???? الحرب الصامتة: قادة الراى يا قادة السلطة
تاريخ النشر: 14th, January 2024 GMT
(1)
الإعلام جزء من (إحداثيات) الميدان أيام الحرب ، هذه قضية متفق عليه ، مفهوم نظري أثبتته الشواهد الواقعية ، و لا يمكن تجاهله ، وللأسف لا يجد الإهتمام الكافي ، ولست هنا بصدد نقد أداء الاعلامى الرسمى ، فقدت تجاوزت المبادرات الشعبية والفردية المؤسسات ، ولكن بصدد الحديث عن (السلوك الإعلامى ) ،
وأخص هنا قيادة الدولة (مجلس السيادة ومجلس الوزراء) فمنذ بداية الحرب لم نسمع كلمة من رئيس الوزراء ، ولم نسمع به يجتمع بقيادات مجتمعية أو مدنية أو إعلامية بخصوص الحرب وهى معركته بلا شك ، والسيد رئيس الوزراء المكلف لديه معرفة بخفايا التعاطى الإعلامي.
والقضية الأساسية هنا هى تدفق المعلومات والبيانات والشراكة فى صناعة الأحداث ، وهذا ما نود التفصيل فيه..
(2)
أن التعاطى مع الإعلام على أنه:
– مجرد متلقى خطأ كبير
– وانه مجرد منصة عرض تقدير قاصر ..
– وآنه مجرد مجموعة من الاعلاميين ، يمكن مدهم بالقصاصات ، تفكير سقيم..
الأمر أكبر من ذلك واوسع ، فالاعلام يمكن أن يكون شريكا فى صناعة الحدث ، وتقديم المقترحات والبدائل ووضع التصورات ، وهو ليس مجرد قيادات اعلامية ، بل هو شريحة كبيرة ممن نسميهم (قادة الرأى) ، نعم اولهم قادة المؤسسات والمنابر الإعلامية ، ولكن كبار قادة الدبلوماسية السودانية وادوارهم بالشرح والتفاصيل ، قادة القوى السياسية والمجتمعية ، علماء الأمة ورموزها الدينية ، وهكذا ولذلك لابد من تمليكهم المعلومات والمعرفة قدر الحاجة..
لم يعد الناس بحاجة للدافعية ، فقد لحقت الحرب الجميع ، ولكنهم بحاجة للمعلومات والبيانات عن التوجهات والمواقف ، وهذا بالتأكيد يحقق هدف كبير وهو وحدة الموقف السياسي..
(3)
ماذا يضير الفريق اول البرهان أو الكباشي أو العطا ، لو تحدث مع مجموعة من القيادات الإعلامية ، او استمع اليهم ، أو رتب لقاء من مجموعة من الدبلوماسيين من الخارجية عن الخيارات المطروحة والتوقعات ، أو استمع إلى عدد من قيادات المجتمع الدينية ، بالإضافة لقادة القوى السياسية والمجتمعية ، كل ذلك سيحقق تفارق في الفهم وتبادل الاراء وتفسير للمواقف ، و يمكن أن تكون 95% من هذه اللقاءات ليست للنشر ، ولكنها كافية لتقديم تفسيرات وشروحات وفتح افق اوسع لقيادة الدولة..
وأهم نقطة فى لقاءات هذه المجموعات هو رمزيتها وقوتها المعرفية ولذلك فإن الإستماع لهم يفتح آفاق للتفكير ولتحسين الأداء إن لم يقدم مقترحات جديدة..
أظن الأمر فى وضوحه أبلغ من التفسيرات وأكبر من مجرد وسيط أو مدير مكتب ناقل لمعلومات باردة أو تفسيرات خجولة..
حفظ الله البلاد والعباد..
د.ابراهيم الصديق على
13 يناير 2024م
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
السودان ودولة الحرب العميقة
السودان ودولة الحرب العميقة
ناصر السيد النور
إن مفهوم الدولة العميقة الذي بات مصطلحا ومفهوما لا يقل غموضا لتفسير السياسيات والقرارات غير الرسمية للحكومات ويبدو قد توطنت عمليا في الشئون السياسية والحكومية حتى بات شبحا تعزى اليها القرارات السياسية الجريئة وغيرها من توجهات لا تفصح عنها أجهزة الدولة الرسمية في صناعة القرار. ولكن هذا المفهوم ساد وأصبح مرجعا ومستودعا تستعيد به الجماعات المتحكمة في الدولة سلطاتها وتحافظ عليها وسلاحا سريا تستخدمه في حال تهديد النظام القائم الذي يضمن استمرار التحكم بالتوجهات السياسية والمصالح لتلك المجموعات في النظم الديكتاتورية التي يعج بلاد المحيط العربي في العالم الثالث ونظمه الموروثة منها والعسكرية الجمهورية. وقد اجهضت أذرع الدولة العميقة مشروع ثورات الربيع العربي بمناوئتها المتجذرة للديمقراطية والحرية في البنية السلطوية السياسية والعسكرية للنظم العربية. ويعمم مفهوم الدولة العميقة حتى في الديمقراطيات الغربية الراسخة، كدولة تحمى قيما ونظما ايدولوجية قارة في مجتمعات النخبة!
