بوابة الوفد:
2025-02-01@08:38:20 GMT

التاريخ يُعيد نفسه على أرض فلسطين

تاريخ النشر: 14th, January 2024 GMT

البابا تواضروس: فى كل زمان يظهر «هيرودس» الذى لا يستجيب لصوت الإنسانية

مشاهد خالدة قصة ميلاد المسيح

«السيسى» عن البابا تواضروس: له مواقف لا يصنعها إلا المخلصون

 

أعادت الكنيسة الأرثوذكسية، يوم الجمعة الماضى الموافق 3 طوبة حسب التقويم القبطى، ذكرى استشهاد أطفال بيت لحم من العام الثانى لميلاد المسيح، وتحمل هذه القصة تشابها كبيرا لما تشهده غزة من قتل الأبرياء، وهو ما ورد فى كلمات قداسة البابا بالعظة الروحية خلال ذكرى ميلاد المسيح.

استشهاد أطفال بيت لحم

يروى التاريخ المسيحى قصصاً متشابهة لما يجرى حالياً على أرض فلسطين، فما أشبه اليوم بالبارحة، هكذا وصفت اللغة العربية تكرار الأحداث والشرور على مر العصور، فقصة أطفال بيت لحم الذين استشهدوا دون ذنب بعد مولد المسيح وخوف أمهاتهم من أن يطولهم قسوة جنود حاكمهم لا تختلف كثيراً عما يعيشه الأهالى فى غزة، فيحدثنا التاريخ دائماً أن الأبرياء يدفعون ثمن أشياء لم يقترفوها، فالملك هيرودس، الذى أمر بقتل جميع أطفال بيت لحم «من ابن سنتين فما دون» (متى 2: 16)، كان غرضه هو الحفاظ على عرشه المهزوز، أن يقضى على سبل خوفه من الملك المنتظر، فلم يجد طريقة يحمى بها نفسه بعدما أن جاء إليه المجوس ليخبروه بظهور النجم الدليل السماوى على مولد المسيح، فكان القتل والدمار للأبرياء هو وسيلته للحفاظ على أطماعه الدنيوية.

البابا تواضروس يروى قصة أطفال بيت لحم

وكانت عظة قداسة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، بقداس عيد الميلاد المجيد فى كاتدرائية ميلاد المسيح بالعاصمة الإدارية الجديدة، الأسبوع الماضى، عن الأوضاع غير الإنسانية التى تحدث على أرض فلسطين، وربط قداسته بين هذه المشاهد القاسية ومشهد قتل هيرودس الملك لأطفال بيت لحم الأبرياء، وأكد أن الكنيسة رفعت صلوات العيد من أجل كل المتألمين والمجروحين.

ذكر البابا القصة الشهيرة التى تشبه ما يجرى الآن فى غزة قائلاً: «كأن التاريخ يُعيد نفسه، ويبدو أنه فى كل زمان يظهر هيرودس الشرير الذى لا يسمع ولا يستجيب لصوت الإنسانية والعقل والحكمة، وها نحن فى الأسابيع الأخيرة شاهدنا مجازر يدمى لها القلب، ونتألم لها كثيراً، ويطيح بالأذن التى لا تستجيب، يطيح بكل شىء، سواء على المستوى الدولى أو المستوى الإقليمى أو المستوى المحلى، ولا نسمع أى استجابة إنسانية أو غير إنسانية لما يحدث على الأراضى المقدسة فى فلسطين».

وكانت للكنيسة المصرية دوراً روحياً إلى أن الدعم الإنسانى الذى حرصت على تقديمه من خلال إرسال مساعدات الإغاثة، فقد خصصت الشهر الماضى بالشهور القبطية (كيهك) من أجل سلام العالم، وأن يعطى الأذن التى تستجيب، لأنها رغم وجودها لكنها لا تسمع وصية الله، ففى الوصايا العشر هناك الوصية التى تقول «لا تقتل»، وهى وصية قوية بالعهد القديم وممتدة بالطبع إلى العهد الجديد، ولكن يطرح صوت الله جانباً، ونسمع عن شهداء وضحايا ومصابين ومجروحين وبيوت مدمَرة، بصورة مزعجة للغاية، وأعتقد أن التاريخ سيقف أمام ما يحدث من مجازر، وقتاً طويلاً.

وكانت دعوة البابا خلال حفل عيد الميلاد أن تكون للجميع «أذن» تستجيب وتسمع وتعمل، لأنه عكس ذلك يضيع الإنسان، وينسى الوصايا الإلهية وأصوات الحكمة الإنسانية، جاءت هذه الكلمات بعدما استقبل قداسته الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى يحرص كل عام على الوجود وإرسال رسالة العام من داخل الكنيسة المصرية ولتقديم التهنئة للأقباط، وكانت هذه الفعاليات بحضور كبار رجال الدولة ووفود من مجلسى النواب والشيوخ، والوزارات والأحزاب السياسية، والنقابات والعديد من الهيئات والمؤسسات، وعدد من سفراء عدد من الدول ورجال السلك الدبلوماسى، وممثلى الطوائف المسيحية.

