ردا على الهجمات الأخيرة التي شنها الحوثيون على سفن في البحر الأحمر قالوا إنها مرتبطة بإسرائيل وأخرى أميركية تدعم تل أبيب في حربها على قطاع غزة، شنت الولايات المتحدة وبريطانيا خلال اليومين الماضيين غارات جوية ضد مواقع للجماعة في اليمن.

وفي هذه الأسئلة والأجوبة، بحثت مجموعة الأزمات الدولية في التداعيات.

ما الذي يحدث في البحر الأحمر؟

لقد امتدت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة إلى البحر الأحمر حيث استخدم الحوثيون الذين يسيطرون على مساحات كبيرة من الساحل الغربي لليمن، الطائرات دون طيار والصواريخ الباليستية وصواريخ كروز والقوارب الصغيرة لاستهداف السفن التي يقولون إنها مرتبطة بإسرائيل.

وخارج ساحل مدينة الحديدة، الخاضعة لسيطرتهم، استهدف الحوثيون الملاحة في البحر الأحمر. كما أعلنت الجماعة عزمها استهداف السفن في بحر العرب وخليج عدن. وسيشمل ذلك السفن التي تسعى إلى تجاوز البحر الأحمر عبر رأس الرجاء الصالح.

ومن بين الهجمات الحوثية المهمة، هجوم وقع في 19 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عندما سيطرت الجماعة على سفينة "غالاكسي ليدر"، وهي سفينة تجارية قال الحوثيون إنها مرتبطة برجل أعمال إسرائيلي، واحتجزوا قبطانها وطاقمها.

وفي 26 ديسمبر/كانون الأول الماضي أدى استخدام الحوثيين قوارب موجهة إلى حدوث انفجار على بعد ميل واحد تقريبًا من سفينة حربية أميركية.

وفي 9 يناير/كانون الثاني الجاري، نفذوا هجومًا معقدًا باستخدام مجموعة من الطائرات دون طيار وصواريخ كروز والصواريخ الباليستية لاستهداف السفن الحربية الأميركية في محيط باب المندب، مؤكدين أن ذلك دليل على دعمهم المستمر لغزة وأيضًا رد على العدوان الإسرائيلي على القطاع.

بدورها، أغرقت الولايات المتحدة 3 زوارق للحوثيين نهاية عام 2023، مما أدى إلى مقتل 10 من مسلحيهم.

الحوثيون هاجموا سفينة غالاكسي ليدر وسيطروا عليها واحتجزوا طاقمها (الأناضول)

وفي منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قبل استهداف السفن، أطلق الحوثيون في عدة مناسبات طائرات دون طيار وصواريخ على ميناء إيلات الإسرائيلي على ساحل البحر الأحمر. وقد أعلنت تل أبيب اعتراض هذه الهجمات أو إفشالها في الوصول إلى أهدافها المقصودة.

وانخفض تواتر هذه الهجمات عندما حوّلت الجماعة تركيزها إلى السفن، واعتبرتها أهدافًا أقرب وأكثر فعالية لتوضيح موقفها.

وردا على الهجمات البحرية، نشرت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا سفنا حربية في البحر الأحمر، قالت تلك الدول إنها نجحت في اعتراض غالبية صواريخ الحوثيين.

إلا أنه بين عشية وضحاها، نفذت الولايات المتحدة وبريطانيا في 11-12 يناير/كانون الثاني الجاري غارات جوية على مواقع عسكرية للحوثيين في اليمن ردا على استهداف الأخيرة للسفن التجارية والاشتباكات مع الدوريات البحرية، مما أسفر عن مقتل 5 مسلحين حوثيين.

ووصفت القيادة المركزية الأميركية هذه الضربات بأنها إجراءات دفاعية، مدعية أن هدفها هو تقليل قدرة الحوثيين على مواصلة الهجمات على السفن الأميركية وغيرها من السفن العسكرية والتجارية.

وأدان الحوثيون هذه الهجمات ووصفوها بأنها اعتداء صارخ وهددوا بالانتقام، مما زاد المخاوف من تصاعد العنف في هذا الممر المائي الحيوي.