تحولت الحرب في السودان من حرب يقودها طرفان صراعا على السلطة ومن ورائهما تحالفات متعددة تتفاوت في القوة والعدة والعتاد إلى حرب لمحاولة استعادة سلطة ونفوذ بما يكشف في الوقت ذاته عن واجهة خلفية تدخل إدارة وتوجيها للحرب. فمنذ ارهاصاتها التي سبقت تفجر الحرب في الخامس عشر من ابريل/نسيان 2023 ظل المشهد السياسي السوداني في مرحلة الفترة الانتقالية التي أعقبت ثورة ديسمبر/تموز 2019 في حالة سيولة تمكنت فيها أذرع النظام السابق حينها على تأكيد حضورها القوي في المشهد السياسي بعد ثلاثين عاما من الحكم المستمر. ولأن طبيعة النظام السابق (الإنقاذ) بخلفيتها الإسلامية قد تمكن عبر سياسة التمكين التي اتبعها في تأمين اركان نظامه من تكوين هياكل وواجهات في موازاة الدولة القائمة بما يشمل حزبا سياسيا (المؤتمر الوطني) وجماعات مسلحة (كتائب الظل) وكيانات عشائرية أخرى كقواعد قد يضطر للجوء اليها وقد كان. فمنذ أن أطاح الفريق البرهان قائد الجيش في انقلابه على الحكومة الانتقالية بمساندة قوات الدعم السريع في أكتوبر/تشرين الأول 2021 وهو ما مهد الطريق للعودة المفتوحة إلى السلطة ومؤسساتها للحزب السابق الحاكم. وبرزت عناصر النظام السابق من فجوة الدولة العميقة مستعيدة لسلطة يدعمها العسكريون والعناصر المدنية الموالية. وتحولت هذه العناصر بالتالي من قوة مختبئة تخشى الملاحقة إلى سلطة بكامل اطقمها وقياداتها إلى الواجهة السياسية تقوم بأدوار غامضة ولا تترد في الكشف عن خطابها ورؤيتها للحرب والتحشييد لها تحت مظلة الشعارات السابقة.
وكانت الحرب الجارية أكبر اختبار أمام الدولة العميقة وأدواتها حيث لم يعد من الممكن التخفي وراء السلطة القائمة فكل ما حملته الحرب من توجهات وشعارات تكشفت عن الواجهة الحقيقة للدولة العميقة ومدى تأثيرها في مجريات الأمور. والحرب لم تقتصر على ميدان المواجهات بين الطرفين الجيش والدعم السريع بل في المحاولة المستميتة لإقصاء المدنيين الواجهة التي تمثل الاتجاه الديمقراطي والحكومة الفترة الانتقالية أكثر ما استهدفته عناصر الدولة السابقة بعمقها التنفيذي وتحكمها بالقرار العسكري بالإضافة الى كتائبها الشعبية المقاتلة. فقد اعادت الحركة الإسلامية صراعها القديم محمولا على انتقام من الكيانات السياسية المدنية التي تسببت في انهيار سلطتها متدرعة بقوة تنظيمية عسكرية تدعم وجودها في السلطة والامساك بمفاصل الدولة مثلما بدأت. إلا أن هذه التوجهات التي تستند إلى شرعية بحكم التمدد الزمني في السلطة وبالطريقة التي ادارت بها سلطتها وما رافق ذلك من انتهاكات جسيمة وحروب على طول البلاد وعرضها وانهيارات على كافة الأصعدة. وإذا كان الهدف المبدئي للدولة العميقة هو استعادة السلطة والتمسك بمقاليد الحكم فلأنها تستند إلى بنية الدولة الصلبة لا على شعاراتها أو برامجها السياسية فإن التحكم بالأجهزة الأمنية المختلفة أولوية لدى عناصرها. فالعناصر المتحكمة بتسيير دفة الحرب من داخل الدولة العميقة لا تعمل من خلال مواقع أو مناصب لها صفة رسمية في أجهزة الدولة، ولكنها تعمل من خلال قنوات تنظيمية. فقد كشفت العقوبات التي فرضتها كل من الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوربي على شخصيات سودانية من خارج المنظومة الرسمية أثناء هذه الحرب لدورهم كما إشارات بيانات العقوبات في الحرب واعاقة مجهودات السلام وأكدت بالتالي على دورهم النافذ في الحرب. ومن بين هذه الشخصيات ما لها موقع بارز في حكومة البشير السابقة مثل شخصية صلاح عبد الله قوش أحد مهندسي القوة الأمنية ومن يزعم بدورهم في قيادة الحرب. فأن تفرض عقوبات من خارج الحدود على شخصيات سودانية معروفة بتوجهاتها السياسية والايدولوجية يزيد من ادانة دورها الخفي وتأثيرها المباشر على أخطر القضايا الوطنية كالحرب الجارية والمسئولية الأخلاقية والسياسية.
