الصواب الخاطئ والخطأ الصائب
تاريخ النشر: 14th, January 2024 GMT
ماجد المرهون
majidomarmajid@outlook.com
حتى يُفهم المعنى بين الخطأ بشرهِ والصواب بخيرهِ فهل يتعين على المرء القيام باختبار عملٍ صائب وتحقيق الخيرية منه مع أن الفطرة الإنسانية هي الدافع الدائم له، أو تعمد اقتراف فعلٍ خاطئ واختبار الشر الناجم عنه وهو ما يمنعه الضمير الحي وترفضه النزاهة مع إمكانية الاستفادة من تجارب سابقة مشابهة؟!
للجواب على هذه التساؤلات فإنه يحدو بي اجتراح سردٍ لمفهومي الخير والشر من نواحٍ نبلغ معها إحاطة فهمٍ عام، وبما أن الخير والشر يعتمدان على تمييز العقل لهما فقد يختلف البعض أحيانًا في وجوب توفر نص إلٰهي موحى يسند ذلك الاعتماد، إلا أن الجميع يتفق على الموضوعية بحيث يمكن تمييز الشيء في ذاته بالخير أو بالشر شريطة عدم الميل بدافعٍ عاطفي أو تحيز لتغليب مصلحة ودرء لتلك المعضلة التي قلما يتحرر الإنسان من قيود سيطرتها على نزاهة حُكمه جاء العدل الذي يرتضيه الجميع حكمًا ليتدخل بالقول الفصل وتحرير محل النزاع.
وقد يقع الخلاف في تقييم الصواب والخطأ بين الخير والشر باعتبار وجهة نظر طرفين متنازعين، فالأول يراه صائبًا وبالتالي هو خير بالنسبة له ويبني رؤيته على أدلةٍ موضوعية مقنِعة يعتمدها في المسار الذي انتهجه داعمًا بكل ما من شأنه تعزيز موقفه والدفع به إلى مستوى الإقناع، لكن الطرف الثاني يُعتبر كل ذلك خطأ ويعود عليه بالشر من حيث الموضوعية ويجسر موقفه معتمدًا على الإثباتات المنطقية والبراهين العقلية، وهنا نجد أن كلا الطرفان يرى نفسه على صواب وقد يكون خاطئًا والآخر على خطأ وقد يكون صائبًا، وبموجب الحرية التي منحها الله للإنسان في تصرفاته وهبه العقل للتمييز بين الخير والشر فقد تُزين له ميوله وأفعاله وأطماعه صوابية خطأه وخيرية شره، حتى يصل في مرحلةٍ من مراحل ذلك الاختلال إلى نكران الشرور التي يقترفها لأغراض مادية دنيوية ويضفي عليها صِبغة شرعية وتحيزاتٍ مبنيةٍ على رائحة القانون ليحقق الموضوعية اللازمة في قبول أفعاله، وهو بلاشك قد استمرئ تلك الأفعال على فتراتٍ زمنية طويلة ماتت خلالها بداخله مَلكة التقييم العقلي النزية التي يتميز بها الإنسان عن سائر المخلوقات والتاث ضميره الحي، وقد ينحاز له من هو على شاكلته وممن يتقاطعون معه في المصالح والمكاسب.
يُفضل ضرب الأمثلة التي تبسط حديثنا المبني على المجهول حتى نستطيع تمييز المفاهيم سالفة الذكر، ولن نجد أدق مثالًا وأصدق توضيحًا أبلغ من الكيان الصهيوني المحتل ومافعله من السابق ومايقوم به اليوم من صنوف إجرامٍ لم يُقدم عليها من قبله أحد، وأساليب تعذيب دموي لا تخطر على قلب بشر وإزدراءٍ لكرامة الإنسان هي الأقذر على الإطلاق وانتهاك في منتهى السفور لكل القيم والأخلاق لم تعهدها البشرية في أحلك سوابقها التاريخية، ثم يعمد مع ضامني بقائه وبكل فجاجةٍ وصلافةٍ إلى التبرير في سياقات أعذارٍ واهية لا تزيده إلا قُبحًا وكراهية وحقدًا وبغضاء عند معظم شعوب العالم والقادرة على التمييز بموضوعية والتفريق بكل سهولة بين الصواب والخطأ والخير والشر، ويستمر الكيان المنحل في غيه وطغيانه دون أن يجد من يقف في وجههِ أو يردعه وقد استمرئ أفعاله ودخل في غفلة تصديق نفسه، وهي صفات الشخصية السيكوباتية التي تعاني من اعتلالات عقلية تحفزها على الجريمة ويبرر معها تصرفات الشر التي ينتهجها وتتراءى له بأنها صائبة ويكمن فيها الخير كله.
