زينب المهدي: الجلوس مع الدعم السريع ومع الجيش كأطراف للحرب واجب لا مناص منه
تاريخ النشر: 14th, January 2024 GMT
في ناس بردوا على الناس البستنكروا فكرة ضم المؤتمر الوطني في الحوار السياسي ومعاملته كشريك في ادارة الفترة الانتقالية اسوة بالقوى السياسية الاخرى، وبقولوا انتو قبلتو تجلسوا مع الدعم السريع فلماذا لا تقبلوا المؤتمر الوطني؟
(٢)
الحقيقة ان الجلوس مع الدعم السريع ومع الجيش كأطراف للحرب واجب لا مناص منه لخفض السلاح ووقف الحرب، والزامهما برؤية متكاملة تضع الامور في نصابها وعليهما كقوى حاملة للسلاح المصادقة عليها كاملة والتوافق على أدوار الأطراف كلها ، والجلوس مع الدعم السريع الذي حصل بينهم وبين تقدم، والمرجو ان يحصل بينهم وبين الجيش لا يعني اعتبارهم كشريك سياسي ولا يعني ايضاً التغاضي عن المحاسبة على جرائم الحرب، وهو يشبه عقود تنظيم الحقوق والاختصاصات التي تمهر بقصد منع التخريب تحت اي ذريعة في الوضع المعقد المطلوب ادارته في انتقال ما بعد الحرب.
(٣)
وقف هذه الحرب اللعينة واجب فوري والحديث المتكرر عن القتل والانتهاكات والجرائم التي تحدث تحت ظرف الحرب لن يوقفها. ينهمك اهل الدعاية الحربية في قضاء وقتهم كله في قياسها بالمسطرة في مقالات الكيانات والأفراد من اجل التصنيف ومن ثم الدعاية والاغتيال السياسي كجزء من دعاية الحرب، وبعضهم يرفع رجليه هناك في بلاد تموت من البرد حيتانها ويشعل نيران الحمشنة لحمل السلاح تحت مسمى المقاومة الشعبية تحت دعاوي القوة والشجاعة وحماية الاعراض .. الخ، وازدهرت الفاظ مثل ‘حرائر’ و’تنضيف’ وما شابهها من لغة -ساقطة هي ذاتها ثقافياً واخلاقياً- وفي هذه الاثناء تستمر الانتهاكات والقتل، ويزداد الجوع والكلت وسوء الاحوال على المدنيين في مناطق الحرب، نفس هؤلاء المدنيين يُطلب منهم ان يحملوا السلاح بلا تدريب، وينظر اليهم دعاة الحرب كأرقام؛ كمشاة للجيش للانتصار على ‘الجنجا القتلة المغتصبين’ ، وها هي حملات توزيع السلاح الغبية تتكاثر وسط همهمات ان الذين اخذوا السلاح كثير منهم باعوه او استعملوه في عمليات اجرامية، وطبعاً كل هذا ليس جديداً واي مطلع/ ة على اي تجربة حرب اهلية يعرف انه جو تتكاثر فيه العصابات والاجرام وتقل فيه المروءة الى حد كبير ، لكن هؤلاء القوم بارعون في الدعايات التي تخفي الشرور والآثام تحت مسميات وقيم فيا للبؤس.
(٤)
عودة الى بداية الكلام، هناك اصوات في القوى السياسية، جلها من الذين كانوا في اعتصام الموز ثم ورشة القاهرة ثم ملتقى اسمرا ، ينادون بأن لا يتم اي استثناء للحوار السوداني، ومعنى ذلك ان يكون المؤتمر الوطني مشمولاً. الحقيقة انه اذا تركنا الحديث حول دور المؤتمر الوطني كمحرض اساسي للحرب واعتبرناه امر فيه غلاط رغم التنبر العلني في المنابر والثقافة التنظيمية المعلومة التي تدير دعاية الحرب والرموز التنظيمية والقيادات.. الخ، واصلاً هؤلاء نكّارين ومعروفين بالتمويهات التي تمرر بالصوت العالي، فهل يجدي حقاً قبول كيان أحد اهم مهام فترة الانتقال تفكيك تمكينه في الحياة العامة من اجل تعزيز المساواة والحرية والسلام والكرامة والعدالة؟!
