أعلنت جامعة الدول العربية ممثلة في الأمانة العامة للجامعة "إدارة شئون البيئة والأرصاد الجوية"، فتح باب الترشح لجائزة مجلس الوزراء العرب المسئولين عن شئون البيئة للتميز البيئي العربي لعام 2024 وموضوعها "إعادة تأهيل الأراضي لتعزيز القدرة على الصمود" كمحور رئيسي لجائزة مجلس الوزراء العرب المسئولين عن شئون البيئة.


وتمنح الجائزة كل عامين لأفضل بحث علمي أو ابتكار، أو مشروع أو شخصية بيئية أو عمل بيئي تطبيقي رائد ينجز، في إطار تشجيع الأعمال المبتكرة والمبادرات الفردية والجماعية، التي تساهم في حماية البيئة والمحافظة على مواردها واستدامتها.
وتعد الجوائز إحدى الأدوات المحفزة لزيادة الوعي وتعزيز جهود العمل البيئي وتشجيع المبادرات الفردية والجماعية والبحث العلمي والابتكار والإدارة الرشيدة والمستدامة، وانطلاقا من ميثاق جامعة الدول العربية وأهدافه التي تضمنها النظام الأساسي للجامعة، وتطبيقاً لمبادئه وتوجيهاته، فقد تقرر اعتماد جائزة تمنح بصفة دورية للأشخاص الطبيعيين والمعنويين على صعيد الوطن العربي تعرف باسم (جائزة التميز البيئي العربي).


وتسعى الدول العربية في المرحلة الراهنة إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة والأهداف العالمية المعتمدة في إطار الاتفاقيات الدولية؛ ومنها تحييد تدهور الأراضي  والحياد الصفري للكربون وحماية 30% من مناطقها البرية والبحرية وغيرها من الأهداف. 
وبحسب بيان صحفي للجامعة العربية، اليوم الأحد، تضمن أهداف الجائزة وشروطها ومجالاتها وفق المعايير المحددة، فترسل الترشيحات مباشرة إلى الأمانة الفنية للمجلس على البريد الإلكتروني التالي ([email protected]) في موعد أقصاه الأول من شهر يونيو المقبل حتى تتمكن الأمانة الفنية من عرضها على لجنة التحكيم.


يذكر أن المنطقة العربية تقع ضمن المناطق الجافة وشديدة الجفاف التي تتصف بهشاشة بيئتها وشح مواردها الطبيعية والتطرف في عناصر المناخ (ارتفاع في درجات الحرارة وانخفاض في معدلات هطول الأمطار).


وشهدت المنطقة العربية منذ منتصف القرن الماضي تنمية في كافة القطاعات وارتفاعا في معدلات التحضر وتزايدا مستمرا في عدد السكان، صاحب ذلك ظهور العديد من التحديات الأخرى، والتي تتمثل في تدهور الموارد الأرضية (تربة ومياه وغطاء نباتي)، وزيادة معدلات التصحر والجفاف، وارتفاع وتيرة العواصف الغبارية والرملية، وفقدان التنوع الأحيائي، والتغير المناخي، وتغير أنماط الاستهلاك والإنتاج، مما أدى إلى عدم الاستقرار والهجرة في بعض المناطق، واضطرابات سلاسل توريد الأغذية وغيرها، وقد عملت دول المنطقة بدرجات متفاوتة على مواجهة تلك التحديات وخاصة البيئية منها، حيث أنشأت على المستوى الوطني والإقليمي الأجهزة المتخصصة في البيئة، والتي أعدت ونفذت العديد من الاستراتيجيات والخطط والبرامج والمشاريع للمحافظة على التنوع الأحيائي والأراضي ومواردها وإعادة تأهيل المتدهور منها والحد من التلوث وتأثيرات التغيرات المناخية.


