الهوس الوطنى كالهوس الدينى أوله غضب، وآخره دم، لذا لا يختلف إبراهيم الوردانى كثيرا، عن خالد الإسلامبولى، فكلاهما احتكم إلى الغدر: رصاص خاطف ينطلق صوب مّن يخالفونهم رأيا أو موقفا، فيحكمون بإعدامهم.
فى 1910 قتل إبراهيم الوردانى، بطرس غالى رئيس الوزراء بست رصاصات، ثُم تحول لبطل شعبى، فى ظل شارع غوغائى، لا تعليم لديه، ولا وعى، ولا منهج.
وإذا كان لنا أن نُحكم عقولنا الآن، فإننا نرى أن سجن الشاعر على الغاياتى بسبب ديوانه «وطنيتي» لأنه مدح القاتل فيه، وهلل لجرمه، هو سجن فى محله، فلقد قال الشاعر فى ديوانه «ماذا جرى فى ساحة الميدانِ/ قتل الخئون مسدس الورداني/ طلقات نار أم حطام مُهند/ يدوى نذير الموت فى الأركانِ/ فرماه عن كثب بست عجلت/ خطوات عزرائيل بالأكفانِ». ومثل هذا النظم الركيك يُمثل تبريرا وتحفيزا للشباب لقتل كل سياسى يختلفون معه بدعوى خيانته.
والمؤسف أن نيران الكراهية السياسية يُمكن أن تطال كل شخص، وتحول كل إنسان إلى خائن فى نظر القتلة. وهذا ما حدث مع سعد زغلول فى 12 يوليو 1924، وهو رئيس وزراء مصر، وكان مسافرا إلى الإسكندرية بالقطار، وفوجئ بشاب أهوج يظهر فجأة أمامه ويطلق عليه رصاصة أصابته فى ساعده، قبل أن يُمسك به الناس.
وهذا الحدث الاستثنائى الغريب استفز خلايا البحث والابداع لدى الروائى الجميل والطبيب النابه إيمان يحيى، فدفعه لكتابة نص مُنير لافت يُفكك فيه الواقعة بشمول وسرد ماتع استجلاء لوقائع غير مشهورة فى التاريخ، تحت عنوان «رصاصة الدِلبشاني» إشارة إلى اسم القاتل عبداللطيف الدلبشانى.
لقد اعتبر القاتل الوطنى سعد زغلول خائنا لأنه يفاوض الإنجليز على الاستقلال، بينما يؤمن هو بأنه لا مفاوضة إلا بعد الجلاء، وهو شعار خائب لا معنى له، إذ ما الداعى للتفاوض إن جرى الجلاء.
لكن فى خلفية المشهد كما يوثق لنا إيمان يحيى نرى الدلبشانى موجها من شخوص لا يعرفهم جلبوا له المُسدس وهيأوا له مسرح الجريمة، وهم يمثلون القصر الملكى، ورئيس الديوان فى ذلك الوقت حسن نشأت، فضلا عن البوليس السياسى الإنجليزى وعلى رأسه إنجرام بك الذى قام بإخفاء سلاح الجريمة حتى يُفسد القضية.
ويقول إيمان يحيى إن اطلاق النار على سعد زغلول وهو فى العقد الثامن من عمره، كان الحادث الوحيد فى تاريخ الاغتيالات السياسية الذى لم يحاكم فيه مُتهم لأن سلاح الجريمة اختفى، ثُم اكتشف القاتل أنه كان دمية فى أيدى قوى أعظم، وانتهى به الأمر فى مستشفى المجاذيب بالعباسية.
لم يُفرق الهوس الوطنى بين ضحية وأخرى، فكل مَن يختلف معهم القتلة الوطنيون مهدرو الدم. وقطعا فإن أى زعيم مهما بلغت درجة شعبيته يمكن أن يتعرض لذلك، فخلف الأستار لا يُدرك قاتل مَن يُحركه.