مشاهد فى قصة الميلاد

بعنوان «مشاهد فى قصة الميلاد»، ألقى قداسته العظة التى تكشف استجابة الإنسان ونوعيات البشر، من خلال الأذن الداخلية «القلب» والأذن الخارجية، وكانت فى مقدمتها السيدة العذراء والتى تُمثل أذن الطاعة والقلب المطيع، عندما استمعت إلى بشارة الملاك وقالت: «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِى كَقَوْلِكَ» (لو ١: ٣٨)، ولم تناقش أو تتذمر، أما عن النموذج الثانى فكانت قصة الرعاة الذين يُمثلون الأذن النقية والقلب النقى، عندما استجابوا استجابة فورية بِنِيّة صالحة، واتجهوا مباشرة بعد بشارة الملاك لهم إلى مكان الميلاد، وشاهدوا الصبى السيد المسيح فابتهجوا جداً.

والقصة الثالثة كانت لقرية بيت لحم وصاحب مكان الميلاد (المذود)، والذى يُمثل الأذن والقلب المتسعَين، عندما تفتق ذهنه بإبداع واستضاف الأسرة فى مذود البقر، برغم ازدحام القرية بسبب الاكتتاب فى ذلك الحين، فصار المذود فى قرية بيت لحم مكاناً مقدساً يزوره ملايين البشر.

وهناك نوعية رابعة ويمكن سردها فى قصة المجوس والذين يُمثلون الأذن المشتاقة المتلهفة للحقيقة والقلب المشتاق المتلهف للحقيقة، عندما سافروا مسافات طويلة وقدموا هداياهم للسيد المسيح، لأنه مكتوب فى كتبهم عن النجم الذى يتحرك من المشارق إلى المغارب فإنه يكشف الحقيقة، ولا سبيل لمعرفة الحقيقة إلا إذا جاء رب الحقيقة بنفسه وأعلنها للإنسان، فكانت استجابتهم هى الاستجابة الواعية والمستعدة والمدركة لقيمة الوقت، أما عن الأذن العاصية فهناك نوع مثل هيرودس الملك والذى يُمثل الأذن الرافضة والتى لا تسمع، عندما أصدر قراراً بقتل أطفال بيت لحم بعد زيارة المجوس له.

احتفالات العام المسيحى فى ذكرى ميلاد المسيح

كانت أفراح العام بذكرى ميلاد ملك السلام متشحة بالسواد والحزن يخيم فى قلوب المسيحيين فى مختلف بقاع الأرض وعادة ما يلتفت العالم نحو فلسطين فى ذكرى ميلاد المسيح فى 25 ديسمبر و7 يناير، وخاصة بمدينة بيت لحم مسقط رأس أبن السيدة العذراء مريم لكونها الأرض التى احتضنت العذراء وهى تلده داخل «مغارة» بُنيت فوقها فيما بعد كنيسة المهد على يد قسطنطين الأكبر عام 330م، بالإضافة إلى «بئر السيدة العذراء» فى بيت ساحور المقدسة، وعلى الرغم من تباين الطوائف المسيحية الشرقية والغربية فى موعد الاحتفال بميلاد المسيح، إلا أن الجميع يحمل ذات المكانة الذى تؤكد أهمية هذه الذكرى ولم تقتصر على المسيحيين فقط بل يمجدها الجميع.

لحظات الميلاد المجيد

تُتابع الكنائس فترة ما بعد مولد المسيح بخصوصية روحية كبيرة حيث شهد العالم تغيراً كبيراً واسع التأثير بعدما جاء إلى الأرض مخلص الأمة، وفى مثل هذه الأيام تأتى قصص أول شهداء فى المسيحية أو كما تعرف قصتهم بأطفال بيت لحم الشهداء، وتروى القصص التاريخية حين جاءت العائلة المقدسة هذه المنطقة بعدما أمر أغسطس القيصر بكتابة ساكنى المعمورة، قرر القديس يوسف النجار وخطيبته مريم إلى بيت لحم للتسجيل، وكانت بشارة مولد الطفل المقدس قد ظهرت إلى السيدة العذراء مسبقاً، وعند وصولهم إلى بيت لحم لم يجدوا مكاناً للمبيت وكان الطقس بارداً فدخلوا إلى مغارة تستعمل إسطبلاً للحيوانات والتى هى اليوم كنيسة المهد التى بناها الإمبراطور الرومانى قسطنطين بطلب من والدته الملكة هيلانة، لتُسجل الأرض التى شهدت اللحظات الأولى من عمر يسوع المسيح.

وكان ميلاد المسيح فى فصل الشتاء وكان هناك برد قاسٍ والحيوانات بالأسطبل أخذت تنفخ فى المذود لتدفئة الطفل حتى تلده العذراء بسلام وهو قلب المغارة التى شيدت عليها كنيسة المهد التى تعتبر مقصد مسيحيي الأرض للحج فى هذه الفترة.

