ردا على الهجمات الأخيرة التي شنها الحوثيون على سفن في البحر الأحمر قالوا إنها مرتبطة بإسرائيل وأخرى أميركية تدعم تل أبيب في حربها على قطاع غزة، شنت الولايات المتحدة وبريطانيا خلال اليومين الماضيين غارات جوية ضد مواقع للجماعة في اليمن.

وفي هذه الأسئلة والأجوبة، بحثت مجموعة الأزمات الدولية في التداعيات.

ما الذي يحدث في البحر الأحمر؟

لقد امتدت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة إلى البحر الأحمر حيث استخدم الحوثيون الذين يسيطرون على مساحات كبيرة من الساحل الغربي لليمن، الطائرات دون طيار والصواريخ الباليستية وصواريخ كروز والقوارب الصغيرة لاستهداف السفن التي يقولون إنها مرتبطة بإسرائيل.

وخارج ساحل مدينة الحديدة، الخاضعة لسيطرتهم، استهدف الحوثيون الملاحة في البحر الأحمر. كما أعلنت الجماعة عزمها استهداف السفن في بحر العرب وخليج عدن. وسيشمل ذلك السفن التي تسعى إلى تجاوز البحر الأحمر عبر رأس الرجاء الصالح.

ومن بين الهجمات الحوثية المهمة، هجوم وقع في 19 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عندما سيطرت الجماعة على سفينة "غالاكسي ليدر"، وهي سفينة تجارية قال الحوثيون إنها مرتبطة برجل أعمال إسرائيلي، واحتجزوا قبطانها وطاقمها.

وفي 26 ديسمبر/كانون الأول الماضي أدى استخدام الحوثيين قوارب موجهة إلى حدوث انفجار على بعد ميل واحد تقريبًا من سفينة حربية أميركية.

وفي 9 يناير/كانون الثاني الجاري، نفذوا هجومًا معقدًا باستخدام مجموعة من الطائرات دون طيار وصواريخ كروز والصواريخ الباليستية لاستهداف السفن الحربية الأميركية في محيط باب المندب، مؤكدين أن ذلك دليل على دعمهم المستمر لغزة وأيضًا رد على العدوان الإسرائيلي على القطاع.

بدورها، أغرقت الولايات المتحدة 3 زوارق للحوثيين نهاية عام 2023، مما أدى إلى مقتل 10 من مسلحيهم.

الحوثيون هاجموا سفينة غالاكسي ليدر وسيطروا عليها واحتجزوا طاقمها (الأناضول)

وفي منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قبل استهداف السفن، أطلق الحوثيون في عدة مناسبات طائرات دون طيار وصواريخ على ميناء إيلات الإسرائيلي على ساحل البحر الأحمر. وقد أعلنت تل أبيب اعتراض هذه الهجمات أو إفشالها في الوصول إلى أهدافها المقصودة.

وانخفض تواتر هذه الهجمات عندما حوّلت الجماعة تركيزها إلى السفن، واعتبرتها أهدافًا أقرب وأكثر فعالية لتوضيح موقفها.

وردا على الهجمات البحرية، نشرت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا سفنا حربية في البحر الأحمر، قالت تلك الدول إنها نجحت في اعتراض غالبية صواريخ الحوثيين.

إلا أنه بين عشية وضحاها، نفذت الولايات المتحدة وبريطانيا في 11-12 يناير/كانون الثاني الجاري غارات جوية على مواقع عسكرية للحوثيين في اليمن ردا على استهداف الأخيرة للسفن التجارية والاشتباكات مع الدوريات البحرية، مما أسفر عن مقتل 5 مسلحين حوثيين.

ووصفت القيادة المركزية الأميركية هذه الضربات بأنها إجراءات دفاعية، مدعية أن هدفها هو تقليل قدرة الحوثيين على مواصلة الهجمات على السفن الأميركية وغيرها من السفن العسكرية والتجارية.

وأدان الحوثيون هذه الهجمات ووصفوها بأنها اعتداء صارخ وهددوا بالانتقام، مما زاد المخاوف من تصاعد العنف في هذا الممر المائي الحيوي.

ما الذي دفع الحوثيين لشن هذه الهجمات؟

بدأ الحوثيون بمهاجمة السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر ردًا على الحرب الإسرائيلية في غزة.