ما الذي دفع الحوثيين لشن هذه الهجمات؟

بدأ الحوثيون بمهاجمة السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر ردًا على الحرب الإسرائيلية في غزة.

وقالت الحركة، في بياناتها، إنها ستوقف هذه الهجمات إذا بدأت إسرائيل بالسماح لكمية غير محددة من المساعدات الإنسانية بدخول القطاع، وستوقف الهجمات على إسرائيل نفسها بمجرد أن توقف إسرائيل هجومها على غزة.

ومن خلال القيام بذلك، عمل الحوثيون بالتنسيق مع أعضاء آخرين فيما يسمى بمحور المقاومة -وهي مجموعة تقودها إيران من الجماعات المسلحة غير الحكومية المعارضة لإسرائيل والولايات المتحدة.

وفي خطاب ألقاه في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، صرح زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي بأن أعضاء "المحور" كانوا ينسقون أنشطتهم العسكرية.

الحوثيون استثمروا الهجمات ضد إسرائيل وسفنها لتوسيع شعبيتهم داخل اليمن وخارجها (الجزيرة-أرشيف)

وفي حين لا يوجد دليل على أن الحوثيين تصرفوا بناء على أوامر إيرانية مباشرة، فمن المرجح وجود درجة معينة من التنسيق: فوجود سفينة استخبارات إيرانية في البحر الأحمر قد تشير إلى مساعدة إيرانية في قرارات الحوثيين.

بالإضافة إلى ذلك، ربما كان الدافع وراء الحوثيين هو حقيقة أنهم، من خلال تحالفهم مع القضية الفلسطينية، بدؤوا يكتسبون شعبية غير مسبوقة في اليمن وخارجها وسط موجة أوسع من التضامن مع الفلسطينيين في جميع البلاد العربية والإسلامية.

وهكذا تحولت حملتهم في البحر الأحمر إلى فرصة لإثبات استعدادهم لتجسيد شعارهم التأسيسي لعام 2002 – "الله أكبر، الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام".

وكان من الممكن أن يؤدي التقاعس عن التحرك في مواجهة الهجوم الإسرائيلي على غزة إلى تعريض مصداقية ادعائهم للخطر. وبالمقارنة مع الآخرين داخل محور المقاومة، أظهر الحوثيون شهية أكبر بكثير للمخاطرة واغتنموا هذه الفرصة لإثبات قيمتهم الإستراتيجية.

وفي اليمن أيضا، قام الحوثيون بتلميع أوراق اعتمادهم، نظرا للتعاطف الواسع النطاق بين اليمنيين مع محنة الفلسطينيين في غزة. وفي أعقاب الهجمات الأولى على السفن في البحر الأحمر، تزايدت أعداد الحوثيين من خلال حملات التجنيد التي أظهروا فيها دعمهم للقضية الفلسطينية.

علاوة على ذلك، أتاحت حرب غزة للحوثيين الفرصة لتفادي الضغوط الشعبية المتصاعدة بشأن ممارساتهم في الحكم بالمناطق الخاضعة لسيطرتهم، ومكنتهم من "قمع" المعارضة لحكمهم من خلال اعتقال المعارضين في تلك المناطق بتهمة التواطؤ مع إسرائيل والولايات المتحدة.

كيف ردت القوى الغربية على هذه الهجمات؟

في البداية، أرسلت الولايات المتحدة مدمرات إلى البحر الأحمر لحماية الشحن التجاري. وفي 20 ديسمبر/كانون الأول الماضي، كشفت النقاب عن عملية "حارس الازدهار"، وهي مبادرة أمنية متعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة تشمل المملكة المتحدة والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشيل.

وأشار البنتاغون إلى أن أكثر من 20 دولة وافقت على المشاركة في المبادرة، رغم أن عددا منها امتنع عن تأكيد مشاركتها علنا، أو أنكرت مشاركتها عندما سئلت عن ذلك.

ووسعت هذه الخطوة قوة المهام المشتركة، وهي قوة بحرية متعددة الجنسيات تم تشكيلها في عام 2009 ردا على هجمات القرصنة في خليج عدن وقبالة الساحل الشرقي للصومال.

