نيوزويك: انتخابات تايوان قد تغير العالم
تاريخ النشر: 13th, January 2024 GMT
قال الكاتب جون فينغ، في تقرير نشرته مجلة "نيوزويك" الأميركية، إن نتائج انتخابات تايوان قد تؤثر على العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة والصين وتملي الاتجاهات الجيوسياسية في عام 2024، وقد وصفتها بكين بأنها خيار بين الحرب والسلام.
وأعلن السبت عن فوز لاي تشينغ تي -الذي تصفه الصين بأنه "خطر جسيم" بسبب مواقفه المؤيدة لاستقلال تايوان- في الانتخابات الرئاسية التي جرت في الجزيرة، حسب النتائج الرسمية شبه النهائية للاقتراع.
وذكر الكاتب أن واشنطن لا تتخذ أي موقف بشأن السيادة على تايوان، ولا تدعم استقلالها، رغم تدخلها في مضيق تايوان 3 مرات على الأقل منذ الحرب الباردة، وهي تحتفظ بعلاقات غير رسمية مع حليفتها السابقة منذ اعترافها بشرعية بكين في أواخر السبعينيات، عندما انتهجت سياسة "الصين الواحدة".
وفي العقود التي تلت ذلك، قامت الأطراف الثلاثة بتغيير ما يسمى بالوضع الراهن، الذي لم يرضِ الجميع حقًّا، مع أنه يحظى بدعم واسع النطاق بين التايوانيين.
صعوبة التسوية
واليوم، مع عودة التنافس بين القوى العظمى، أصبح من الصعب التوصل إلى تسوية بين تايبيه وواشنطن وبكين، والإجماع الوحيد المتبقي ولو نظريا هو ضرورة حل الخلافات عبر المضيق بالوسائل السلمية.
وبحسب جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس جو بايدن، فإن "التوترات الداخلية" في سياسة الصين الواحدة لم يكن يُراد إصلاحها مطلقا، مشيرا إلى أنه رغم افتقارها للوضوح، فإن الصيغة القديمة "نجحت فعليا في تحقيق الهدف العملي المتمثل في عقود من السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان".
وأوضح الكاتب جون فينغ أن صناع القرار في بكين أذعنوا للشراكة الاقتصادية والأمنية القوية الهادئة بين الولايات المتحدة وتايوان بموجب قانون العلاقات مع تايوان الصادر عام 1979، ولكنهم لم يقبلوه علنا أبدا إذ وصفه المسؤولون الصينيون بأنه "غير قانوني وغير صالح".
وربما كانت سياسة العصا والجزرة التي تمارسها الصين قد كبحت رغبة تايوان في إقامة دولة رسمية في الوقت الحالي، لكنها لم تدفع نحو المزيد من التكامل السياسي، حسب فينغ.
ونقل الكاتب عن سويشينغ تشاو -أستاذ السياسة الصينية في كلية جوزيف كوربل بجامعة دنفر- أن الصين خاضت لعبة صبر إستراتيجي طويلة، لكن هذه اللعبة لا يمكن أن تستمر من جيل إلى آخر.
فأقوى زعيم للصين منذ أجيال، شي جين بينغ، يريد أن يحقق حلمه في تجديد شباب الأمة أثناء فترة ولايته، وحسب تشاو فإن الصين تمتلك الآن المزيد من الأدوات وقوة الضغط على تايوان لتحقيق شروط التوحيد سواء بالوسائل السلمية أو بالقوة.
الغموض الإستراتيجي
وأوضح الكاتب جون فينغ أن جهود القادة في واشنطن لدعم تايوان وإبعادها عن أيدي المنافس الجيوسياسي الأول للولايات المتحدة تجاوزت ما كان يُعتقد سابقا أنه ممكن في ظل سياسة الصين الواحدة وموقف الولايات المتحدة المتمثل في "الغموض الإستراتيجي".
ووفقا لتشاو فإن التفاصيل الدقيقة لقمة بايدن-شي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي كانت شبه مخفية، ولم تحل التوترات الأساسية في العلاقات الثنائية، مما يظهر أن القوتين عالقتان في "أزمة طويلة الأمد".
ونبّه الكاتب إلى أن الصراع المسلح بين الولايات المتحدة والصين سيكلف الاقتصاد العالمي ما لا يقل عن 10 تريليونات دولار، أو 10% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وذلك وفقا لتقدير حديث صادر عن بلومبيرغ إيكونوميكس.
وأوضح جون فينغ أن استطلاعات الرأي تُظهر أن الشعب التايواني لا يهتم بإعلان الاستقلال الرسمي أو الوحدة مع الصين، إلا أن تفضيلاتهم الحزبية والسياسية لا يمكن فصلها عن وجهات نظرهم بشأن جارة تايوان العملاقة.