فى الثلاثين من يناير سنة 1948 ذهب شاب مهووس اسمه ناتهورام غودسى إلى مبنى الاجتماعات الهندية، وأطلق ثلاث رصاصات على حبيب الشعب المهاتما غاندى لأنه اختلف مع رؤاه بشأن الوحدة الوطنية بين المسلمين والهندوس فى الهند. فارق الرجل الذى كان مثالا للتحرر والتسامح والزهد الحياة بسبب اعتقاد مخالف يراه إنسان آخر.
لو فكر الوردانى، والدلبشانى، وحسين توفيق، والسادات، ومصطفى كمال صدقى، والإسلامبولى وأشياعهم للحظات قبل استهداف فرائسهم، والاندفاع للقتلن لو استغلوا عقولهم التى منحها الله لهم، لو خططوا ودرسوا فيما هو تال، لأدركوا أن الرصاص لا يُمكن أن يُصحح أمرا يراه البعض خطأ، فمتاهات الدم لا تنتهى.
والله أعلم
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مصطفى عبيد
إقرأ أيضاً:
مجلس الدولة يرفض منح مريض فشل كلوي بدل انتقال لأنه منتفع بالتأمين الصحي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قبلت المحكمة الإدارية العليا الدائرة الأولي، طعن مقام من الهيئة العامة للتأمين الصحي، يطالب بإلغاء حكم صادر لصالح مريض فشل كلوي، والقاضي بمنحه بدل انتقال ١٥٠ جنيه.
وألغت المحكمة الحكم بالمنحة الصادرة للمريض، استنادًا علي أنه أصحاب المعاشات، ومن المنتفعين بالتأمين الصحي ، فلا يجوز صرف بدل انتقال له .
أصدرت المحكمة حكمها، وشيدت قضاءها تأسيسًا على أن المريض مؤمن عليه وبالمعاش، ويعاني من مرض الفشل الكلوي، ويقوم بإجراء جلسات غسيل كلوي من 2 /3 /2020 بمعدل ثلاث جلسات أسبوعيًا، وقد قرر الطبيب المعالج احتياجه إلى وسيلة انتقال خاصة من مقر إقامته إلى المستشفى التي يعالج فيها وبالعكس مع مرافق، ومن ثم فإنه يستحق مقابل انتقال قدرته المحكمة بمبلغ 150 جنيهًا عن كل جلسة تلتزم به الجهة الإدارية .
وانتهت محكمة الدرجة الثانية، من أصحاب المعاشات، ومن المنتفعين بالتأمين الصحي، وقضى الحكم الأول بإلزام الهيئة الطاعنة صرف مصروفات انتقال لجلسات الغسيل الكلوي، بدءًا من 2 /3 /2020 بعد تاريخ العمل بقانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات الصادر بالقانون رقم 148 لسنة 2019 ـ حتى تمام الشفاء .
ولما كانت نصوص القانون قد قصرت استفادة أصحاب المعاشات أو المستحقين في تأمين المرض، على أحكام العلاج والرعاية الطبية فحسب، وعلى هذا الأساس وحده حددت حصتهم في تمويل تأمين المرض، دون أن تمتد استفادتهم إلى الحقوق الأخرى، مثل تعويض الأجر، أو مصروفات الانتقال المقررة للمؤمن عليهم الموجودين في الخدمة .
ومقتضى ذلك ولازمه عدم استحقاق المريض كصاحب معاش مصروفات الانتقال إلى جلسات الغسيل الكلوي؛ الأمر الذي يضحى معه طلب المريض بوقف تنفيذ القرار السلبي المطعون فيه بالامتناع عن صرف مصروفات انتقاله من محل إقامته إلى مكان تلقيه جلسات الغسيل الكلوي ، مفتقدًا سنده المبرر له قانونًا .
وانتهت إلي القضاء بإلغاء الحكم الأول فيما قضى به بإلزام الهيئة صرف مقابل انتقال المريض لجلسات الغسيل الكلوي .
حمل الطعن رقم 3238 لسنة 68 ق. ع.