لماذا تلجأ إسرائيل لسياسة الاغتيال على أرض لبنان؟
تاريخ النشر: 14th, January 2024 GMT
بيروت- منذ اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" صالح العاروري، مساء الثاني من يناير/كانون الثاني الحالي، برز سؤال حول لجوء إسرائيل لسياسة الاغتيالات، كأداة تتفوق بها استخباراتيا وأمنيا، بحثا عن انتصار لم تنتزعه منذ اندلاع عملية "طوفان الأقصى".
وبينما يعجز جنود الاحتلال وسط ركام غزة عن "إنهاء حماس" كما وعدت حكومتهم، لم يتمكنوا أيضا من ردع حزب الله في جبهتهم الشمالية، رغم تهديداتهم المستمرة بشن حرب واسعة على لبنان، ثم جاء اغتيال قيادي حزب الله والمسؤول بوحدة "الرضوان" وسام الطويل، في الثامن من يناير/كانون الثاني، ليؤكد أن إسرائيل بحربها "الوجودية" هذه، سلكت دربها بعمليات الاغتيال، كحرب موازية لإخفاقاتها.
وبعمليتي اغتيال العاروري والطويل على أرض لبنان، تكون إسرائيل قد كسرت قواعد الاشتباك مع حزب الله، بضرب "حماس" في عمق الضاحية الجنوبية ببيروت، حاضنة الحزب الأمنية والسياسية والشعبية، وردت على ضرباته باغتيال أبرز قادة ومهندسي عملياته الميدانية، في بلدته "خربة سلم" جنوبي لبنان.
محاولة الردعثمة من يعتقد أن نقطة قوة إسرائيل، هي في مكمن ضعف محور المقاومة، المتمثل بعمليات الاغتيال بالأدوات الاستخباراتية والتجسسية، حيث يدعمها حلفاؤها لوجستيا وتقنيا وبالأقمار الاصطناعية، كما أن إسرائيل لم تلق ردا إلى الآن من نفس جنس الفعل، على معظم اغتيالاتها لقادة ومسؤولين بحركات المقاومة.
لكن، يدعو مراقبون لقراءة التاريخ، لأن تفوق إسرائيل الاستخباراتي، لم يساعدها يوما على كسب حروبها؛ فكل عمليات الاغتيال، لم تثنِ حركات المقاومة على التصاعد والتنامي وكسر إسرائيل عسكريا.
ثم جاءت أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول وما تلاها، لتقطع الشك باليقين، حيث يربط محللون ذلك بعقيدة ونهج المقاومة، الذي يعرف قادتها أنهم مشروع شهداء، وأن من تغتاله إسرائيل هناك من سيخلفه بالقيادة والميدان، ومع ذلك، تبقى الاغتيالات أحد أقوى أدوات الضغط والحرب بمواجهة حركات المقاومة.
استهداف قادة ورموز فلسطينيينمثّل لبنان تاريخيا أحد أبرز المسارح للاغتيالات الإسرائيلية، وتحديدا في فترة الحرب، نظرا لهشاشته الأمنية وسهولة اختراقه، فعلى المستوى الفلسطيني، كانت أولى العمليات في سبتمبر/أيلول 1972، حين اغتال الموساد الروائي والسياسي الفلسطيني غسان كنفاني، بعبوة ناسفة بسيارته في بيروت، ودفن في "مقبرة الشهداء"، مع عشرات الشهداء والرموز الفلسطينية والعربية الذين دفنوا فيها، منذ صارت مقبرة رسمية لمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1964.
وفي أبريل/نيسان 1973، سجلت إسرائيل أبرز عمليات اغتيالها بقيادة رئيس حكومتها السابق إيهود باراك، بالتسلل بحرا لبيروت، لتطال 3 قياديين فلسطينيين، وهم محمد يوسف النجار وكمال ناصر وكمال عدوان، الذين كانوا من قادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" ومنظمة التحرير الفلسطينية.
وواصلت إسرائيل عملياتها الانتقامية في يناير/كانون الثاني 1979، فبعد 5 محاولات فاشلة، اغتالت في بيروت القائد بمنظمة التحرير الفلسطينية و"أيلول الأسود"، علي حسن سلامة، الملقب بـ"الأمير الأحمر"، الذي أثار جدلا وأقلق إسرائيل، وتزوج ملكة "جمال الكون" اللبنانية جورجينا رزق، قبل عام من تفجير سيارته، واستشهد مع 4 من حراسه.