وقالت الحركة، في بياناتها، إنها ستوقف هذه الهجمات إذا بدأت إسرائيل بالسماح لكمية غير محددة من المساعدات الإنسانية بدخول القطاع، وستوقف الهجمات على إسرائيل نفسها بمجرد أن توقف إسرائيل هجومها على غزة.

ومن خلال القيام بذلك، عمل الحوثيون بالتنسيق مع أعضاء آخرين فيما يسمى بمحور المقاومة -وهي مجموعة تقودها إيران من الجماعات المسلحة غير الحكومية المعارضة لإسرائيل والولايات المتحدة.

وفي خطاب ألقاه في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، صرح زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي بأن أعضاء "المحور" كانوا ينسقون أنشطتهم العسكرية.

الحوثيون استثمروا الهجمات ضد إسرائيل وسفنها لتوسيع شعبيتهم داخل اليمن وخارجها (الجزيرة-أرشيف)

وفي حين لا يوجد دليل على أن الحوثيين تصرفوا بناء على أوامر إيرانية مباشرة، فمن المرجح وجود درجة معينة من التنسيق: فوجود سفينة استخبارات إيرانية في البحر الأحمر قد تشير إلى مساعدة إيرانية في قرارات الحوثيين.

بالإضافة إلى ذلك، ربما كان الدافع وراء الحوثيين هو حقيقة أنهم، من خلال تحالفهم مع القضية الفلسطينية، بدؤوا يكتسبون شعبية غير مسبوقة في اليمن وخارجها وسط موجة أوسع من التضامن مع الفلسطينيين في جميع البلاد العربية والإسلامية.

وهكذا تحولت حملتهم في البحر الأحمر إلى فرصة لإثبات استعدادهم لتجسيد شعارهم التأسيسي لعام 2002 – "الله أكبر، الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام".

وكان من الممكن أن يؤدي التقاعس عن التحرك في مواجهة الهجوم الإسرائيلي على غزة إلى تعريض مصداقية ادعائهم للخطر. وبالمقارنة مع الآخرين داخل محور المقاومة، أظهر الحوثيون شهية أكبر بكثير للمخاطرة واغتنموا هذه الفرصة لإثبات قيمتهم الإستراتيجية.

وفي اليمن أيضا، قام الحوثيون بتلميع أوراق اعتمادهم، نظرا للتعاطف الواسع النطاق بين اليمنيين مع محنة الفلسطينيين في غزة. وفي أعقاب الهجمات الأولى على السفن في البحر الأحمر، تزايدت أعداد الحوثيين من خلال حملات التجنيد التي أظهروا فيها دعمهم للقضية الفلسطينية.

علاوة على ذلك، أتاحت حرب غزة للحوثيين الفرصة لتفادي الضغوط الشعبية المتصاعدة بشأن ممارساتهم في الحكم بالمناطق الخاضعة لسيطرتهم، ومكنتهم من "قمع" المعارضة لحكمهم من خلال اعتقال المعارضين في تلك المناطق بتهمة التواطؤ مع إسرائيل والولايات المتحدة.

كيف ردت القوى الغربية على هذه الهجمات؟

في البداية، أرسلت الولايات المتحدة مدمرات إلى البحر الأحمر لحماية الشحن التجاري. وفي 20 ديسمبر/كانون الأول الماضي، كشفت النقاب عن عملية "حارس الازدهار"، وهي مبادرة أمنية متعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة تشمل المملكة المتحدة والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشيل.

وأشار البنتاغون إلى أن أكثر من 20 دولة وافقت على المشاركة في المبادرة، رغم أن عددا منها امتنع عن تأكيد مشاركتها علنا، أو أنكرت مشاركتها عندما سئلت عن ذلك.

ووسعت هذه الخطوة قوة المهام المشتركة، وهي قوة بحرية متعددة الجنسيات تم تشكيلها في عام 2009 ردا على هجمات القرصنة في خليج عدن وقبالة الساحل الشرقي للصومال.

