القدس المحتلة- ما زال المجتمع الإسرائيلي متقوقعا عند صدمة أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، مع مرور 100 يوم من الحرب على غزة، يتضح أن عجلة الحياة للإسرائيليين وتاريخ إسرائيل ما زالت متوقفة عند "طوفان الأقصى" التي تعتبر محطة فارقة في مستقبل العلاقات الداخلية بين الإسرائيليين وتشكل نقطة تحول بالصراع مع الفلسطينيين.

وفي وقت تتقارب التقديرات للمحللين بأن الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، لم تحقق أيا من أهدافها على غزة، أجمعت القراءات والدراسات لمراكز الأبحاث أن استمرار الحرب يعيد إلى الواجهة الخلافات والصراعات الداخلية، ويعمّق الشرخ داخل المجتمع الإسرائيلي.

ويعكس الشرخ المجتمعي حقيقة زيف الوحدة المصطنعة بين الإسرائيليين التي تجلت عند بدء الحرب والتي سعى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لتأطيرها من خلال الترويج أن "إسرائيل تخوض حربا وجودية"، داعيا إلى الترفع عن الخلافات الداخلية والوحدة التي ما لبث أن تصدعت بعد الفشل في تحرير جميع المحتجزين الإسرائيليين وعدم تحقيق أهداف الحرب.

الخلافات الإسرائيلية

يقول الناشط في حراك "اليوم التالي"، نتان راز إن "إسرائيل متوقفة عند أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول، والمجتمع الإسرائيلي ما زال يعيش هول الصدمة، وإن المعركة وجودية مثلما روجت حكومة نتنياهو، ولذا تأتي الحرب، وتستمر رغم الخسائر غير المسبوقة التي تكبدتها إسرائيل بكافة المستويات السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية".

ولكن مع ذلك، أشار الناشط الإسرائيلي للجزيرة نت إلى أن اليوم التالي للحرب الذي ما زال بعيدا على ما يبدو يجب أن يبحث في مستقبل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وتسوية الصراع من خلال حلول سياسية، لكنه أيضا يقول إنه "يجب البحث في مجمل العلاقات بين الإسرائيليين أنفسهم، وأيضا العلاقات مع المواطنين العرب في إسرائيل الذين يتم التعامل معهم بموجب أنظمة الطوارئ".

وإلى جانب السجال الإسرائيلي بشأن التباين تجاه أهداف الحرب وإمكانية تحقيقها والانقسام بشأن صفقة تبادل الأسرى وملف المحتجزين، نبه راز إلى أن الخلافات الإسرائيلية الداخلية طفت على السطح مجددا مع إطالة أمد الحرب، حيث عادت قضايا الحوكمة والتشريعات الدينية والتوراتية والتعديلات على الجهاز القضائي وتقويض صلاحيات المحكمة العليا ومحاكمة نتنياهو بملفات الفساد.

انقسام في إسرائيل بشأن صفقة تبادل الأسرى وملف المحتجزين (الأوروبية) سطوة اليمين

وفي قراءة بشأن مراحل الحرب على غزة وكيف وظّفها نتنياهو لمصالحه الشخصية السياسية واستغلالها من قبل أحزاب اليمين المتطرف للحفاظ على الائتلاف الحكومي على حساب تعميق الشرخ بالمجتمع الإسرائيلي، يقول الدكتور إساف ديفيد، وهو رئيس قسم إسرائيل في الشرق الأوسط في معهد "فان لير" بالقدس إن "حكومة نتنياهو ذهبت إلى حرب. لا خيار أمام حماس".

واستعرض الدكتور ديفيد وهو أحد مؤسسي منتدى التفكير الإقليمي، في تقدير موقف تلقت الجزيرة نت نسخة منه، كيف وظفت حكومة نتنياهو الحرب بمختلف مراحلها القتالية تحت مسميات مختلفة من أجل متانة الائتلاف وخدمة مشروع اليمين المتطرف.

