بعد مائة يوم على العدوان العالم يُحاكم إسرائيل

أليس من حق الفلسطينيين أيضاً الدفاع عن النفس ضد الاحتلال الذي يضطهدهم؟

ادّعاءات إسرائيل بعدم دقة أعداد الضحايا تفندها قوائم الشهداء التي نشرتها وزارة الصحة، مع أرقام هوياتهم وتواريخ ميلادهم.

ألم يكن الاعتراف الدولي بإسرائيل على أساس قرار التقسيم الصادر عام 1947، والذي أعطى للدولة الفلسطينية 44% من مساحة فلسطين التاريخية.

تواجه إسرائيل، للمرّة الأولى في تاريخها، حقيقة كونها الكيان المارق الأكثر خرقاً للقانون الدولي، وهذه هي البداية لمسار العدالة الذي لا يمكن إيقافه.

تقول إسرائيل إن المقاومين الفلسطينيين اخترقوا حدودها في 7 أكتوبر، وذلك يثير السؤال، هل حدّدت إسرائيل حدودها؟ بالطبع لا، فالتطرق إلى هذا محرّم.

أليس من حقّ سكان غزة، و70% منهم مهجّرون من وطنهم منذ نكبة 1948، الدفاع عن حقهم في العودة، حسب قرار 194، الذي كان تنفيذُه شرطاً من الأمم المتحدة للاعتراف بإسرائيل.

* * *

بعد مائة يوم من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، تصطدم المؤسّسة الحاكمة في إسرائيل، وحليفتها الولايات المتحدة، بأربع حقائق لا يمكن القفز عنها:

أولاً، فشل العدوان في تحقيق أهدافه المعلنة، والمخفية، بما فيها فشله في تنفيذ التطهير العرقي لقطاع غزّة، وفشله في اقتلاع المقاومة، وفشله في بسط سيطرة احتلاله، وفشله في استعادة الأسرى الإسرائيليين.

ثانياً، إن إسرائيل لا تستطيع الاستمرار في هذا العدوان، والعمليات العسكرية الجارية إلى ما لا نهاية بحكم عدم قدرتها على التعايش مع حربٍ طويلة، أو احتمال خسائر بشرية، أو خسائر اقتصادية بالحجم الذي تتعرّض له.

ثالثاً، إن إسرائيل والولايات المتحدة خسرتا أخلاقياً ومعنوياً هذه الحرب على الصعيد الشعبي، حتى داخل الولايات المتحدة نفسها.

رابعاً، إن الاستراتيجية الإسرائيلية التي سادت طوال العقد الماضي، والقائمة على تصفية القضية الفلسطينية عبر التطبيع مع المحيط العربي، انهارت، وعادت القضية الفلسطينية لتتبوأ صدارة المشهد العالمي، باعتبارها قضية التحرّر الإنسانية الأولى في عصرنا.

وتوّج هذا المشهد بافتتاح جلسات محكمة العدل الدولية بمبادرة من جنوب أفريقيا، لمحاكمة إسرائيل على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية. وحسب ما كتبه مبعوث صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية لمتابعة وقائع المحكمة، خسرت إسرائيل المعركة القضائية إعلامياً، بغضّ النظر عن قرارات القضاة.

وفي الواقع، حقّق جرّ إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية هدفين، قبل أن يبدأ القضاة مداولاتهم. الأول أن انعقاد المحكمة، بحد ذاته، وإضطرار إسرائيل للمشاركة فيها، وتقديم دفاعاتها أمامها رداً على وثيقة الاتهام المُحكمة، التي أحسنت جنوب أفريقيا صياغتها، مثّلت ردعاً فعّالاً لإسرائيل أجبرها على التراجع، ولو لفظياً في الوقت الحالي، عن بعض أهدافها، كإعلانها عدم نيّتها تنفيذ التطهير العرقي، واستعدادها للسماح لسكان شمال غزّة بالعودة إلى بيوتهم، وإعلان عدم نيتها إعادة الاحتلال والاستيطان إلى قطاع غزّة.

وثانياً، هذه هي المرة الأولى التي تفقد فيها إسرائيل الحصانة التي تمتّعت بها منذ إنشائها قبل 75 عاماً بدعم من الحكومات الغربية، وجعلتها تتصرّف باعتبارها فوق المساءلة، وفوق القانون الدولي. إذ أجبرت أن تواجه الاتهام والمساءلة والمحاسبة على مرأى ومسمع العالم بأسره.

