السيسي يتحدث عن خسائر السويس والثوابت (شاهد)
  • الكيان اغتال “هنية السني” و “نصر الله الشيعي” .. متى يتوحد الفريقان أمام القاتل؟