الحرب الإسرائيلية تطال الزمان والمكان والتاريخ والمشهد الثقافي في قطاع غزة
تاريخ النشر: 14th, January 2024 GMT
سرايا - طال العدوان والتدمير الإسرائيلي خلال 100 يوم من الحرب على قطاع غزة، المشهد الثقافي الفلسطيني بفنانيه ورواده وشواهده ومنشآته والآثار الماثلة منذ قرون، ودُفن تحت رماد الركام تاريخ وأعمال فنية ثمينة.
في 3 أشهر، استشهد 41 فنانا على الأقل في عمليات جيش الاحتلال المختلفة في مناطق قطاع غزة، ومن بين الشهداء أعضاء أطفال في فرق الدبكة الفلسطينية، وفقد الكثير منهم عائلته ومكتبته ومرسمه.
"جين وراثي"
وترى وزارة الثقافة الفلسطينية أن الحرب التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي، هي حرب الرواية والسردية التي تقوم بها دولة الاحتلال من أجل استهداف وجود الشعب الفلسطيني واستكمال جريمة النكبة التي لم تتوقف منذ قرابة 76 عاما.
وتحدث تقرير للوزارة عن استهداف المباني التاريخية والمواقع التراثية والمتاحف والمساجد والكنائس التاريخية، بالإضافة إلى المؤسسات الثقافية من مراكز ومسارح ودور نشر ومكتبات عامة ومحال بيع وجامعات ومدارس وجداريات فنية، وكتب، وكذلك قتل الشعراء والكتاب والفنانين والمؤرخين.
ورأى وزير الثقافة الفلسطيني عاطف أبو سيف أن الثقافة الفلسطينية ستظل الجين الوراثي للهوية الوطنية الفلسطينية، مضيفاً أنها "جوهر وأساس سرديتنا التاريخية ومرافعتنا الحقوقية والسياسية".
تشويه معالم المدينة الثقافية
قبل شهور الحرب الثلاثة والمستمرة حتى الآن، وجدت في غزة ثلاثة مسارح كبرى بجانب أماكن عرض محدودة، وقرابة 80 مكتبة عامة، و15 دار نشر ومركز لبيع الكتب، وكذلك 76 مركزا ثقافيا.
لكن وحتى التاسع من كانون الثاني/يناير، تضررت جراء القصف مراكز ثقافية ومؤسسات عاملة في قطاع الثقافة، ورُصد تدمير 24 مركزا ثقافيا بشكل كامل أو جزئي.
ومن بين المراكز المدمرة، مركز رشاد الشوا الثقافي الذي تأسس عام 1985 ويقع في حي الرمال، ويعد أول مركز ثقافي في فلسطين، وتتسع قاعته الكبرى لأكثر من ألف متفرج، ويتم فتح القاعات الجانبية لتتسع لأكثر من ألفين. ويحتوي المبنى الواقع وسط غزة على أكبر وأقدم قاعة مسرح.
وشمل الاستهداف الإسرائيلي تدمير النصب التذكارية في الميادين العامة وتجريفها، وفي بعض المناطق تم رفع العلم الإسرائيلي مكان النصب وسط الميدان.
وقالت وزارة الثقافة، إن جيش الاحتلال تعمد تدمير كل النصب التذكارية في الميادين العامة على طول شارع الرشيد من مفترق السودانية شمال غزة، حتى جسر وادي غزة ويبلغ تعدادها 8 ميادين.
وأمعنت آليات الاحتلال في تشويه معالم المدينة الثقافية، فاستهدفت تمثال العنقاء في قلب ميدان فلسطين في غزة الذي يشير إلى شعار مدينة غزة، واستهدفت المجسم الفني "الحروف"، في منطقة تل الهوى، ودمرت النصب التذكاري لصرح الشهداء الستة في مخيم جباليا وغيرهم الكثير.
وبلغ تعداد ما أمكن إحصاؤه من ميادين ونصب تذكارية تم هدمها 32، من بينها نصب الجندي المجهول والحديقة الخاصة به، وهو من أبرز معالم غزة، ويرمز لنضال الشعب الفلسطيني.
وبني النصب في المرة الأولى في العام 1956 إبان الإدارة المصرية لقطاع غزة، وسبق وأن دمرته قوات الاحتلال عام 1967 وأعادت السلطة الفلسطينية بناءه عام 2000.
واستهدف القصف الإسرائيلي عددا من المكتبات العامة، ورُصد تدمير 5 مكتبات كبرى، منها المكتبة العامة لبلدية غزة، وهي جزء من مباني بلدية مدينة غزة الواقعة في شارع الوحدة والتي تحتوي مئات آلاف الكتب، وأدى القصف إلى احتراق المبنى وتضرره بشكل كبير، لتخسر الثقافة الفلسطينية كنوزا مهمة من الموروث الثقافي خاصة الكتب الفلسطينية التي صدرت قبل النكبة، ونسخ الصحف والمجلات الفلسطينية التي كانت تصدر في القدس ويافا وغيرها قبل النكبة.
