اعتبر مؤتمر قمة اللاجئين والنازحين الذي عقد منتصف شهر ديسمبر/كانون الأول 2023، أن عام 2024 سيكون عام المتابعة الدقيقة لقضايا اللاجئين والنازحين على مستوى العالم، باعتبارها قضية باتت تهدد الأمن والسلم الدوليين في كثير من مناطق العالم، بالنظر لتداعياتها بعيدة المدى على مستوى الكيانات السياسية للدول المضيفة أو المصدرة.
إن مجموع النازحين واللاجئين حول العالم يشكل مجازاً تعداداً لسكان دولة عظمى، أي نحو 165 مليون نسمة، بينهم 36 مليون لاجئ، وهو رقم مهول قياساً لحجم المشكلة وتداعياتها الديمغرافية والاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى حجم الإمكانات التي ينبغي أن ترصد للمعالجات الجذرية الصحيحة.
ورغم ضخامة المشكلة، لم يتمكن مندوبو 165 دولة حول العالم، ونحو 4 آلاف مشارك من الولوج في عمق القضية من الناحية العملية، وبات مؤتمر جنيف 2023 كغيره من المناسبات التي تناقش وتتداول بقضايا ذات بُعد إقليمي ودولي، في حين أن تداعيات القضية تتطلب معالجات من نوع آخر، يبدو أن كلفها باهظة جداً، ليس مالياً واقتصادياً فحسب، ولكن يطول سياسات دول وكيانات، بعضها من الصعب التأثير فيها أو تغييرها، باعتبارها مرتبطة مثلاً باستراتيجيات ذات بعد عالمي، لجهة سياسات السيطرة والحروب التي تعتبر سبباً رئيسياً من أسباب النزوح واللجوء التي لا يمكن استيعابها بطرق تقليدية.
تشكل دول قارتي إفريقيا وآسيا الأغلبية العظمى من الأعداد النازحة، فيما تشكل دول أوروبا الوجهة المستهدفة لمعظمهم، لسهولة الوصول النسبية مقارنة بغيرها من الوجهات، وثانياً للأفكار المسبقة حول حجم المتغيرات التي تحدثها هذه الهجرات في حياتهم وآمالهم وأحلامهم، في وقت باتت هذه الدول والمجتمعات متخمة بأعداد غير قابلة للاستيعاب، وفقاً للحد الأدنى من متطلبات العيش المعقولة، علاوة على الارتدادات السلبية في السلوك المجتمعي للدول المضيفة، لجهة تنامي مستويات العداء، وارتفاع منسوب التمييز العنصري.
إن مخاطر هذه القضايا تفوق التصور، وتأخذ المدقق إلى أماكن مرعبة، كأثر التغيير الديمغرافي على المجتمعات المستقبلة عنوة، خاصة إذا لم تكن هذه الدول تمتلك القدرات الاقتصادية أو المتطلبات الديمغرافية لعدم التأثير السلبي، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يشكل النزوح السوري إلى لبنان قضية خطيرة على طبيعة التركيبة السكانية التي تعاني مشاكل بنيوية في الأساس، وبالتالي تهدد كيانه الوجودي.
لم يقدم المؤتمر علاجات أو مشاريع حلول واعدة، وإنما أتى كغيره من المناسبات التي تستعرض المشاكل، وتفتقر إلى الآليات الكفيلة ببدايات حلول ناجعة، وهنا لا ننتقد لمجرد الانتقاد، ولكن إذا كنا منصفين وموضوعيين في الرؤية وكيفية المعالجات، ينبغي الاعتراف بأن وسائل الحل تتطلب جهوداً تفوق قدرة المنظمات الدولية الحالية، وربما الأمر يحتاج إلى جهاز دولي وإمكانات اقتصادية ولوجستية هائلة، تترافق مع استراتيجيات دولية ترعاها دول صاحبة إمكانات وقرارات قابلة للتنفيذ، تعنى بملاحقة الأسباب الرئيسية للنزوح والهجرة غير الشرعية من الدول المرسلة، وهو أمر دونه مصاعب كثيرة.
خليل حسن – صحيفة الخليج
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
2024.. عام تجاوز فيه كوكب الأرض عتبة الخطر المناخي وفقاً للعلماء
أظهرت بيانات جديدة أن عام 2024 سيكون الأكثر حرارة في التاريخ المسجل، متجاوزاً لأول مرة عتبة 1.5 درجة مئوية من ارتفاع درجات الحرارة مقارنة بمستويات ما قبل الصناعة، وهو ما يُعد أول إنذار حقيقي لتجاوز الهدف الذي حذر منه العلماء في اتفاق باريس للمناخ. هذه النتائج تأتي في وقت يشهد فيه العالم زيادة في حدة الكوارث الطبيعية بسبب التغير المناخي، في وقت حساس على الساحة السياسية العالمية، خصوصًا في الولايات المتحدة.
