الجزيرة:
2024-09-16@15:03:43 GMT

في ذكراها السنوية.. ماذا بقي من الثورة التونسية؟

تاريخ النشر: 14th, January 2024 GMT

في ذكراها السنوية.. ماذا بقي من الثورة التونسية؟

مع سنة أخرى تحت الحكم المطلق للرئيس قيس سعيّد، تحيي تونس ذكرى ثورتها وسط أزمة سياسية واقتصادية مركّبة، تطرح أسئلة حارقة حول أسبابها وآفاقها.

سياق مثّل مادة أساسية لعدد من الأعمال الوثائقية التي أنجزتها، تلك التي لاحظت أنني كنت في كل مرة أحوم فيها حول سؤال مركزي يحمل في أحشائه مفارقة غريبة وهو:

ما الذي حدث بالضبط في تونس ذات 14 يناير/ كانون الثاني 2011؟

من الطبيعي أن تذهب الإجابات عن هذا السؤال طرائق قددًا، في قوس يمتد من اعتبارها حدثًا ثوريًا عظيمًا، إلى من يراها مؤامرة غربية على الدولة الوطنية، قامت على تحريك "دمى محليّة".

لكن السؤال ذاته يحيل على دلالة أخرى هي ما يمكن وصفه بالفرادة التي اتّسم بها الحدث الذي امتد من ديسمبر 2010 إلى يناير 2011 راسمًا مشهدًا إقليميًا وعربيًا مختلفًا عما استقرّت عليه المنطقة لعقود.

جاءت فرادة الحدث في تونس من كونه أُنجز على يد شبان مهمشين في سنة اعتمدت فيها الأمم المتحدة مقترحًا رسميًا تونسيًا لاعتماد 2011 سنة دولية للشباب.

تقابل حادّ

وجد نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي نفسه أمام فئة من المجتمع خارج التصنيفات التقليدية، تعتمد مواقع التواصل الاجتماعي أداة أساسية في كسر الستار الأمني الحديدي الذي كان مضروبًا على التونسيين آنذاك.

مرة أخرى- وبقطع النظر عن التقابل الحاد في تشخيص الحدث ودلالاته- يمكن اعتبار ما حدث مناسبة وفرصة ثورية، تقاسمه اعتباران أساسيان: أحدهما؛ أفق رامَ إرساء ديمقراطية حديثة، وهو ما تم ترجمته في دستور وهيئات دستورية ومحطات انتخابية نزيهة.

والآخر؛ هو أرضية وقف عليها "الحلم الديمقراطي"، وتتمثل في ذهنية اجتماعية مطلبية، وقبل ذلك وبعده تركيبة عميقة لشبكة من المصالح وأصحاب النفوذ، كانت تراقب خريطة سياسية منحت الإسلاميين الشرعية القانونية والأدوار المتقدمة في التفاعل مع تحولاتها، وهو الأمر الذي كان يثير ريبة أطراف، ورفض أخرى للواقع الجديد.

ولّد التصادم بين الواقع والأفق خطوط اشتباك فاقمت مشاكل البلاد عوض حلّها، ليصبح التحول الديمقراطي شيئًا فشيئًا أزمة زادتها الأحداث الأمنية والاعتداءات الإرهابية تعقيدًا.

لا شكَّ أن مخاض التحول- في أي بلد من البلدان- عملية شاقة ومؤلمة، تحفها الرهانات والمخاطر من كل مكان، لكن محدودية الوعي العام بهذه الحقيقة، وإخفاق النخب التي عارضت نظام بن علي في بناء تكتل تاريخي في مواجهة استحقاقات المرحلة، كل ذلك صنع الفراغ من حول المسار الديمقراطي، وجعله يتآكل من داخله شيئًا فشيئًا، إلى حد استعادت فيه قوى الماضي ثقتَها في إمكانية استعادة زمام الأمور، وأغرت جهات إقليمية وعربية بالتفكير في الثأر من "مهد ثورات الربيع العربي"، وطي هذه القصة من حيث انبثقت.