استهداف لبنانيين أيضاوطالت يد الغدر الإسرائيلية عددا كبيرا من رموز المقاومة في لبنان، ففي فبراير/شباط 1984، اغتالت إسرائيل الشيخ راغب حرب، الملقب بـ"شيخ شهداء المقاومة الإسلامية".
وفي ديسمبر/كانون الأول 1989، أغارت إسرائيل على مقر الحزب الشيوعي اللبناني بالرميلة في جبل لبنان، فاستشهد قادة من جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، أبرزهم قاسم بدران وحكمت الأمين (المعروف بطبيب الفقراء) وآخرون.
وفي فبراير/شباط 1992، اغتالت إسرائيل ثاني أمين عام لحزب الله عباس الموسوي، بقصف مروحيات إسرائيلية لموكبه جنوبا، بعد ساعات من كلمته في ذكرى استشهاد الشيخ راغب حرب.
واهتزت صيدا في مايو/أيار 2006، باغتيال الأخوين اللبنانيين محمود ونضال المجذوب، اللذين كانا بالقيادة العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في لبنان، بعبوة زرعتها في سيارتهما.
ولحزب الله تاريخ مع الاغتيالات الإسرائيلية، كان أثقلها في سوريا التي شكلت "ساحة آمنة" لقياداته، حيث اغتالت بدمشق القائد العسكري عماد مغنية في فبراير/شباط 2008، كما اغتالت القائد العسكري حسان اللقيس في يناير/كانون الثاني 2013، أمام منزله في بيروت.
وفي القنيطرة السورية، اغتالت غارة إسرائيلية مجموعة من القادة الميدانيين لحزب الله أبرزهم جهاد نجل عماد مغنية، في يناير/كانون الأول 2015، ثم اغتالت في مايو/أيار 2016، خليفة عماد مغنية، القائد العسكري مصطفى بدر الدين، قرب مطار دمشق.
رد الفعل المتوقعتتصاعد الأسئلة لبنانيا في الوقت الراهن، عن تداعيات إشهار إسرائيل لسلاح الاغتيالات، فقبل أيام وعقب استشهاد الطويل، صدر بيان لحزب الله حول ثغرات أمنية حذر أهل الجنوب منها، جاء فيه "يستمر العدو بالبحث عن بدائل لتحصيل معلومات عن المقاومة وأماكن وجود مجاهديها، بعد فقدانه قسما كبيرا من فعالية أجهزة التجسس، بسبب تدميرها من قبل المقاومة".
ويقول الكاتب والمحلل السياسي حسين أيوب إن "إسرائيل حاولت القول إنها لا تستهدف حزب الله أو الضاحية الجنوبية أو لبنان باغتيال العاروري، وإن ذلك جزء من المعركة المفتوحة بينها وبين حماس، لكن حزب الله يتعامل على أنه معني بالرد على كسر الخطوط الحمر، باستهداف العمق اللبناني بالضاحية، فكان الرد الأولي باستهداف قاعدة ميرون بالجليل الأعلى".
ويرى أيوب أن "استهداف قادة مقاومين في الجنوب -كالطويل- يعني أنه كلما تلقى الإسرائيلي ضربات موجعة، يذهب نحو الاستفادة من مسرح العمليات المفتوح، خصوصا بجنوب الليطاني، ويحاول الضغط على بيئة الحزب، للقول إن يده طويلة وتصل لكل هدف ورمز بحربها المفتوحة".
ويرجح المحلل السياسي استمرار إسرائيل "بمحاولة اقتناص الفرص، تماما كما في الميدان السوري، بعدما فقد حزب الله عنصر المفاجأة بالرد في الجبهة الشمالية منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول".