ونجح أعضاء التحالف -وفق إعلاناتهم- في اعتراض معظم هجمات الحوثيين، ففي 31 ديسمبر/كانون الأول الجاري أغرقوا قوارب صغيرة للحوثيين مما أسفر عن مقتل 10 مسلحين حوثيين بعد أن أطلقت القوارب النار على مروحيات تابعة للبحرية الأميركية، وفي 12 يناير/كانون الثاني الجاري نفذت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة غارات جوية على مواقع عسكرية للحوثيين داخل اليمن.

الولايات المتحدة شكلت تحالفا بحريا جديدا باسم "حارس الازدهار" لمواجهة تهديد الحوثيين للملاحة الدولية (الأناضول)

وحتى قبل التصعيد الأخير، نقلت واشنطن والعديد من الدول الغربية رسائل إلى الحوثيين عبر عُمان للحث على وقف التصعيد.

وفي أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، طلبت الولايات المتحدة أيضًا من السعودية إدراج أمن الشحن في محادثاتها السياسية الجارية مع الحوثيين، لكن الحوثيين رفضوا ذلك، مشيرين إلى أن أنشطتهم العسكرية في البحر الأحمر مرتبطة بغزة، وليس صراعهم مع المملكة.

وفي 29 نوفمبر/تشرين الثاني، فرضت واشنطن عقوبات اقتصادية على أفراد زعمت أنهم جزء من شبكة تسهل الأموال للحوثيين. وفي 10 يناير/كانون الثاني، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرارا يطالب الحوثيين بالوقف الفوري لهجماتهم على السفن في البحر الأحمر، مع تأييده ضمنيا لقوة العمل التي تقودها الولايات المتحدة.

ما تأثير هذه الأحداث على البحر الأحمر؟

لقد جاء التصعيد العسكري في البحر الأحمر بتكلفة اقتصادية في المقام الأول. ويعد البحر الأحمر طريقا ملاحيا رئيسيا يربط بين آسيا وأوروبا. وقد أدى تزايد المخاوف الأمنية إلى ارتفاع تكاليف التأمين على السفن التجارية، واستلزم زيادة عدد أفراد الأمن على متنها.

واختار العديد من شركات الشحن إعادة توجيه سفنها حول الطرف الجنوبي للقارة الأفريقية، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف الشحن الإجمالية بسبب زيادة وقت السفر. وشهدت قناة السويس التي كانت تعج بالحركة في السابق انخفاضا في حركة المرور، مما أدى إلى إلحاق المزيد من الضرر بالوضع الاقتصادي "الهش" بالفعل في مصر، وأوقف ميناء إيلات الإسرائيلي معظم الأنشطة التجارية. وأدى التأخير في عمليات التسليم بدوره إلى حدوث اضطرابات عبر سلاسل التوريد العالمية.

في حين أن العمليات البحرية ليست جديدة على الحوثيين، فإن سلسلة الهجمات الأخيرة تخاطر بترسيخها كتكتيك رئيسي، ويعرب المسؤولون الأميركيون سرا عن قلقهم من أن الحوثيين سيسعون إلى تعطيل العمليات البحرية والشحن العالمي على المدى الطويل.

وقبل حرب غزة، استهدفت الجماعة سفن نقل النفط السعودية، في عام 2018، واستولت على سفينة شحن إماراتية، في يناير/كانون الثاني 2022. ومن جانبها، توجد السفن العسكرية الأميركية والدول الأخرى في البحر الأحمر وخليج عدن وتنفذ عمليات متواصلة ضد المهربين والسفن التي تنقل الأسلحة والذخيرة للحوثيين.

كما يمكن أن تؤدي هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر إلى تقويض الجهود الرامية إلى إنهاء حرب اليمن.

وأحرزت السعودية والحوثيون تقدما في محادثاتهما المستمرة منذ فترة طويلة للتوصل إلى اتفاق بشأن الانسحاب العسكري من اليمن وبدء عملية سياسية يمنية داخلية، لكن المزيد من التصعيد قد يؤدي إلى تأخير أو حتى إحباط المحادثات، خاصة إذا تم تمكين الحوثيين إلى درجة أنهم يشعرون أن بإمكانهم تقديم مطالب جديدة لمحاوريهم السعوديين. ويمكنهم رفض عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة مما يؤدي إلى تجميد المسار السياسي.