وزيرة البيئة تستعرض تجربة مصر في دمج ملف تغير المناخ في المجتمعات العمرانية الجديدة تقرير الأمم المتحدة الأخير يطالب بخفض غير مسبوق للانبعاثات لإنقاذ أهداف المناخاتفاق باريس، الذي وقعت عليه غالبية الدول في 2015، يهدف إلى الحد من الاحترار العالمي ليبقى تحت 1.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن. وفقًا للعلماء، فإن تجاوز هذه العتبة سيؤدي إلى آثار بيئية مدمرة، مثل الجفاف، الحرائق، العواصف المدمرة، وارتفاع مستويات البحار، مما يشكل تهديدًا حقيقيًا للبشرية والنظم البيئية على حد سواء. وتشير البيانات الصادرة عن خدمة كوبرنيكوس الأوروبية لتغير المناخ إلى أن 2024 من "المحتمل جدًا" أن يتجاوز هذه العتبة الحرارية، مما يضع العالم على شفا أزمة مناخية غير مسبوقة.
من ناحية أخرى، يزداد القلق بشأن التأثيرات السلبية لهذه الأزمة على الدول الأكثر تأثرًا، مثل الولايات المتحدة الأمريكية. ففي سبتمبر 2024، ضرب الإعصار هيلين ولاية كارولينا الشمالية، مسببًا فيضانات مدمرة أودت بحياة العديد من الأشخاص وتسببت في خسائر مالية ضخمة. في ذات الوقت، كانت حرائق الغابات في ولاية كاليفورنيا تلتهم الأراضي، مما أجبر السلطات على إجلاء الآلاف من السكان.
لكن التأثيرات المناخية لا تقتصر على الولايات المتحدة فقط. في إسبانيا، شهدت البلاد فيضانات مفاجئة خلفت أكثر من 200 قتيل، وفي اليابان، كانت هناك علامة مناخية مقلقة للغاية حيث سجل جبل فوجي، لأول مرة في 130 عامًا، عدم وجود ثلوج على قمته، ما يعد دليلاً آخر على التغيرات المناخية المتسارعة. كما أن العديد من الدول حول العالم، من جنوب شرق آسيا إلى أمريكا اللاتينية، عانت من موجات حر شديدة، أعاصير، وجفاف طويل الأمد خلال الأشهر الماضية.
هذه الظواهر المناخية تتفاقم في وقت تتزايد فيه التوترات السياسية، خصوصًا في الولايات المتحدة. الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، الذي سبق له أن سحب الولايات المتحدة من اتفاق باريس خلال ولايته الأولى، تعهد مرة أخرى في حملته الانتخابية بإلغاء جميع السياسات البيئية، مما يهدد بتحقيق انتكاسة كبيرة في جهود محاربة التغير المناخي على المستوى الدولي.
الولايات المتحدة، باعتبارها أحد أكبر مصادر الانبعاثات العالمية، تلعب دورًا محوريًا في المفاوضات المناخية الدولية. ومع عودة ترامب إلى الساحة السياسية، يواجه العالم مجددًا خطر تراجع الجهود الجماعية لمكافحة الأزمة البيئية، في وقت يحتاج فيه التعاون الدولي أكثر من أي وقت مضى.
في المقابل، يرى الخبراء أن الدول الكبرى الأخرى مثل الصين والاتحاد الأوروبي ستضطر إلى تكثيف جهودها لمكافحة التغير المناخي في غياب القيادة الأمريكية، لكن هناك مخاوف من أن بعض الدول قد تستخدم مواقف ترامب المناهضة للمناخ كذريعة لتقليص التزاماتها البيئية.
في الختام، تواصل درجات الحرارة العالمية ارتفاعها، مع تحقيق الشهر الماضي ثاني أحر أكتوبر مسجل على الإطلاق، ما يضيف المزيد من الضغوط على الحكومات للاتخاذ إجراءات فورية لمواجهة التحديات المناخية المتزايدة. أليك سكوت، الاستراتيجي في مجال الدبلوماسية المناخية، شدد على أن "الوقت ليس في صالحنا"، محذرًا من أن أي تأخير في اتخاذ إجراءات من قبل الاقتصادات الكبرى سيؤدي إلى تفاقم الوضع بشكل أسرع.