جريدة الرؤية العمانية:
2025-02-06@04:35:26 GMT

غزة.. بابٌ للخروج من التيه

تاريخ النشر: 14th, January 2024 GMT

غزة.. بابٌ للخروج من التيه

 

د. قاسم بن محمد الصالحي

اعتقد جازمًا أني لست الوحيد المهوس بملحمة الشرف والجهاد في مدينة غزة، وبما يمثله مقاوموها من بسالة على الأرض، رجال مثقلون بظلم المعتدي الصهيوني، نساء لا يملكن سوى الدعاء لفلذات أكبادهن، في أجواء أمّة تاهت في سراديب عالم يكيل بأوزان الشر والظلم، مقاومون تمردوا على رتابة خطوات التيه المكررة، أثارت في نفوسهم الضجر فعادوا لفطرة الدفاع عن الأرض والعرض، دقوا طبول الحرب ضد المعتدي، وأسمعوا أزيز رصاص بنادقهم، فامطرتهم أمتهم ملامة وتوبيخًا.

نعم .. مهوس بهذه المدينة، وما تمثله من ذكريات لملاحم الأمة قبل أن تسير في نفق التيه، من رحم شعب مثقل بالهموم، وأمهات لا يملكن سوى الدعاء لأطفالهن الذين خرجن بهم إلى الدنيا، اعتدن أن يرينهم بقربهن طوال الوقت،  كبر الأطفال، وتعودوا على قضاء جل وقتهم دفاعاً عن الحمى، تمردوا على رتابة وجه أمتهم المكرر الذي يثير في نفسهم الضجر، وهي تأخذهم إلى أرض أخرى ليذوبوا مثل سكر في تيهها.

إن مضمون ما أكتب هو إحساس بأن كل من يعيش في غزة  يسير بخطى وئيدة وسط ركام جرائم الصهيونية، يراقب مشدوهًا مواقف الأمة، حين يراها بصورة لم ير مثيلا لها من قبل، هي في تيه يحمل سيلا من الخذلان، تتركه في غابة مليئة بالوحوش تنهش في جسده، وتنبش في أرضه.

كل ما في حلم الأمة بيت أو ملجأ يأوي أبناء غزة متى أحسوا بالتعب من قسوة الغاصب المحتل، وأقصى ما تطرحه لتخليصهم من مخالب الوحش الجاثم على حياته، هي مبادرات الهجرة، سميت بأسماء سمتها وحوش الغابة، في ظل هذا التيه، كتب أبناء غزة بدمائهم وأشلائهم بيان عريضتهم "جهاد أو استشهاد"،  لكن أمتهم ظلت تناقش مع من سلبهم حريتهم مُسميات مبادرات تشريدهم، وتركتهم دون بيت في وطن مستباح، على زاوية بشارع غير مُعبد يحتسون التنكيل والعذاب.

أخذ رجال المقاومة في غزة، بما أمر به ربهم، ليسطّروا ملحمة تاريخية تخرج الأمة من التيه،  فتحوا باب الجهاد، سقطت الأقنعة على الأرض، حينما فتح باب الخروج من التيه، استشاطت وحوش الغابة غيظًا، لكن رجال المقاومة في غزة، لم يقولوا: إنَّ فيها قومًا جبارين، بل دخلوا من الباب وهم واثقين بالغلبة، متوكلين، مؤمنين بنصر الله، فأفرق الله بينهم وبين القوم التائهين من أمتهم، أسرعوا الخطى خوف التخلف عن الجهاد، لإدراكهم أن عقوبة التيه تشمل كل من فعل فعلة بني إسرائيل من الأمم من بعدهم، قال تعالى "فكلًا أخذنا بذنبه" (العنكبوت: 40)، حاشى الله أن يحابي أحدا من خلقه، والشرع لا يفرق بين متشابهين، ولا يساوي بين مختلفين، لقد أبصر رجال غزة أنه مع أننا خير أمَّة أخرجت للناس، إلّا أن الأمة دخلت تيهاً أكبر مما دخله بنو إسرائيل، بتخلفها عن أمر من أوامر الله؛ عندما تركت الجهاد ونصرة المظلومين فيها، فكان عليها حقًا أن تدخل ذلك التيه، بنو إسرائيل دخلوا  التيه في واد واحد وهو سيناء، إلّا أن أمّة المليار دخلت في أودية متفرقة.