لا أتحدثُ هنا عن الموقف العربي العام إزاء ما يحدث في فلسطين وإن كان سيل المواقف المُعلنة يصب في بحر القضية الفلسطينية، إلّا أن ما تبقّى منه يذهب جفاءً وما مكث في الأرض لا ينفع الناس؛ كونه زبَدًا عظيمًا من الأقوال بلا فعل، وهي صفات الضعيف الخائف المصاب برهاب البارانويا والفاقد للثقة بكل المحيطين به مع امتلاكه لكل أسباب التغيير ولكنه لا يفعل وقد كسروا بذلك خواطر المسلمين، ولا أظن أنها ستُجبر قريبًا؛ بل نتحدث عن الكيان الصهيوني المُنحل ومن سار سيره من القوى الغربية المصابة بشيزوفرينيا المعتقدات الزائفة وتريد أن تُكرِه العالم على قبول فِصامها لكنهم على النقيض من العرب حيث إنهم يفعلون عكس ما يقولون، ويحرصون على تجنب الحديث عن الأمور الممنوعة المجرمة في قانونهم والخاطئة من الجانب الموضوعي المتفق عليه في الوعي الجمعي، ليظهرون أمام الرأي العام والرسمي بوداعةٍ منقطعة النظير وبحب الخير للجميع مع ضرورة إرساء دعائم الحق والعدل وفي المقابل تتناقض تصرفاتهم الكيدية على أرض الواقع ويُكذب إقترافهم للخطايا والرزايا التي يجدون لها مبرراتٍ لايقتنع بها غيرهم الصور والمظاهر الخادعة.
إنهم يرفضون العنصرية ويجرمونها داخل دولهم بكل قوة وحزم، لكنهم يمارسونها عسكريًا في الخارج، وفلسطين تختلف عن أوكرانيا، وهناك دوافع وميول، ويرفضون الاحتلال والمذابح والتصفية العرقية والتهجير القسري، لكنهم يمارسون دعمه بما أوتوا من قوة في غزة فهم يقفون مع الحق ولابأس بموت عشرات الآلاف من الأبرياء فهناك مبررات وضرورات. إذن.. هم يدعمون عمليًا كل ما ترفضه القوامة والنزاهة الإنسانية، لكنهم يرفضونه قولًا وشكلًا فقط، وإن قوبلوا بتلك الحقائق رفضوها فهم الأعلم بكيفية استخراج الخير الدائم الكامن في الشر البسيط المؤقت وأما من جانب الموضوعية فكل العالم لا يعقلها وهو بها جاهل ويجب عليه الانسياق والانقياد لجموح البصيرة الغربية، وقد يصدف أن يكون صديقي عدوًا لغيري، وعدوي صديقا لغيري، والعامل المشترك هنا هو الغير، فهل يجبرني هذا الغير بالقوة على مصادقة عدوي الذي هو صديقه أو يجبرني على معاداة صديقي الذي هو عدوه؟! هذا ماتحاول فعله القوى المتسلطة المتحالفة مع صديقها الكيان المستحل للحرمات والذي هو عدونا.
لقد تمكن هذا الكيان السيكوباتي المحتل والمختل من إيقاع الحزن والأسى والقهر والضرر بملايين البشر من الأبرياء ولا زال مقتنعًا بصواب أفعاله ولا يرى غضاضة فيما يفعله، مُبررًا دوافعه بأكاذيب مبنيّة على تلفيقات واهية من وحي الشياطين هو أراد تصديقها لإيهام نفسه بوجود مرجعية حقيقية يستند عليها، مُستأزرًا بالمتعاطفين معه وعلى رأسهم أمريكا وبريطانيا الشهيرتان بتبرير افتعال الحروب وقتل البشر وكلاهما لايختلفان عن بعضهما فهما ينزعان إلى أرومة واحدة وما الكيان الصهيوني المُتحلل تحت وطأة النازية الألمانية إلا نتاجٍ تولدَ عن ذلك الاجتماع الثلاثي لرؤوس الشر.
