بوابة الوفد:
2025-03-17@23:32:43 GMT

لا عقل للرصاص

تاريخ النشر: 14th, January 2024 GMT

الهوس الوطنى كالهوس الدينى أوله غضب، وآخره دم، لذا لا يختلف إبراهيم الوردانى كثيرا، عن خالد الإسلامبولى، فكلاهما احتكم إلى الغدر: رصاص خاطف ينطلق صوب مّن يخالفونهم رأيا أو موقفا، فيحكمون بإعدامهم.

فى 1910 قتل إبراهيم الوردانى، بطرس غالى رئيس الوزراء بست رصاصات، ثُم تحول لبطل شعبى، فى ظل شارع غوغائى، لا تعليم لديه، ولا وعى، ولا منهج.

كان مُبرر «الورداني» أن بطرس غالى خائن، لأنه يصانع الاحتلال، ويرى تمديد اتفاق قناة السويس. وفى حقيقة الأمر، فإن كل ذلك لا يخلع عن بطرس غالى مصريته، وهو سياسى يُختلف معه ويُتفق، لكن لا يُباح دمه.

وإذا كان لنا أن نُحكم عقولنا الآن، فإننا نرى أن سجن الشاعر على الغاياتى بسبب ديوانه «وطنيتي» لأنه مدح القاتل فيه، وهلل لجرمه، هو سجن فى محله، فلقد قال الشاعر فى ديوانه «ماذا جرى فى ساحة الميدانِ/ قتل الخئون مسدس الورداني/ طلقات نار أم حطام مُهند/ يدوى نذير الموت فى الأركانِ/ فرماه عن كثب بست عجلت/ خطوات عزرائيل بالأكفانِ». ومثل هذا النظم الركيك يُمثل تبريرا وتحفيزا للشباب لقتل كل سياسى يختلفون معه بدعوى خيانته.

والمؤسف أن نيران الكراهية السياسية يُمكن أن تطال كل شخص، وتحول كل إنسان إلى خائن فى نظر القتلة. وهذا ما حدث مع سعد زغلول فى 12 يوليو 1924، وهو رئيس وزراء مصر، وكان مسافرا إلى الإسكندرية بالقطار، وفوجئ بشاب أهوج يظهر فجأة أمامه ويطلق عليه رصاصة أصابته فى ساعده، قبل أن يُمسك به الناس.

وهذا الحدث الاستثنائى الغريب استفز خلايا البحث والابداع لدى الروائى الجميل والطبيب النابه إيمان يحيى، فدفعه لكتابة نص مُنير لافت يُفكك فيه الواقعة بشمول وسرد ماتع استجلاء لوقائع غير مشهورة فى التاريخ، تحت عنوان «رصاصة الدِلبشاني» إشارة إلى اسم القاتل عبداللطيف الدلبشانى.

لقد اعتبر القاتل الوطنى سعد زغلول خائنا لأنه يفاوض الإنجليز على الاستقلال، بينما يؤمن هو بأنه لا مفاوضة إلا بعد الجلاء، وهو شعار خائب لا معنى له، إذ ما الداعى للتفاوض إن جرى الجلاء.

لكن فى خلفية المشهد كما يوثق لنا إيمان يحيى نرى الدلبشانى موجها من شخوص لا يعرفهم جلبوا له المُسدس وهيأوا له مسرح الجريمة، وهم يمثلون القصر الملكى، ورئيس الديوان فى ذلك الوقت حسن نشأت، فضلا عن البوليس السياسى الإنجليزى وعلى رأسه إنجرام بك الذى قام بإخفاء سلاح الجريمة حتى يُفسد القضية.

ويقول إيمان يحيى إن اطلاق النار على سعد زغلول وهو فى العقد الثامن من عمره، كان الحادث الوحيد فى تاريخ الاغتيالات السياسية الذى لم يحاكم فيه مُتهم لأن سلاح الجريمة اختفى، ثُم اكتشف القاتل أنه كان دمية فى أيدى قوى أعظم، وانتهى به الأمر فى مستشفى المجاذيب بالعباسية.

لم يُفرق الهوس الوطنى بين ضحية وأخرى، فكل مَن يختلف معهم القتلة الوطنيون مهدرو الدم. وقطعا فإن أى زعيم مهما بلغت درجة شعبيته يمكن أن يتعرض لذلك، فخلف الأستار لا يُدرك قاتل مَن يُحركه.

فى الثلاثين من يناير سنة 1948 ذهب شاب مهووس اسمه ناتهورام غودسى إلى مبنى الاجتماعات الهندية، وأطلق ثلاث رصاصات على حبيب الشعب المهاتما غاندى لأنه اختلف مع رؤاه بشأن الوحدة الوطنية بين المسلمين والهندوس فى الهند. فارق الرجل الذى كان مثالا للتحرر والتسامح والزهد الحياة بسبب اعتقاد مخالف يراه إنسان آخر.

