حول مهارات المستقبل.. واقع التعليم في عُمان وضرورات التكيف
تاريخ النشر: 14th, January 2024 GMT
تمكن قطاع التعليم في عمان من تحقيق مستويات وطنية مشرفة على أصعدة كثيرة خلال العقود الخمسة الماضية، ونجح باقتدار في الدفع بأجيال من العمانيين وتمكينهم بالمهارات المعرفية والفنية والمهنية اللازمة لسوق العمل وبناء الوطن وقيادة التنمية، رغم كل التحديات والسجالات التي لم تتوقف سواء حول وزارة التربية والتعليم والجهات الأخرى المعنية بالتعليم في البلاد.
في السياق ذاته، فإن واقع المدارس الخاصة في عُمان ساهم كذلك بدوره في رفد الطلاب بمهارات جديدة إلى حد ما، ولكن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال أن المدارس الحكومية في وضع سيء، رغم التحديات الراهنة في البنية التعليمية، وعلى كافة محاور العملية التربوية سواء من حيث المناهج أو الكوادر التدريسية والمنشآت الدراسية وغيرها بما في ذلك الكثافة الطلابية العالية في الفصل الدراسي الواحد والمدارس المسائية، والتي يؤمل أن تعالج في الخطة الخمسية الجديدة. ومن المفارقات أن التكلفة السنوية لبعض المدارس الخاصة أعلى من رسوم بعض الجامعات، ولا تخلو من المبالغة (وصلت بعضها إلى أكثر من ستة آلاف ريال في السنة).
على صعيد متصل، نكاد نقرأ يوميا عن فتوحات علمية وتقنية جديدة، ستغير من شكل الحياة وقواعد اللعبة مستقبلا، وما يحدث الآن من مفاجآت الذكاء الاصطناعي ما هو إلا قمة جبل الجليد! فيما تتسابق الدول الكبرى للاستحواذ على مفاصل هذه الثورة العلمية الجديدة، والتي تتعرض الآن لسجالات متضاربة ومدهشة حول تداعيات تمكين الذكاء الاصطناعي من مفاصل الحياة والبشر ومستقبل الوظائف وطبيعة المهارات المطلوبة لمواكبة هذه الثورة، والتي لم تأت إلينا من عتبات المدارس وأروقة الجامعات وفق النمط التقليدي للحراك المعرفي وتدرجه، بل قفزت إلينا من كبريات شركات تقنية المعلومات ومختبراتها، وأصبحت «شريكًا مربكًا» في تشكيل المشهد المعرفي والعلمي والمهني والإنساني. وبعيدًا عن التعميمات السطحية، فإن حجم التأثير الذي يقوده الذكاء الاصطناعي سيكون مختلفًا عما شهدته البشرية من تطورات علمية عبر تاريخها حيث تؤدي «الآلة» أعمالا تفوق البشر ذكاء وسرعة وإنتاجًا كمًا ونوعًا، ويستوجب طرح أسئلة أخلاقية ووجودية حول التقدم البشري برفقة هذا «الشريك» (البعض يشكك في ذلك، ويرى أن هذه الأطروحات قيلت عندما اخترع المحرك البخاري والثورة الصناعية والهواتف والإنترنت).
الجدير بالذكر أن المنتدى الاقتصادي الدولي (WEF)، أصدر خلال شهر مايو 2023 تقريرًا مفصلا عن توقعات الخبراء حول الأعمال والوظائف والمهارات المستجدة مستقبلا عبر مسح أجرته لمجموعة من الشركات (Future of Jobs Report - 2023)، وقد أشار إلى أن أكثر الوظائف التي سيقل التوظيف فيها، وستتهاوى أمام ضربات التقنية وهجمة الخوارزميات، ستشمل الأعمال المكتبية ووظائف السكرتارية وصرافي البنوك ومن في حكمهم والوظائف البريدية وموظفي التذاكر ومدخلي البيانات وحراس الأمن وكتبة المخازن وعمال التجميع في المصانع وموظفي خدمة الزبائن والمديرين الإداريين. وأشار المنتدى إلى أن الأعوام الخمسة القادمة ستشهد تغيرا في ربع الوظائف، فيما تتوقع الجهات الموظفة أنه سوف تستحدث 69 مليون وظيفة جديدة، ويُتخلص من 83 مليون وظيفة، أي بانخفاض يصل إلى 14 مليون وظيفة، أو ما يعادل% 2 من الوظائف الحالية بحسب توقعات المنتدى.