ولفت إلى أن حكومة نتنياهو التي خرجت إلى الحرب على مضض، رأت بمراحل القتال وسيلة لخدمة أهدافها ومشاريعها سواء داخل المجتمع الإسرائيلي أو حتى مع الفلسطينيين.

ومن وجهة نظر الباحث الإسرائيلي، فإن حكومة نتنياهو تخوض الحرب على ظهر المحتجزين الإسرائيليين والفلسطينيين المدنيين في قطاع غزة، وكل ذلك لمنع تفكيك الحكومة.

وأشار إلى أن نتنياهو، وفي ظل عدم تحقيق أيّ من أهداف الحرب، يسعى بالمرحلة الثالثة من القتال للحفاظ على متانة معسكر اليمين للبقاء بالسلطة في حال أجريت انتخابات مبكرة، حتى ولو كان ذلك على حساب تعميق الشرخ بالمجتمع الإسرائيلي.

بداية تصدع

بخصوص التطورات والتغييرات التي قد تطرأ على المشهد السياسي، يعتقد ديفيد أن حكومة الطوارئ التي تشكلت أصلا من أجل دعم الجيش الإسرائيلي في الحرب على غزة، قد لا تصمد طويلا بسبب ائتلاف اليمين المتطرف.

ونبه ديفيد إلى وجود بداية تصدع حتى في الإجماع الإسرائيلي على الحرب، مستذكرا الأصوات التي تتعالى وتصاعد الاحتجاجات في وجه ائتلاف أحزاب اليمين الذي يصر على إرسال الجنود والضباط للقتال بغية أهداف بعيدة المنال حددتها لهم حكومة منقسمة ومتضاربة وغير متجانسة، والتي أوصلت المجتمع الإسرائيلي إلى كارثة غير مسبوقة.

اليمين المتطرف الذي يهيمن على المشهد السياسي والحزبي بإسرائيل، يقول ديفيد "لا يفهم إلا القوة، ولا يعرف كيف يتحدث مع خصومه وأعدائه سواء اليهود أو الفلسطينيون إلا بالقوة، وحوّل إسرائيل تدريجيا إلى دولة مجنونة، دون أدنى تفكير باليوم التالي للحرب، وكل أمله بقاء 200 ألف فلسطيني في غزة عوضا عن 2.2 مليون".

إساف ديفيد: نتنياهو يسعى للحفاظ على معسكر اليمين لضمان بقائه في السلطة (الجزيرة) بقاء حماس

مع استمرار الحرب على غزة والنتائج المرحلية والوقائع على الأرض، يقول الكاتب الإسرائيلي مناحيم كلاين إن "الحكومة الإسرائيلية تضع بيديها حماس في قيادة الشعب الفلسطيني"، مستذكرا ما حصل بعد أن خسرت إسرائيل حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، حيث رفضت أن تكون الضفة الغربية تحت حكم الأردن ما ساعد بتعزيز نفوذ منظمة التحرير الفلسطينية "فتح" لتكون الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني.

والآن، وعلى طريقة حربها في غزة وتعاملها مع القضية الفلسطينية، يشير كلالين بمناسبة مرور 100 يوم على الحرب على غزة في موقع "سيحه مكوميت" إلى أن "إسرائيل قد تفعل الشيء نفسه مع حركة حماس لتنصبها على رأس الحركة الوطنية الفلسطينية".

لقد أصاب الهجوم الذي نفذته حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول إسرائيل بطريقة لم تفعلها أي منظمة فلسطينية من قبل، ولهذا السبب، يقول كلاين إن "أي جهة تأتي للسيطرة على قطاع غزة أو إعادة تأهيله، ستكون مطالبة على الأقل بالحصول على موافقة حماس، وربما أيضا مشاركتها بشكل ما في الحكومة".