وبدت مرافعات الوفد الإسرائيلي متهالكة ومتناقضة، فادّعاؤها بعدم صلاحية تقديم جنوب أفريقيا الادعاء في محكمة العدل الدولية، لعدم وجود نزاع بينها وبين إسرائيل، تفنّده صيغة وثيقة "الإبادة الجماعية" التي تفترض، بل وتجبر كل دولة موقعة على المعاهدة الخاصة بالأمر على التصدّي لأي حالةٍ من "الإبادة الجماعية". كما تفنّده ما قامت به جنوب أفريقيا من مراسلاتٍ مع إسرائيل لمطالبتها بالردّ على الاتهام الموجّه إليها.

ووقع الوفد الإسرائيلي في فخٍّ نصبه لنفسه، عندما ادّعى بأن تصريحات الوزراء الإسرائيليين الداعية إلى إبادة سكان غزّة، أو إلقاء قنبلة نووية عليهم، أو وصف سموتريتش جميع سكان قطاع غزة، بمن فيهم مليون طفل، بأنهم نازيون، لا تمثل رسمياً الحكومة الإسرائيلية ومؤسّسة مجلس الحرب التي تدير العدوان.

علماً أن أسوأ التصريحات صدرت عن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو نفسه، ومنها دعوته إلى طرد كل سكان قطاع غزّة، واستخدامه تعابير تلمودية تدعو إلى الإبادة الشاملة للفلسطينيين.

ويصبح الادّعاء الإسرائيلي عديم القيمة، بالنظر إلى أن السياسة العامة للحكومة الإسرائيلية لا يقرّرها مجلس الحرب، بل الحكومة بكاملها، والتي تضمّ أصحاب التصريحات الهمجية التي تؤكّد نية تنفيذ الإبادة الجماعية، بمن فيهم بن غفير وسموتريتش ووزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو.

وكم كانت جنوب أفريقيا محقّة عندما صاغت الإطار العام للشكوى ضد إسرائيل شاملاً جريمة التطهير العرقي الجارية منذ 1948، وجريمة الأبارتهايد التي تواصل إسرائيل ارتكابها... ولعل أسخف الحجج التي استعملها الوفد الإسرائيلي التركيز على حقّ إسرائيل في الدفاع عن النفس، وذلك ما واصلت تكراره حكوماتٌ غربيةٌ عديدة، مع اضطرارهم للإقرار بأن الدفاع عن النفس لا يعطي الحقّ بإرتكاب جرائم الحرب، وخرق القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي.

لكن السؤال هنا: أليس من حق الفلسطينيين أيضاً الدفاع عن النفس ضد الاحتلال الذي يضطهدهم؟ أليس من حقّ سكان غزة، و70% منهم مهجّرون من وطنهم منذ النكبة عام 1948، أن يدافعوا عن حقهم في العودة إلى ديارهم التي هجّروا منها، حسب قرار 194 للجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي كان تنفيذُه شرطاً من الأمم المتحدة للاعتراف بإسرائيل.

تقول إسرائيل إن المقاومين الفلسطينيين اخترقوا حدودها في 7 أكتوبر، وذلك يثير السؤال، هل حدّدت إسرائيل حدودها؟ بالطبع لا، فالتطرق إلى هذا محرّم. ثم ألم يكن الاعتراف الدولي بإسرائيل على أساس قرار التقسيم الصادر عام 1947، والذي أعطى للدولة الفلسطينية 44% من مساحة فلسطين التاريخية. إذاً، ألا يحقّ للفلسطينيين الذين طردوا من تلك المناطق أن يدافعوا عن حقّهم بالعودة إليها.

ليست محكمة العدل الدولية بحاجة لإثباتات أو محاججات قانونية، فصوَر الدمار والقتل والإجرام الذي ارتكبته إسرائيل لا تحتاج إثباتا، وهي تؤكّد تنفيذ الإبادة الجماعية، وادّعاءات إسرائيل بعدم دقة أعداد الضحايا تفندها قوائم الشهداء التي نشرتها وزارة الصحة، مع أرقام هوياتهم وتواريخ ميلادهم.