ونجح أعضاء التحالف -وفق إعلاناتهم- في اعتراض معظم هجمات الحوثيين، ففي 31 ديسمبر/كانون الأول الجاري أغرقوا قوارب صغيرة للحوثيين مما أسفر عن مقتل 10 مسلحين حوثيين بعد أن أطلقت القوارب النار على مروحيات تابعة للبحرية الأميركية، وفي 12 يناير/كانون الثاني الجاري نفذت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة غارات جوية على مواقع عسكرية للحوثيين داخل اليمن.

الولايات المتحدة شكلت تحالفا بحريا جديدا باسم "حارس الازدهار" لمواجهة تهديد الحوثيين للملاحة الدولية (الأناضول)

وحتى قبل التصعيد الأخير، نقلت واشنطن والعديد من الدول الغربية رسائل إلى الحوثيين عبر عُمان للحث على وقف التصعيد.

وفي أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، طلبت الولايات المتحدة أيضًا من السعودية إدراج أمن الشحن في محادثاتها السياسية الجارية مع الحوثيين، لكن الحوثيين رفضوا ذلك، مشيرين إلى أن أنشطتهم العسكرية في البحر الأحمر مرتبطة بغزة، وليس صراعهم مع المملكة.

وفي 29 نوفمبر/تشرين الثاني، فرضت واشنطن عقوبات اقتصادية على أفراد زعمت أنهم جزء من شبكة تسهل الأموال للحوثيين. وفي 10 يناير/كانون الثاني، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرارا يطالب الحوثيين بالوقف الفوري لهجماتهم على السفن في البحر الأحمر، مع تأييده ضمنيا لقوة العمل التي تقودها الولايات المتحدة.

ما تأثير هذه الأحداث على البحر الأحمر؟

لقد جاء التصعيد العسكري في البحر الأحمر بتكلفة اقتصادية في المقام الأول. ويعد البحر الأحمر طريقا ملاحيا رئيسيا يربط بين آسيا وأوروبا. وقد أدى تزايد المخاوف الأمنية إلى ارتفاع تكاليف التأمين على السفن التجارية، واستلزم زيادة عدد أفراد الأمن على متنها.

واختار العديد من شركات الشحن إعادة توجيه سفنها حول الطرف الجنوبي للقارة الأفريقية، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف الشحن الإجمالية بسبب زيادة وقت السفر. وشهدت قناة السويس التي كانت تعج بالحركة في السابق انخفاضا في حركة المرور، مما أدى إلى إلحاق المزيد من الضرر بالوضع الاقتصادي "الهش" بالفعل في مصر، وأوقف ميناء إيلات الإسرائيلي معظم الأنشطة التجارية. وأدى التأخير في عمليات التسليم بدوره إلى حدوث اضطرابات عبر سلاسل التوريد العالمية.

في حين أن العمليات البحرية ليست جديدة على الحوثيين، فإن سلسلة الهجمات الأخيرة تخاطر بترسيخها كتكتيك رئيسي، ويعرب المسؤولون الأميركيون سرا عن قلقهم من أن الحوثيين سيسعون إلى تعطيل العمليات البحرية والشحن العالمي على المدى الطويل.

وقبل حرب غزة، استهدفت الجماعة سفن نقل النفط السعودية، في عام 2018، واستولت على سفينة شحن إماراتية، في يناير/كانون الثاني 2022. ومن جانبها، توجد السفن العسكرية الأميركية والدول الأخرى في البحر الأحمر وخليج عدن وتنفذ عمليات متواصلة ضد المهربين والسفن التي تنقل الأسلحة والذخيرة للحوثيين.

كما يمكن أن تؤدي هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر إلى تقويض الجهود الرامية إلى إنهاء حرب اليمن.

وأحرزت السعودية والحوثيون تقدما في محادثاتهما المستمرة منذ فترة طويلة للتوصل إلى اتفاق بشأن الانسحاب العسكري من اليمن وبدء عملية سياسية يمنية داخلية، لكن المزيد من التصعيد قد يؤدي إلى تأخير أو حتى إحباط المحادثات، خاصة إذا تم تمكين الحوثيين إلى درجة أنهم يشعرون أن بإمكانهم تقديم مطالب جديدة لمحاوريهم السعوديين. ويمكنهم رفض عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة مما يؤدي إلى تجميد المسار السياسي.