ويوضح أن إسرائيل تحاول منذ عام 2006 الاستفادة من إخفاقاتها، التي تحدث عنها تقرير لجنة فينوغراد، وأهمها عدم مطابقة بنك الأهداف للواقع، ويقول "راكمت إسرائيل خبرة بالوصول إلى أهدافها، مستفيدة من التكنولوجيا الجديدة كالذكاء الاصطناعي في الوقت الراهن، ومن شبكة الجواسيس، وبوضع بيانات الأقمار الصناعية الأميركية والإنجليزية التي لا تفارق سماء لبنان تحت تصرفها، وهو ما يعني أن فرص التفوق في بعض النواحي لا يمكن إنكارها".
ويعتبر أيوب أن "حزب الله يقف اليوم في موقع الهجوم لا الدفاع، بينما إسرائيل تقف في موقع الدفاع قبالة حدودنا، بمعادلة جديدة لتاريخ الصراع العربي الإسرائيلي"، ويُذكر بأن لبنان يمثل النموذج الوحيد الذي حررت مقاومته الأرض سنة 2000، بلا قيد وشرط، وهي التي تضرب اليوم أعماقا إسرائيلية مختلفة، وبالمقابل لم تتجرأ إسرائيل على تنفيذ تهديدها بتوسعة الحرب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ینایر کانون الثانی حزب الله
إقرأ أيضاً:
لماذا تستهدف إسرائيل رؤساء بلديات قطاع غزة؟
غزة- بعد استلامه صهاريج خاصة بسحب وضخ مياه الصرف الصحي قدّمتها دولة الإمارات، توجّه دياب الجرو، رئيس بلدية مدينة دير البلح وسط قطاع غزة إلى مكتبه لمقابلة بعض المراجعين، وما هي إلا دقائق، وفي تمام الساعة الواحدة و40 دقيقة بعد ظهر السبت، أطلقت طائرة إسرائيلية صاروخا أصاب مكتبه، وأدى لاستشهاده رفقة موظف، و9 من المواطنين، وإصابة آخرين.
ورغم خطر الاغتيال والتهديد الواضح الذي توجهه إسرائيل لكل الموظفين الذين يقدمون أي خدمات للمواطنين، اختار الجرو الاستمرار في أداء رسالته، حتى قضى شهيدا، حيث سبق أن تعرض لمحاولة اغتيال في شهر يونيو/حزيران الماضي عندما قصفت طائرة إسرائيلية مكتبه، وأصابته بجروح.
وبدأ الجرو عمله كرئيس لبلدية دير البلح في يونيو/حزيران 2020، بعد أن عمل لمدة 5 سنوات نائبا لرئيس البلدية السابق سعيد نصار. ويُعد رابع رئيس بلدية تغتاله إسرائيل خلال الحرب، حيث سبق أن قتلت مروان حامد رئيس بلدية الزهراء، وحاتم الغمري رئيس بلدية مخيم المغازي، وإياد المغاري رئيس بلدية النصيرات.
مقر بلدية دير البلح تعرض للتدمير إثر عملية اغتيال رئيسها دياب الجرو (الجزيرة) شاهد على الجريمةخلال الغارة، كان عضو المجلس البلدي محمد أبو بركة داخل مبنى البلدية، ليصبح شاهد عيان على الجريمة الإسرائيلية، ويقول للجزيرة نت، إن الغارة كانت في وقت الذروة، حيث كان مبنى البلدية وساحته يعجان بالمواطنين.
وأضاف "بينما كان هناك الكثير من المراجعين، وكان الشهيد دياب الجرو على رأس عمله، تعرض مبنى البلدية لغارة إسرائيلية بدون سابق إنذار، وهو ما أسفر عن استشهاد الرئيس وموظف آخر و9 مواطنين مراجعين، وإصابة العديد من الموظفين والمراجعين".
وأشار إلى أن العدوان تسبب بإصابة مباني البلدية بأضرار فادحة، لكنه أكد أن البلدية "لن تتوقف عن تقديم الخدمات للمواطنين مهما زاد الاحتلال من عدوانه"، مضيفا "نحن مؤسسة خدماتية وعملنا محمي بموجب القانون الدولي الإنساني".
إعلانوأشاد أبو بركة بالجرو، وقال "هو رجل في زمن عز فيه الرجال، لم يتخلّ عن واجبه رغم التهديد والخطر الكبير، وظل على رأس عمله حتى اليوم الأخير"، وأضاف "كان رجلا يحمل عزيمة قوية وحسا إنسانيا كبيرا، ويشعر بمعاناة المواطن ويسعى بكل جدية لحل مشاكله".
