رسائل واشنطن لطهران على وقع زيارة بلينكن.. “طبخة بحص”!
تاريخ النشر: 14th, January 2024 GMT
14 يناير، 2024
بغداد/المسلة الحدث:
محمد صالح صدقيان
هذه هي الزيارة الخامسة لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى المنطقة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وعنوانها يتمحور حول تداعيات حرب غزة وصورة “اليوم التالي” لها، الأمر الذي ترفض تل أبيب حتى الآن تقديم أي مقاربة محدّدة له.
شملت الزيارة الخامسة لبلينكن كلاً من إسرائيل والسعودية والإمارات والأردن والسلطة الفلسطينية وقطر ومصر اللتين تلعبان دور الوسيط بين “حماس” والكيان الإسرائيلي، فضلاً عن تركيا واليونان، من دون أن ننسی الرسالة التي بعثت بها واشنطن إلى طهران عبر عاصمة خليجية وعنوانها الدعوة إلى ضبط النفس في المنطقة.
وحسب المعلومات التي تسربت عن مضمون لقاء بلينكن مع عدد من قادة دول المنطقة، فإنه لم يحمل مشروعاً محدداً لإخماد نيران حرب غزة حتى الآن، “لكننا سمعنا حرصه علی عدم اتساع رقعة الحرب وتبادل المعتقلين إضافة إلی طرح فكرة “اليوم الآخر”، وهي في حقيقة الأمر أهداف إسرائيلية وظيفتها حماية أمن إسرائيل؛ بمعنی آخر، تريد واشنطن المساهمة في حفظ ماء وجه الإسرائيلي برغم كل ما ارتكبته آلته العسكرية من مجازر وأعمال إبادة طوال مئة يوم على أرض غزة، وكانت من بين تداعياتها الدعوى التي تقدمت بها جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية.
وبرغم كل تداعيات “طوفان الأقصى”، تتمسك الإدارة الأميركية ولا سيما بلينكن ومستشار الأمن القومي الأمريكي جايك سوليفان بوجود فرصة لدمج الكيان الإسرائيلي في النظام الأمني الإقليمي، وبالتالي إستكمال مسار التطبيع ولا سيما بين الرياض وتل أبيب.
أما الرسالة التي أرسلتها واشنطن، عبر وسيط خليجي إلى طهران عشية زيارة بلينكن، فتقترح – حسب سفير إيران لدی دمشق حسين أكبري – حلاً سياسياً شاملاً لأزمات المنطقة شريطة ضبط النفس ومنع الانزلاق إلى حرب إقليمية شاملة. وقد أجابت طهران على الرسالة الأمريكية بأنها منخرطة حالياً في مسارين أساسيين؛ أولهما عدم اتساع رقعة الحرب، عكس رغبة بنيامين نتنياهو بتوسيع الجبهات وصولاً إلى حدوث مواجهة أمريكية ـ إيرانية؛ وثانيهما تحقيق وقف إطلاق النار بالسرعة المطلوبة لإنقاذ سكان غزة من ماكينة القتل العسكرية الإسرائيلية التي تمارس إبادة بشرية وإنسانية في غزة وتمنع وصول المساعدات للفلسطينيين الذين دخلت معانهاتهم شهرها الرابع بغطاء عسكري تُوفرّه الادارة الأمريكية؛ أما “اليوم الآخر” الذي تسعی إليه واشنطن، فليس سوى محاولة لأخذ مكاسب بالسياسة عجزت إسرائيل عن الحصول عليها في الميدان. أما الخشية من فتح ساحات جديدة، في تلميح إلى الساحتين اليمنية واللبنانية، فقد أوضح الجانب الإيراني للوسطاء أنه لا يتحكم بقرارات وسلوكيات أصدقائه وحلفائه في المنطقة بواسطة “الريموت كونترول”، ناصحاً الجانب الأمريكي بعدم إثارة مشاعر الشارع العربي والإسلامي أكثر مما هي عليه الآن.. وأكدت طهران أن الأوضاع بلغت حداً لا يمكن التكهن بمالآتها وعلی الجانب الأمريكي العمل علی عدم اتخاذ أي خطوة من شأنها تصعيد الموقف وتحديدا في جنوب لبنان والبحر الأحمر.
الوسيط الذي حمل الرسالة الأمريكية حرص علی التوضيح للجانب الإيراني أن الجواب علی الرسالة سوف يُسلم للوزير بلينكن خلال زيارته إلى إحدى العواصم الخليجية.. وهذا ما تم.
ونقلت مصادر ديبلوماسية مواكبة أن بلينكن سمع من معظم المسؤولين في العواصم التي زراها عدم رضاهم علی الموقف الأمريكي المنحاز للكيان الإسرائيلي في حربه المفتوحة علی غزة؛ كما أن مصر والأردن عبرا عن موقفهما الرافض لترحيل الفلسطينيين خارج الأراضي الفلسطينية؛ الأمر الذي جعل الوزير الأمريكي يُشدّد علی إمكانية السير باتجاه تأقلم الكيان مع المحيط الإقليمي في إطار برنامج إقليمي لسد الفراغ الأمني في المنطقة.
