الاحتلال يستهدف صحفيي الضفة بالمنع والاعتقال والقتل
تاريخ النشر: 14th, January 2024 GMT
رام الله- يواجه الصحفيون الفلسطينيون في الضفة الغربية، عوائق تحول دون حقهم في الوصول إلى المعلومات وأماكن وقوع الأحداث، خاصة نقل ما تتعرض له تجمعات فلسطينية واسعة من انتهاكات يمارسها جيش الاحتلال والمستوطنون.
فالصحافة هي العين التي ترصد الحقائق وتنقلها للعالم، وهي الصوت الذي يناصر الضعفاء ويكشف الانتهاكات.
لا خطوط حمراء
من بين الصحفيين الذين تعرضوا للاعتداء الزميل منتصر نصار مراسل قناة الجزيرة ومصور القناة أحمد عمرو، الذي تعرض للضرب المبرح في 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي خلال تغطيته عملية دعس جنوبي الخليل.
يقول نصار للجزيرة نت إن ما جرى معه جعله أكثر حذرا في تغطية الأحداث ويضيف "كنا نتعرض لمضايقات ومنع التغطية قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول ومع ذلك نواصل التغطية، لكن الوضع اليوم مختلف والتغطية نفسها أصبحت ممنوعة".
وتابع "رغم ارتدائنا أدوات السلامة التي تشير إلى عملنا الصحفي، ووجود شعار الجزيرة، تم تحطيم معداتنا والاستيلاء عليها لعدة ساعات".
وأضاف نصار أنه لا توجد قوانين ولا خطوط حمراء، كما أن منعنا من التغطية يؤثر في وصولنا إلى المعلومة ومكان وقوع الحدث، وبالتالي غياب الرواية الفلسطينية "نتلقى يوميا اتصالات عن اعتداءات المستوطنين واقتحامات للجيش، ولا نستطيع الوصول بسبب إغلاق الطرق".
ويشير التقرير السنوي لمعهد الأبحاث التطبيقية "أريج" إلى أن عدد الحواجز العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية يبلغ 707، منها 140 حاجزا وعائقا جديدا تم وضعه بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول.
في حين تقول هيئة مقاومة الجدار والاستيطان إنه في عام 2023، تم تهجير 25 تجمعا بدويا فلسطينيا تضم 1517 فردا، أغلبهم هجروا بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول.
غياب ملحوظمن جهته، يقول نضال يونس، وهو رئيس مجلس محلي يقدم خدماته لعدة تجمعات فلسطينية بمنطقة "مسافر يطا" جنوبي الخليل، إنه لاحظ غياب الصحفيين عن تغطية ما يتعرض له سكان تلك التجمعات من ملاحقة وتهجير منذ بدء العدوان على غزة.
وأضاف للجزيرة نت أن "وصول الصحفيين إلى التجمعات الفلسطينية في المنطقة (ج) بشكل خاص انخفض بشكل كبير، لأنه لا يوجد حرية وصول للصحفيين لتلك التجمعات، بسبب إغلاق الطرق من جهة، واعتداءات المستوطنين والجيش من جهة ثانية".
وقال يونس إنه كان يستقبل شهريا 7 طواقم صحفية على الأقل في تغطيات ميدانية لتجمعات مهددة بالترحيل، أما بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، فإن "أغلب الصحفيين يكتفون بالتواصل بالهاتف، أو يأخذون معلوماتهم من مجموعات المناطق في تطبيقات التواصل".
وتابع "الحركة مقيدة بشكل كبير جدا في كل المناطق، وفي المقابل فإن الاعتداءات تضاعفت كثيرا خلال الثلاثة الشهور الماضية خاصة في التجمعات القريبة من المستوطنات".
واستشهد يونس بحالة أرملة فلسطينية تسكن بمحاذاة إحدى المستوطنات "تعرضت للاعتداء 30 مرة خلال 100 يوم، مما اضطرها للالتحاق بتجمع آخر، أقل عرضة للخطر"، مشيرا في هذا الصدد إلى أن وجود الصحفيين يقلل الاعتداءات، وغيابهم يفتح شهية المستوطنين لمزيد الانتهاكات بحق السكان.
التجمعات النائية أكثر حاجة لوجود الصحفيين بسبب تزايد اعتداءات المستوطنين (الجزيرة) التفرد بالروايةالصحفي جهاد القواسمي، عضو الأمانة العامة لنقابة الصحفيين الفلسطينيين، كان حاضرا وقت الاعتداء على الزميل منتصر نصار ومصور الجزيرة، وقال إن "باقي الصحفيين سارعوا في حينه إلى مغادرة المكان قبل وصول القوة العسكرية وبالتالي تعرضهم للضرب".