بعد تطهيرٍ عرقي دام 75 عاماً واحتلال إسرائيلي أصبح الأطول في التاريخ الحديث، ونظام الأبارتهايد الأسوأ في تاريخ البشرية، وحصار إجرامي بشع على قطاع غزّة استمرّ 17 عاماً، وترافق مع شنّ خمس حروب على سكّانه، تواجه إسرائيل، للمرّة الأولى في تاريخها، حقيقة كونها الكيان المارق الأكثر خرقاً للقانون الدولي، وهذه هي البداية لمسار العدالة الذي لا يمكن إيقافه.

*د. مصطفى البرغوثي الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية

المصدر | العربي الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: إسرائيل فلسطين قطاع غزة الأبارتهايد الكيان المارق التطهير العرقي الإبادة الجماعية التطهير العرقي محكمة العدل الدولية محکمة العدل الدولیة الإبادة الجماعیة الدفاع عن النفس جنوب أفریقیا قطاع غز ة ة الأولى

إقرأ أيضاً:

فلسطين: ضرورة فرض عقوبات دولية على إسرائيل لوقف الإبادة والتهجير والضم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

طالبت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، المجتمع الدولي بفرض عقوبات وإجراءات رادعة تجبر الاحتلال الإسرائيلي على وقف عدوانه، ووضع حد لأطماعه الاستعمارية في أرض دولة فلسطين، لإنقاذ ما تبقى من مصداقية لمؤسسات الشرعية الدولية، وللقانون الدولي، الذي يتعرض لتآكل حاد وغير مسبوق.
وأشارت الوزارة -في بيان أوردته وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) اليوم /الأربعاء/- إلى أنه في الوقت الذي تواصل فيه قوات الاحتلال إبادة وهدم المخيمات والمدن في شمال الضفة خاصة في جنين وطولكرم، وإعلانها نيتها هدم حارة بأكملها في مخيم نور شمس، وحرمان الشعب في قطاع غزة من أبسط احتياجاته الإنسانية، تبدأ إجراءاتها الاستيطانية لبناء ما يقارب 1000 وحدة استيطانية جديدة في القدس الشرقية، على طريق استكمال تهويد المدينة، وتغيير معالمها وطابعها وهويتها سياسيا وثقافيا وجغرافيا، وفصلها عن محيطها الفلسطيني.

وأضافت أن ذلك يأتي في وقت تتصاعد فيه هجمات المستوطنين المسلحة والمنظمة واعتداءاتهم ضد المواطنين الفلسطينيين وأرضهم وممتلكاتهم ومقدساتهم في عموم الضفة المحتلة، التي ترزح تحت الاحتلال وحواجزه العسكرية بأبشع مظاهر أنظمة الاستعمار العنصري.

وأكدت الوزارة أنها تتابع على مدار الساعة جرائم الاحتلال وانتهاكاته ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه على المستويات الدولية كافة، محذرة من خطورة تعايش المجتمع الدولي والدول مع التصعيد الحاصل في مظاهر الإبادة والتهجير والضم، وأن الاكتفاء الدولي ببعض البيانات وعبارات القلق والتحذير، لا يرتقي إلى مستوى ما يتعرض له شعبنا.
 

مقالات مشابهة

  • "فيفا" يدرس توسيع كأس العالم بمشاركة 64 منتخبا في نسخة 2030 احتفالا بمرور مائة عام على انطلاق البطولة
  • الوزير الشيباني: لقائي مع المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، عزز مسارنا نحو العدالة الانتقالية. على مدار 14 عاماً، بل وقبل ذلك بكثير، فشل العالم في تحقيق العدالة للشعب السوري الذي عانى من جرائم لا توصف. لكن اليوم، ومن خلال عملية عدالة يقودها
  • ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة
  • «حماس»: سياسة التجويع التي يمارسها الاحتلال امتداد لحرب الإبادة ضد غزة
  • حماس: سياسة التجويع هي امتداد لحرب الإبادة التي شنها العدو ضد غزة
  • ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة لـ48,440 شهيدا
  • فلسطين: ضرورة فرض عقوبات دولية على إسرائيل لوقف الإبادة والتهجير والضم
  • القمة العربية تطالب إسرائيل بالانسحاب فوراً من الأراضي السورية المحتلة
  • القمة العربية تحث على تنفيذ قرارات محكمة العدل الدولية بشأن جرائم الاحتلال
  • وزير الدفاع الأمريكي لنظيره الإسرائيلي: واشنطن ملتزمة بالكامل بأمن إسرائيل