تشتهى الأنفس لمعرفة كيف تبدو كنيسة المهد ومسقط رأس المسيح فى وضعها الحالى، فيجد من يمر بين بوابات الكنيسة يوجد باب ضيق الهدف منه الانحناء لإظهار الاحترام لقدسية المكان، كذلك يقال لمنع الخيالة من الدخول بأحصنتهم أيام تعاقب الاحتلالات للمدينة، ويصادف خلف هذا الباب قاعة فسيحة بها أعمدة حجرية لونها وردى وأرضية فسيفساء بيزنطية تقود إلى المغارة وهى عبارة عن كهف صغير به «النجمة ومزود»، حيث وضعت العذراء طفلها وهناك تُضاء الشموع بشكل مستمر من الزائرين والكهنة من مختلف الطوائف والمغارة لها باب واحد للدخول والثانى للخروج.

تاريخ أرض المسيح

كانت كنيسة المهد منبع السعادة فى عيد المسيح كل عام، إلا الاحتفال الذى أقيم منذ أيام فكانت أرض المسيح لك السلام تبكى حزناً على ما يحدث فى شعب فلسطين وما تشهده غزة من حرب، تعد كنيسة المهد واحدة من أبرز الوجهات العالمية، يذكر التاريخ أنها مرت بعدة مراحل بعد تدميرها على يد السامريين فى القرن السادس الميلادى وأعاد بناءها الإمبراطور يوستينوس، واحتفظ فى ترميمها على «النجمة الفضية» ذات الأربعة عشر رأساً التى تحدد مكان مولد المسيح ويحج إليها الملايين منذ ذلك التاريخ وحتى الآن، وترتبط خصوصية ميلاد المسيح أيضاً ببئر العذراء وبيت ساحور.

مظاهر احتفال الكنيسة المصرية

استقبل قداسة البابا الرئيس السيسى على أبواب الكنيسة الكبرى بالكاتدرائية التى تقيم فيها الصلوات وتوجه الموكب إلى الداخل، ليعبر بين المصلين الذين استقبلوا الموكب بحفاوة بالغة، وكعادته حرص الرئيس على رد تحيتهم أثناء سيره فى الممر المؤدى إلى منطقة «الخورس» فى قلب الكاتدرائية، وامتزجت أصوات الأجراس بالزغاريد ودعوات الأمهات وسط أجواء مليئة بالود والمحبة والتقدير.

وبكلمات معبرة ورسالة قوية للرئيس السيسى أشار فيها إلى محبته واحترامه لشخص قداسة البابا مؤكداً أن هذه المحبة نابعة من مواقف لا يصنعها إلا رجال مخلصون يحبون بلادهم وحريصون عليها، ثم قدم التهنئة لجميع أطياف الشعب المصرى داعياً الله أن يكون العام الجديد هو نهاية لفترات صعبة، وقال: «العالم منذ عام ٢٠٢٠ يمر بظروف قاسية وصعبة وخاصة فى نطاق المنطقة التى نحيا فيها»، راجياً الله أن تتجاوز مصر الأزمات الموجودة، مؤكداً أن أكبر هذه الأزمات ما يحدث فى قطاع غزة، وأشار إلى دور مصر معبراً: «مصر لها موقف كبير، ونسعى لوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات لأهالى غزة، وعقب ذلك سنبحث عن حل للقضية التى تتجدد كل عام».

وكان الختام لكلمات الرئيس فى هذا اللقاء باعثة للأمل حيث قال: «إن جميع الأزمات أو المشكلات الصعبة، يمكن أن يتجاوزها الشعب المصرى طالما اتَّحد وتعاون يداً بيد، وأن الأمور ستعبر والظروف الصعبة سنتجاوزها المهم أن تكون بلادنا وشعبنا بخير».

كان وقع هذه الكلمات مبشراً بالأمل وباعثاً للاطمئنان حيث ينتظرها الأقباط كل عام باعتبارها رسالة العام ومشاركة تعكس محبة صادقة وتقديراً لمكانة العائلة المقدسة لدى جميع المصريين.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: د أطفال بيت لحم بيت لحم صوت الإنسانية البابا تواضروس الكنيسة الأرثوذكسية البابا تواضروس السیدة العذراء أطفال بیت لحم قداسة البابا میلاد المسیح کنیسة المهد ذکرى میلاد ما یحدث کل عام

إقرأ أيضاً:

«ادفعوا للناس».. كتاب أمريكي جديد عن نصائح «المليونيرات»

هذا الكتاب يريد أن يقول لك إن مليونيرات أمريكا ليسوا كلهم سواء.. ليسوا كلهم نتاج «الرأسمالية المتوحشة» التى لا تهتم إلا بمصلحة أفراد معدودين على حساب الكل. ليسوا كلهم من أنصار مبدأ «أنا ومن بعدى الطوفان.. ما دمتُ أزداد أنا ثراءً فلا يهم أن يزداد الآخرون فقراً».

ليسوا كلهم من مؤيدى سياسات تخفيف الضرائب عن الأغنياء، التى أكسبت الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» أصوات قطاع كبير من مليارديرات أمريكا. هؤلاء الذين تسابقوا للوقوف على باب قصره فى منتجع «مارالاجو» طلباً لمزيد من الثروة والنفوذ. ليس كل المليونيرات ممن تتعلق أبصارهم وقلوبهم بمن يتولى أعلى المناصب وحسب، ولكن منهم من ينظر إلى من هم أدنى منه، ويحمل هم الحلقات الأضعف، ويرى أن صحة الاقتصاد ككل لا يمكن أن تنصلح إلا إذا انصلح حال الكل.