يثير هذا الأمر سؤالًا لا يمكن تجاوزه:ما الذي مثّلته تونس لتلك الجهات الإقليمية والعربية قياسًا بساحات أخرى ملتهبة كسوريا واليمن وحتى الجارة ليبيا؟

بعد رمزي

تعود بنا الإجابة إلى جانب تهمله كل المقاربات التي تختزل المواجهات الشرسة فقط فيما هو عسكري مسلح، بينما تذكرنا تجارب عدة أن اندلاعَ النزاعات وإنهاءَها يعود إلى معطيات رمزية وقيمية ترتبط بمشاريع ورهانات للقوى المتصادمة أو المتنافسة.

ها هنا تمثل تونس كثيرًا.. فقد صنعت الثورة للبلاد صورة تقترب من المثالية ليتحدث الجميع في ألفين وأحد عشر عن تونس ذات الإرث الإصلاحي العريق، بلد الحضارة والشعب المثقف المنفتح، ما يفسر ريادته في صنع ذلك التحول الذي غيّر وجه المنطقة للأبد.

كان يجب العودة إلى تلك الصورة وإلى أبعادها الواقعية والمثالية؛ لإعادة رسمها من جديد وَفق اعتبارات مختلفة، يظهر فيها التونسي حاسمًا في أمر الديمقراطية، متأففًا بل وممتعضًا من دعاتها، غير راغب في سماع أي شيء من السياسة وأهلها، مستغرقًا في همومه اليومية لا يشغله سوى تأمين قوته أو امتطاء أحد قوارب الموت، كما تسمى في هجرة غير نظامية صوب "الفردوس الأوروبي".

في هذه المساحة ما يكفي إلى حد ما لتفسير مفارقات عدة تكتنف المشهد الحالي في تونس وترفع عنه ما تيسّر من اللبس، ذلك أنه أريد للثورة التي طردت الراحل بن علي أن تنتهي كما بدأت بأقل كلفة دموية، بل وبصفر قطرات من الدماء.

كما أريد لها أن تنتهي بنفس ما أرسته من آليات ديمقراطية، فكان الرهان على الانتخابات وتحالفاتها المتقلبة، وأريد لها أن تنتهي بأعمق وأفضل شعاراتها؛ ألا وهو مقاومة الفساد، لكن هذه المرة لا يتم توجيه التهمة فقط لبقايا النظام البائد كما كان يصفه "الثوريون"، وإنما كذلك لأولئك الذين قاوموا نظام بن علي القمعي ذات يوم.

في الانعطافة الفريدة لمسار الثورة في تونس تحت عنوان: "مسار الخامس والعشرين من يوليو" ما يفسر المعركة حامية الوطيس بين سرديتَين تتنازعان الحديث باسم الثورة واتهام الطرف الآخر بخيانتها.

سرديتان تتنازعان مصطلحات مركزية من قبيل؛ البناء الجديد والفعل التاريخي وتوزيع السلطة والثروة في تونس الراهنة، مع ما يشمله ذلك من إعادة تعريف للسلطة، وإعادة إنتاج للتوازنات عبر إلغاء الأجسام الوسيطة بتحجيمها وتقزيمها سواء أكانت سياسية أم نقابية.

مخاض الفوضى

هل هناك قدر من الواقعية في القول بأن الثورة التونسية انتهت، أو أنها حية ترزق، رغم الموت السريري الذي تمرّ به؟

نعم ولا، ففي الإجابة نوع من الفوضى التي لا يعرف على وجه التحديد ما إذا ستكون خلاقة أم خنّاقة".. ذلك أنّ الأفق يبدو متلبدًا في وجه سلطة تقول؛ إنها تخوض معركة شرسة ضد ما تصفه بشبكة الفاسدين والمحتكرين والخونة، وكذلك في وجه معارضة استنفدت كل الوسائل السياسية السلمية في مقاومة ما تعتبره انقلابًا على غير منوال سابق لم تنفع معه بيانات واجتماعات ومسيرات.