ورأت شخصية ديبلوماسية إقليمية أن الإدارة الأمريكية الحالية مُترددة في اتخاذ أي قرار من شأنه التأثير علی الإنتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، وهي تعلم أن الشأن الخارجي قد لا يؤثر بشكل مباشر علی سير هذه الإنتخابات لكن اللوبي اليهودي (الإيباك) الذي ينشط في الأروقة الداخلية يستطيع التأثير إذا قرّر التحرك في هذا الإتجاه أو ذاك، وبالتالي لا ترغب الإدارة الحالية في استفزاز مشاعر هذ اللوبي حتى لا ينخرط في المعركة ضد الديموقراطيين الذين يواجهون ظروفاً انتخابية لا يُحسدون عليها.
وتزيد هذه الشخصية أن واشنطن هي الطرف الوحيد الذي يستطيع أن يحسم الحرب في غزة خصوصاً أن بلينكن حرص علی لقاء رئيس الكيان إسحاق هرتسوغ قبل أن يلتقي نتنياهو؛ غير أن واشنطن ما زالت تغطي حرب إسرائيل لأنها مقتنعة أن انتصار حماس هو انتصار لإيران وحلفائها وسيكون بمثابة كارثة للأمن القومي الإسرائيلي، وهو ما يؤمن به رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) وليام بيرنز.
وفي ظل هذه الأجواء تأمل المنطقة أن يخرج بلينكن بمقاربة تختلف عن سابقاتها من أجل ليس دعم مصلحة الشعب الفلسطيني وإنما من أجل تعزيز المصالح الأمريكية في المنطقة وإعادة المصداقية الأمريكية التي تسير علی رجل واحدة كالبطة العرجاء.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
المصدر: المسلة
كلمات دلالية: فی المنطقة
إقرأ أيضاً:
تقرير: واشنطن اللاعب الأكثر تأثيراً في مستقبل سوريا
أظهرت الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط وأماكن أخرى، أن الصراعات الشديدة غالباً ما تطلق العنان لسلسلة مذهلة من النتائج غير المقصودة، وفق الأستاذ الفخري للعلاقات الدولية في جامعة ليهاي الأمريكية هنري باركي.
لم يتبق من التحالف الذي تقوده إيران سوى الميليشيات الشيعية العراقية والحوثيين
وقال باركي إن التطورات السورية الحالية ترجع جزئياً إلى هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 والذي اجتاح المنطقة.
وأضاف في تقرير لمجلة "ناشونال إنترست"، أن إيران ووكيلها في لبنان حزب الله قررا دعم حماس من خلال قصف شمال إسرائيل لمدة عام تقريباً، مما استدعى في النهاية رد فعل إسرائيلي مدمر، أدى لإضعاف كل من إيران وحزب الله بشدة، وجعلهما غير قادرين على دعم نظام الرئيس السابق بشار الأسد .
الحذر مطلوبوأوضح الكاتب أن افتقار النظام السوري للدعم الخارجي من روسيا وإيران وحزب الله، لا يقدم تفسيراً كافياً لانهيار النظام.
وتشير التقارير الواردة من سوريا إلى أن المتمردين بقيادة هيئة تحرير الشام فوجئوا بالسرعة التي تلاشى بها النظام وجيشه.
ولم يكن أحد، سواء من حلفاء الأسد أو أعدائه، يتوقع مدى التآكل الذي أصاب مؤسسات الدولة والجيش السوري نتيجة الفساد المتعمد والقمع وسوء الإدارة.
وتشير هذه الحقيقة إلى أن المجتمع الدولي وجيران سوريا بحاجة إلى توخي الحذر الشديد في تعاملهم مع تداعيات الإطاحة بالنظام، وفي كيفية تقديم الدعم للشعب السوري.
Washington Is the Most Consequential Player in Syria’s Next Act https://t.co/I5PLlKBqOu via @TheNatlInterest
— Nino Brodin (@Orgetorix) December 18, 2024وبحسب الكاتب، لا يُعرف سوى القليل عن تكوين وطبيعة هيئة تحرير الشام، وهي منظمة متمردة ذات جذور في تنظيم القاعدة وجبهة النصرة، وقد أحدثت هاتان الحركتان المتطرفتان الكثير من الفوضى والعنف والبؤس.
ورغم أن هيئة تحرير الشام ليست الجماعة المسلحة الوحيدة في سوريا، إلا أن الظروف الاقتصادية المزرية يمكن أن تؤدي بسهولة إلى زيادة العنف. وقد يكون زعيمها، أبو محمد الجولاني، قد اتخذ خطوات مؤثرة فور سقوط الأسد، إلا أن التحديات الخارجية والداخلية التي تنتظره ومنظمته قد تكون عصية على الحل.