مؤلفا الكتاب: كيف ننتظر أداءً جيداً من موظف لا يجد ما يكفى لدفع فواتيره؟

الكتاب الذى صدر قبل شهر فى الأسواق الأمريكية يحمل عنوان: «ادفعوا للناس!». ويشرح رسالته قائلاً: «لماذا تُعد الأجور العادلة أمراً جيداً للأعمال وأمراً عظيماً بالنسبة لأمريكا». مؤلفا الكتاب هما «جون دريسكول» و«موريس بيرل». كلاهما من أغنياء أمريكا، وكلاهما لديه خبرة كبيرة فى الإدارة التنفيذية لمؤسسات وشركات تساوى قيمتها مليارات الدولارات. كلاهما تشهد له الأسواق المالية الأمريكية بالكفاءة الاقتصادية وبالنجاح فى التعامل بأروقة نُظم الرأسمالية الأمريكية التى تفرض قواعد لعبها على العالم كله. لكنهما يضيفان إلى اسميهما فى خانة مؤلف الكتاب اسم «المليونيرات الوطنيين»، وهى المجموعة التى يترأسها «بيرل»، وتضم مجموعة من أصحاب الملايين الذين يرون أن النظام الاقتصادى فى بلادهم ليس النظام الأمثل الذى يصب فى صالح الجميع، وأن توزيع الثروات وفقاً لقواعد الرأسمالية الأمريكية حالياً، ليس بالضرورة هو النظام الذى يؤدى تطبيقه إلى صلاح الحال.

لا ينبغي الحكم على قوة وصحة الاقتصاد بتزايد أعداد المليارديرات 

هى مجموعة تكونت -كما يقول الكتاب- عام 2010. بدأت بـ56 مواطناً أمريكياً ممن يزيد دخلهم السنوى على مليون دولار. قام هؤلاء بإرسال خطاب إلى الكونجرس الأمريكى يطالبون صُناع التشريعات فيه بأن يزيدوا الضرائب المفروضة عليهم وعلى أمثالهم من أصحاب الملايين، على عكس التوجّه الذى كان سائداً فى الكونجرس وقتها نحو استمرار سياسة خفض الضرائب على الأغنياء، التى أعلنها الرئيس الأمريكى الأسبق «جورج دبليو بوش» وبدا أنها ستستمر فى عهد خلفه «باراك أوباما». ويقول صاحبا الكتاب إن سبب اختيارهما اسم «المليونيرات الوطنيين» جاء من إحساسهما بأن بلادهما أهم بالنسبة إليهما من أموالهما.

هم بضع مئات فى الولايات المتحدة، وبدأوا ينتشرون فى بريطانيا. وعلى مدى العقود الثلاثة الأخيرة انضم أكثر من ألف مليونير إلى مطالبتهم بفرض مزيد من الضرائب على الأغنياء، لإصلاح البنية الاقتصادية قبل فوات الأوان.

ما يثير الاهتمام فى «المليونيرات الوطنيين» هو أنهم جاءوا من خلفيات متنوعة، وكوّنوا ثرواتهم بأساليب مختلفة. بعضهم ورث ثروات طائلة عن أهله، وبعضهم الآخر بدأ من الصفر وكوّن نفسه بنفسه. بعضهم معروف بين الأمريكان، مثل المخرجة «أبيجيل ديزنى»، سليلة العائلة المعروفة فى عالم الترفيه، أو «جورج زيمر» صاحب إحدى أشهر سلاسل محلات الأزياء الرجالية، وبعضهم، حتى إن لم يكونوا معروفين، أسسوا أعمالاً تدر ملايين الدولارات، بدءاً من سلاسل محلات البقالة، وحتى شركات بناء السفن والتكنولوجيا المتنوعة. منهم من كوّن ثروته عبر مجالات الاستثمار والأسهم، ومنهم من كوّنها من خلال عمله فى القانون والمحاماة.

هم إذن أغنياء مختلفون، جمعهم شعور عميق بالقلق على مستقبل بلادهم. ليسوا فقط من أصحاب الملايين، لكنهم أيضاً من أصحاب العائلات، لديهم أبناء وأحفاد لا يعيشون فى فراغ، لكنهم محاطون بمجتمع يعانى من غياب العدالة الاجتماعية. هؤلاء المليونيرات، كما يصفهم الكتاب، يدركون ما يبدو أن غيرهم من المليونيرات لا يدركونه أو يتغافلون عنه من أن أى مجتمع يصل إلى هذا الحد من غياب العدالة الاجتماعية بين الأغنياء وغيرهم، كما هو واقع فى المجتمع الأمريكى، لا يمكن له أن يصمد فى المستقبل.