صعوبة الحسم

وعلى الصعيد الأمني الإسرائيلي، وصف البحث بالأمن القومي والاستخبارات والصراع العربي الإسرائيلي، المحاضر في جامعة حيفا البروفيسور أوري بار-سوف، "طوفان الأقصى بالزلزال" ويجزم أنه أهم حدث في تاريخ إسرائيل منذ حرب الأيام الستة مايو/أيار 1967.

يقول بار-سوف في تقدير موقف نشره في صحيفة "هآرتس" إن "طوفان الأقصى والحرب نقطة تحول في العديد من المجالات، وأحد أهمها هو مفهوم الأمن القومي، وقد تجلى فشل المفهوم الحالي بشكل واضح في نتائج هجوم حماس".

مع استمرار الحرب على غزة، يقول الباحث بالأمن القومي "نعود هنا إلى النقطة الرئيسية، لقد أفلس المفهوم الأمني الإسرائيلي والتفوق العسكري الذي استمر لمدة 75 عاما".

ويرى أن ما ينقص إسرائيل هو العنصر السياسي، الذي سيكون دوره، يقول كلاين "الحد من دوافع أعدائنا لخوض الحرب ضدنا، وتخفيف العبء معادلة الردع والإنذار والحسم. ودون ذلك، فإن الردع سوف يفشل، ولن يصمد التحذير أمام الاختبار، وسوف يجد الجيش صعوبة بالحسم".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: المجتمع الإسرائیلی أکتوبر تشرین الأول الیمین المتطرف حکومة نتنیاهو الحرب على غزة إلى أن

إقرأ أيضاً:

صراع داخلي وتورط نتنياهو في تهم فساد واستغلال السلطة.. ما القصة؟

تواجه الحكومة الإسرائيلية أزمة سياسية جديدة قد تكون أكبر من المتوقع، حيث أعلن رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، رونين بار، عن نيته تقديم إفادة إلى المحكمة العليا الأحد المقبل، بعد الطعن في قرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إقالته من منصبه. القرار الذي يُنظر إليه على أنه يحمل أبعادًا قانونية وأمنية مثيرة للجدل، قد يفضح تورط نتنياهو في ملف حساس.

أعلن رئيس (الشاباك)، رونين بار، عن نيته تقديم إفادة إلى المحكمة العليا في طرق مختوممذكور في "هآرتس"

حسب صحيفة "هآرتس"، سيتناول بار في إفادته الانتقادات الحادة التي وُجهت له من قبل مسؤولين في الحكومة، وعلى رأسهم نتنياهو، والذي برر قراره بفقدان الثقة ببار، إضافة إلى ادعاءات بوجود تضارب في المصالح على خلفية ما يُعرف بـ "قضية تسريبات الشاباك".

ووفقًا لما نُشر، فإن جزءا من إفادة بار سيُقدَّم في ظرف مختوم يتضمن معلومات أمنية حساسة لا يمكن الكشف عنها علنا.

إقالة بار: دافع سياسي أم أمني؟

تتمحور الأزمة حول قرار نتنياهو إقالة رئيس الشاباك، الذي اعتبره مسؤولون في الحكومة والجيش "خيانة سياسية". وفقًا لما نشرته صحيفة "هآرتس"، فإن نتنياهو برر القرار بفقدان الثقة في بار، مضافًا إليه ادعاءات تتعلق بتضارب المصالح، على خلفية ما يُعرف بـ "قضية تسريبات الشاباك". وأوضح بار في إفادته أن جزءًا من المعلومات التي سيكشف عنها، تتعلق بتسريبات قد تضر بالأمن الإسرائيلي، ويصعب الكشف عنها علنًا.