أن تكون ثمة دولة عميقة في السودان بتعقيدات تكويناته العرقية والجهوية والسلطوية فهذا يعني أن تنطوي على تناقضات تاريخية واجتماعية شكلت جزء من أسباب صراع الحرب الدائرة في سياق المنازعات القائمة بين الجماعات المناطقية بين مركز وهامش في اختلال ميزان ما يعرف بتوزيع الثروة والسلطة بين ولايات السودان وسكانه. فإذا كان عمق الدولة وجماعات الظل ونفوذها يتأسس على هذه التناقضات في بنية الدولة السودانية وتركيبتها الاجتماعية فإن عناصرها تعمل على الحفاظ على هذه المعادلة المختلة بدلا عن تفكيكها الذي سيؤدي إلى فقدان تلك الامتيازات. وهذه الامتيازات تمثلها كيانات ليست بالضرورة سياسية بل كيانات عشائرية وقبلية تتقاطع تاريخيا مع السلطة السياسية وهو ما برز بشكل لافت في المجموعات القبلية المسلحة بعيدا عن جيش الدولة. ومن المفارقة أن قوات الدعم السريع كانت إحدى الأدوات التي كونتها الدولة العميقة في السودان وقننت وجودها كمظهر قانوني ودستوري لتعمل على تثبت اركان النظام كقوة ضاربة لا يتعدى دورها الحراسة والدفاع عن النظام. من قبل أن تتصاعد دورا ومهام وطموحا وقوة.
ومثل الموقف من الحرب صراعا محتدما بين أطراف الدولة العميقة المتحكمة وحكومة الواجهة المعترف بها على الأقل بشرعية وجودها، فقد لوحظ أن إدارة الحرب وبياناتها والموقف من المفاوضات والعلاقات الدولية وطريقة تنفيذها بما يعكس من تناقضات في الخطاب الرسمي للدولة أي وجود أكثر من جهة تملك حق التفويض المطلق في صنع القرار السياسي والعسكري على تنوع مجالاته. فالدولة العميقة هي تعدد في مراكز القرار ومراكز قوى داخل أجهزة السلطة بأقسامها الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية وباختصاصات تتجاوز القنوات التقليدية في إدارة الدولة. ولأن الحرب خلقت في السودان بتركيبته الاجتماعيِّة المتداخلة حيث المجتمعات المحلية اقوى من سلطة الدولة فقد أعادته الحرب إلى مرحلة للادولة في ظل إدارة الدولة العميقة. فالهياكل المترهلة التي خلفها النظام السابق أوجدت كيانات ذات نظم إدارية ضعيفة الكفاءة وعانت الآن من فوضى الحرب كنتيجة منطقية لخلل أزمة الدولة وسيادة البربرية أو الطبيعة بمفهوم الفيلسوف السياسي توماس هوبز التي أعادت بغياب القانون والدولة شريعة الغاب إلى شوارع المدن وزعزعت أمنها ومزقت نسيجها الاجتماعي.
واستطاعت الدولة العميقة بسياساتها البراغماتية من الاستفادة من مثليتها في دور الجوار السوداني مما شكل دعما لوجستيا وتدخلا مباشرا في الحرب لصالحها تنازلا ومغامرة بأمنها القومي وسيادتها الوطنية. وحرب السودان التي أصبحت حرب محاور تورط فيها الطرفان في صراعهما على سلطة يعصب التنبؤ بعودتها على ما كانت عليه ما قبل الحرب. وإن المعاناة التي خلفتها الحرب لسكان السودان تجعل من وجود الدولة العميقة بعناصرها مهددا دائما للسلام طالما أن الهدف يستدعي عودة السلطة مهما كلف ذلك على حساب المواطنين وامنهم.
الوسومالدولة العميقة حرب السودان