تونس- "كأنك يا أبا زيد ما غزيت" مقولة تبدو أكثر تعبيرا عن أوضاع أهالي مدن مثلث الثورة التونسية، بعد مرور 13 عاما، إذ يبدو شهر يناير/كانون الثاني أكثر بردا وبؤسا على قلوبهم الدامية وجيوبهم المثقوبة. وكانت شرارة الثورة قد انطلقت من محافظة سيدي بوزيد، وساندتها محافظتا القصرين وقفصة، قبل أن تتوسع إلى باقي المدن.

 

 وما زالت شعارات الثورة نفسها تُرفع، في هذه المحافظات الثلاث، حتى أن مطلب الخبز الذي رفعته في شعارها المركزي "خبز وماء وبن علي لا" بات مفقودا في مخابزها. ويصطف الرجال والنساء مع الأطفال الصغار، يتدافعون حول سلة من الخبز، في مشاهد باتت مألوفة.

وشهدت البلاد وضعا ماليا واقتصاديا خانقا، منذ إعلان الرئيس قيس سعيد تدابيره الاستثنائية في 25 يوليو/تموز 2021، حيث تدهورت القدرة الشرائية للتونسيين جراء التضخم، وعرفت المواد الأساسية كالحبوب والسكر والزيت النباتي نقصا حادا في الأسواق.

تونسيون يحيون الذكرى التاسعة لأحداث الثورة التي أطاحت بالرئيس المخلوع بن علي (الجزيرة) تهميش مستمر

في سيدي بوزيد (وسط) والتي تعتبر مهدا للثورة التي أطاحت بنظام الرئيس زين العابدين بن علي، تبدو عربة البوعزيزي ولافتة عملاقة له وحدهما شاهدين على أن ثورة اشتعلت هنا، فهذه المدينة الفقيرة لم تتغير ملامحها، وحتى وعود التشغيل والمشاريع المرصودة لم تتجاوز حدود الخطابات.

ويشكّك أغلب أهالي سيدي بوزيد الذين سألناهم بفعالية البرامج التنموية، وجدية السلطات في تنفيذها، خاصة تلك المشاريع التي أقرتها مجالس وزارية سابقة، كسوق الإنتاج الكبرى وكلية الطب ومستشفى جامعي وطريق سيار، فضلاً عن محاربة الفقر والبطالة عبر التمييز الإيجابي بين الجهات.

يقول محمد جابلي للجزيرة نت إن "مدينة سيدي بوزيد لم تجنِ من الثورة، طيلة الحكومات التي تعاقبت على الحكم وصولاً إلى المسار الانقلابي للرئيس قيس سعيد، سوى مشاريع ظلت حبرا على ورق"، في حين تزايدت معدلات الفقر والبطالة، وتفاقمت الأزمة الاقتصادية بالبلد.

وتعتبر أمل هاني أنه "رغم دماء الشباب وجرحى الثورة الزكية، لم تستوعب الحكومات الدرس، ولم يحرك قطار الثورة عجلاته لتحقيق الشعارات التي حلم بها شباب المحافظات الفقيرة في تحقيق العدالة الاجتماعية"، مؤكدة أن التقسيم العادل للثروات بات حلما صعب المنال.

وبحسب إحصائيات المعهد الوطني للإحصاء الحكومي من الربع الثالث لسنة 2023، فقد بلغ معدل التضخم 8.3%، فيما بلغت نسبة البطالة 15.8%.

شهداء محافظة القصرين الذين ثاروا ضد النظام التونسي السابق (الجزيرة) خيبة أمل

لا يختلف حال المحافظات الثلاث عن بعضها، إذ لا شيء فيها قد تَغَيَّرَ، فما زالت معاناة أهاليها صعبة، كثنايا سفوح جبالها الوعرة، لتظل الأسئلة عالقة حول مدى تواصل سياسة التهميش في هذه المناطق، التي لم تحصد سوى الرصاص على أجساد مئات الشهداء وجرحى الثورة من أبنائها.

لا المستشفيات التي وعد بها المسؤولون ولا الكليات ولا حتى الطرقات قد أنجزت، والحجة أن "الدولة على حافة الإفلاس والأوضاع السياسية والاقتصادية لا تسمح"، وهو ما عمّق المخاوف من أن تتبخر المشاريع والموازنات المرصودة لها، في محافظات مثلث الفقر.

يرى أهالي محافظة القصرين، الواقعة في الوسط الغربي، في حديثهم للجزيرة نت، أن منطقتهم "دفعت الضريبة دما، إبان ثورة انطلقت من سيدي بوزيد"، لكن بعد مضي سنوات طويلة خيبت الحكومات آمالهم ولم تحقق مطالبهم، خصوصا الحق في العمل والكرامة والقضاء على الفساد.

هذه المحافظة يصفها عبد السلام حمداني، في حديثه للجزيرة نت، بأنها إحدى جنات البلد الضائعة، لأنها موطن الثروة والثوار، وهي كذلك موطن الجوع والحرمان والفقر، موضحا أنها تملك ما يناهز ثلثي آثار البلد، لكن لا تكاد تجد فيها سائحا واحدا.