وأشار القواسمي إلى حوادث أخرى بينها اعتقال مجموعة صحفيين لعدة ساعات، ومنع فريق صحفي ألماني من الوصول إلى "مسافر يطا".
ورأى في الاعتداءات الإسرائيلية "عرقلة لعمل الصحفيين لمنع وصول الصورة وحجب الرواية الفلسطينية، والإبقاء على الرواية الإسرائيلية فقط".
وأشار إلى أن تقطيع أوصال المحافظات الفلسطينية أثر سلبا على قيام الصحفيين بأعمالهم وتغطيتهم للأحداث في إحدى أكثر مناطق العالم توترا، "مناطق كثيرة تشهد أحداثا، ولا يصلها الصحفيون نتيجة الحواجز والإغلاقات".
وأضاف القواسمي "ازدادت الأحداث بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، لكن يصعب وصول الصحفيين لتغطيتها، لقد اتسعت المناطق المحظور على الصحفيين دخولها".
ووفق تقرير سنوي لنقابة الصحفيين، فإن الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين ارتكبوا 1172 انتهاكا خلال 2023، أكثر من نصفها (621) جرت في الربع الأخير من العام.
ومن بين الانتهاكات اعتقال نحو 58 صحفيا وصحفية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول في الضفة وغزة، و49 واقعة لجرائم واعتداءات المستوطنين بحق الصحفيين وأغلبها وقع بوجود قوات جيش الاحتلال.
وذكرت من الاعتداءات "ارتفاع منسوب التهديد والوعيد، تحطيم معدات والاستيلاء عليها، احتجاز الطواقم والمنع من التغطية".
ووفق بيان المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، الخميس، ارتفعت حصيلة القتلى الصحفيين داخل القطاع إلى 117 منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وحتى 13 يناير/كانون الثاني الجاري.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: بعد 7 أکتوبر تشرین الأول فی الضفة
إقرأ أيضاً:
جودة الحياة والأنشطة الاجتماعية
أ. د. حيدر أحمد اللواتي **
كثيرة هي الدراسات التي تؤكد أهمية النشاطات الاجتماعية على صحة الفرد وعلى استمرار كفاءة قدراته العقلية؛ فهذه الأنشطة الاجتماعية المختلفة لها أثر على الأبعاد العاطفية والنفسية والعقلية على الإنسان، وهي من أهم العوامل المؤثرة.
وفي دراسة بدأت عام 1938 على 268 فردًا، أُجريت في جامعة هارفارد، واستمرت لمدة 80 سنة على من تبقّى من الأفراد، إضافة إلى 1300 فرد من أبناء هؤلاء، لمعرفة كيف تؤثر تجارب الحياة المُبكرة على الحياة والشيخوخة، علمًا بأن عددًا من هؤلاء أصبحوا شخصيات ناجحة ومؤثرة وآخرين أصيبوا بانفصام في الشخصية وبعضهم غدوا مُدمني كحول!
وقد علّق روبرت والدينجر مدير الدراسة وأستاذ الطب النفسي في جامعة هارفارد على نتيجة الدراسة بقوله "النتيجة المدهشة هي أن علاقاتنا الاجتماعية ومدى سعادتنا في تلك العلاقات لها تأثير قوي على صحتنا". وأضاف "إن العناية بجسدك أمر مهم لكن الاهتمام بعلاقاتك الاجتماعية هو شكل من أشكال العناية الذاتية أيضا".
وقد كشفت الدراسة بصورة واضحة لا لبس فيها أنَّ العلاقات الاجتماعية الوثيقة هي التي تجعل الناس سعداء طوال حياتهم أكثر من المال والشهرة؛ فهذه العلاقات تحمي الناس من مُعضلات الحياة وتساعد في تأخير التدهور العقلي والجسدي وهي أفضل وسيلة للتنبؤ بالحياة الطويلة السعيدة من الطبقة الاجتماعية أو معدل الذكاء أو حتى الجينات الوراثية.
وعندما ننظر إلى مجتمعاتنا العربية والإسلامية عمومًا، نلاحظ أنَّ البعد الاجتماعي من أقوى الأبعاد وأكثرها وضوحًا، فإذا كان الاهتمام بجودة الغذاء وممارسة التمارين الرياضية ليستا في سلّم الأولويات عند الكثيرين من أفراد المجتمع، فإن العلاقات الاجتماعية مازالت قوية على الرغم من تراجعها النسبي.
ومن هنا، فمن المهم جدًا المحافظة على هذه العلاقات الاجتماعية، وعدم النظر لها وكأنَّها إرث ثقيل يجب التخلص منه، فنحن وإن كنَّا في زمن العولمة ووسائل التواصل الاجتماعي إلّا أن محاولة التخلص من العلاقات الاجتماعية أو التقليل من شأنها خطأ كبير سنرتكبه في حق أنفسنا وفي حق مجتمعاتنا، كما تثبته العديد من الدراسات العلمية والتي أشرت إلى أحدها.