كما انضمت دول المنطقة إلى العديد من الاتفاقيات والبروتوكولات البيئية المتعددة الأطراف، وشاركت فيها بفاعلية.
وأطلقت العديد من المبادرات البيئية الوطنية والإقليمية والدولية ومنها على سبيل المثال مبادرة الشرق الوسط الأخضر، ومبادرتا مجموعة العشرين التي أطلقت خلال ترؤس المملكة العربية السعودية لاجتماعات المجموعة عام 2020م، وهي  مبادرة الحد من تدهور الأراضي والمحافظة على الموائل الأرضية، ومبادرة منصة تسريع البحث والتطوير في مجال الشعب المرجانية.
وتتطلب المرحلة الحالية والمستقبلية بذل المزيد من الجهود للتصدي لتلك التحديات من خلال توحيد الجهود، وذلك لرفع مستوى الوعي البيئي وتشجيع الاهتمام بالقضايا البيئية، مع تحفيز الابتكار والبحث العلمي وإيجاد الحلول في المجالات ذات العلاقة.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: جامعة الدول العربية الجفاف شئون البیئة العدید من

إقرأ أيضاً:

غيرترود بِيل.. الجاسوسة التي سلّمت العرب للإنجليز

فرض العثمانيون منذ القرن الـ16هيمنتهم العسكرية والسياسية على منطقة نفوذ واسعة تمتدُّ من حدود المغرب إلى حدود إيران ومن وسط أوروبا حتى بحر قزوين وشمال البحر الأسود، وفرضوا حصارًا على فيينا مرتين، بيد أن القرنين الـ18 والـ19 شهدا تراجعًا تدريجيًا من هذه المناطق الحدودية البحرية.

وسرعان ما زادت الهيمنة الروسية على مناطق شبه جزيرة القرم وحتى القوقاز، وفي البلقان واجه العثمانيون التطلعات القومية المتنامية وعدوانًا منسّقا من جانب النمسا وحليفاتها، وفي شمال أفريقيا كان يتعيّن على العثمانيين التعامل مع سياسات التوسع وفرض الهيمنة العسكرية التي كان يفرضها الفرنسيون في الجزائر عام 1830، وفي تونس عام 1881م، والإيطاليون في ليبيا عام 1911.

أما مصر فقد فرض الوالي محمد علي باشا شروطه على الباب العالي حين مُنح -هو وأولاده من بعده- مصر ولاية مستقلة يتعاقبون عليها، وأصبحت بالفعل دولة مستقلة عن العثمانيين، ولكن إفلاس مصر على يد الخديوي إسماعيل باشا حفيد محمد علي أدى في نهاية المطاف إلى احتلال البلاد على يد البريطانيين عام 1882.

ورغم الواقع السياسي المتشرذم الذي كان يُواجه الدولة العثمانية في أقطارها العربية، لم يتوقف طمع الأوروبيين في تفتيت وتدمير تركة ما كانوا يصفونه بـ"الرجل المريض".

إعلان

ولقد ظلت أعينهم تتطلع إلى الخليج العربي وبلاد الشام والعراق وحتى الأناضول ذاته، لا سيما البريطانيين الذين حرصوا على تأمين مصالحهم الحيوية في شبه القارة الهندية التي كانوا يحتلّونها منذ عقود، ويعتبرونها "دُرّة التاج البريطاني"، وأهم أعمدة اقتصاد الإمبراطورية "التي لا تغيب عنها الشمس".

غيرترود بيل وسنوات الخبرة بالشرق

ولأجل فهم "الشرق الأوسط" وهو مصطلح اخترعه رجال السياسة والمخابرات البريطانية منذ أواخر القرن الـ19، كان من الطبيعي أن يعتمدوا على جواسيس خبراء، أو خبراء في هيئة جواسيس ليتمكّنوا في فرض مزيد من هيمنتهم السياسية والعسكرية على البلاد التي يتطلعون إليها، وكان من جملة هؤلاء المؤرخة وعالمة الآثار غيرترود بيل.

وهي سليلة عائلة أرستقراطية بريطانية، درست التاريخ في جامعة أكسفورد، وكانت شأنها شأن ضابط المخابرات البريطاني الأشهر لورنس العرب حيث كانا متخصصيْنِ في تاريخ الشرق وآثاره، ولهذا السبب ولّت وجهها شطر الشرق باحثة في آثاره فزارت إيران وتعلمت اللغة الفارسية حتى ترجمت 30 قصيدة من ديوان حافظ الشيرازي.