لقد دخلت تيها في العلمانية، والاشتراكية، والرأسمالية، ومع الأسف، أخذ كل تيه أكثر من أربعين سنة، ومازالت في التيه، وربما يطول بقاؤها في التيه لسنوات، أراد رجال غزة تمكين الأمة بإرضاء الله؛ قال تعالى "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" (النور: 55)، كان التيه للأمة عندما ابتعدت عن وعد التمكين الذي وعدها به الله في الأرض، وتركها للجهاد، وإدخال الدين الإسلامي لكل بيت كان من مدر أو وبر، فكتب عليها التيه كعقاب تربوي رباني، لأجل الامتثال لأمره عز وجل، كانت مدة التيه لبني إسرائيل حينما هاموا على وجوههم في الصحراء أربعين سنة، انقطعت بهم السبل، لا ظل، لا طعام، لا شراب، وكان المصدر الوحيد لهذه الضروريات هو الله سبحانه وتعالى، بمعجزات ظاهرة، لترسخ عندهم عقيدة التوكل على الله، وأن الله على كل شيء قدير، وقد تعلق رجال غزة بالتمكين كمعجزة ظاهرة ليعطوا درسًا للأمة، فكان التمكين أول أسباب نصرهم، فيسر لهم الله الأسباب رغم توهان أمتهم، ومع هذه الأسباب أتت أيضا الابتلاءات لتقيم صبرهم نتيجة فتحهم لباب الخروج من التيه، بمقارعتهم طاغوت العصر، وهم موقنون بأن قلّتهم ستغلب كثرة الظالم بإذن الله.

إنَّ طول مدة تيه الأمة وقصرها، والخروج منها، متوقف على مدى امتثالها لأمر الله عز وجل، وسعيها لذلك، بكل ما أوتيت من قوة، والعمل على مناصرة أهل غزة في جهادهم للآخذ بترباس باب الجهاد الذي فتحه رجالها الأشاوس، وأن لا تحزن للابتلاءات، فما هي إلا اختبارات لإظهار مدى استجابتها لأوامر ربها، والصبر عليها، بل عليها السعي المستمر، للتأمل في الفتن التي يحيكها لها عدوها، والبحث عن ما يرأب صدعها، والخروج من التيه عبر باب غزة المشرع، والعودة إلى مكانتها التي وصفها بها الله تعالى في قوله: "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ" (آل عمران: 110).

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

خسارة “إسرائيل” في طوفان الأقصى لا تعوَّض مهما حاولت أمريكا

يحيى صالح الحَمامي

خسارة الغدة السرطانية “إسرائيل” في عملية طوفان الأقصى لا تعوض، ولم تستطع أمريكا أن تحافظ على قوة توازن أمن “إسرائيل” من بعد عملية طوفان الأقصى التي قصمت ظهر الكيان الصهيوني، وأصبح يوم 7 أُكتوبر من كُـلّ عام ذكرى مأساوية نسميها يوم نكبة “إسرائيل” في غزة، بل والهزيمة النكراء لقوى الاستكبار العالمية.

المقاومة الفلسطينية حماس دمّـرت ما تم بناؤه لما يقارب 75 عاماً من الاحتلال، حطمت جميع التحصينات وزعزعت أمن وسلام المستوطنين بالمستوطنات، المواقع العسكرية الإسرائيلية كانت محصنة بتحصينات من الصعب اختراقها أَو اقتحامها، وبقوة الله انكسرت عظمة الجيش الذي لا يقهر استخباريًّا وعسكريًّا، ونقول للكيان الموقت إنه مهما حاولت الولايات المتحدة الأمريكية أن تعوض الخسارة أَو ترمم فشلها فهي لا تستطيع أن تجبر الانكسار، فقدت الأمل بالنصر، والخيبة ترافق جيش الكيان.

عملية طوفان الأقصى ضربة على رأس “إسرائيل” أفقدتها صوابها، قدمت الكثير من القتلى من أفراد وصفوف جيشها، بعدد كبير من الضباط القادة لأجل إعادة الأسرى المختطفين، بذلت ما لديها من القوة، حاولت أن تضغط على المقاومة بحصار المواطنين الأبرياء للاستسلام لشروطها المبالغ فيها، ولم تستطع أن تحقّق أي شيء بالرغم من استمرار الحرب لما يقارب 470 يوماً على مدينة غزة، نفدت قدرتها وأنهكت قواها، فشلت جميع أوراقها، وخضعت “إسرائيل” وأمريكا وبريطانيا لشروط المقاومة الفلسطينية، وهذا نصر من الله يرجح قوة جيش “إسرائيل” المدعوم من قوى الاستكبار العالمية.