لو فكر الوردانى، والدلبشانى، وحسين توفيق، والسادات، ومصطفى كمال صدقى، والإسلامبولى وأشياعهم للحظات قبل استهداف فرائسهم، والاندفاع للقتلن لو استغلوا عقولهم التى منحها الله لهم، لو خططوا ودرسوا فيما هو تال، لأدركوا أن الرصاص لا يُمكن أن يُصحح أمرا يراه البعض خطأ، فمتاهات الدم لا تنتهى.

والله أعلم

[email protected]

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: مصطفى عبيد

إقرأ أيضاً:

إبراهيم رسول سفير جنوب أفريقي طردته واشنطن لأنه يكره ترامب

إبراهيم رسول سياسي جنوب أفريقي، شغل منصب سفير بلاده لدى الولايات المتحدة، وكان رئيس وزراء مقاطعة ويسترن كيب مدة 4 سنوات، ومؤسس مؤسسة "العالم للجميع"، التي تشجع الناس على معارضة التطرف، لديه مسيرة طويلة من المشاركة في النضال ضد الفصل العنصري، بما في ذلك القيادة في الجبهة الديمقراطية المتحدة والمؤتمر الوطني الأفريقي.

المولد والنشأة

ولد إبراهيم رسول في 15 يوليو/تموز 1962 بمدينة كيب تاون في جنوب أفريقيا.

في عام 1972 أُجبرت عائلته على مغادرة المنطقة السادسة بعدما قررت حكومة الفصل العنصري تخصيصها للسكان البيض فقط، وكان عمره حينها 10 سنوات ورغم صغر سنه، ترك هذا الحدث أثرا عميقا في حياته، خاصة بعدما اضطر إلى تغيير محيطه الاجتماعي.

متزوج من روزيدا شابوديان، ولديهما ابن وابنة.

الدراسة والتكوين العلمي

تخرج رسول عام 1980 في مدرسة ليفينغستون الثانوية في كليرمونت بولاية آيوا الأميركية.

ونال درجة البكالوريوس في كلية الآداب عام 1983، وحصل على دبلوم عالي في التربية عام 1984 من جامعة كيب تاون، وفي العام نفسه بدأ عمله مدرسا في مدرسة سباين رود الثانوية وقضى فيها عاما واحدا.

كما حصل على دكتوراه فخرية من جامعتي روزفلت وتشاتام في الولايات المتحدة الأميركية، ومُنح أستاذية فخرية في جامعة نيلسون مانديلا بجنوب أفريقيا.

شغل منصب مساعد رئيس جامعة ويسترن كيب في الفترة بين عامي 1991 و1994، وكان باحثا مقيما في جامعة جورج تاون في فترة لاحقة.

إبراهيم رسول أثناء إلقائه كلمة في حفل توزيع جوائز "شيرد إنترست" عام 2013 بمدينة نيويورك (الفرنسية) الفكر والتوجه الأيديولوجي

عُرف فكر رسول بتركيزه على الحرية الشاملة والمساواة، والتزامه برؤية نيلسون مانديلا التي تدعو إلى تحرير المجتمعات المهمشة والدفاع عن حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم.

إعلان

تأثر تأثرا كبيرا بالقيم الإنسانية والإيمانية، وكان دائما مناصرا للعدالة الاجتماعية والحرية.

في مسيرته الحياتية جمع بين النضال السياسي والالتزام الديني، وكان نشطا في كل من الحركة الإسلامية وحركة الحوار بين الأديان، الأمر الذي عكس رغبته في تعزيز الفهم المتبادل بين الثقافات والأديان المختلفة.

يؤمن رسول، أن النضال ضد الظلم والاضطهاد ليس مقتصرا على الظروف المحلية، بل يشمل أيضا القضايا العالمية، خصوصا في ظل ظروف الاضطهاد (الفصل العنصري) والعولمة.

التجربة السياسية

بعد تخرج رسول من جامعة كيب تاون بداية ثمانينات القرن العشرين، انخرط في النشاط السياسي المناهض للفصل العنصري وانضم إلى الجبهة الديمقراطية المتحدة، وشغل منصب سكرتيرها الإقليمي في مقاطعة ويسترن كيب مدة ثلاث سنوات، كما انضم إلى منظمة "نداء الإسلام" وارتبط بها عبر روابط وثيقة مع الجبهة الديمقراطية المتحدة.

في عام 1985 كان رسول في طليعة النشاطات المناهضة للفصل العنصري، ولكن نشاطه السياسي أدى إلى اعتقاله مدة ثلاثة أشهر، ثم وُضع في الإقامة الجبرية. وفي عام 1987 اعتقل من جديد وسُجن 13 شهرا. وأثناء فترة اعتقاله التقى نيلسون مانديلا للمرة الأولى.