لكن ما هى هذه الحالة التى وصل إليها المجتمع، والتى تثير قلق «المليونيرات الوطنيين»؟

يصفها الكتاب بأنها حالة يشعر فيها 71% من المواطنين الأمريكان بأن الاقتصاد كله يعمل ضدهم. ويقول الكتاب إنهم محقُّون فى شعورهم، فعلى مدى عقود، سعى أكبر حزبين فى أمريكا، الحزب الجمهورى والحزب الديمقراطى، اللذين يأتى منهما غالبية أعضاء مجلسى النواب والشيوخ والرؤساء الأمريكان، إلى كسب ود الطبقة الثرية التى تُقدم التبرعات اللازمة لتمويل الحملات الانتخابية للحزبين الكبيرين، من خلال تمرير قوانين شكّلت اقتصاداً يجعل الثروات التى تنتج من عمل ملايين الناس تنتهى إلى أيدى مجموعة صغيرة من ذوى الثراء الفاحش، على حساب الطبقات الاجتماعية الأخرى.

فى عام 1973 كانت تلك المجموعة من أصحاب الثراء الفاحش، التى لا تزيد نسبتها على 1% من المجتمع، تستحوذ على 9% من دخل البلاد. أما فى عام 2023، فصارت هذه الطبقة تستحوذ على 26% من الدخل. وتشير بعض التقديرات إلى أنه منذ عام 1981، انتقل ما يقرب من 50 تريليوناً (أى 50 ألف مليار) دولار من الطبقات الأدنى، التى تُمثل 90% من الشعب إلى الطبقة التى تُمثل 1% منه.

ما يحدث فى أمريكا، كما يقول الكتاب، بسيط للغاية: صار الأمريكان يعملون أكثر، فينمو الاقتصاد أكثر. لكن من يعملون أكثر لم يعودوا يحصلون على نصيبهم العادل من الثروة بسبب تحرّكات الأفراد الأكثر ثراءً الذين استعانوا بمجموعات ضغط واسعة، لتمكين السياسيين الذين يدافعون عن مصالحهم وحدهم، لكى يزدادوا ثراءً على حساب غيرهم، ويتسببوا فى زعزعة استقرار البلاد كلها بتصرفهم هذا.

الأمر يشبه بناءً مكوناً من قوالب الطوب، كلما انتزعت قوالب طوب من صفوف المنتصف والصفوف السفلى لتضيفها على الصفوف العليا من البناء، فإن البناء كله لن يلبث أن يتداعى وينهار بسبب خواء قلبه وقاعدته وتزايد ثقل قمته.

هذا الخلل فى التوزيع العادل يأتى من أمرين أساسيين: الضرائب والأجور.

هما وجهان لعملة واحدة، أو كفتا ميزان العدل الاقتصادى فى المجتمع. لهذا فهناك دائماً حاجة إلى نظام «ذكى» لفرض الضرائب من ناحية، ومن ناحية أخرى إلى أرضية صلبة من الأجور العادلة التى تتناسب مع جهد العاملين.

وجهة نظر مؤلفى الكتاب هى أن قوانين الضرائب المدروسة بشكل جيد يمكن أن تمنع غياب العدالة الاقتصادية فى المجتمع إذا قامت بتوجيه الثروات المتراكمة بشكل مُفرط من الأفراد والمؤسسات إلى الاستثمار فى المجالات العامة التى تفيد المجتمع والمواطنين ككل. أما الأجور، فهى تشكل القاعدة التى ينبنى عليها الاقتصاد كله. ولا بد أن تشكل هذه القاعدة أرضية صلبة من أجور عادلة وعالية بما يكفى لكى تستند إليها طبقة متوسطة كبيرة ومزدهرة فى المجتمع. بعبارة أخرى، يمكن النظر إلى نظام الضرائب على أنه وسيلة لإعادة توزيع الثروة والناتج الاقتصادى، بينما يُشكل نظام الأجور الوسيلة الأسهل والأكثر فاعلية للتوزيع المسبق للناتج الاقتصادى.

هما طرفان لمعادلة واحدة لاقتصاد قوى. لو أن طرفاً منهما أصابه الخلل أو الضعف فسيختل التوازن الاقتصادى للمجتمع، ولن يمكن لطرف واحد منهما منفرداً أن يساعد على التماسك. الوضع حالياً فى أمريكا -وفقاً للكتاب- يؤكد أن القاعدة التى تمثلها الأجور، هى أرضية ضعيفة ومخلخلة للغاية، والسبب: عدم كفاية الحد الأدنى للأجور.

وهى قضية لا يمكن النظر إليها بغير السبب الحقيقى لها وهو ارتفاع تكلفة المعيشة. وهى القضية المحورية التى يدور حولها الكتاب كله، إذ إن أكثر من ٥٠ مليون شخص، يمثلون نحو 40% من سوق العمل فى أمريكا، يكسبون أقل مما تحتاجه تكاليف معيشتهم.

والحل الواضح الذى يقترحه الكتاب فى كلمتين بسيطتين من عنوانه هو: «ادفعوا للناس!».