أحبت غيرترود بيل أن تستكشف المنطقة العربية، فزارت القدس عام 1899، ثم قامت في العام التالي برحلة إلى الأردن وكانت تعيش مع البدو وتتزيّا بزيّهم، وعقدت صداقات مع شيوخ جبل الدروز، واتجهت إلى دمشق وعبرت بادية الشام ثم تدمر إلى لبنان قبل أن تعود إلى بلدها.

وفي عام 1902 عادت إلى الشرق من جديد لاستكمال دراسة اللغة العربية، وزارت الشام في عام 1905، وبعد عودتها ألفت كتابها "سورية، الصحراء والأرض الزراعية" الصادر عام 1908، ثم قررت العودة من جديد في العام التالي لاستكمال زيارة حلب ودمشق وكربلاء وبابل وبغداد والموصل.

وفي عام 1913 قامت برحلة من دمشق عبر صحراء النفوذ إلى حائل ورجعت من خلال طريق بغداد وتدمر، واللافت أنها كانت حريصة على رسم الأماكن التي كانت تمرّ بها في خرائط مفصّلة بينت الكثير من المعلومات عن القبائل وعوائدها وأماكن المياه.

إعلان

ومن خلال هذه السيرة الذاتية المقتضبة يتضح لنا أن غيرترود أفنت حتى ذلك التاريخ 15 عاما من حياتها في دراسة الجغرافيا والبشر في المنطقة العربية وإيران.

غيرترود بيل تقف خارج خيمتها في بابل 1909 (من كتاب في أثر الملوك والغزاة) غيرترود بيل والسطو على أراضي العرب

وقد تعلمت الفارسية والعربية، ووثّقت علاقتها بشيوخ القبائل وعرفت منهم كل شبر من مضاربهم، وعندما انطلقت الحرب العالمية الأولى عام 1914 كانت غيرترود في إنجلترا، فكتبت بعد اشتعال الحرب بشهر واحد تقريرا شديد الأهمية ورفعته إلى إدارة العمليات العسكرية البريطانية التي رفعته بدورها إلى وكيل وزارة الخارجية.

وقد شرحت غيرترود في تقريرها – الذي نشر في بحث للكاتب محمود حسن صالح بالمجلة التاريخية المصرية/ القاهرة سنة 1971- الحالة السياسية في شبه الجزيرة العربية والشام مما كان له أكبر الأثر على المسؤولين الذين كانوا يخططون السياسة البريطانية وقتئذ.

لم يكن التقرير مجرد عرض للشخصيات والجماعات والاتجاهات السياسية في الأقطار العربية من الدولة العثمانية لا سيما في العراق وبلاد الشام والجزيرة العربية وفلسطين فقط، بل كان أيضا تحليلا معمّقًا توقّع ردود الفعل في هذه المنطقة في حالة دخول الدولة العثمانية الحرب ضد بريطانيا، حيث أوضحت المواقف السياسية لحكّام الكويت شيخ المحمّرة في الأحواز ونجد وغيرهم.

وفوق ذلك بيّنت غيرترود رأيها بخصوص السوريين وخاصة في الجزء الجنوبي من بلاد الشام "فلسطين" وأنهم يمكن أن يميلوا إلى البريطانيين بسبب الكراهية الكبيرة التي يكنّونها للفرنسيين، ولا يخفى على الإدارة البريطانية الأهمية الإستراتيجية لفلسطين بالنسبة لمصر، وبالنسبة للعراق فإنها تعدّ إقليما شديد الأهمية لبريطانيا لقربها من الهند، وخطورة دخول الألمان إلى هذا القطر.

ونظرا لقرب العراق من حقول نفط عبادان في إيران التي كانت تستولي عليها بلادها حينئذ، فإنه إن اشتعلت الحرب بين العثمانيين والبريطانيين فإن هذه الحقول ستكون تحت تهديد مباشر من القوات التركية التي ستنطلق من البصرة على حد وصفها.