رفض المحكمة العليا لطلب نتنياهورفض المحكمة العليا لطلب نتنياهو

في خطوة تصعيدية، رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية طلب نتنياهو رفع تجميد إقالة بار، معتبرة أن الطلب الذي استند إلى تقارير إعلامية غير موثوقة لم يكن كافيًا، كما دحضت مزاعم الحكومة بأن "صلاحيات الأمن قد انتُزعت". وأثارت هذه الخطوة تساؤلات حول مدى تدخل السياسة في القرارات الأمنية الحساسة، مشيرة إلى صراع قد يؤثر على مصير الحكومة القادمة.

اتهامات خطيرة ضد نتنياهو

من ناحية أخرى، وجهت الاتهامات إلى نتنياهو بشأن وجود دوافع سياسية وراء الإقالة، حيث أشارت تقارير قانونية إلى أن قرار الإقالة تم دون احترام الإجراءات القانونية السليمة، ودون إجراء جلسة استماع رسمية. كما أشار المحامون إلى أن إقالة بار تمت في مخالفة صريحة لموقف المستشارة القانونية للحكومة، وهي خطوة قد تفتح المجال لمراجعات قانونية موسعة.

الفضيحة والاتهامات: تسريبات الشاباك والفساد السياسي

دافع نتنياهو عن قراره بالإقالة استنادًا إلى تحقيق جارٍ داخل جهاز الشاباك، حيث يتم التحقيق مع أحد العناصر بتهمة تسريب معلومات حساسة لوسائل الإعلام والجهات السياسية. لكن هناك من يشكك في هذا التحقيق ويعتبره أداة سياسية لتصفية حسابات شخصية، حيث تشير بعض التقارير إلى أن خلفية هذه القضية قد تتضمن رغبة نتنياهو في إضعاف منافسيه السياسيين.

مخاوف على الديمقراطية في تل أبيب: تسييس السلطة القضائية

وفي خضم هذه الأزمة، تتزايد المخاوف بشأن تسييس السلطة القضائية، وهو ما يراه العديد من المراقبين خطوة تهدد استقرار الديمقراطية الإسرائيلية. وفي هذا السياق، قال المحامي جلعاد برنيا: "رئيس الحكومة يحاول تفكيك الديمقراطية".

يُذكر أن هذه القضية تأتي في وقت حساس، مع استمرار الجدل حول مشروعات قوانين تهدف إلى تغيير هيكل السلطة القضائية في إسرائيل، وهو ما قد يؤثر عَلى المسار السياسي في حال استمرار هذه الانقسامات.


تبدو القضية محورية في سياق الأزمة السياسية الحالية في إسرائيل، حيث قد تفضح الكثير من الملفات السرية، وتفتح المجال لتحولات قانونية قد تؤثر على مستقبل الحكومة الإسرائيلية. في ظل تصاعد الاتهامات والتحقيقات، يظل تورط رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في هذه الفضيحة السياسية موضع تساؤل وتحليل واسع.

 

مقالات مشابهة

  • مقترح جديد لوقف الحرب في غزة.. إسرائيل تقمع مظاهرات مناهضة لـ«نتنياهو»
  • مرضى الفشل الكلوي في غزة يكافحون للبقاء وسط ركام الحرب ونقص الرعاية
  • "الجارديان": تصاعد الهجمات ضد اللاجئين في برلين وسط تنامي جرائم اليمين المتطرف
  • نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين: الانقسام داخل حكومة نتنياهو يهدد استقرار إسرائيل
  • سنغير وجه الشرق الأوسط.. نتنياهو يستبعد اندلاع حرب أهلية في إسرائيل
  • محسن: استقرار الشرق الأوسط مرهون بالتصدي للخطاب الإسرائيلي المتطرف
  • البعض يتحدث عن وقف الحرب في السودان وكأنه يريد أن يقول (..)
  • صراع داخلي وتورط نتنياهو في تهم فساد واستغلال السلطة.. ما القصة؟
  • يائير جولان: نتنياهو أصبح عائقًا أمام أمن إسرائيل واستقرارها
  • أستاذ علاقات دولية: زيارة نتنياهو لشمال غزة إرضاء لليمين المتطرف