هى الطريقة التى يرى «المليونيرات الوطنيون» أنها الأكثر وضوحاً وفاعلية وتأثيراً للوصول إلى حالة من الاستقرار الاقتصادى، من خلال الحرص على أن تكون أجور العاملين متناسبة مع احتياجات معيشتهم الأساسية. ويقول الكتاب: «لقد حان الوقت للربط بين نجاح الأعمال الأمريكية ورفاهية معيشة العاملين فيها. إذا كانت الأعمال مزدهرة، فلا بد أن يزدهر حال كل من يعمل فيها كذلك، وليس فقط كبار المديرين والمسئولين فيها. وهذا الأمر يبدأ بأن تدفع للعاملين أجراً يُقارب تكلفة المعيشة الحقيقية. إن المسألة بهذه البساطة: إذا لم يكن بإمكانك أن تدفع لمن يعمل لديك أجراً يمكنه من الحياة الكريمة، إذن فليس بإمكانك أن تتحمّل أن يكون لديك عامل أصلاً!. إذا كنت كصاحب عمل تربح أموالاً فى الوقت الذى يعانى فيه من يعملون عندك لتأمين أساسيات حياتهم، فأنت حينها لا تدير عملاً، ولكنك تُشرف على مخطط لاستغلال البشر!».

هى عبارات قاسية وُلدت من فرط قسوة نظام الرأسمالية الأمريكية الذى لا يرحم، ولا يراعى أن يكون هناك تناسب بين زيادة إنتاجية الأفراد وزيادة الأجور التى يستحقونها. وعلى ما يبدو، فإن هذا الخلل قد ظهر بشدة فى المجتمع الأمريكى منذ عام 1973.

وفقاً للكتاب، فإنه فى الفترة بين عامى 1948 حتى عام 1973، زادت إنتاجية الأفراد بنسبة 97%، فى الوقت الذى زادت فيه أجورهم بنسبة 91%. خلال هذه السنوات، كان الأفراد يتلقون مكافأة على زيادة إنتاجيتهم فى صورة تزايد أجورهم. لكن بعد عام 1973، ظل معدل إنتاجية الأفراد يتزايد دون أن تقابله زيادة مماثلة فى الأجور. فمن عام 1973 حتى عام 2014، تزايدت إنتاجية الأفراد بنسبة 72% بينما زادت أجورهم بنسبة 9% فقط.

أين ذهبت مكاسب وأرباح تلك الأعمال إذن بعد عام 1973؟ الإجابة أنها ذهبت لأصحاب الأعمال وملاك الشركات، وليس للعاملين أنفسهم، بينما ظلت قيمة الحد الأدنى للأجور لهؤلاء العاملين تنخفض مع مرور الزمن.

إن أهمية الحد الأدنى «العادل» للأجور، كما يصفها الكتاب، هو أنه بمثابة أرضية صلبة يستند عليها قيام وقوام الطبقة الوسطى فى المجتمع التى تقوم عليها الطبقات العليا فيه. والواقع حالياً يقول إنه لا توجد ولاية واحدة فى الولايات المتحدة يكفى فيها الحد الأدنى للأجور لتغطية تكاليف معيشة مواطن يعيش منفرداً، دعك من أن يكون عنده أطفال. بعبارة أخرى، فلا توجد ولاية واحدة فى أمريكا يمكن أن يعيش فيها إنسان يعمل بدوام كامل بالحد الأدنى للأجور الذى يوفره عمله، والمخيف أن هذه الفجوة ما بين الأجور وتكاليف المعيشة فى تزايد مستمر، خاصة مع زيادة معدلات التضخم (والتى يتوقع أن تظل مستمرة فى عام 2025على الأقل). ولو تم أخذ معدلات التضخم فى الاعتبار منذ عام 1968، إذن لكان من الضرورى أن يصل الحد الأدنى للأجور إلى ضعف ما هو عليه حالياً لكى تستقر الناحية الاقتصادية فى حياة العاملين.

يقول الكتاب: «إنه لا ينبغى الحكم على مدى قوة وصحة الاقتصاد من خلال تزايد عدد أصحاب المليارات فيه سنوياً، ولكن بالنظر إلى قدرته على الوفاء بالاحتياجات الأساسية للناس الذين يعيشون فى البلاد. والواقع أنه يمكن القول إنه كلما تزايد عدد المليارديرات الذين ينتجهم اقتصاد المجتمع، قلّت قدرة هذا الاقتصاد على الوفاء باحتياجات كل من تبقى فيه. وليس من الطبيعى أن يكافح أغلب الناس لسد احتياجاتهم المعيشية الأساسية فى الوقت الذى يقوم فيه أحد كبار المديرين التنفيذيين برحلة إلى الفضاء على متن صاروخه الخاص من باب التسلية!. هذه الحالة المفرطة والمستمرة من عدم المساواة كتلك التى نشهدها حالياً يمكن أن تؤدى حتماً إلى انهيار المجتمع. ولو أنها تركت بلا ضابط، فإن تركز الثروات (فى أيدى قلة من الناس) يمكن أن يصل إلى تفكيك ونهاية الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات. من الممكن أن تكون لدينا ديمقراطية، أو من الممكن أن تكون لدينا ثروة متركزة فى أيدى قلة قليلة، لكن لا يمكن أن نحظى بالاثنين معاً. لذلك فلا مفر من زيادة الضرائب على الأغنياء ودفع أجور مناسبة للناس قبل فوات الأوان. هى ليست مجرد نظريات أو عبارات مثالية لا تدعمها التجربة. «جون دريسكول» أحد مؤلفى الكتاب، هو واحد من المديرين التنفيذيين الناجحين فى أمريكا، ويدعم «نظرية» الكتاب برواية تجربته الناجحة فى تولى إدارة شركة متخصصة فى مجال الرعاية الصحية، لا من خلال تركيزه على الأرقام والإحصائيات والتقارير المالية فقط، ولكن من خلال اهتمامه بحال الموظفين، وإصلاح ظروفهم الاقتصادية، والاستماع إلى شكاواهم، وتغيير نظام الأجور فيها فى تجربة تستحق التوقف أمامها على الأقل.