وتختلف صور ومظاهر هذه الروابط الاجتماعية، ولربما من أهمها وأكثرها تميزًا في مجتمعاتنا الإسلامية هو الحضور للمسجد والصلاة جماعة، وحضور المحاضرات في المناسبات الدينية المختلفة، لأن كلاهما يتكرران في حياة الفرد المسلم بشكل كبير؛ إذ إن المسلم يعتاد على الحضور للمسجد بصورة دائمة ويستمع إلى المحاضرات بشكل متكرر فخطب الجمعة مثلا يستمع لها بشكل أسبوعي.
إنَّ ما نرغب في التركيز عليه هنا، هو أهمية الاستفادة القصوى من هذه التجمعات المهمة، فمن الخطأ الكبير الذي يقع فيه الكثيرون أنهم يحضرون هذه التجمعات دون أن يقضوا فيها أوقات تتميز بالجودة، فتراهم يحضرون إلى الصلاة مثلا لتأدية الواجب ليس إلّا، أمَّا أن يستغلوا الحضور، بحيث يؤثر ذلك في نفسيتهم وحياتهم بصورة رائعة وإيجابية، فهذا أمر يغفلون عنه تمامًا، ويمكنهم أن يحققوا ذلك بصور بسيطة وسهلة؛ فتبادل الابتسامة مع الآخرين والسلام عليهم والسؤال عن أحوالهم وتبادل الحديث الودي له بالغ الأثر على الطرفين. وينطبق الأمر ذاته على الامام الذي يؤم الصلاة، وليسمح لي أئمة المساجد- وأنا دونهم علمًا وقدرًا- بكلمة في هذا الصدد، فمن أكبر الأخطاء أن يظن الامام أن وظيفته تنحصر في حضور الصلاة وإلقاء المحاضرة والوعظ والإرشاد وتوضيح الأحكام الشرعية؛ بل إن عليه أن يدرك أن وظيفته سامية ومسؤوليته كبيرة؛ فعدد من المؤمنين يحضرون الصلاة وهم مثقلون بتحديات يواجهونها، وينتظرون من يخفف عنهم ولو بابتسامة جميلة تشرح صدره، فكم يبهج النفس أن تجد الامام الذي يدخل المسجد بابتسامة يوزعها على المؤمنين يسلم على هذا ويتحدث مع آخر ويطبع قبلة على جبين الكبير منهم ويربت بيده على الصغير ويستشير أحدهم ويشير على آخر، ويشعرهم بأنَّه منهم، إن هذه الأمور البسيطة لها بالغ الأثر على نفسية الإمام والمأموم على حد سواء.
كما إنَّ علينا أن ندرك أن الأثر الاجتماعي إنما يتحقق عندما يستغل الفرد حضوره في تلك التجمعات، أما أن يحضر فيها وهو منشغل بهاتفه النقال، وما أن ينتهي الخطيب من إلقاء محاضرته حتى يُسرع بمغادرة المسجد، لا يُحقق ذلك الأثر المرجو من حضوره. ومن الغريب ما يطرحه بعضهم بأن سماع المحاضرات المفيدة عبر الوسائل السمعية والبصرية المختلفة تفي بالغرض وهي البديل عن الحضور!! فيمكنني أن أستفيد من المحاضرة دون أحضر إلى المسجد إلى أو إلى قاعة المحاضرة، لكن هذا الطرح لا يأخذ بعين الاعتبار الفوائد الجمّة المترتبة على التجّمع نفسه والتفاعل مع الآخرين من الأصدقاء والإخوة، ولذا ففائدة الحضور لا تقارن إذا أحسن الفرد وأجاد استخدام فترة حضوره لتلك التجمعات.
وهكذا الحال مع مناسبات الأفراح والأتراح، فالبعض يحضر هذه المناسبات ويقتصر همه في أداء المهمة، وقد كنت من هؤلاء قبل مدّة، ولكن بعد أن راجعت نفسي أدركت كم كنت مخطئاً في ذلك، واليوم تغيرت نظرتي لهذه التجمعات، فأصبحت أحضرها محاولا الاستفادة منها وإفادة الآخرين، لا بالحديث الجاد والنقاش الهادف دوماً بل ربما بابتسامة أو حديث ودي أشارك الآخرين به.
إنَّ المناسبات الاجتماعية التي تزخر بها مجتمعاتنا الإسلامية هي من الثروات المُهمة التي يجب أن نحافظ عليها، بحيث نقضي على بعض السلبيات التي تتخللها ونحافظ على الإيجابيات فيها، ولا ننظر لها كعبء ثقيل علينا أن نزيحه عن كاهلنا.
** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس
رابط مختصر