إعلان

وتوضح في تقريرها أهم الشخصيات العراقية النافذة وقتذاك مثل السيد طالب النقيب وهو أحد الشخصيات الوطنية الفاعلة، ومدى كراهيته للبريطانيين.

وأكد المسؤولون البريطانيون أهمية تقرير غيرترود بيل وأنه يطابق تقارير الجواسيس البريطانيين الموزّعين في الشرق الأوسط، وبسبب خبرتها الكبيرة هذه، وعلاقاتها الممتازة مع القبائل والشخصيات العربية الفاعلة، أرسل المكتب البريطاني في القاهرة عام 1915 رسالة عاجلة لاستدعاء غيرترود للاستفادة من خبرتها.

ولم تضيع غيرترود هذه الفرصة التي كانت تتحين إليها لتكون جزءًا من صنع السياسة البريطانية في الشرق الأوسط، ولتسهيل مهمة بلادها في احتلال الأقطار العربية بأسرع وأنجع الوسائل، التقت في القاهرة بكبار الضباط مثل هوغارث ولورانس، وكان عملها في البداية يقتصر على تزويد سجلات المخابرات البريطانية بالمعلومات عن القبائل العربية وشيوخها وأعدادها، وهو عمل كانت مؤهلة له لا ينافسها فيه أحد.

الشريف حسين اشترط على بريطانيا إقامة مملكة عربية تمتد من سوريا شمالا وحتى الجزيرة العربية (مواقع التواصل)

حينذاك حرص البريطانيون على استمالة العرب ناحيتهم، وتفخيخ العلاقات العربية العثمانية من الداخل ليسهل سقوط العثمانيين، وتواصلت بالفعل مع العديد من زعماء القبائل والمناطق في جنوب وشرق وغرب الجزيرة العربية، وكان أهم ما يستهدفه البريطانيون هو إقناع الشريف حسين في مكة والحجاز لجذبه ناحيتهم.

وقد اشترط الشريف حسين على الإدارة البريطانية شروطًا أهمها إقامة خلافة أو مملكة عربية تمتد من سوريا شمالا وحتى الجزيرة العربية، وهذا ما يتجلى في رسائله التي تُعرف اليوم بمراسلات "الحسين- ماكماهون"، وأمام الضغوط التي كانت تقوم بها فرنسا من الجانب الآخر بإرادة استيلائها على كامل بلاد سوريا من البحر المتوسط إلى نهر دجلة، رأت الإدارة البريطانية في لندن والقاهرة أن تستعين برأي خبيرتها الجاسوسة وعالمة التاريخ غيرترود بيل.

إعلان

أعدّت بِيل تقريرًا مفصّلا عرضت فيها وجهة نظر الشريف حسين ووجهة نظر الفرنسيين، كان مما جاء فيه: "إنه قد أُديرت المفاوضات مع الشريف بمهارة، وطالما أنه في استطاعتنا اجتذابه والإبقاء على صلته بنا فلا خوف من قيام حركة دينية كبرى، فإنه الشخص الوحيد الذي يستطيعُ إثارة حرب دينية مقدّسة.. ومن الحكمة أن نمدّ للفرنسيين حبل الأمل" بوعدهم بتسليمهم سوريا.

وراحت توضح أن من حق الشريف أن يمتد نفوذه خارج الصحراء العربية لأنها لا تكفي نفسها، وهي بحاجة دائما إلى الأراضي الزراعية التي تتواجد في المناطق الشمالية في الشام تحديدًا، وكما أوصت حكومتها بخداع الفرنسيين، أكدت في المقابل أن "العرب لا يستطيعون حكم أنفسهم بأنفسهم ولا يوجد أحد مقتنع بهذا أكثر منّي".

وأمام هذه الشخصية الماكرة التي تمثّل الجانب الأنثوي المقابل للورانس العرب، أخذت الإدارة البريطانية بمقترحاتها التي رأتها تنم عن خبرة وخداع كبير، بل وتغلغل مبالغ فيه للعرب، بحيث أصبحت غيرترود بيل جاسوسة محترفة لا في فهم العقل العربي في ذلك الوقت فقط، بل وفي توقع ردود الفعل أيضًا.