طيب، اذا كان ذلك كذلك، لماذا لم يكتب اي قلم من هؤلاء الذين هللوا وكبّروا لدعاة شمولهم، في صالح هذه الثقافة التوافقية ولا رحبوا ولا قالوا كلمة خير؟! اذن لم يكن تهليلهم سوى مكاء وتصدية، يصفقون لشق الصفوف فهو مهمتهم الأساسية كقوى مكارة مجبولة على الشقاق والنفاق مبنية على الاستعلاء الفرعوني كأنما البلاد ملك لهم وحدهم مسجل في الشهر العقاري، والبقية دخلاء. لا ويمنحون الصكوك بدون ان يرمش طرفهم ويرمون الآخرين بدائهم وينسلوا، لكنها سلة الشوكة من العجين الني.
(٥)
أيا كانت الانتصارات العسكرية، نصرة مافي، سيظل الجميع مهزومين ما لم ينتصر السلام. الذي يقف ضد انتصار السلام هو موقف لا للتفاوض الذي يقوده بعض دعاة الحرب الذين يروجون لشعار ‘جيش واحد شعب واحد’ وهي دعاية يقف ضدها موقف ق ح ت وموقف تنسيقية القوى المدنية ‘تقدم’ لذلك يصب كثيرين جل انتقادهم لا على الدعم السريع، بل على ‘تقدم’، واصبحت مضاداة ومطاردة منسوبي هذه القوى السياسية واحتجازهم وطردهم من الولايات بل واغتيالهم تحدث علنا .. واصلاً منذ انطلاق الحرب اللعينة كانت تهمة العمالة والخيانة الوطنية جاهزة، تتعدد وتتنوع اشكالها بدءاً من احزاب السفارات مروراً بالتخابر مع دول الاقليم، ولن تنتهي هذه السلسلة المعلومة، ودعاتها معروفين، وعلى كل حتى لو كان ذلك كذلك فهل تقتضي المسئولية الوطنية هذا النهج ‘الطهراني’ أم تقتضي الجلوس مع تنسيقية تقدم هذه ‘ليكشفوا’ ويروا عن قرب هذا التآمر و ‘الخيانة’ لمطالب الشعب ويمنعوها صوناً للوطن المفدى؟ أم ان ‘ذواتهم’ العلية أبدى من الوطن! ولماذا لا يسألوا انفسهم كيف ينهمك قوم كانوا طول عمرهم في خط مقاومة الشمولية ولم تفلح اغراءات الانقاذ في كسر همتهم ولا ضمهم الى جوقتها الخاسرة، في صفقات خيانة وعمالة ، ويقف الذين لم نراهم سوى طبّالين للطغيان أكالين للسحت في موقف الشرف والدفاع عن الوطن والنزاهة وهم واقفين معاهم في ‘نفس ذات الصف’؟
بسم الله الرحمن الرحيم!
(٦)
الحرب لازم تقيف وتعود الحياة المدنية، وهذا لن يكون إلا بتوازن القوى وقوة الشعب الذي يروم السلام والحياة الحرة الكريمة مالكاً لقوته وإرادته . أما الأصوات التي تتعالى إما للدعوة الى نصر عسكري لأحد أطراف الحرب ، أو لشق الصفوف وخلق الفتن والخلافات، فسنتصدى لها بقوة المنطق وعون الله والايمان بانتصار الحق طال الزمان ام قصر ، ولن نحيد.