وقد يستأنف الحوثيون أيضًا الهجمات على تلك الجماعات التي يعتبرونها موالية أو متعاونة مع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى. وقد يسعى كل من الحوثيين وخصومهم على طول ساحل البحر الأحمر اليمني إلى تعزيز وجودهم العسكري، مما يخاطر باستئناف القتال هناك.

وأخيرا، يمكن أن تؤدي التوترات في البحر الأحمر إلى تفاقم الوضع الإنساني المتدهور بالفعل في اليمن، خاصة بعد قرار برنامج الأغذية العالمي في 5 ديسمبر/كانون الأول الماضي بتعليق المساعدات في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في شمال اليمن. وهذا، إلى جانب ارتفاع تكاليف الشحن، يجعل من الصعب على اليمنيين الوصول إلى المنتجات الغذائية الأساسية.

الحوثيون ربطوا مصير هجماتهم في البحر الأحمر وعلى إسرائيل بمسار العدوان المستمر على قطاع غزة (الفرنسية) ما الذي يمكن أن يدفع الحوثيين إلى وقف هجماتهم؟

قد يكون للرد العسكري على هجمات الحوثيين قيمة رمزية بالنسبة للدول الغربية وقد يحد من قدرات معينة للحوثيين ولكن سيكون له تأثير إجمالي محدود، بل يمكن أن يجعل الأمور أسوأ. وقد تدفع الجماعة إلى تكثيف هجماتها البحرية وتوسيع نطاق السفن التي تستهدفها.

وفي حين أن قدرات الحوثيين محدودة مقارنة بتلك التي يمكن للولايات المتحدة أن تستخدمها، فإن التقدم في تكنولوجيا الأسلحة يسمح للحوثيين بإلحاق أضرار اقتصادية كبيرة، لا سيما من خلال استخدام الأسلحة الموجهة عن بعد.

ومن المرجح أن تدفع الهجمات العسكرية الحالية للحوثيين العديد من اليمنيين إلى دعمهم من منطلق التعاطف مع القضية الفلسطينية، حتى لو كانوا يعارضون الجماعة.

وقد لا يكون الحوثيون قلقين للغاية بشأن تعرضهم للضرب، أو تأجيل المحادثات مع المملكة العربية السعودية أو حتى إلغائها. وبفضل الدعم الشعبي، يشعرون بالقدرة على شق طريقهم بتكلفة محتملة. وهذا لا يعني أن الطريق الوحيد إلى الأمام هو من خلال المزيد من التصعيد.

لقد أوضح الحوثيون أن هجماتهم هي رد على حرب إسرائيل على غزة وليست مبادرة مستقلة، فإذا انتهت تلك الحرب، وبافتراض أن الوضع في البحر الأحمر لم يخرج عن نطاق السيطرة بحلول ذلك الوقت، فقد يعود الحوثيون إلى وضعهم السابق، إذا كانوا جادين في تعهداتهم وحريصين أيضًا على أن يؤخذوا على محمل الجد كطرف رئيسي في السلطة الحاكمة المستقبلية في اليمن.

ولكن دون وضع نهاية للحرب في غزة، وفي مواجهة كارثة إنسانية متزايدة باستمرار في غزة، ستستمر التوترات في التصاعد ليس فقط في البحر الأحمر، بل أيضًا في لبنان وسوريا والعراق، وعلى الحدود الإسرائيلية والأراضي المحتلة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ینایر کانون الثانی دیسمبر کانون الأول الولایات المتحدة فی البحر الأحمر الأول الماضی هذه الهجمات السفن التی على السفن فی الیمن من خلال یمکن أن فی غزة

إقرأ أيضاً:

ما السر وراء تكثيف الولايات المتحدة ضرباتها على جزيرة كمران اليمنية؟

شنت القوات الأمريكية قصفا مكثفا على جزيرة كمران التي تتبع إداريا محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، على مدار أكثر من 10 أيام على الأقل، وهو ما يُثير تساؤلات عدة عن أهمية هذه الجزيرة.