بين هذا الطرف وذاك شعب عزف عن المشاركة في كل المحطات التي اقترحها الرئيس سعيد، دون أن يعني ذلك حنينًا إلى ما قبل ذلك المسار، وهو الذي تعوَّد أن يدلي بدلوه بشأن الواقع الذي يعيشه، من خلال فئات وتعبيرات ووسائل تتجاوز سقوف الدولة ومعارضيها.

تلقي الأزمات بظلالها الثقيلة على ساحة ما، تجعلها هشة أمام تدخلات آتية من الخارج، لكنها تقود بتراكماتها البطيئة والعميقة نحو تحوّل ما.

تحوّل يقول الرئيس قيس سعيد؛ إنه بصدد صنعه وفرضه، وتؤكد المعارضة أنه قادم ذات يوم في اتجاه الحرية والديمقراطية، لا تفعل سياسة الأمر الراهن سوى تأخيره ما ينذر بثمن فادح لتحقيقه، في بلد لطالما تفاخر بأنه صنع تحولاته بأقل الأثمان كلفة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی تونس بن علی

إقرأ أيضاً:

الحزب القومي يبارك العملية النوعية للقوات المسلحة التي استهدفت يافا المحتلة

الثورة نت/..

بارك الحزب القومي الاجتماعي العملية النوعية الاستراتيجية للقوات المسلحة
اليمنية التي استهدفت عمق مدينة يافا المحتلة للمرة الثانية.

واعتبر الحزب في بيان هذه العملية انجازاً نوعياً غير مسبوق في تاريخ الصراع “العربي-الصهيوني” خاصة وأن دفاعات العدو الصهيوني كانت في أقصى درجات الاستعداد للتصدي لأي هجمة من اليمن، بالإضافة إلى حماية قصوى من أمريكا وأنظمة دول الخيانة والتطبيع العربية.

وأشار البيان إلى أن اليمن بهذه العملية النوعية أعاد إلى الأمة العربية والإسلامية وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني الأمل بإمكانية استعادة كل الأراضي المحتلة في فلسطين وبقية الدول العربية وطرد الهيمنة الأمريكية من المنطقة.

وجدد الحزب القومي، دعمه وتأييده المطلق لكل الخيارات التي سيتخذها قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي والمجلس السياسي الأعلى لإعادة الحق الفلسطيني واليمني والعربي لأصحابه، وثبات الموقف المبدئي مع الشعب الفلسطيني ومع كل قضايا الأمة العربية والإسلامية.

مقالات مشابهة

  • ماذا قال بزشكيان عن صاروخ اليمن الذي استهدف إسرائيل؟
  • الحزب القومي يبارك العملية النوعية للقوات المسلحة التي استهدفت يافا المحتلة
  • محلل قناة الجزيرة ‘‘اللواء فائز الدويري’’ يكشف مفاجأة عن الصاروخ الحوثي الذي استهدف تل أبيب (فيديو)
  • احياء ذكرى المولد النبوي في القيروان التونسية
  • الانتخابات الرئاسية بين الشارع التونسي وقيس سعيد
  • أسرع من الصوت بأضعاف.. ماذا تعرف عن "صاوخ الفرط صوتي" الذي ضرب عمق إسرائيل؟
  • أسرع من الصوت بأضعاف.. ماذا تعرف عن "صاوخ الفرط صوتي" الذي ضرب عمق إسرائيل.. عاجل
  • وزير الخارجية التونسية: ندعم جهود البعثة الأممية في ليبيا 
  • كل ما تريد معرفته عن الانتخابات الرئاسية التونسية.. منافسة بين 3 مرشحين
  • التونسيون يرفضون مناخ الاستبداد الذي يفرضه الرئيس سعيّد قبل الانتخابات الرئاسية