وأشار إلى الأعباء التي وصفها بـ"الهائلة" والتي كانت ملقاة على عاتق الجرو، خاصة أن عدد سكان مدينة دير البلح تضاعف قرابة 10 مرات بسبب عمليات النزوح، وبات يقترب من المليون شخص.
كما لفت إلى أنه تمكن من تحقيق العديد من الإنجازات رغم قلة الإمكانيات، ومنها افتتاح محطة تحلية، وتوقيع اتفاقية مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر لتحسين خدمات النظافة، بالإضافة إلى جلب صهاريج لسحب وضخ مياه الصرف الصحي من مخيمات الإيواء التي تعاني من امتلاء الحفر الامتصاصية التي اضطر المواطنون لحفرها.
وختم أبو بركة حديثه بالقول "رحل أبو الوليد (دياب الجرو) وهو يؤدي واجبه، متحملا مسؤوليته بشجاعة قلّ نظيرها، لقد ضحى بنفسه وأدى رسالة سامية في مواجهة حرب الإبادة الصهيونية".
استهداف البلدياتيرى الكاتب والمحلل السياسي من قطاع غزة وسام عفيفة، أن إسرائيل تسعى من خلال استهداف رؤساء البلديات إلى "خلق حالة من الفوضى والإرباك وضرب الجبهة الداخلية، على غرار ضرب المنظومة الأمنية، وهو ما أسفر عن انتشار ظاهرة سرقة قوافل المساعدات الإنسانية بما ترتب عنها من مآس".
وأشار إلى أن مخطط إسرائيل "خطير للغاية، نظرا لأن البلديات -وحدها- تقدم حاليا الخدمات لنحو مليوني فلسطيني (عدد سكان القطاع)، في ظل غياب الوزارات بسبب الاستهداف الإسرائيلي".
وأضاف موضحا "حاليا، رئيس البلدية هو صمام الأمان في منطقته، واستهدافه يخلق حالة من الخوف والإرباك داخل المنظومة الإدارية في البلدية، ويؤثر على الخدمات المقدمة، حيث إنه المخوّل بتوقيع الاتفاقيات مع الجهات المانحة التي تقدم المساعدات".
إعلانوأكمل "استهداف رئيس البلدية عقاب جماعي للمواطنين، وضرب للجبهة الداخلية، وإحداث فراغ يتسبب بفوضى عامة، وهي لا تقل خطورة عن العدوان العسكري المباشر".
لكنّ عفيفة يرى أن البلديات تنجح في كل مرة في امتصاص الضربات الإسرائيلية، وتعود إلى إصلاح الأضرار التي تكبدتها، وتواصل العمل في تلبية الحد الأدنى من الخدمات التي يحتاجها المواطن، رغم التداعيات الكارثية التي لا يمكن إغفالها.
عملية اغتيال رئيس بلدية دير البلح أسفرت عن استشهاد 10 مواطنين آخرين (وسائل التواصل) عطاء مستمرولد دياب الجرو (أبو الوليد) عام 1974 في مخيم دير البلح للاجئين، لأسرة هُجرت من قرية "يِبنا" في النكبة عام 1948، وهو أب لستة من الأبناء، وخلال الحرب التي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول 2023 فقد الجرو والدته وشقيقه خالد و4 من أبنائه.
تعلم الجرو في مدارس دير البلح، وحصل على درجة البكالوريوس في التاريخ من الجامعة الإسلامية بمدينة غزة، ولاحقا على درجتي الماجستير والدكتوراه في التاريخ، حيث عمل في البداية مدرسا لمادة التاريخ في مدارس جمعية الصلاح بدير البلح في الفترة ما بين عامي 2000 و2004.
ثم تولى لاحقا العديد من المناصب الإدارية، ومنها رئاسة مجلس إدارة جمعية الصلاح الخيرية، ورئاسة لجنة زكاة دير البلح، ثم رئاسة لجنة الطوارئ الحكومية في قطاع غزة.
وفي عام 2015 شغل منصب نائب رئيس بلدية دير البلح، وفي يونيو/حزيران 2020 تولى رئاسة البلدية، وبقي في منصبه حتى استشهاده.