وبالنظر إلى كثافة الغارات الأمريكية على جزيرة كمران، فهل تعد مؤشرا على نوايا الولايات المتحدة السيطرة على هذه الجزيرة ذات الموقع الاستراتيجي على البحر الأحمر؟

الأهمية الإستراتيجية للجزيرة
تعد جزيرة كمران، كبرى الجزر اليمنية في البحر الأحمر وواحدة من ما يزيد عن 40 جزيرة  تنتشر قُبالة سواحل الحديدة.

وتقع جزيرة كمران المأهولة بالسكان قبالة ميناء الصليف بمسافة 6 كلم، وتبلغ مساحتها حوالي 100كم2، إذ تشكل حزام أمنيا على الميناء الذي كان يصدر الملح سابقا. فيما تبرز أهميتها الاستراتيجية من كونها تشرف على خطوط الملاحة الدولية المارة من جهتها الغربية في البحر الأحمر.

كما يقع في الطرف الجنوبي من الجزيرة فنار ذو منار دائرية، تم إقامته لتسهيل رؤية السفن العابرة عبر البحر الأحمر.


وحظيت جزيرة كمران بأهمية عبر التاريخ، حيث يوجد فيها الكثير من المعالم الأثرية التي تعكس هذه الأهمية، ولعل أبرزها "قلعة كمران" التي تعد أحد أقدم المعالم الأثرية في الجزيرة، والتي يعود تاريخها إلى فترة الاحتلال الفارسي في العام 620م، والتي مرت بعدد من مراحل الترميم حيث تم تجديدها في العام 1517م أثناء الحملة البرتغالية.

"رصد حركة الملاحة ومركز متقدم"
وتعليقا على هذا الأمر، يرى الكاتب والمحلل السياسي اليمني، عبدالعزيز المجيدي، أنه من خلال موقع الجزيرة، باعتبارها تمثل حزاما أمنيا وعسكريا لميناء الصليف ولسواحل الحديدة، يبدو أنها "تمثل أهمية كبيرة للحوثيين لرصد حركة الملاحة في البحر الأحمر ".

وقال المجيدي في حديث خاص لـ"عربي21"، "بالتأكيد فإن الجزيرة يستخدمها الحوثيون لأغراض عسكرية وكانت فيها حامية عسكرية حكومية قبل الانقلاب ( انقلاب الجماعة على السلطة الشرعية في صنعاء خريف 2014).

وأضاف أنه "ومع حالة العسكرة التي قامت بها المليشيات لمختلف المناطق اليمنية يبدو أن المليشيا كثفت أنشطتها هناك، رغم أن الجزيرة مصنفة كمحمية طبيعية قبل الانقلاب… وقد تكون مركز عمليات متقدم في إطار استهداف الملاحة البحرية في منطقة البحر الأحمر، لذلك يكثف الأمريكيون الغارات على الجزيرة".

وتابع الكاتب اليمني بأنه "من المهم الإشارة إلى أن الجزيرة مأهولة وهناك أكثر من عشرة آلاف نسمة، لكن المليشيات الحوثية تحيط هذه الجزيرة وحتى الغارات بالتكتم وليس هناك معلومات ترد عن طبيعة بنك الأهداف الأمريكية في الجزيرة ولا الأضرار الناجمة عن الغارات".

وأشار إلى تركيز الولايات المتحدة على الجزيرة بهذه الكثافة من الغارات، يحتمل عديد تصورات منها أن "تكون الولايات المتحدة رصدت أهداف وأنشطة عسكرية مكثفة للحوثي في الجزيرة" وبالتالي تحاول ضرب تلك الأهداف "بصورة مركزة حتى تتخلص من مركز مهم ربما كان لوجستيا مؤثرا في عمليات الحوثيين البحرية ضد الملاحة".

وأورد الكاتب والسياسي اليمني احتمال أخر، قائلا إنه "من المرجح أن يكون في الجزيرة أهداف ثمينة كخبراء إيرانيين مثلا، أو مركز عمليات إيراني يساعد الحوثيين في توفير المعلومات لشن حربهم على الملاحة".

وأردف: "وبالتالي تكثيف الضربات قد يعني فرض ما يشبه الحصار على حركة الدخول والخروج للجزيرة وتقويض أي قدرة عسكرية للحوثيين فيها كمقدمة لعمل عسكري قد يشمل الإنزال".