وقد يستأنف الحوثيون أيضًا الهجمات على تلك الجماعات التي يعتبرونها موالية أو متعاونة مع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى. وقد يسعى كل من الحوثيين وخصومهم على طول ساحل البحر الأحمر اليمني إلى تعزيز وجودهم العسكري، مما يخاطر باستئناف القتال هناك.

وأخيرا، يمكن أن تؤدي التوترات في البحر الأحمر إلى تفاقم الوضع الإنساني المتدهور بالفعل في اليمن، خاصة بعد قرار برنامج الأغذية العالمي في 5 ديسمبر/كانون الأول الماضي بتعليق المساعدات في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في شمال اليمن. وهذا، إلى جانب ارتفاع تكاليف الشحن، يجعل من الصعب على اليمنيين الوصول إلى المنتجات الغذائية الأساسية.

الحوثيون ربطوا مصير هجماتهم في البحر الأحمر وعلى إسرائيل بمسار العدوان المستمر على قطاع غزة (الفرنسية) ما الذي يمكن أن يدفع الحوثيين إلى وقف هجماتهم؟

قد يكون للرد العسكري على هجمات الحوثيين قيمة رمزية بالنسبة للدول الغربية وقد يحد من قدرات معينة للحوثيين ولكن سيكون له تأثير إجمالي محدود، بل يمكن أن يجعل الأمور أسوأ. وقد تدفع الجماعة إلى تكثيف هجماتها البحرية وتوسيع نطاق السفن التي تستهدفها.

وفي حين أن قدرات الحوثيين محدودة مقارنة بتلك التي يمكن للولايات المتحدة أن تستخدمها، فإن التقدم في تكنولوجيا الأسلحة يسمح للحوثيين بإلحاق أضرار اقتصادية كبيرة، لا سيما من خلال استخدام الأسلحة الموجهة عن بعد.

ومن المرجح أن تدفع الهجمات العسكرية الحالية للحوثيين العديد من اليمنيين إلى دعمهم من منطلق التعاطف مع القضية الفلسطينية، حتى لو كانوا يعارضون الجماعة.

وقد لا يكون الحوثيون قلقين للغاية بشأن تعرضهم للضرب، أو تأجيل المحادثات مع المملكة العربية السعودية أو حتى إلغائها. وبفضل الدعم الشعبي، يشعرون بالقدرة على شق طريقهم بتكلفة محتملة. وهذا لا يعني أن الطريق الوحيد إلى الأمام هو من خلال المزيد من التصعيد.

لقد أوضح الحوثيون أن هجماتهم هي رد على حرب إسرائيل على غزة وليست مبادرة مستقلة، فإذا انتهت تلك الحرب، وبافتراض أن الوضع في البحر الأحمر لم يخرج عن نطاق السيطرة بحلول ذلك الوقت، فقد يعود الحوثيون إلى وضعهم السابق، إذا كانوا جادين في تعهداتهم وحريصين أيضًا على أن يؤخذوا على محمل الجد كطرف رئيسي في السلطة الحاكمة المستقبلية في اليمن.

ولكن دون وضع نهاية للحرب في غزة، وفي مواجهة كارثة إنسانية متزايدة باستمرار في غزة، ستستمر التوترات في التصاعد ليس فقط في البحر الأحمر، بل أيضًا في لبنان وسوريا والعراق، وعلى الحدود الإسرائيلية والأراضي المحتلة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ینایر کانون الثانی دیسمبر کانون الأول الولایات المتحدة فی البحر الأحمر الأول الماضی هذه الهجمات السفن التی على السفن فی الیمن من خلال یمکن أن فی غزة

إقرأ أيضاً:

كيف تحدد أزمة حظر السفن في البحر الأحمر مصير الاستقلال الأوروبي؟

عادت تهديدات جماعة الحوثي في البحر الأحمر من جديد، بعد إعلان استئناف دعمها للمقاومة في غزة، وحذر مرور سفن الاحتلال الإسرائيلي والموالية للاحتلال.