بالمقابل، فإن الوظائف الأكثر نموا من حيث الحجم ستكون تلك المرتبطة بالتقنية، ويتصدرها المختصون في الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، يأتي بعدهم خبراء الاستدامة ومحللو ذكاء الأعمال وخبراء أمن المعلومات ومهندسو الطاقة المتجددة وتركيب الطاقة الشمسية ومهندسو الأنظمة، حيث تتجه الاقتصادات المستقبلية نحو قطاعات الطاقة المتجددة (قد أشرت في مقالي السابق إلى حجم سوق العمل المتوقع مستقبلا في هذا القطاع)، إلى جانب مهندسي الروبوتات والتقنية الإلكترونية ومشغلي المعدات والأنظمة الزراعية وأخصائيي التحول الإلكتروني. في الوقت ذاته، فإن توقعات النمو الكبيرة بقطاعات الوظائف ستتجه إلى حقول التعليم والزراعة والتجارة الإلكترونية.
وفيما يتعلق بمستقبل الأعمال بين الإنسان والآلة خاصة مع التحولات في عالم الأعمال لإدخال الرقمنة والأتمتة في العمليات التجارية، فإن توقعات التقرير تشير إلى ما نسبته 42% من الوظائف التجارية ستقوم بها الأتمتة بحلول عام 2027، ويستطرد التقرير إلى أن 6 من كل 10 موظفين سيحتاجون تدريبا جديدا لكسب مهارات قبل عام 2027، وستكون مهارة التفكير التحليلي هي المهارة الأكثر أولوية تليها مهارة التفكير الإبداعي ومهارة الذكاء الاصطناعي والبيانات الكبيرة (Big Data) إلى جانب التركيز على تطوير مهارات الموظفين في مهارات «القيادة» و«التأثير الاجتماعي» و«القدرة على التكيف والمرونة» و«الألمعية وقابلية التغيير وسهولته» و«الفضول المعرفي» و«مهارة التعلم مدى الحياة».
«وستؤدي التحولات الكبرى في اتجاهات سوق العمل وتبني التقنية إلى استحداث فرص عمل معينة وزوال بعض الوظائف في قطاعات أخرى. كما يشير التقرير إلى أن التقنية أصبحت تغير الطريقة التي نعمل بها، وتغيّر كذلك محتوى تلك الوظائف نفسها إلى جانب المهارات المطلوبة بالنتيجة، فضلا عن نوعية الوظائف التي ستحل فيها الآلة محل البشر، ومن ثم فإن فهم الكيفية التي ستؤثر بها تلك التقنيات على سوق العمل، يصبح أمرا حيويا لتحديد فيما إذا كان الأفراد سيتمكنون من التحول من الوظائف الآيلة للاختفاء إلى وظائف الغد والمستقبل»، بحسب التقرير.
وفي تقرير صدر في مجلة « فوربز» بتاريخ 14 فبراير 2023، حول أهم عشر مهارات مطلوبة لعام 2030 أشار إلى أن شركة دِل (Dell) تتوقع أن 85% من الموجودين حاليا في وظائفهم سيعملون مستقبلا في وظائف غير موجودة في الوقت الراهن! ولخصت المجلة المهارات في الإلمام الرقمي والعمل المعزز بالذكاء الاصطناعي واستيعاب بُعد الاستدامة البيئية في الأعمال والتحليل والتفكير النقدي والإبداعي ومهارات التعامل مع البيانات والقدرة على العمل في منصات العمل التشاركي الافتراضي أو عن بعد والواقع الافتراضي والذكاء العاطفي ومهارات التعلم مدى الحياة والمهارات القيادية. وتحفل العديد من المواقع بمهن مستقبلية وبمسميات لا تبتعد كثيرا عن سطوة التقنية في محتواها مثل وظيفة «أخصائي أخلاقيات الذكاء الاصطناعي»، ووظيفة «مخطط حضري للمدن الذكية»، ووظيفة «مرشد ومستشار سياحة فضائية» وما إلى ذلك.