وشدد السياسي المجيدي، على عدم إغفال البعد التاريخي، إذ يجب الأخذ في الاعتبار المعلومة التاريخية التي تتحدث عن الفرس باعتبارهم أول من احتل جزيرة كمران في القرن السابع الميلادي وهم الذين بنوا القلعة الأهم في الجزيرة.

وقال أيضا "تاريخيا كل الإمبراطوريات التي مرت من البحر الأحمر كانت تأخذ الجزيرة في طريقها من البرتغاليين إلى المماليك في القرن السادس عشر، إلى الإنجليز والعثمانيين في القرن التاسع عشر ثم الإنجليز مرة أخرى، حيث استخدمتها بريطانيا كقاعدة لمهاجمة الإيطاليين في الصومال وإرتيريا أثناء الحرب العالمية الأولى حتى جلاء الإنجليز عن القسم الجنوبي من اليمن عام 1967".

ومع كثافة هذه الضربات الأمريكية، يتوقع الكاتب اليمني أن الولايات المتحدة تمهد لأحد سيناريوهين الأول يكمن في "تقويض قدرات الحوثيين اللوجستية لتنفيذ ضربات ضد الملاحة في منطقة البحر الأحمر" أو "التمهيد للسيطرة المباشرة على الجزيرة بإحدى الطريقتين: عبر وضع اليد بصورة مباشرة  كما فعلت إمبراطوريات أخرى وتحويل الجزيرة إلى قاعدة عسكرية بذريعة حماية الملاحة البحرية وشل قدرة الحوثيين في منطقة سواحل الحديدة بصورة عامة، بسبب قرب الجزيرة من المحافظة،  عن الاستمرار في شن الهجمات على السفن"، وهذه الطريقة الأولى.


أما الطريقة الثانية، فأوضح أنه قد تتحقق من خلال "التمهيد لطرف محلي بالسيطرة على الجزيرة".
ومضى قائلا "وهذا إن حدث، فإن الطرف المحلي سيكون محسوبا على الإمارات ما يمكنها من الحصول على نفوذ إضافي في منطقة البحر الأحمر، سواء على المستوى العسكري أو القوى الناعمة من خلال السيطرة على الجزيرة الأكثر إدهاشا على مستوى الطبيعة… ويمكنها أن تكون قبلة عالمية للسياحة وهي الصنعة التي تجيدها أبوظبي".

ولفت الكاتب والسياسي المجيدي، إلى أنه إذا حدث السيناريو الأخير فهو يعني أن "التنسيق بين الأطراف الإقليمية الفاعلة في الملف اليمني وأمريكا يمشي على قدم وساق لطرد الحديدة من الحوثيين".

وفي تشرين الثاني /نوفمبر عام 2016، أكد رئيس هيئة الأركان العامة بالقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري، في تصريح له على "حاجة إيران"، مستقبلا، إلى إنشاء قواعد بحرية قبالة السواحل اليمنية، لتصبح ضمن أسطولها البحري، الذي قال: إنه سيستقر في بحر عُمان والمحيط الهندي.

مقالات مشابهة

  • أزمة البحر الأحمر تكشف الانقسام الأطلسي بين الناتو والاتحاد الأوروبي
  • البنتاغون يقرّ بتحسن قدرة الحوثيين على إسقاط المسيرات الأميركية
  • ما السر وراء تكثيف الولايات المتحدة ضرباتها على جزيرة كمران اليمنية؟
  • أمريكا تعترف بفشل حملتها على اليمن: صنعاء تفرض معادلة الردع البحري وتربك الاستراتيجيات العسكرية الأمريكية
  • ترومان تفر من البحر الأحمر.. الهزيمة الأمريكية تتكرّس تحت وقع الضربات اليمنية
  • تحليل: الحوثيون يستغلون الضربات الأمريكية لتعزيز الدعاية والتجنيد
  • الكشف عن الأهداف التي طالها القصف الأمريكي في صنعاء اليوم
  • إقــــرار أمــريــكي بـالـفـشل
  • الحرب الأميركية على الحوثيين في اليمن ...ستة اسئلة تطرح نفسها
  • الكشف عن تفاصيل جديدة في حرب اليمن ..بعد تعهّد ترمب بإسقاط الذراع الإيرانية في اليمن وموقف الشرعية من التدخل البري