ونشر موقع "فورميكيه" الإيطالي، تقريرا، سلّط فيه الضوء على تصاعد التهديدات الحوثية في البحر الأحمر، وتأثيرها على الأمن الجيوسياسي والاقتصادي الأوروبي؛ حيث هدّدت القيادة الحوثية باستئناف الهجمات البحرية ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي إذا لم يتم تسهيل دخول المساعدات إلى غزة.

وقال الموقع، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إنّ: "حالة عدم الاستقرار في منطقة الهندو-متوسط التي تسبّب بها الحوثيون؛ قد تعود إلى التصاعد مجددًا اليوم. ويمثل هذا الوضع اختبارًا حقيقيًا لقدرة أوروبا على إدارة أمنها في بيئة معقدة، خاصة في ظل الحديث المتزايد عن الاستقلالية الاستراتيجية. ويأتي ذلك أيضًا ردًا غير مباشر على المواقف السياسية لدونالد ترامب، ما يجعل التحدي أكثر إلحاحًا لأوروبا في هذا التوقيت الحساس".

ووفقا للموقع؛ فإنّ: "زعيم الحوثيين يوجّه إنذارًا نهائيًا: مهلة تنتهي اليوم قبل استئناف الهجمات؛ إذ وجّه زعيم الحوثيين إنذارًا واضحًا: إذا لم تسهل دولة الاحتلال الإسرائيلي دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة بحلول 11 آذَار/ مارس فستستأنف الجماعة اليمنية عملياتها البحرية ضدها".

"تمثّل هذه تهديدًا جديًا، بالنظر إلى حصيلة الهجمات التي نفذها الحوثيون منذ نهاية 2023 وحتى الهدنة قبل شهرين، والتي تضمنت عشرات العمليات، أدت في بعض الحالات إلى تدمير، وإغراق أو تعطيل السفن التجارية الكبرى المستهدفة" تابع التقرير نفسه، مبرزا أنّ: "ناقلة النفط "سونيون" نموذج للهجمات البحرية الحوثية وتداعياتها الدولية".

ولفت الموقع إلى أن ناقلة النفط "سونيون" قناة السويس تحت السحب مؤخرًا، بعد تعرضها لهجوم حوثي في 21 آب/  أغسطس الماضي؛ وهي فرقاطة فرنسية، كانت تعمل ضمن عملية "أسبيديس"، وهي مهمة دفاعية أوروبية ذات إمكانيات محدودة لضمان الأمن في البحر الأحمر".

وأبرز أن: "طاقم السفينة قد أُنقذ عقب الضربة الأولى التي نفّذتها القوات اليمنية، لكن مجموعة من المقاتلين الحوثيين صعدت لاحقًا على متن الناقلة وزرعت نحو عشر عبوات ناسفة، ما أدى إلى اندلاع حريق هائل، ما جعل وزارة الخارجية الأمريكية تحذر من كارثة بيئية محتملة بحجم أربعة أضعاف كارثة "إكسون فالديز"، مما استدعى تحركًا دوليًا واسع النطاق".

وتابع: "بعد سبعة أشهر من إدارة الأزمة، تم إنقاذ الناقلة وجزء كبير من شحنتها البالغة مليون برميل من النفط، لكن تكلفة العملية بلغت ملايين الدولارات"، مشيرا إلى أنّ: "هذه القضية تعكس حجم الهجوم الحوثي وتأثيره المباشر على استقرار اللوجستيات العالمية وعدم الاستقرار الجيو-اقتصادي العالمي".

ووفقًا لتحليلات إحدى شركات الاستخبارات الخاصة؛ أدّت الهجمات الحوثية إلى زيادة زمن تسليم البضائع بنسبة 25 في المئة على طول طريق آسيا-أوروبا-أمريكا، والمعروف بالممر الهندو-متوسطي، الذي يربط بين الهند وباسيفيكي والمحيط الأطلسي عبر البحر المتوسط.

إلى ذلك، اضطرت شركات الشحن الكبرى إلى تجنب المرور عبر البحر الأحمر وتحويل مساراتها حول رأس الرجاء الصالح، ما أدّى إلى ارتفاع التكاليف وزيادة الضغوط على معدلات التضخم وسلاسل التوريد العالمية. وتكشف هذه الأزمة اليمنية عن أهميتها النظامية، حيث تؤثر بشكل مباشر على الأمن القومي لدول مثل إيطاليا، وتؤكد مدى تشابك الأمن البحري مع الاقتصاد العالمي.