ووفقًا لكوان تشن لي، الزميل الباحث في معهد أبحاث الدفاع الوطني والأمن في تايبيه، فإن الرأي العام السائد يتوقع بقاء الوضع الراهن ويعارض السياسات المضطربة جدا عبر المضيق.
وأضاف أنه رغم قيام شي جين بينغ والحزب الشيوعي الصيني بتشديد سياستهما تجاه تايوان وتصعيد الجهود لإجبارها على إعادة التوحيد، فإن ما يسمى "الوضع الراهن" يخضع باستمرار لإعادة تعريف، ويتضاءل مجال تفسيره.
ومع تبدد غموض "الوضع الراهن"، فإن سياسات الحكومة التايوانية عبر المضيق يمكن تفسيرها بسهولة من قبل الناخبين في معسكرات مختلفة على أنها إما شديدة الموالاة للصين أو استفزازية للغاية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
تغير المناخ يعصف بأولويات الأمن العالمي.. تحذيرات من تداعيات بيئية تهدد جاهزية الجيوش حول العالم.. وخبراء يدعون إلى استراتيجيات جديدة للتعامل مع تحديات البيئة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
حذر خبراء في مجال الأمن من أن تغيّر المناخ يمثل تهديدًا أمنيًا متزايدًا، مشددين على ضرورة ألا يُترك ليُصبح "نقطة ضعف استراتيجية"، وأن على الجيوش في العالم أن تتكيف مع التهديدات المتزايدة الناتجة عن الكوارث المناخية. وتأتي هذه التحذيرات في ظل تصاعد القلق من تراجع الأولويات المناخية، خاصة مع تركيز أوروبا على تعزيز قدراتها الدفاعية، وتراجع الولايات المتحدة عن التزاماتها تجاه حلفائها والملف البيئي. حسب ما أوردته شبكة فرانس 24.
تأثيرات مباشرة على الجيوش
وأشار الخبراء إلى أن الجيوش أصبحت بالفعل معرضة لتداعيات تغيّر المناخ، بدءًا من التعامل مع الكوارث الجوية وصولًا إلى المنافسة المتصاعدة في القطب الشمالي، الذي يشهد ارتفاعًا غير مسبوق في درجات الحرارة. وأكدوا أن هذه التحديات لا يجب أن تتحول إلى "نقطة عمياء" في الاستراتيجيات العسكرية.
احتباس حراري يهدد الأمن القومي
وقد عبّرت عدة جهات دفاعية عن إدراكها المتزايد لهذه التهديدات، معتبرة أن الاحتباس الحراري يشكل تحديًا كبيرًا للأمن القومي، مما يتطلب من القوات المسلحة تكييف استراتيجياتها وعملياتها.
وقالت إيرين سيكورسكي، مديرة مركز المناخ والأمن في واشنطن: "هذا الأمر لا يمكن تجنبه. المناخ لا يعبأ بمن يكون الرئيس أو ما هي أهدافه السياسية الحالية". وأضافت: "التغيرات قادمة لا محالة، ويجب على الجيوش أن تكون جاهزة".
تجاهل أمريكي لقضية المناخ
وفي الوقت الذي تجاهلت فيه إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ظاهرة الاحتباس الحراري بحذفها من المواقع الرسمية، لم يتطرق آخر تقرير استخباراتي إلى التغير المناخي، ما أثار انتقادات حادة من المتخصصين.
وعلقت سيكورسكي على هذا قائلة إن هذه الفجوات الاستراتيجية تزداد خطورة، خاصة في ضوء التنافس مع الصين في مجال الطاقة المتجددة، والسباق نحو السيطرة على القطب الشمالي مع انحسار الجليد وفتح ممرات الشحن الجديدة والوصول إلى الموارد.
وأضافت: "ما يقلقني، بوصفي عملت طويلًا في مجال الأمن القومي، هو أن هذا الإغفال يشكّل تهديدًا فعليًا للولايات المتحدة".
تهديدات مناخية تُقلق الأمن القومي الأوروبي
وفي أوروبا، أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى تجدد المخاوف المتعلقة بأمن الطاقة، مما دفع العديد من الدول إلى تسريع خطواتها نحو مصادر الطاقة المتجددة. إلا أن خفض ميزانيات المساعدات الإنمائية مؤخرًا أثار تساؤلات بشأن قدرة الدول على الاستمرار في تمويل المبادرات المناخية في ظل التوجه نحو زيادة الإنفاق العسكري والتجاري.
وفي ألمانيا، أقرت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك في وقت سابق من شهر مارس بالوضع الجيوسياسي "بالغ التعقيد"، لكنها شددت على أن العمل المناخي يظل "أولوية عليا في السياسة الأمنية". وأعلنت برلين عن خطط لإنفاق نحو نصف تريليون دولار على التحديث العسكري والبنية التحتية، بالإضافة إلى 100 مليار يورو مخصصة لإجراءات المناخ.