خسارة “إسرائيل” لا تعوض ولو وقف العالم مع “إسرائيل”، بذلت قوى الاستكبار العالمية ما بوسعها من المال والسلاح والرجال في سبيل الحفاظ على “إسرائيل” ومساعدتها على الاتِّزان والوقوف بكامل القوة، الساق الصهيوني انكسر ولا يجبر عظمها، قوة جيش “إسرائيل” لا تصنع أي شيء، والدعم الأمريكي وعدة دول من خلفها لن يفيد الكيان الصهيوني، فشل كبير وسقوط مدو وهزيمة نكراء، ومن محاولة أمريكا بالضغط على مصر والأردن لاستقبال أبناء غزة كنازحين، لن تقبل الشعوب العربية وأبناء غزة لا يقبلون بالخروج من أرضهم وسيرفضون جميع قرارات الشر والشيطان الأكبر، لا نعلم من أين تأتي قناعة “أمريكا” بنزوح أبناء غزة وكأن أمريكا لا تعلم بشيء عن الحرب في غزة، غباء اللص الأمريكي الجديد مستفحل “أمريكا مشاركة في تلك الجرائم بحق الأطفال والنساء، كما لم يسلم أي بيت من الحرب ولا أسرة في غزة من الفقد، والدم الغزاوي سال من كُـلّ أسرة أَو قريب لها، لا توجد موافقة ولا استعداد على الخروج والنزوح من أرضهم، ومن سابع المستحيلات أن يقبل المواطن الغزاوي بالنزوح القسري.

أبناء غزة أثبتوا للعالم قوة بأسهم بجهادهم المقدس، نقول للعالم لا يوجد مع “إسرائيل” ومستوطنيها قرار في البقاء، لا أمن لهم، ولا سلام، الجيش الإسرائيلي عاجز، والذي يروج له بأنه جيش قوي والحقيقة أنه جيش ضعيف وهزيل لا يصمد أمام فصائل المقاومة التي تسلحت سلاح الإيمان قبل أن تتسلح الحديد والنار معنوية وجهاداً واستعداداً، فصائل المقاومة للمواجهة بقوة بأس إيماني شديد وعزيمة لا تلين في مواجهة أعداء الله.

استعداد التضحية لدى فصائل المقاومة والشعب الفلسطيني لا يوصف فهم يعرفون أن ثمن تضحيتهم الجنة، تدربوا للقتال الشرس، يتحملون الظروف الصعبة، صبرهم وبأسهم وعزمهم قوي في مواجهة جيوش أتت من سلالة المغضوب عليهم، الضالين من النصارى واليهود الذين ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة، ومستوطنو “إسرائيل” يعرفون أنهم ليسوا من أصحاب الأرض، ليس لهم القدرة على بذل المزيد من التضحية ولا يقدمون الأول والثاني من أبنائهم ولا يدفعون أبناءهم لتلتهمهم نيران الحرب التي تنشب لهم، حرب من كُـلّ حدب وصوب.

المقاومة الفلسطينية ليست لوحدها، لا يوجد مع “إسرائيل” أوراق سياسية قوية، فالحصار سيقابل بحصار والمجازر الجماعية سوف تنطلق صواريخ محور المقاومة تدك أهدافهم الحيوية وقواعد جيش “إسرائيل”، لم يتبق للمستوطن الإسرائيلي أمل البقاء في أرض “فلسطين” من الذي سيوفر لهم الأمن، ولكن “إسرائيل” هي ضعيفة لا تتحمل المزيد من الدم، لقد سمعنا عن الانتحار لجنودها وضباطها، كم حالات من الأمراض النفسية التي أُصيب بها بعض الضباط والأفراد، لا يوجد أمن ولا سلام للكيان الصهيوني المؤقت في أرض “فلسطين” عليهم بالرحيل وهو أولى لهم والشتات مصيرهم الحتمي في الأرض، قال تعالى: “وَقَضَيْنَا إِلَىَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الكتاب لَتُفْسِدُنّ فِي الأرْضِ مرتين وَلَتَعْلُنّ عُلُوّاً كَبِيراً، فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ، وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا” {5}[سورة الإسراء][صدق الله العظيم].

مقالات مشابهة

  • خطوة مرتبطة بـحزب الله تُقلق إسرائيل.. ما هي؟
  • خسارة “إسرائيل” في طوفان الأقصى لا تعوَّض مهما حاولت أمريكا
  • الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة القادمة.. تعرف عليها
  • 5 كلمات حث عليها النبي أمته.. اعمل بهن وعلمهن لغيرك
  • خصوصية جبل الطور وتجلي الله تعالى عليه لسيدنا موسى.. تعرف عليها
  • كتاب «الأطفال يسألون الإمام» هدية شيخ الأزهر لـ«النشء» بمعرض القاهرة للكتاب.. نهى عباس لـ “البوابة نيوز”: أسئلة أولادنا فى الغرب الإمام الأكبر أجاب عليها بأسلوب بسيط
  • عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى: ترك ما لا يعنيك فضيلة حث عليها الإسلام
  • رئيس الخارجية الأمريكي يرحب بخطوة بنما للخروج من خطة البنية التحتية الصينية باعتبارها “خطوة عظيمة إلى الأمام”
  • الوثيقة التاريخية لشهداء المقاومة عظماء الأمة إلى شبابها ومستقبلها
  • الحديدة : فعالية كبرى بذكرى سنوية الشهيد القائد والرئيس الصماد