بنظرات متثاقلة تحمل خيبة سنين انتظار، يشير نبيل سماعلي بأصبعه إلى "حي الزهور" و"حي النور"، حيث دارت المواجهات مع القوات النظامية خلال أحداث الثورة، مبينا أن "الحكومات تعتبر أن أهالي المحافظات الداخلية هم مجرد أرقام، يزورها السياسيون فقط خلال حملاتهم الانتخابية".

المشاريع المرصودة في المحافظات الداخلية معلقة بسبب حالة الإفلاس (الجزيرة) أوضاع مزرية

وغير بعيد عن المحافظتين الجارتين سيدي بوزيد والقصرين، لا يبدو أهالي محافظة قفصة في الجنوب أفضل حالاً، فالمدينة التي تملك في باطنها ثروة من الطاقة والفوسفات، تعج مقاهيها بآلاف الشباب العاطل عن العمل، في مؤشرعن حجم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المزرية التي تشهدها المدينة.

بدورها، تبدو أوضاع عمال المناجم، وسط الغبار المتناثر الذي يخترق الأنوف ويترصد الأعين ليحول بياضها إلى أحمر بارز، أكثر صعوبة وإرهاقا، إذ يعرّض هواء المنطقة الملوث حياتهم للخطر، فهذه المناجم التي تمثل مصدر قوتهم ومحور حياتهم الاقتصادية والاجتماعية باتت لعنة تترصدهم.

يراقب الهادي الزعراوي وجوه المارة الشاحبة التي غابت عنها البسمة، مشيرا إلى أنّ مدينة مناجم العرق والدم والصمود عانت ويلات ثروة الفوسفات، وهي لا تزال خارج اهتمام الدولة، رغم ما قدمته من تضحيات منذ أحداث الحوض المنجمي بقفصة سنة 2005.

ويستحضر الزعراوي في حديثه للجزيرة نت، أسماء عشرات الذين اعتقلوا في السجون بسبب مواقفهم المعارضة للنظام، مضيفا أنه باستثناء المشاكل البيئية التي أدت إلى الكثير من الأمراض، لم ترث قفصة سوى مزيد من الخذلان والحرمان.

يُذكر أن حجم إنتاج الفوسفات عام 2010 قرابة 8.5 ملايين طن، وكانت عائدات الصادرات منه تدر أرباحا طائلة على الدولة، وتغذي مخزونها من العملة الصعبة.

البلاد شهدت وضعا ماليا واقتصاديا خانقا منذ إعلان الرئيس قيس سعيد تدابيره الاستثنائية في يوليو/تموز 2021 (الجزيرة) الحرية المغدورة

ومثلما ظلت كل الشعارات، وخاصة تلك المتعلقة بالتنمية معلقة، لم تشهد هذه المحافظات تغييرا يُذكر طيلة السنوات الـ13 الماضية، بل إنّ "حرية التعبير"، التي أشاد بها التونسيون خلال السنوات التي أعقبت الثورة، هي الأخرى فُقدت، في ظل تواصل مسلسل الاعتقالات والمحاكمات.

واعتقل رموز الثورة في هذه المحافظات الفقيرة، من بينهم الأسعد البوعزيزي أصيل محافظة سيدي بوزيد، الذي عُرف بمواقفه الثائرة والمعارضة للسلطة، فضلا عن عديد القيادات البارزة من حركة النهضة ورجال الأعمال والصحفيين، من خلال تُهَم كيدية بالتآمر على أمن الدولة في مجملها دون دلائل.

ويعتبر المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي، في حديث للجزيرة نت، أن هذه الاعتقالات "تضييق مقصود من الرئيس الحالي، لتشديد الحصار على الأحزاب وتشتيتها وإضعاف الخط المعارض"، مؤكدا أن حرية التعبير تراجعت في تونس بشكل كبير، منذ أن تم تغيير مسار الثورة.

وكان الرئيس سعيد قد اتخذ تدابير استثنائية بتاريخ 25 يوليو/تموز 2021، أقال خلالها الحكومة السابقة وحلّ البرلمان وألغى الدستور السابق وحلّ المجلس الأعلى للقضاء، وصاغ دستورا جديدا ركّز به نظاما سياسيا رئاسيا، ونظم انتخابات تشريعية أفرزت برلمانا جديدا، وبرّر تلك التدابير بوجود "خطر داهم على الدولة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: سیدی بوزید للجزیرة نت

إقرأ أيضاً:

مشروع Taara من جوجل.. ثورة في الإنترنت عبر أشعة الضوء

تخيل مستقبلًا تُنقل فيه إشارات الإنترنت بسرعات فائقة عبر أشعة الضوء بدلًا من الكابلات التقليدية. 

تسعى شركة جوجل لتحقيق هذا الحلم من خلال مشروعها السري "Taara"، الذي يجري تطويره داخل مختبر الأبحاث والتطوير "X" التابع لها.