ما يهمنا في هذا السياق هو طرح السؤال الأكثر إلحاحا، وهو هل نحن في سلطنة عمان -بمختلف مؤسساتنا التعليمية وجامعاتنا وكلياتنا الحكومية والخاصة وقطاع الأعمال بمختلف أنشطته التجارية والأهم مخرجاتنا التعليمية ورأس مالنا البشري- هل نحن «جاهزون» لهذا التحدي الوجودي في خضم تغييرات علمية ومعرفية متسارعة يوميا إن جاز التعبير؟ لعله من الأهمية البالغة في هذه المرحلة الشروع في حوار عميق وشفاف وجريء بين أصحاب العلاقة من المختصين في كافة الحقول والأنشطة في البلاد حول كل هذه الجوانب الشائكة والمعقدة بحيث تشمل جدوى الاستمرار في تخصصات عديدة ندرّسها حاليا لأبنائنا وبناتنا وهي في الواقع غير منطقية وغير مطلوبة أصلاً، حتى في المستقبل القريب وليس البعيد، ولن تتيح فرصة حقيقية لدارسيها مستقبلاً، بل ستتسبب في تبديد قدراتهم وجهدهم ووقتهم ومستقبلهم في تخصصات انتهت صلاحياتها المعرفية والمهنية. ومن المبهج أن جلالة السلطان - حفظه الله ورعاه - وجّه في نوفمبر الماضي بالشروع في برنامج وطني للذكاء الاصطناعي، وهو ما سيشكل سياقا حيويا وتاريخيا للتحرك في هذا الجانب، والتأسيس عليه على كافة الأصعدة.
إلى جانب ذلك، أعتقد أننا بحاجة إلى البدء في إضافة مواد جديدة في المناهج الدراسية تركز على تخصصات المستقبل ومهاراته وهي مسؤولية وجودية تحتم تهيئة أجيال الشباب في عمان للمستقبل الذي تقوده قاطرة الذكاء الاصطناعي وعلوم التقنية والاستدامة، وأتصور أن الأمر ليس ترفا بقدر ما هو من ضرورات البقاء وحتمية التكيف ومواكبة تيار التغيير الجارف.
يحيى العوفي كاتب ومترجم عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی إلى جانب إلى أن
إقرأ أيضاً:
عاجل | "التعليم" تمدد فترة التقديم على الوظائف التعليمية التعاقدية المكانية حتى 24 مارس
أعلنت وزارة التعليم عن تمديد فترة التقديم على الوظائف التعليمية التعاقدية المكانية حتى يوم الاثنين 24 رمضان 1446هـ، الموافق 24 مارس 2025م، وذلك بهدف إتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من الكفاءات التربوية المؤهلة للانضمام إلى الميدان التعليمي، وضمان تلبية الاحتياجات الفعلية في مختلف إدارات التعليم بالمملكة.
فرصة للراغبين في الالتحاق بالوظائفوأكدت الوزارة أن قرار التمديد جاء استجابة لمتطلبات العملية التعليمية، ولإعطاء مساحة زمنية إضافية للراغبين في التقديم، حيث يتيح التمديد الفرصة أمام المعلمين والمعلمات الراغبين في الالتحاق بالوظائف المطروحة ضمن التوظيف التعاقدي المكاني، مما يسهم في تحقيق التوازن في توزيع المعلمين وفق الاحتياجات الفعلية لكل منطقة تعليمية.
أخبار متعلقة "الأرصاد" ينبه من رياح شديدة على منطقة تبوك اليومإنذار أحمر.. أمطار غزيرة على مكة حتى التاسعة مساءً.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } وزارة التعليم - أرشيفية
وأوضحت الوزارة أن استقبال طلبات التقديم مستمر عبر نظام “فرص” من خلال حساب المستخدم في نظام فارس، مشددةً على أهمية التقديم ضمن الفترة الزمنية المحددة، حيث لن يكون التقديم متاحًا بعد انتهاء المهلة المعلنة، وسيتم إغلاق النظام أمام الطلبات الجديدة لضمان البدء في إجراءات المفاضلة والترشيح للمتقدمين المؤهلين.