لم تتوقف مهام غيرترود عند إبداء الرأي وكتابة التحليلات السياسية والمخابراتية للإدارة العليا في لندن لاتخاذ ما يلزم، وإنما رأت أن مكتب المخابرات والسياسة البريطاني في القاهرة لا يعمل بكامل الأريحية، بل ويجد اعتراضًا على سياسته التي كانت تهدف إلى تثوير العرب ضد الأتراك من المكتب البريطاني في الهند الذي كان يخشى من عواقب الثورة العربية الكبرى، وتطلعاتهم القومية فيما بعد على المصالح البريطانية في المنطقة.

غيرترود بيل ولورانس (يمين) في أبريل/نيسان 1921 (شترستوك) سنواتها الأخيرة في العراق

ولهذا السبب سافرت غيرترود من القاهرة إلى الهند لتقريب وجهات النظر، وفي رجوعها في شهور عام 1916م زارت العراق والتقت بالمسؤول البريطاني الشهير برسي كوكس الذي كان يشرف على الخليج العربي في مكتب بريطانيا في الهند، الذي عقد معها صداقة استمرت حتى أخريات حياتها بعد ذلك بعقد، وفي أثناء وجودها في العراق حاولت استمالة أمير حائل ابن الرشيد الذي كان لا يزال على ولائه للدولة العثمانية والتحالف معها.

إعلان

وحين فشلت غيرترود في استمالة أمير حائل ابن الرشيد كتبت إلى ذويها في تاريخ 15 يوليو/تموز 1916 رسالة غاضبة وصفته فيها بـ"الحمق الذي لا يتصوره عقل، وعبرت عن أملها في أن يثور عليه أهل شمّر ويُقيموا أميرا آخر مكانه"، ولهذا السبب صبت جام اهتمامها على العراق والتعرف عليه وعلى قبائله ونقاط قوته وضعفه مستعينة بذلك بضباط المخابرات والسياسة الإنجليز في مكتب البصرة مثل الكابتن إيدي وغيره.

وفي سبيل تأكدها ودراستها للأوضاع في العراق كانت تركب الخيول مع مرافقيها من الضباط البريطانيين تجوب القرى وتذهب لزيارة أعيانها وتتناول معهم الطعام، وفي المساء تستدعي إليها الأهالي للحصول منهم على المعلومات التي كانت تبحث عنها، وتعمل على التقرب منهم بكل الحيل وأساليب الخداع والترغيب بالمال والقهوة والسجائر والهدايا وغيرها.

كانت القوات البريطانية قد لاقت هزيمة ثقيلة في معركة كوت العمارة جنوب بغداد سنة 1916م أمام العثمانيين، واضطرت إلى تغيير إستراتيجيتها وأعادت الكرّة مرة أخرى تحت تخطيط وقيادة جديدة وهو الجنرال مود الذي استطاع إسقاط بغداد.

وبُعيد ذلك بقليل في 15 أبريل/نيسان 1917م دخلت غيرترود بغداد حيث بدأت على الفور في تكوين صداقات جديدة مع كثير من الشخصيات العربية الجديدة إلى جانب أصدقائها القدامى، وظل مكتب القاهرة البريطاني يزوّدها بالمعلومات عن أحوال الحجاز والشام التي تمس المصالح البريطانية، وكانت هي الأخرى تكتب إليهم عن أحوال العراق، فقد آمنت غيرترود بأن السياسة البريطانية سواء من خلال مكتب القاهرة أو الهند كلٌّ لا يتجزأ.

حين دخلت غيرترود بغداد بدأت على الفور في تكوين صداقات جديدة مع كثير من الشخصيات العربية (جامعة نيوكاسل)

وحرصت غيرترود على زيارة كبار مراجع الشيعة في النجف وكربلاء والبصرة، كما التقت بكبار مُلاك الأراضي الزراعية وتقربت منهم، وأصبحت حديث الناس في العراق، حتى وُصفت بينهم بـ"الخاتون" أي المرأة السيدة الشريفة، وأشرفت حينذاك على مجلة "العرب" التي كانت إحدى أدوات بريطانيا لتسويق سمعتها وصورتها عند العراقيين.