هل سيبقى العالم صامتًا على ما تقوم به شرذمة صعاليك قُطَّاع طرقٍ لا مرجعية لهم سوى أكاذيب بعض الدول الغربية؟ بالطبع لا، وإنما هي مُدد وأزمنة يمد الله فيها للظالم مدًا حتى إذا أعتقد أنَّه استوى واستغلظ قَيّض له ما لم يُلقِ له في غمرة خيلائهِ بالًا، ثم جعله عليه وبالًا لا يخاف فيهم لومة لائم ويجازيه بما فعل وأكثر نكالًا، ولعل ما تقوم به المقاومة اليوم هو أصدق قيلًا، وإنا نراهم ممن اهتدى للصواب والخير، وإن مسلك الهدى يعز من شأن الفتى، وبَذْل الخير والندى يقي مهاوي الردى، ويدحر كيد الظالم ومكر العِدا، والجزاء من جنس العمل.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الكيان الصهيوني يغرق برسائل احتجاج تطالب بوقف الحرب على غزة
الثورة نت/..
شهدت الأيام الأخيرة تصاعدًا في الكيان الصهيوني في الأصوات الداعية إلى وقف الحرب في غزة والتوصل إلى صفقة تبادل جديدة لاستعادة الأسرى في القطاع، حتى لو كان الثمن هو إنهاء القتال، كما عبّر جنود يخدمون حاليًّا وسابقًا في وحدات مختلفة من الجيش “الإسرائيلي”، إلى جانب مسؤولين في أجهزة أمنية أخرى مثل “الموساد”، عن دعمهم لما يُعرف بـ”رسالة الطيارين”، والتي تدعو بوضوح لإتمام صفقة التبادل، وفقًا لما نقلته محللة الشؤون العسكرية في هيئة البث الرسمية “كان” كارميلا مناشِه.
وأشارت المحللة إلى رسالة نُشرت، صباح أمس (الاثنين)، وقّعها أكثر من 1,600 جندي من جنود الاحتياط والسابقين في وحدة المظليين، عبّروا من خلالها عن موقف مماثل. لاحقًا، انضمّت مجموعات أخرى من خريجي وحدة “8200”، برنامج “تلبيوت”، ووحدات النخبة مثل “شلداغ”، بالإضافة إلى نحو 1,500 من مقاتلي سلاح المدرعات، ومسؤولين سابقين في “الموساد” من بينهم رؤساء أقسام ونواب رؤساء، وجميعهم وقّعوا على رسائل تدعو لوقف القتال.
سلاح البحرية
في أعقاب نشر “رسالة الطيارين”، بدأ ضباط في سلاح البحرية بجمع تواقيع على عريضة مشابهة، وقد وُجهت الرسالة إلى رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، وأعضاء الكنيست، وقيادة الجيش، و”الجمهور الإسرائيلي”، وجاء فيها: “أهداف الحرب – استعادة “المختطفين” (الأسرى) واستعادة الأمن – لم تتحقق. نحن نتحمِّل العبء، لكن المسؤولية عليكم. أوقفوا القتال”.
الاستخبارات
ضباط احتياط وعناصر نشطون وسابقون في وحدات جمع المعلومات التابعة لشعبة الاستخبارات (أمان) وقّعوا أيضًا على رسالة احتجاج، جاء فيها: “نحن نعتقد أنّ “الحرب” (العدوان) في هذه المرحلة تخدم مصالح سياسية وشخصية وليس أهدافًا أمنية. استمرار القتال لن يحقق أيًّا من أهدافه المُعلنة، بل سيؤدي إلى وفاة “مختطفين” (أسرى) وجنود و”مدنيين” (مستوطنين). كما نشعر بقلق من تآكل حافز جنود الاحتياط وارتفاع نسب الغياب، وهي ظاهرة مقلقة للغاية”.