ولفت الموقع إلى أنه: "تم تصعيد العمليات ضد الحوثيين دون ردع فعال منذ كانون الثاني/ يناير، فقد كثّفت إدارة ترامب عملياتها ضد مخازن الصواريخ ومنصات الإطلاق التابعة للحوثيين، لكنها لم تتمكن من ردعهم؛ بل على العكس، واصل الحوثيون، الذين يُعتبرون أكثر الفصائل نشاطًا ضمن "محور المقاومة" المدعوم من إيران، تصعيد تهديداتهم والاستعداد لاستئناف العمليات العسكرية".

وأضاف: "بسبب المسافة الجغرافية التي تفصلهم عن دولة الاحتلال الإسرائيلي، كانت الردود الإسرائيلية أقل تأثيرًا عليهم مقارنة بحزب الله، ما جعلهم أقل عرضة للهجمات المباشرة. حتى اليوم، وعلى عكس حزب الله، يرفض الحوثيون هدنة طويلة الأمد، مؤكدين أنهم سيواصلون الهجمات حتى يتم التوصل إلى وقف دائم للحرب في غزة".

"بل ذهبوا إلى حد المطالبة بحل الدولتين في بعض تهديداتهم، رغم معرفتهم بأن ذلك يعني استمرار حالة عدم الاستقرار نظرًا لتعقيد القضية الفلسطينية-الإسرائيلية" استرسل التقرير نفسه الذي ترجمته "عربي21".

وأوضح أنّ: "الوضع أصبح أكثر تعقيدًا مع إعادة الحوثيين إلى قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية من قبل واشنطن، إلى جانب فرض عقوبات جديدة ومحاولات منعهم من تعزيز علاقاتهم مع موسكو؛ حيث سعوا للحصول على إمدادات عسكرية ومعلومات استخباراتية لتحديد أهدافهم. ولم تقتصر الهجمات على السفن الإسرائيلية كما وعدوا في عملياتهم".

وأردف: "استهدفت أيضًا سفنًا مرتبطة بمُلاك غربيين، متهمين إياها بدعم الاحتلال الإسرائيلي. يُعرف الحوثيون بمواقفهم الأيديولوجية المعادية للصهيونية وأمريكا، لكنهم وسّعوا نطاق عدائهم ليشمل الغرب بأكمله، متماشين مع السردية الروسية-الصينية-الإيرانية. وأعلنوا صراحة استعدادهم الكامل لخوض "حرب شاملة ضد المصالح الأمريكية" بالمنطقة، ما يزيد احتمالية التصعيد العسكري بالبحر الأحمر وخارجه".

الرد الأوروبي و"النموذج" الإيطالي
أكد الموقع أنّ: "هذا المشهد يمس الاتحاد الأوروبي بشكل مباشر، حيث لا يزال الربط عبر البحر الأحمر في حالة جمود، كما أوضح  الخبير الأمنى والمحلل لدى شركة آيوس ريسك للاستشارات الأمنية، مارتن كيلي،  لموقع ديكود 39، ما يثير مشكلة جيو-اقتصادية خطيرة".

"في هذا السياق، تحاول إيطاليا إرسال رسالة واضحة، حيث تعتمد نهجًا مزدوج المسار يمكن تفسيره كنموذج لمشاركة أوروبية أكثر وعيًا ومتعددة المستويات، يعكس مقاربة إستراتيجية أكثر شمولية تجاه الأزمة" وفقا للتقرير.

وأضاف أنّ: "المحور الأول: المشاركة العملياتية في المهمة البحرية الأوروبية "أسبيديس"؛ حيث يشغل أميرال إيطالي منصب قائد القوات. في نهاية الشهر الماضي، تم تنظيم اجتماع تقني في قاعدة "تشينتوشيلي" (روما)، حيث تم عرض تطورات المهمة في إطار مشروع المراقبة البحرية الأوروبي "مارسور"، تلاه سلسلة اجتماعات بين قيادة " أسبيديس " والقيادة العملياتية العليا المشتركة (COI)، بقيادة الجنرال جيوفاني ماريا يانوكي".