آلية التقديم والمفاضلةوأشارت وزارة التعليم إلى أن الوظائف المطروحة تشمل مختلف التخصصات التعليمية المطلوبة، وذلك وفقًا لرؤية الوزارة الرامية إلى تطوير جودة التعليم، ورفع كفاءة الأداء المهني، وتحقيق الاستقرار الوظيفي في المدارس والإدارات التعليمية.
كما أكدت أن آلية التقديم والمفاضلة ستخضع لمعايير وضوابط دقيقة تضمن العدالة والشفافية في اختيار المرشحين، حيث تشمل هذه المعايير عدة جوانب رئيسية، من بينها المؤهلات الأكاديمية والتخصصات المطلوبة، ونتائج الاختبارات المهنية المعتمدة، وسنوات الخبرة والتقييمات الوظيفية السابقة، إضافة إلى عدد ساعات التطوير المهني والتطوع التربوي المسجلة، ومدى توافق المرشح مع متطلبات الوظيفة والقطاع التعليمي المتقدم إليه.
وأضافت الوزارة أنه بعد انتهاء فترة التقديم، ستخضع جميع الطلبات للمراجعة والتدقيق من قبل الجهات المختصة، حيث سيتم التأكد من استيفاء جميع الشروط والمعايير المطلوبة، تمهيدًا لبدء إجراءات الترشيح والمفاضلة وفق الاحتياج الفعلي لكل منطقة تعليمية. كما سيتم التواصل مع المرشحين لاستكمال إجراءات التوظيف وفق الجدول الزمني المحدد من قبل الوزارة.
استقطاب الكفاءات التربويةوأكدت الوزارة أن قرار تمديد فترة التقديم يأتي ضمن إطار حرصها على استقطاب الكفاءات التربوية المؤهلة، وإتاحة الفرصة أمام أكبر عدد ممكن من المعلمين والمعلمات للتقديم على الوظائف التعليمية التعاقدية المكانية، وذلك بما يحقق التوزيع الأمثل للكوادر التربوية وفق الاحتياجات الفعلية في إدارات التعليم المختلفة.
ودعت الوزارة جميع الراغبين في التقديم إلى استكمال إجراءات التسجيل عبر نظام فارس قبل انتهاء المهلة المحددة، مؤكدةً أن التقديم بعد التاريخ المحدد لن يكون متاحًا، وأن جميع الطلبات ستخضع للمراجعة والتدقيق لضمان استيفائها للشروط والمعايير المعتمدة، مما يسهم في تحقيق العدالة والشفافية في عملية التوظيف.
تعزيز كفاءة العملية التعليميةوشددت الوزارة على أن هذه الخطوة تأتي ضمن جهودها المستمرة لتعزيز كفاءة العملية التعليمية، وتحقيق المواءمة بين الكفاءات التربوية واحتياجات الميدان التعليمي، حيث يسهم التوظيف التعاقدي المكاني في توفير المعلمين والمعلمات في المناطق التي تعاني من نقص في التخصصات المطلوبة، وتحقيق استقرار العملية التعليمية من خلال توزيع الكوادر التعليمية وفق الاحتياجات الفعلية.
كما يساعد هذا النظام في رفع مستوى جودة التعليم عبر استقطاب الكفاءات التربوية المؤهلة والمتميزة، والتي تمتلك المهارات والخبرات اللازمة لتعزيز بيئة التعلم وتحقيق مخرجات تعليمية متميزة.
وأكدت وزارة التعليم التزامها بتنفيذ استراتيجياتها التطويرية الهادفة إلى ضمان استقرار القوى التعليمية، وتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 في تحسين جودة التعليم، وخلق بيئة تعليمية متكاملة تعتمد على الكفاءات الوطنية القادرة على تحقيق التنمية المستدامة. كما شددت على أهمية التزام المتقدمين بالمواعيد المحددة، واستكمال جميع المتطلبات اللازمة لضمان الاستفادة من الفرص الوظيفية المطروحة، مشيرةً إلى أن التقديم على هذه الوظائف يمثل إحدى المبادرات المهمة لدعم القطاع التعليمي بكوادر متميزة تسهم في تعزيز جودة التعليم في المملكة.