وغدا ًنعود
حتماً نعود
للقرية الغناء للكوخ الموشح بالورود
زينب المهدي
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: مع الدعم السریع المؤتمر الوطنی
إقرأ أيضاً:
الحَرْبُ مُنْعَطَفٌ تِكْتِيكِيٌّ أَمْ مُطَبٌّ دْيالِكْتِيكِيٌّ (2)
المُبْتَدَأُ: -
(فِي مُسْتَنْقَعِ الأَكاذِيبِ لا تَسْبَحُ سِوَى الأَسْماكِ المَيِّتَةِ) مِثْلَ رُوسِي
وَالخَبَرُ: -
(11)
استمر تصاعد غبار الدعاية المضللة لطرفي الحرب؛ بدلا من طرح الأسباب والمصالح الموضوعية التي أدت إلى اندلاعها، أمام الشعب السوداني المصطلي بنارها ليحكم ويقرر. تبنى الطرفان دعاوى كذوبة وخطابات مخادعة؛ قائمة على التحشيد العاطفي؛ يُدْفَع الشارع السوداني من خلالها بعيدا عن الأسباب الحقيقية؛ التي أدت إلى انفجار الصراع؛ وذلك بتغبيش وعيه وشغله بأحجية (من الذي بدأ الحرب وأطلق الرصاصة الأولى؟!).
(12)
تورطت أطراف الصراع في فبركات كاذبة، من أجل التأثير في الرأي العام بأفضل الطرق الممكنة؛ فحين غاب في هذه اللحظة المفصلية عن وسائل الإعلام كافة؛ الخطاب التوعوي للقوى الثورية؛ المطلوب بشدة في مثل هذا المنعطف الزلق؛ لكشف طبيعة وتفسير حقيقة (حرب الإخوة الأعداء)؛ وفضح مرامي وأهداف القوى التي سعت لإشعالها وتصر على استمرارها. لقد ساعد غياب خطاب القوى الثورية غير المبرر طرفي الحرب على تغبيش وتزييف وعي الشارع بالدعاوي المخاتلة؛ وقاد هذا الغياب معظم الجماهير للوقوع في شباك الخداع والتضليل الذي مارسه إعلام الحرب.
(13)
بغياب الخطاب التوعوي؛ غابت حقيقة الحرب التي تم توظيفها من قبل قوى الثورة المضادة؛ لخلق حالة من الفوضى والانفلات الأمني؛ المقصود منه إشاعة الرعب بين المواطنين في العاصمة والمدن الكبرى؛ وذلك لضرب مراكز الثورة وتفريغها من قاطنيها. ونلاحظ هنا أن طرفي الحرب قد أدارا المعارك داخل المدن ووسط الأحياء المكتظة بالبشر، دون مراعاة لأي جوانب إنسانية؛ مع التركيز بصفة خاصة على المدن والأحياء مراكز الانطلاق السابقة للأنشطة الثورية.
(14)
ساد الارتباك والتشويش جميع القوى السياسية؛ ليرخي بظلاله على منسوبي الحزب الشيوعي السوداني؛ ويصيب وحدة الفكر والإرادة لدى العضوية بزلزال عظيم؛ أفرز العديد من الأطروحات المتناقضة في مقاربة وتوصيف هذه الحرب اللعينة؛ فمجموعة من العضوية رأت أن قوات الدعم السريع هي المذنبة وهي المسؤولة عن اندلاع الحرب؛ وقد وافق هذا الرأي ما رأته الحركة الإسلامية وفلول النظام القديم العدو التقليدي للحزب الشيوعي!!.