وأوضح: "هذا يؤكد الاهتمام الاستراتيجي لإيطاليا في ضمان الأمن البحري، ليس فقط لأسباب دفاعية، ولكن أيضًا لحماية سلاسلها التجارية والاقتصادية"، فيما تابع: "المحور الثاني: الدبلوماسية والسياسة؛ حيث نظمت وزارة الخارجية الإيطالية اجتماعًا جمع بين مسؤولي مهمة "أسبيديس" والسفيرة اليمنية في إيطاليا أسمهان الطوقي".

وأبرز: "شارك في الاجتماع كبار مسؤولي الوزارة، بمن فيهم نائب مدير الشؤون السياسية، ماوريتسيو غريغانتي، والمبعوث الخاص لليمن وأفغانستان، جيانفرانكو بتروزيلّا. تم خلال اللقاء مناقشة الوضع الداخلي في اليمن والتطورات السياسية المحتملة، في خطوة تعكس التزام إيطاليا بالمسار الدبلوماسي إلى جانب الجهود العسكرية".

أيضا، كشف الموقع عن: "رؤية إيطاليا: ربط الأزمة البحرية بالصراع اليمني الأوسع، فبهذه الطريقة، تربط روما الأزمة في الممر البحري بالإطار الأوسع للحرب الأهلية اليمنية، متجنبة مقاربة أمنية بحتة. إنها مقاربة واعية وبراغماتية، لأن تحركات الحوثيين ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالوضع الداخلي في اليمن".


وبيّن أنّ: "المنظمة التي تسيطر على شمال اليمن تستخدم الهجمات في منطقة الهندو-متوسط كوسيلة لإظهار القوة، بهدف تعزيز موقفها على طاولة المفاوضات بشأن الحرب. هناك، يواجه الحوثيون المجتمع الدولي، لا سيما دول الخليج، في اختبار معقد لقدرتهم على بناء الاستقرار والتفاوض السياسي".

واختتم التقرير مؤكدا أنّ: "أزمة الحوثيين:؛ هي تهديد إقليمي بتداعيات عالمية وهي ليست مجرد تهديد إقليمي، بل مثال على كيفية ارتباط الصراعات الهامشية بالهشاشة العالمية. لهذا السبب، لا تستطيع أوروبا تحمل مستوى منخفض من المشاركة، حيث إن البحر الأحمر شريان أساسي للتجارة العالمية، وأمنه يمس المصالح الإستراتيجية للاتحاد الأوروبي بشكل مباشر".

واستطرد: "تُظهر مهمة "أسبيديس" والنهج المزدوج -العملياتي والدبلوماسيـ أن لأوروبا فرصة للعب دور أكثر فاعلية في إدارة الأزمة. لكن عدم الاستقرار في منطقة الهندو-متوسط بسبب الحوثيين يمثل اختبارًا لقدرة أوروبا على إدارة أمنها الذاتي، خاصة في ظل النقاش المتزايد حول "الاستقلالية الإستراتيجية"، التي تتأثر أيضًا بتوجهات دونالد ترامب السياسية".

مقالات مشابهة

  • البنتاجون: العمليات العسكرية ضد الحوثيين ستستمر
  • زعيم الحوثيين يقول إنه سيهاجم السفن الأمريكية في البحر الأحمر
  • كيف تلقت إيران رسالة ترامب من الهجمات الأميركية على الحوثيين؟
  • أمريكا تضع شرطاً على الحوثيين لوقف القصف
  • الحوثيون: الضربات الأمريكية لن تمنعنا من استهداف السفن الإسرائيلية
  • واشنطن تتوعد الحوثيين بعد تكبدها خسائر فادحة جراء الهجمات على سفنها
  • الحوثيون يتوعدون: الهجمات الأمريكية لن تردعنا وسنواصل دعم غزة
  • ترامب: لن نتسامح مع هجوم الحوثيين على السفن الأمريكية
  • ترامب يهدد إيران ويعلن بدء ضربات "حاسمة" ضد الحوثيين
  • كيف تحدد أزمة حظر السفن في البحر الأحمر مصير الاستقلال الأوروبي؟