في سياق آخر، أصدر رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتانياهو، تعليمات للجيش الإسرائيلي بعبور الحدود مع سوريا إلى المنطقة المنزوعة السلاح التي تفصل بين البلدين. كما أمر بتدمير مستودعات الأسلحة الكيميائية ومرافق الإنتاج، لمنع وقوعها في أيدي الجماعات المسلحة.
ولم تقتصر العمليات الإسرائيلية العسكرية على ذلك، بل شملت تدمير البحرية السورية ومعظم قوتها الجوية. أعقب هذه الضربات قرار من مجلس الوزراء بمضاعفة عدد المستوطنين في مرتفعات الجولان".
This sharp piece by @hbarkey in @TheNatlInterest looks at regional dynamics post-Assad and America's future role in Syria https://t.co/xHmnnut667
— Adam Lammon (@AdamLammon) December 18, 2024وبدلاً من مد يد العون للشعب السوري الذي حقق إنجازاً غير عادي، استكمل نتانياهو المتبجح هذه الإجراءات بلغة لا هوادة فيها وعدوانية من شأنها أن تثير غضب القادة السوريين المقبلين، كما تعمق أيضاً الشكوك تجاه إسرائيل في المنطقة.
أردوغان قد يعقد المفاوضاتبدوره، يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تحقيق أهدافه الخاصة في سوريا حيث يوجه الجيش الوطني السوري، وهو مجموعة عسكرية يسيطر عليها، إلى مهاجمة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المكونة من الأكراد السوريين في شمال البلاد.
وتصف تركيا أن قسد المدعومة أمريكياً "بالمنظمة الإرهابية، إذ تمثل لأنقرة تهديداً مفاهيمياً واستراتيجياً.
ويقال إن واشنطن تفاوضت على وقف إطلاق النار بين قسد والأتراك. من المرجح أن يواصل أردوغان ملاحقة أهدافه مما يعقد المفاوضات بين دمشق وقسد.
وفي هذه المرحلة، إن الحكومة السورية الجديدة عاجزة عن معارضة إسرائيل أو تركيا. لكن الإسرائيليين والأتراك يخاطران بالمبالغة في تقدير قدراتهم وتكرار نفس الأخطاء التي ارتكبها حزب الله وإيران بعد السابع من أكتوبر. وقد تؤدي قيادة سيئة من جانبهم إلى نتائج غير متوقعة.
وتشير التحليلات إلى أن واشنطن ستظل مركز القوة الوحيد القادر على كبح جماح القوى الطاردة المركزية وإرهابيي داعش. وهذا يبرز الأسباب الخارجية التي تجعل الولايات المتحدة، على الرغم من رغبات الرئيس المقبل دونالد ترامب، منخرطة في سوريا والشرق الأوسط الأوسع.
من جهة أخرى، تواجه الحكومة السورية الجديدة مهمة ضخمة في سعيها لإحياء دولتها واقتصادها المنهكين.
ولكن المفارقة تكمن في أن الولايات المتحدة تقف في طريق هذا السعي. فقد صنفت الولايات المتحدة، بالإضافة إلى دول أخرى، هيئة تحرير الشام كياناً إرهابياً. كما أن العقوبات المفروضة على سوريا تعقّد التعاملات مع الشركات الدولية والدول الأخرى.
ورغم ذلك، تحتاج سوريا إلى التعاون مع حكامها الجدد، خاصة أن إعادة الإعمار ستتطلب دعماً دولياً كبيراً.
ومع عودة اللاجئين، ستزداد الضغوط على التمويل والحكم، مما يستدعي تدخل مؤسسات دولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، التي ستعتمد على توجيهات واشنطن في هذا الصدد.
ما تخاطر به واشنطنالإطاحة بالأسد، إلى جانب هزيمة إيران وحزب الله وتراجع النفوذ الروسي، تمثل فرصة نادرة لتغيير معادلة القوى في المنطقة. فلم يتبقَ من التحالف الذي تقوده إيران سوى الميليشيات الشيعية العراقية والحوثيين، بينما بدأت بوادر الرفض لإيران تظهر في العراق.
ويختم الكاتب "في ظل إعادة تشكيل توازن القوى الإقليمي، لا يوجد مبرر يدفع واشنطن للتراجع عن هذه الظروف المواتية، بل على العكس، يتوقع الجميع تقريباً، من الأقليات السورية مثل الأكراد والعلويين والمسيحيين إلى الدول الأخرى، سواء أكانت أعداء أم حلفاء، أن تظل أمريكا منخرطة في الصراع. وقد تكون المنطقة أخيراً مستعدة لدفعة حقيقية نحو السلام الشامل".