البداية كانت عام 2014، عندما تولى «دريسكول» رئاسة شركته، وفتح المجال للموظفين لكى يتواصلوا معه مباشرة. وسرعان ما انهالت عليه الرسائل الإلكترونية التى تطالب فيها إحدى الموظفات بدفعة مقدمة من راتبها لأنها أم مسئولة عن ثلاثة أطفال ولا تملك ما يكفى لشراء الحفاضات، بينما طلب منه موظف آخر قرضاً لأنه لا يملك ما يكفى لتغطية مصاريف جنازة طفله الذى توفى مؤخراً، ووصلت الأمور إلى حد لا يمكن تحمله عندما أخبرته موظفة ثالثة أن دفعات إيجار منزلها تراكمت عليها وصارت تنام مع طفلتها فى السيارة!.

لم يفهم المدير التنفيذى «المليونير» كيف وصل الحال إلى أن موظفى الشركة الذين يعملون بدوام كامل ليس لديهم ما يكفى لتأمين سقف فوق رءوسهم أو شراء احتياجات أطفالهم الأساسية. وبدا له أن أول الطريق لإصلاح شركته هو إيجاد وسيلة لرفع الأجور ومنح مزيد من المال لمئات الموظفين فيها، خاصة أن أحوال الشركة نفسها (من الناحية المالية على الورق) كانت تظهر نمواً قد تضاعف ثلاث مرات على الأقل على مدى ثلاث سنوات، وكان حكام ولاية «فلوريدا» التى تقع فيها الشركة يصفونها بأنها «نموذج يحتذى به فى خلق فرص العمل»، إلا أن هذا كله لم ينعكس على أجور الموظفين.

يقول «دريسكول» إن هذا هو حال العديد من الشركات الخاصة التى تهتم بما ينتظره المستثمرون منها أكثر من اهتمامها بالموظفين الذين يشكلون قلبها النابض والأساس الذى تقوم عليه أرباحها. معظم المستثمرين ينتظرون من الشركات التى يضعون فيها أموالهم أن تزيد أرباحها وعوائدها مع تقليل نفقاتها، وهذا يعنى بالنسبة للعديد من الشركات تقليل الأجور.

لكن كان الوجه الآخر لهذه العملية، هو تزايد أعداد ما يمكن تسميته بالموظف «الدوار». وهم الموظفون الذين ينضمون للعمل فى شركة ما، ويتركونها بعد أقل من عام واحد، وهو ما يعد أمراً مكلفاً بالنسبة للشركات لأن مسألة تدريب وإعداد الموظفين للعمل فيها يكلف جهداً ومالاً، لكن الموظفين لا يستطيعون الاستمرار فى العمل فى شركة لا تقدم لهم أجوراً تتحمل تكاليف معيشتهم، وفى حالة شركة «دريسكول»، وصلت نسبة الموظفين «الدوارين» الذين يتركون العمل بعد أقل من عام من الالتحاق بها إلى 50% من نسبة الموظفين الجدد.

ويتساءل مؤلف الكتاب: «هل منح الناس الحد الأدنى الذى يكفيهم بالكاد لأن يعيشوا عليه، الذى يسمى قانوناً بالحد الأدنى للأجور، والذى لا يسمح لصاحبه إلا بأن يصرف بالكاد على نفسه دون أن تكون له أسرة، هذا إذا تقاسم تكاليف العيش مع آخرين، من دون الأخذ فى الاعتبار الطوارئ التى تحدث فى الحياة والتى لا تسير أبداً من الناحية الواقعية حسب الخطة، فقد يمرض طفل أو يموت زوج، أو تظهر مصاريف مفاجئة لأى سبب، هل منح الموظف مالاً أقل مما يمكنه من العيش يمكن أن يعد سبباً لزيادة الطموح الوظيفى؟. وما هو شكل الأداء الوظيفى الذى يمكن أن تنتظره من أشخاص يشعرون بقلق مستمر من عدم قدرتهم على دفع أجور مساكنهم بسبب ضعف أجرهم؟».