إعلان

ولكن سياسة المعتمد البريطاني السير أرنولد ويلسن وطغيانه الشديد في تعامله مع العراقيين وامتهانهم جعلت جميع العراقيين من السنة والشيعة يتحدون ضد هذا الطغيان البريطاني، وبحلول أواخر عام 1919م اندلعت الثورة، في تزامن مع ثورة 1919 في مصر، وهنا انقسم الساسة وضباط المخابرات البريطانيون إلى قسمين.

الفريق الأول يتزعمه المعتمد البريطاني ويلسون الذي يرى أن الشدّة والردع واستخدام السلاح في وجه العراقيين والاحتلال البريطاني الواضح والمباشر للبلد هو أفضل ضمانة لاستمرار السيطرة والسطوة البريطانية على البلاد.

بينما الفريق الآخر كانت تتزعمه غيرترود بيل ولورانس العرب يقول بضرورة تعيين ملك هاشمي يحكم العراق ويعمل بجواره المعتمد البريطاني والقوات البريطانية لضمان السيطرة على البلاد دون سخط وثورة العراقيين.

غيرترود بيل (يسار تحمل نظارة) وكبار الشخصيات في حفل تتويج الملك فيصل (جامعة نيوكاسل)

وأرسلت لحكومتها اقتراح تتويج فيصل بن الحسين الذي خلعه الفرنسيون عن حكم سوريا منذ عدة أشهر ليكون ملكًا على العراق، وقد أخذت الحكومة البريطانية في نهاية الأمر برأي غيرترود بل ولورانس بسبب الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها مصالحها أثناء الثورة العراقية الأولى.

ومنذ عام 1920م صارت غيرترود بل السكرتيرة المهمة للسير بيرسي كوكس، وأحد العقول المدبرة للمشهد العراقي، بل أصبحت تدلي برأيها فيمن يتولى الحكومة العراقية ومن لا يجب أن يتولاها، وصار نشاطها أكثر من ذي قبل في صنع صداقات وتوثيق علاقات بريطانيا مع العراقيين بكل الوسائل الدبلوماسية والسياسية الناعمة.

ظلت بيل نشطة في السياسة البريطانية في العراق حتى تم تهميشها تدريجيا في السنوات الأخيرة من حياتها، وأصيبت ببعض الأمراض منها الاكتئاب والشعور بالانتقاص من قدرها، وتوفيت إثر جرعة دواء زائدة في يوليو/تموز 1926م عن عمر ناهز 57 عامًا، وشارك الملك فيصل الأول بن الحسين في تشييعها ودُفنت في مقبرة الإنجليز بالعاصمة بغداد، بعدما أسهمت طوال حياتها في تسليم بلدان العرب بكل حماسة إلى لندن!.

إعلان

مقالات مشابهة

  • المملكة تستضيف الاجتماع الأول لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب .. غداً
  • وزيرة التنمية المحلية: مفهوم الصحة الواحدة يعكس وعيا لأهمية الترابط بين النظام البيئي
  • أخبار الوادي الجديد|«الزملوط»: اعتماد جداول امتحانات الفصل الدراسي الأول لتخصصات التعليم المزدوج ونائب المحافظ تتفقد مقر إدارة شئون البيئة
  • نائب محافظ الوادي الجديد تتفقّد مقر إدارة شئون البيئة بالخارجة
  • غيرترود بِيل.. الجاسوسة التي سلّمت العرب للإنجليز
  • وزيرة البيئة ومحافظ قنا يعقدان جلسة لمناقشة عدد من الملفات البيئية
  • محافظ أسوان يسلم الدراجات للطلاب الفائزين بندوات نشر الوعي البيئي
  • «الطيران المدني» تناقش التحديات البيئية بالقطاع
  • حوار مجتمعي بجامعة جنوب الوادي حول قضايا العمل البيئي والمناخي في مصر
  • وزيرة البيئة: نحرص على فتح حوار مجتمعي كمنصة لاستفساراتهم حول القضايا البيئية