الموساد
نحو 250 عنصرًا في جهاز “الموساد”، من بينهم 3 رؤساء سابقين، أصدروا بيان دعم لرسالة الطيارين، عبروا فيه عن دعمهم الكامل لرسالة الطيارين التي تعكس قلقهم العميق على مستقبل الكيان. ودعوا للتوصل فورًا إلى اتفاق يُعيد جميع الأسرى الـ59، حتى ولو كان الثمن هو وقف القتال.
وكتبوا في عريضة الاحتجاج: “رسائل زملائنا من الطيارين، وسلاح المدرعات تعكس أزمة ثقة عميقة في الحكومة الحالية. حكومة الـ7 من أكتوبر تتجاهل المصلحة الوطنية لصالح حسابات ائتلافية ضيقة، فقدت ثقة “الجمهور” .
كما انضم إلى قائمة الاحتجاج جنود حاليون وسابقون في وحدة المتحدث باسم الجيش الصهيوني وقعوا أيضًا على رسالة طالبوا فيها بإعادة الأسرى فورًا ووقف الحرب على غزة معتبرين أنَّ وقف القتال ليس تنازلًا بل ضرورة، لأن الحرب اليوم لا تخدم إلّا المصالح السياسية والشخصية، واستمرارها يعني موت المزيد من الأسرى والجنود والمستوطنين. وأضافوا في ختام الرسالة: “أوقفوا الحرب وأعيدوا “المختطفين” (الأسرى) الآن. كل يوم تأخير يُهدد حياتهم”.
الجامعات
ذكر موقع “هآرتس الإسرائيلي” أنّ نحو 3,500 أكاديمي، وأكثر من 3,000 أستاذ، ونحو ألف من الأهالي وقّعوا على عرائض تطالب بإعادة الأسرى وإنهاء الحرب. جاء ذلك بعد نشر رسالة جنود سلاح الجو التي دعت إلى إعادة الأسرى حتى لو كان الثمن هو وقف الحرب، الأمر الذي دفع رئيس الأركان إيال زمير وقائد سلاح الجو تومر بار، للإعلان عن نيتهم فصل الموقّعين على الرسالة من خدمة الاحتياط.
وجاء في رسالة الأكاديميين: “نحن، أعضاء الهيئة التدريسية، في مؤسسات التعليم العالي، ننضم إلى نداء جنود سلاح الجو، ونطالب بإعادة “المختطفين” (الأسرى) إلى بيوتهم فورًا، حتى لو كان الثمن إنهاء الحرب بشكل فوري”. وشدّد الموقّعون على أنّ هذه الحرب تخدم مصالح سياسية وشخصية حصرًا، واستمرارها سيؤدي إلى مقتل الأسرى وجنود الجيش “الإسرائيلي”، وإلى إنهاك جنود الاحتياط، مشيرين إلى أنَّه كما ثبت في الماضي، وحده الاتفاق يمكن أن يُعيد الأسرى إلى “إسرائيل”.
في الوقت ذاته، وقّع نحو 1000 من أهالي الأسرى على رسالة في الموضوع نفسه، وكتبوا في العريضة: “من أجل مستقبل أولادنا وأيضًا من أجل مستقبل جيراننا، لن نقبل بتربيتهم داخل حرب أبدية، ولن نغضّ الطرف عن قتل الأطفال”. وتابعوا: “لن نتعاون مع الفكرة الخطيرة التي تدّعي بأنه لا يوجد أبرياء في غزة، ولن نوافق على التخلي عن “المختطفين” أو القبول بنزع الإنسانية عن الآخرين.
الرسالة المُزلزلة
وكانت قناة “كان” العبرية كشفت قبل أسبوع عن رسالة أثارت زلزالًا في قيادة سلاح الجو الاسرائيلي وقّعها مئات الطيارين يدعون فيها لوقف الحرب على غزة. أكدوا فيها أنّ الحرب الحالية تخدم مصالح سياسية لا أمنية، واستمرارها سيؤدي إلى مقتل أسرى وجنود ومستوطنين، ويُضعف الجيش الاسرائيلي.