رسول (أقصى اليمين) في حفل توزيع جوائز الذكرى السنوية الـ20 لمنظمة "شيرد إنترست" عام 2014 بنيويورك (الفرنسية)

بعد انتهاء فترة الفصل العنصري بجنوب أفريقيا في تسعينيات القرن الـ20 شغل رسول مناصب في الحكومة، بما فيها إدارات الصحة والرعاية الاجتماعية والمالية والتنمية الاقتصادية.

ففي عام 1984 تولى منصب السكرتير الوطني لمنظمة "نداء الإسلام" وظل في هذا المنصب حتى عام 1994. كما شغل منصب أمين الخزانة الإقليمي لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي بين عامي 1994 و1998، وكان أيضا عضوا في المجلس التنفيذي لبرلمان مقاطعة ويسترن كيب.

إعلان

في 22 أبريل/نيسان 2004، عيّنه الرئيس ثابو مبيكي رئيسا لوزراء مقاطعة ويسترن كيب، لكنه غادر المنصب عام 2008 بسبب خلافات داخلية داخل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، وفي العام نفسه أسس "مؤسسة العالم للجميع" لمكافحة التطرف وتعزيز التماسك المجتمعي.

ورغم انشغاله بالمناصب الحكومية ظل رسول ملتزما بتعزيز التفاهم بين الأديان والثقافات، وشارك في عدة مبادرات داعية إلى التعايش الديني.

كما شغل رسول منصب المستشار الخاص للرئيس مبيكي، قبل أن يُنتخب عضوا في البرلمان.

إبراهيم رسول أثناء إلقائه كلمة في نادي كيب تاون للصحافة عام 2020 (غيتي)

أسس رسول مبادرة "أفريقيا واحدة"، التي هدفت إلى تعزيز نمو وتماسك أفريقيا ومحاربة كراهية الأفارقة، إضافة إلى ذلك كان شريكا في مجموعة "أولبرايت ستونبريدغ"، وهي شركة الاستشارات التجارية التي أسستها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت.

كما شغل منصب رئيس مجلس إدارة "ويسترن بروفينس" لرياضة الريغبي الاحترافي، وعضوا في مجلس جامعة ويسترن كيب.

سفيرا لدى الولايات المتحدة

عين الرئيس الجنوب أفريقي جاكوب زوما إبراهيم رسول سفيرا لجنوب أفريقيا لدى الولايات المتحدة بين عامي 2010 و2015.

وبعد فترة عُيّن في المنصب نفسه مرة أخرى، ولكن في مارس/آذار 2025، أعلن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو طرد السفير رسول، متهما إياه بأنه "يكره الولايات المتحدة ورئيسها" دونالد ترامب.

وأضاف روبيو في منشور على منصة إكس أن إبراهيم رسول "لم يعد موضع ترحيب" في أميركا، ووصفه بأنه "سياسي مثير للفتنة العرقية".

إبراهيم رسول أسس "مؤسسة العالم للجميع" لمكافحة التطرف وتعزيز التماسك المجتمعي في عام 2008 (أسوشيتد برس) الجوائز والأوسمة

حصل رسول على عدد من الجوائز والأوسمة تقديرا لمساهماته في مجالات القيادة والمجتمع.

فقد منحته مؤسسة عائلة كايزر جائزة نيلسون مانديلا للصحة وحقوق الإنسان عام 1998.

إعلان

وفي عام 2005 منحته صحيفة "فاينانشال تايمز" جائزة "شخصية العام للاستثمار الأجنبي المباشر في أفريقيا".

كما نال جائزة القيادة الرؤيوية والصالح العام عام 2008 من المؤتمر العالمي للمسلمين المحسنين، إضافة إلى جائزة الالتزام والقيادة في مكافحة الجريمة من مؤسسة "الأعمال ضد الجريمة".

المؤلفات

ألّف رسول كتاب "العيش حيث لا نضع القواعد"، إضافة إلى مساهماته في كتابة فصول وأوراق بحثية في عدد من المنشورات والكتابات الأخرى.

مقالات مشابهة

  •  المقابر الجماعية..هذا القاتل من ذاك السفاح
  • محاضرات توعوية وجولات ثقافية.. معهد إعداد القادة يواصل فعاليات ملتقى إدراك لتعميق الوعى الوطنى لدى الشباب
  • بعثة المنتخب الوطنى تحت 20 سنة تغادر إلى الدوحة للمشاركة في دورة قطر الدولية
  • التنسيق الحضاري يدرج اسم أحمد ماهر باشا بمشروع حكاية شارع
  • عضو التحالف الوطنى: أولوياتنا احتياجات الأسر الأولى بالرعاية في رمضان
  • إبراهيم رسول سفير جنوب أفريقي طردته واشنطن لأنه يكره ترامب
  • [ ترامب الإرهابي السفاح ]
  • دراسة: مشروبات شائعة الاستهلاك قد تسبب سرطان الفم القاتل
  • مشروبات شائعة الاستهلاك قد تسبب سرطان الفم القاتل
  • الصديق الحقيقى