(15)
هذا التوافق في مقاربة مسألة الحرب؛ بين هذه المجموعة من عضوية الحزب ورؤية فلول النظام البائد؛ استفز مجموعة أخرى من العضوية فتأخذت موقفا معاكسا؛ والمؤكد أن هذا الموقف المضاد لموقف المجموعة الأولى؛ لم يكن دعما خالصا لمليشيا الدعم السريع؛ بقدر ما هو نكاية في الغريم التاريخي "الحركة الإسلامية"؛ خاصة والحزب الشيوعي بكامل منسوبيه؛ هو أول من طالب بحل مليشيا الدعم السريع؛ باعتبارها مولود غير شرعي من رحم الحركة الإسلامية؛ تم تكوينها بهدف قمع القوى الثورية؛ وما الهتاف الشهير للثوار (العسكر للثكنات و"الجنجاويد" ينحل) إلا تأكيد على هذا المطلب.
(16)
لم تتلكأ الحركة الإسلامية في استغلال الفرصة التي ظلت تبحث عنها طوال ما بعد سقوط سلطتها فجر انتصار ثورة 19 ديسمبر 2018م المجيدة؛ وسرعان ما اصطفت خلف الجيش؛ ودفعت بكتائب ظلها المسلحة لميادين القتال؛ وكتائب ذبابها الإلكتروني المدربة على الكذب وتزييف الحقائق؛ إلى المنصات الرقمية للترويج لأهمية استمرار حرب (الكرامة) لتطهير الوطن من "الجنجاويد"!!.
(17)
مثل اندلاع الحرب بالنسبة للحركة الإسلامية سانحة تاريخية؛ استغلها منسوبوها بانتهازية وقحة؛ بعد أن عمل أقطابها بجهد لا يقل وقاحة؛ طوال الأشهر التي سبقت اندلاعها لجعلها ممكنة؛ لعلها تعيدهم وحزبهم (المنحل)؛ للحياة السياسية من جديد؛ وتمحو عن جباههم عار وذل وسم (محلول).
(18)
الحراك المحموم إِعْلامِيٌّ وَعَسْكَرِيٌّ؛ الذي انخرطت فيه الحركة الإسلامية مع بداية الحرب مباشرة؛ قابله جمود ملحوظ وغير محمود في نشاط الحزب الشيوعي على كافة الصعد؛ حيث ظل الحزب الشيوعي مثله مثل بقية الأحزاب السياسية السودانية الأخرى؛ يغوص في صمت عجيب؛ لم يفتح الله عليه بمقاربة يعتد بها لقضية الحرب تشرح للجماهير جوهر الصراع الذي قاد لوقوع كارثة الحرب. لقد اكتفى حزب الطبقة بإصدار بيانات؛ ونداءات ومناشدات سياسية؛ لا تشبع ولا تغني من جوع؛ تدين وتشجب وتدعو لإيقاف الحرب؛ دون أن توضح كيف وعلى أي أساس ووفق أي آلية!!.
(19)
حصر الحزب الشيوعي تعامله مع قضية الحرب وتعقيداتها؛ في الإطار السياسي وفي أدنى مستوياته (بيان – مناشدة-نداء)؛ شأنه شأن أي حزب إصلاحي!!. هذا التوجه في بداية الحرب -من وجهة نظري -؛ شكل خطأ استراتيجيا ما كان يجب الوقوع فيه. قاد لإرباك جماهيره وعضويته؛ فظهرت الآراء المتضاربة والرواء المتناقضة والمقاربات البعيدة عن النهج المادي الجدلي بين جماهيره وعضويته بل تعدتهما لتصيب بعض الكادر!!.
(20)
ولا أدري كيف غاب عن ذهن قيادة الحزب أن الحرب كظاهرة اجتماعية واقتصادية؛ هي أعقد من أن يَحْصُرُ التعامل معها في الأفق السياسي فقط؟!؛ خاصة وأن متطلبات إيقافها؛ تقتضي جهدا فكريا؛ وفلسفيا يفسر طبيعتها ويشرح للجماهير جوهر أسبابها؛ ويملك المواطن المغلوب على أمره أدوات فهم ودحض دعاوى داعميها والمصرين على استمرار نزيفها.
يَتْبَعُ
tai2008idris@gmail.com