وفقًا لـ ماهش كريشناسوامي المدير العام للمشروع، فقد خضعت شريحة Taara للاختبار على مدار 7 سنوات، ونجحت في تقديم خدمة إنترنت بسرعات مماثلة للألياف الضوئية، مما يفتح الباب أمام توصيل الإنترنت إلى المناطق النائية التي يصعب أو يكلف إيصال الكابلات إليها.

تقنية متطورة.. إنترنت بسرعة الضوء

في إعلانها الأخير، كشفت جوجل عن الجيل الجديد من شريحة Taara، والذي يتميز بتقليل التعقيد والتكلفة مقارنة بالإصدار الأول، المعروف بـ Taara Lightbridge.

اعتمد  الجيل الأول على مرايا وأجهزة استشعار وحركات ميكانيكية لتوجيه الضوء، بينما يستخدم الجيل الجديد برمجيات ذكية لتتبع وتصحيح مسار الشعاع الضوئي دون الحاجة إلى أجزاء ميكانيكية ضخمة.

وبفضل هذا التطور، انخفض حجم المكون الأساسي من حجم إشارة المرور إلى حجم ظفر الإصبع، وهو ما يمثل قفزة تكنولوجية قد تجعل الإنترنت الضوئي حقيقة ملموسة يستخدمها الملايين حول العالم.

وداعا لرسائل SMS.. جوجل تبتكر نظاما أكثر أمانا لمستخدمي Gmailأندرويد 16.. جوجل تُطلق الإصدار التجريبي Beta 2.1 مع إصلاحات مهمةGemini من جوجل.. الذكاء الاصطناعي الجديد الذي سيغير قواعد اللعبةجوجل تكشف عن أداة جديدة لحذف بياناتك من محرك البحثPixel 9a.. هاتف جوجل الجديد بتصميم أرخص ومواصفات قويةكيف تعمل شريحة Taara؟

يعمل النظام على مبدأ بسيط ولكنه دقيق للغاية؛ فعند تلاقي شعاعين من الضوء، تتشكل بينهما رابطة اتصال آمنة لنقل البيانات. يحتوي كل شريحة من الجيل الجديد على مئات من مصادر الضوء، بينما تتولى البرمجيات توجيه الشعاع وضمان وصوله إلى الوجهة الصحيحة.

سرعات فائقة في دقائق بدلًا من شهور

على عكس كابلات الألياف الضوئية التي تتطلب مدًّا تحت الأرض لنقل البيانات، تعتمد Taara على حزمة ضوء غير مرئية يمكنها إرسال البيانات بسرعة تصل إلى 20 جيجابايت في الثانية ولمسافة تصل إلى 12.43 ميل (حوالي 20 كيلومترًا).

 الأهم من ذلك أن إعداد النظام لا يتطلب سوى بضع ساعات فقط، مقارنةً بالأيام أو الأشهر التي تستغرقها عمليات تركيب الألياف الضوئية التقليدية.

تطبيقات مستقبلية بلا حدود

ترى جوجل أن "Taara" يمكن أن تكون حلاً اقتصاديًا لتوسيع خدمات الإنترنت إلى المناطق المحرومة، كما يمكن استخدامها في تكنولوجيا المركبات الذاتية القيادة لنقل البيانات بسرعة أعلى من أي وقت مضى. يقول كريشناسوامي: “الإمكانيات لا حدود لها، تمامًا كضوء نفسه”.

موعد الإطلاق.. وما بعده

من المتوقع أن يتم طرح شريحة Taara رسميًا في عام 2026، وتدعو جوجل الباحثين والمبتكرين لاستكشاف تطبيقات جديدة لهذه التقنية عبر التواصل مع فريق المشروع عبر البريد الإلكتروني: [email protected].

مقالات مشابهة

  • محمد الأشمر.. من هو الثائر السوري الذي تحدى الفرنسيين؟
  • الرئيس اللبناني: أتطلع إلى المحادثات التي سأجريها مع الأمير محمد بن سلمان
  • زيلينسكي يحرّم على نفسه البدلة.. ما الذي تعنيه اختيارات الرئيس الأوكراني لملابسه؟
  • مشروع Taara من جوجل.. ثورة في الإنترنت عبر أشعة الضوء
  • تصدع بين أحزاب التحالف الحكومي في البيضاء عقب انتخاب نائب لرئيس مقاطعة سيدي عثمان
  • الرئيس اليمني في خطاب للشعب بمناسبة شهر رمضان : الأمة التي تجتمع على الخير لا تهزم أبدا
  • أمين العاصمة ومحافظو المحافظات يهنئون قائد الثورة والرئيس المشاط بشهر رمضان
  • سلطنة عمان تشارك في اجتماعات مجلس الايسيسكو بتونس
  • .. وتشارك في اجتماعات مجلس الايسيسكو بتونس
  • لحظة طرد زيلينسكي.. من هو الرئيس الأوكراني الذي أثار استياء ترامب؟