وتضررت متاحف قطاع غزة بشكل كبير خلال الحرب المستمرة، ورُصد تضرر 12 متحفا في مناطق قطاع غزة بشكل جزئي أو كلي، وكذلك تضررت المقتنيات الأثرية من أعمدة وجرار وسيوف وأثواب وأدوات معيشة ومخطوطات نادرة.
وعبرت وزارة الثقافة عن قلقها من إمكانية تعرض محتويات المتاحف الفلسطينية في غزة إلى السرقة وتحويلها للمتاحف الإسرائيلية وهو الأمر الذي يتطلب تدخلا دوليا للكشف عن عمليات سرقة الآثار والمقتنيات.
ودُمر مبنى بلدية غزة الواقع في ميدان فلسطين في حي الدرج الذي بني في مطالع القرن العشرين على الطراز الحديث، وتضرر المبنى بشكل كبير واندلعت الحرائق فيه وتدمرت الكثير من مرافقه خاصة.
وتعرض الأرشيف المركزي الواقع في المبنى التاريخي لبلدية غزة للقصف بشكل كامل، ويحتوي المقر على وثائق عمرها أكثر من مائة عام تحتوي على ذاكرة المدينة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وهدمت الطائرات الإسرائيلية والدبابات الكثير من المواقع التراثية، والتي تتوزع على الحقب الكنعانية والفينيقية والرومانية والبيزنطية والإسلامية وفيها الكثير من الشواهد التاريخية التي تكشف عن تاريخ غزة وعن وجود حضاري تعددي.
وطال الاستهداف الإسرائيلي مواقع تراثية كبرى بشكل مركز، مثل ميناء الأنثيدون، وكنيسة جباليا البيزنطية - يعود بناؤها للعام 444 م -، والمقبرة البيزنطية، وموقع تل أم عامر، وتل السكن، وتل المنطار التاريخي، ومقام الخضر، وتل العجول، وتل رفح الأثري.
ودمر جيش الاحتلال الإسرائيلي قصر الباشا في حي الدرج بالمركز التاريخي لمدينة غزة، وهو قصر يقع في البلدة القديمة، ويعد النموذج الوحيد للقصور العائدة إلى العصر المملوكي في زمن الظاهر بيبرس، ويستدل على ذلك بشعار الظاهر بيبرس الموجود على مدخله الرئيس، وهو عبارة عن أسدين متقابلين، وكان يعد مقرا لنائب المدينة في العصرين المملوكي والعثماني.
وتضرر جراء القصف الإسرائيلي عشرة من المساجد التاريخية القديمة التي يعود بناؤها إلى مئات السنين وكنيسة تاريخية بأضرار جزئية أو كاملة، وهي المسجد العمري الكبير، ومسجد السيد هاشم، وجامع الشيخ عبد الله، وكنيسة القديس برفيريوس، وجامع ابن عثمان، ومسجد الشيخ شعبان، ومسجد عثمان بن قشقار الأثري، ومسجد الظفر دمري الأثري، والمسجد العمري جباليا.
ورأت وزارة الثقافة الفلسطينية أن ما تعرض له القطاع الثقافي في قطاع غزة خلال الشهور الثلاثة السابقة للحرب يترك المجتمع الدولي والمنظمات العاملة في قطاع التراث أمام مسؤوليات جسيمة من أجل حماية المواقع الأثرية والمتاحف والمباني التاريخية ضمن حدود واجباتها في قوانين إنشائها وهي المسؤوليات التي لم تقم بها حتى اللحظة.
المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية
كلمات دلالية: الثقافة الفلسطینیة الثقافة الفلسطینی وزارة الثقافة جیش الاحتلال الکثیر من قطاع غزة فی قطاع
إقرأ أيضاً:
مخيم جباليا هيروشيما غزة التي يدمرها الاحتلال الإسرائيلي
يحاول الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من شهر تهجير سكان شمال قطاع غزة قسرا، من خلال فرض حصار مشدد وتدمير واسع للمنازل والمباني، مانعا الدخول والخروج إلا عبر حواجز أقامها لتفتيش النازحين لغزة وإلى الجنوب.
ووثقت مقاطع فيديو وصور على مدار عام كامل من الحرب دمارا واسعا ألحقه الاحتلال الإسرائيلي بالأحياء السكنية والمساجد والمدارس في غزة. وكان أحدث توثيق صورة جوية لمخيم جباليا، تظهر مسح المربعات السكنية وحجم الإبادة التي يتعرض لها المخيم.
View this post on InstagramA post shared by وسيم خليف (@wsym._.2003)
لاقى هذا المشهد انتشارا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تفاعل مغردون فلسطينيون وعرب مع الصورة التي تظهر سحبا كثيفة من الدخان تغطي المنطقة بالكامل، وهذا يوحي بأن المنطقة قد تحولت إلى رماد.
وتعليقا على ذلك، كتب الداعية الفلسطيني جهاد حلس تدوينة على منصة "إكس": "هذه ليست القنبلة النووية التي سقطت على هيروشيما، هذه مدينة جباليا التي تباد الآن على مرأى ومسمع العالم أجمع".