وفي تقييم مشترك صدر في فبراير عن وزارتي الخارجية والدفاع في ألمانيا، ورد أن "أي شخص يفكر في الأمن عليه أن يفكر أيضًا في المناخ، فنحن نعيش بالفعل في أزمة مناخية". وأشار التقييم إلى أن التحديات المناخية بدأت تؤثر على "مجموعة كاملة من المهام العسكرية"، مع تصاعد المخاطر مثل فشل المحاصيل على نطاق واسع، وزيادة احتمالات النزاعات وعدم الاستقرار.
وفي بريطانيا، أوضح تقرير صادر عن وزارة الدفاع البريطانية في سبتمبر أن تأثير النشاط البشري على المناخ لا يزال يُحدث تداعيات واسعة النطاق، ويضغط على المجتمعات والاقتصادات، بل ويهدد بقاء بعض الدول.
استدعاء الجيوش في مواجهة الكوارث المناخية
وتشير بيانات مركز المناخ والأمن إلى أن الجيوش استُدعيت أكثر من 500 مرة منذ عام 2022 للاستجابة لحالات طوارئ مناخية حول العالم، مثل الفيضانات والعواصف وحرائق الغابات، مما يُشكل ضغطًا كبيرًا على قدراتها التشغيلية.
وذكرت سيكورسكي أن هناك محاولات من بعض الدول لـ"تسليح" الكوارث المناخية. فعلى سبيل المثال، تسببت الأمطار الغزيرة الناتجة عن العاصفة "بوريس" في فيضانات هائلة ببولندا العام الماضي، ما أدى إلى تدمير البنية التحتية وإجلاء السكان. ورغم تدخل الجيش، أفادت الحكومة بارتفاع بنسبة 300% في المعلومات المضللة القادمة من روسيا، والتي استهدفت جهود الإغاثة.
وأضافت سيكورسكي أن الصين استخدمت أساليب مشابهة عقب فيضانات قاتلة ضربت فالنسيا في إسبانيا، حيث تدخلت القوات المسلحة للمساعدة.
وفي السياق ذاته، أشارت إلى أن ارتفاع درجات الحرارة الناتج عن الاحترار العالمي يحمل آثارًا مباشرة على العمليات العسكرية، مثل التسبب في مخاطر صحية للجنود أو تقليص القدرة على نقل البضائع بالطائرات نتيجة تغيّر الكثافة الجوية.
غياب الشفافية حول الانبعاثات العسكرية
ولا تُلزم الجيوش حول العالم بالإبلاغ عن انبعاثاتها من الغازات الدفيئة، ما يجعل تقدير تأثيرها الدقيق على التغير المناخي أمرًا صعبًا. ومع ذلك، قدر تقرير للاتحاد الأوروبي في 2024 أن البصمة الكربونية للقوات المسلحة عالميًا قد تصل إلى 5.5% من إجمالي الانبعاثات، في حين أشار التقرير ذاته إلى أن البنتاجون وحده ينتج انبعاثات تفوق تلك الصادرة عن دول بأكملها مثل البرتغال أو الدنمارك.
وأوضح الباحث دونكان ديبليدج من جامعة لوبورو، أن الجيوش كانت مدركة منذ عقود لمخاطر الاعتماد على الوقود الأحفوري، مشيرًا إلى أن تلك المخاوف بدأت منذ أزمة النفط في سبعينيات القرن الماضي. ووفقًا لدراسة تعود لعام 2019، فإن الجندي الأمريكي كان يستهلك خلال الحرب العالمية الثانية نحو جالون وقود يوميًا، فيما ارتفع هذا الرقم إلى 4 جالونات في حرب الخليج، وقفز إلى 16 جالونًا بحلول عام 2006 خلال العمليات الأمريكية في العراق وأفغانستان.
وأكد التقرير الأوروبي أن هذا الاعتماد على الوقود الأحفوري يُمثل "نقاط ضعف كبيرة" أثناء المعارك، حيث تكون قوافل الوقود أهدافًا سهلة للعبوات الناسفة، والتي تسببت في سقوط نحو نصف القتلى الأمريكيين في العراق وقرابة 40% في أفغانستان.
ورغم إمكانية تقليل هذه المخاطر من خلال الطاقة المتجددة، إلا أن التقرير أقر بأنها "لا تزال غير ملائمة تمامًا لظروف القتال".
وختم ديبليدج بالقول إن التحول العالمي السريع في مجال الطاقة لتفادي "كارثة مناخية" سيشكل تحديات كبرى للجيوش، وسيطرح تساؤلات جدية بشأن استمرار استخدامها للوقود الأحفوري. وأضاف: "أيًا كان المسار الذي سنتخذه، لم يعد لدى الجيوش خيار سوى التأقلم مع واقع عالمي يختلف تمامًا عما عهدته حتى اليوم".