لم يمر وقت كثير قبل أن يضع «دريسكول» يده على مكمن أساسى للخلل فى شركته: لقد كانت الشركة تنتهج سياسة الحفاظ على الحد الأدنى للأجور (الذى لا يكفى لتغطية تكاليف المعيشة) على مستوى الوظائف الصغيرة، فى الوقت الذى كانت تزيد فيه أجور أصحاب المناصب العليا فيها بشكل يتناسب مع معدلات التضخم. وهكذا ظلت قيمة مرتبات غالبية العاملين بالشركة تنخفض بمرور الوقت بسبب التضخم، بينما تتزايد مرتبات كبار المسئولين التنفيذيين فيها بشكل منتظم.

كانت الفكرة الأولى التى طرأت على ذهن «دريسكول» هى أن يكتب كبار المسئولين فى الشركة شيكات يقدمون بها إعانات لموظفيها الأكثر احتياجاً للتعامل مع أزماتهم المادية الأكثر إلحاحاً، لكنه ما لبث أن قال «إن التبرعات الخيرية حتى وإن تمت بشكل دورى لا يمكن أن تحل مشكلات الموظفين. وكان لا بد من إيجاد طريقة لزيادة أجورهم بشكل دائم».

هنا طرأت على ذهنه فكرة أخرى: ماذا لو تم إبقاء مرتبات كبار الموظفين بالشركة على ما هى عليه، فى الوقت الذى يتم فيه استثمار أى زيادة تطرأ على مرتباتهم لتتناسب مع معدلات التضخم، وإعادة توزيعها لزيادة أجور الموظفين على مستوى القاعدة؟. كان هذا يعنى مضاعفة أجور الموظفين الصغار بشكل يسمح لهم بمعيشة لائقة، كان رهاناً على الناس الذين سيعطون أفضل ما عندهم للمكان الذى يعملون به لو شعروا أنه يهتم بهم. كانت المسألة تحتاج لقرار جماعى من ٢٠ موظفاً كبيراً بالشركة، وصلت أجورهم فيها إلى حد خيالى، لضخ أى زيادة قادمة إلى مرتبات ٥٠٠ موظف تقوم عليهم شركتهم.

يقول «دريسكول»: «لم يكن أحد منا من كبار المديرين مجبراً على القيام بذلك الأمر، لكنه كان التصرف الصحيح، وكان قراراً سليماً من الناحية الاقتصادية: إذا كنا نريد تحقيق نجاح على المدى الطويل لشركتنا فهذا يحتاج إلى فريق عمل أكثر ثباتاً واستقراراً وإلى تقليل نسبة الموظفين المغادرين أو (الدوارين). كان ذلك القرار يعنى إنشاء علاقة من نوع خاص بين المديرين والموظفين، نظهر للموظفين فيها أننا كمديرين نستثمر شخصياً فيهم، من خلال إضافة جزء من رواتبنا لتحسين أجورهم. صحيح أن الأمر لا يخلو من المخاطرة، وأنه لا بد من العمل على زيادة أرباح الشركة فى المرحلة القادمة لتحقيق الزيادة والتوازن المطلوبين فى الأجور، إلا أننا سنضمن عندئذ أن كل العاملين فى الشركة يسعون بكل جهدهم فى هذه الاتجاه».

دارت مناقشات طويلة، كما يروى مؤلف الكتاب، بينه وبين باقى المسئولين فى شركته، لكنهم انتهوا جميعاً إلى الاتفاق على تنفيذ الفكرة. وعلى مدى السنوات العشر التالية، استمر مليونيرات الشركة الكبار فى الاستثمار فى موظفيها، وزادوا من أجورهم بشكل منتظم بشكل يتناسب مع زيادة معدلات التضخم، بالإضافة لتقديم نظام تأمين صحى ملائم لهم. وكان عائد ذلك الاستثمار فى العاملين بالشركة هو الازدهار والنمو المباشر فى العمل، الذى تزايد حجمه أكثر من ثلاث مرات، وتضاعفت قيمته أربعة أضعاف فى عشر سنوات فقط.

تجربة «المليونيرات الوطنيين» تجربة مختلفة من قلب بلاد الرأسمالية العالمية، قد يعتبرها البعض مثالية وغير واقعية، وقد يعتبرها آخرون نموذجاً إنسانياً فى عالم الأعمال يستحق الدراسة والاحترام. لكنها تجربة يقول أصحابها بأفعالهم وأقوالهم إن أهمية الاقتصاد الحقيقية هى تحسين نوعية حياة البشر، وبغير ذلك، فإن كل الأرقام لا تهم.

مقالات مشابهة

  • مستر ترامب.. العالم ليس ولاية امريكية
  • د.حماد عبدالله يكتب: جدد حياتك !!
  • «الأزمة الاقتصادية» الباب الخلفى لمجتمع دموى
  • أصبحت أفعالكم لا تليق بمقام أم الدنيا
  • الرئيس المقاول
  • «الجارديان»: «ترامب» يهدد آمال «غزة» فى إعادة الإعمار
  • «ترامب».. لا بد منه!
  • قضية القضايا
  • «ادفعوا للناس».. كتاب أمريكي جديد عن نصائح «المليونيرات»
  • عادل حمودة يكتب: الجيوب والقلوب