هذه ليست القنبلة النووية التي سقطت على هيروشيما، هذه مدينة جباليا التي تباد الآن على مرأى ومسمع العالم أجمع !! pic.twitter.com/JwVTx52siA
— جهاد حلس، غزة (@Jhkhelles) November 6, 2024
كما علق أحد المدونين: "عملية نسف كارثية تحدث الآن في شمال غزة بهدف تشكيل محور جديد. الجيش يضع خططا عسكرية فوق الأحياء السكنية المكتظة، ومن يختار البقاء سينتهي به الحال تحت أنقاضها؛ هذه سياسة مسح إجرامية".
أما الصحفي الفلسطيني محمد حمدان، فكتب: "صعد الدخان حاملا رمادا من بشر وحجر وتبخرت ذكرياتنا وأحلامنا، لا شيء يبرر ذلك، لا شيء يشبه ذلك، لا شيء يعوض ذلك".
وكتب مغرد آخر بمشاعر مختلطة: "جزى الله الفلسطينيين عنا كل خير؛ فقد كان لأمتهم شهداء أحياء بعقيدتهم التي يجب أن تسود وتتجاوز الحدود".
عملية نسف كارثية ضخمة تحدث الآن في شمال غزة بهدف تشكيل المحور الجديد.
محور عسكري يُنشأ فوق المباني والعمارات في منطقة ذات كثافة معمارية هائلة.
من تبقى في منازله سينتهي به المطاف تحت الأنقاض؛ إنها عملية مسح إجرامية لأرض مكتظة بالسكان . https://t.co/BkAJSOV6L3 pic.twitter.com/xz4JNJ2cyB
— Tamer | تامر (@tamerqdh) November 6, 2024
كما تفاعل مغردون آخرون مع الصورة بقولهم: "منظر يندر مشاهدته إلا في الحروب العالمية؛ جباليا تُباد بدعم ومباركة من أنظمة عربية شقيقة. غزة تُمحى بالكامل وفق سياسة الأرض المحروقة التي يتبعها جيش الاحتلال وسط حصار خانق على العائلات".
وشارك مراسل قناة الجزيرة، أنس الشريف، مقطع فيديو على حسابه بمنصة "إكس" يظهر فيه حجم المعاناة في شمال غزة، حيث يشهد قصفا ونسفا وإطلاق نار ونزوحا.
ويرى كثيرون أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استغل انشغال العالم بالانتخابات الأميركية لتنفيذ أخطر مراحل إبادة شمال غزة، ودفع سكان الشمال للنزوح بهدف السيطرة على الأراضي بحجة "الأمن".
صورة جوية حديثة لجباليا التي تتعرض للمسح والإبادة
جباليا تباد .. كل غزة تباد و تدمر.. سياسة الارض المحروقة ????#جباليا_تُباد pic.twitter.com/r6s7VvtVMR
— ???????????????????? ???? (@amany__wishes) November 6, 2024
وأعرب بعض المغردين عن استغرابهم من تفجير الاحتلال لمخيم جباليا المكتظ بالسكان وسط صمت عالمي.
كما أشار بعض المغردين إلى أن الدول العربية ما زالت تعيش حالة غياب عن الوعي، وكأن الأمر يحدث على كوكب آخر، مع أنها قد تكون أول من سيدفع الثمن.
وقال المدون عفيف الروقي: "صورة جوية حديثة لجباليا التي تتعرض للإبادة؛ العائلات الآن بلا مأوى، كل غزة تُباد وتُدمر وفق سياسة الأرض المحروقة".
صورة جوية حديثة لجباليا التي تتعرض للمسح والإبادة
العائلات الان في الطرقات تجلس ولا تجد لها مكان لتنام به#جباليا_تُباد تباد .. كل غزة تباد و تدمر.. سياسة الارض المحروقة ????
#جباليا_تُباد #يحيى_السنوار #ترمب #أمريكا #أوباما #فلسطين pic.twitter.com/VmnXINgSqP
— عفيف الروقي (@AfifAlRoqi511) November 6, 2024
وبحسب صحيفة هآرتس الإسرائيلية، فإن التدمير الهائل للمنازل والمباني في شمال قطاع غزة واستعدادات الجيش للاحتفاظ بالأراضي من خلال تعبيد الطرق وإنشاء البنية التحتية، كلها إجراءات تشي بالاستعداد لضمها بحكم الأمر الواقع، وإقامة مستوطنات فيها على غرار تلك المقامة في الضفة الغربية.
وقد وضعت إسرائيل خطة الجنرالات في شمال غزة في سبتمبر/أيلول 2024، بهدف تهجير سكان شمال قطاع غزة قسرا، وذلك بفرض حصار كامل على المنطقة، بما في ذلك منع دخول المساعدات الإنسانية، لتجويع من تبقى من المدنيين، وكذلك المقاومين ووضعهم أمام خيارين إما الموت وإما الاستسلام.
وتشن إسرائيل بدعم أميركي منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 حرب إبادة جماعية على غزة، خلفت آلاف الشهداء والجرحى، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين.