جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-17@06:05:40 GMT

الفوضى على الطريقة الأمريكية

تاريخ النشر: 13th, January 2024 GMT

الفوضى على الطريقة الأمريكية

حاتم الطائي

◄ أمريكا تسعى دائمًا لإحداث الفوضى وترفض الاستماع لنصائح الأصدقاء

◄ عُمان تستنكر العدوان على اليمن.. وتندهش من الصمت تجاه جرائم إسرائيل في غزة

◄ العدالة الدولية أمام محك تاريخي.. إما إدانة الاحتلال أو الخضوع للقوى الغاشمة

كشفت الولايات المُتحدة ومن ورائها بريطانيا العجوز ومن يدور في فلكيهما، عن النوايا الخبيثة التي تُضمرها لمنطقة الشرق الأوسط، ورغبتها الأكيدة وإصرارها الشديد على نشر الفوضى في أنحاء الإقليم، الفوضى المُدمِّرة التي تقضي على حكومات وشعوب المنطقة بنيران الحروب وتأليب الرأي العام على الحُكام، في المُقابل تربح أمريكا من مبيعات السلاح وعقود شركات المرتزقة وشركات ما يُسمى بإعادة الإعمار، ليجنوا المليارات من أقوات الشعوب المُستضعفة.

مراحل الفوضى الأمريكية في الشرق الأوسط بدأت قبل عقود طويلة، لكنها بلغت ذروة غير مسبوقة وتهديدا بالغ الخطورة بإشعال حرب إقليمية كبرى، لن تُبقي ولن تذر، وستكون سببًا في اشتعال جبهات مُتعددة، لن تقوى الولايات المتحدة ولا أيٍ من حلفائها الغربيين على احتواء نيرانها الحارقة. ولنا أن ننظُر إلى الأوضاع المأساوية في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المُحتلة، وإلى أي مدى بلغ حجم الإجرام الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني. ففي الوقت الذي تشن فيه دولة الاحتلال الإسرائيلي حرب إبادة جماعية على قطاع غزة، تُعرقل الولايات المُتحدة جهود إنفاذ القانون الدولي وتعمل على إبطال دور مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة في إحلال السلام العالمي، من خلال ما يُسمى بـ"حق النقض (فيتو)"، فلأول مرة في التاريخ الإنساني تعترض دولة على قرار لإيصال مساعدات إنسانية ووقف إطلاق النَّار في منطقة حروب، في فضيحة جديدة تُضاف إلى سلسلة الفضائح المدوية وتؤكد حجم العار والخزي الذي يُلاحق الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة جو بايدن، الذي يجب أن يُحاكم بتهم ارتكاب جرائم حرب في غزة، بما يُقدمه من دعم عسكري لا محدود ومساندة اقتصادية وغطاء سياسي دولي، لكي يسمح لإسرائيل بمواصلة عدوانها ومخططها الجهنمي لإبادة أكثر شعوب الأرض تعرضًا للظلم التاريخي على مر العصور.

الولايات المتحدة لا يُهمها سوى إحداث الفوضى في الشرق الأوسط، ولا تستمع لنصائح أصدقائها، ولا أدل على ذلك من تصريح معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية، تعقيبًا على العدوان الأمريكي البريطاني على اليمن الشقيق؛ حيث أكد قلقه العميق "تجاه الهجمات الأمريكية البريطانية على أهداف في اليمن"، وأن "هذا يتعارض مع نصيحتنا (للولايات المتحدة)، وسيصب مزيدًا من الزيت على موقف خطيرٍ للغاية. إنَّني لأحُثُ جميع الأطراف على ضبط النفس، والتركيز على وقف إطلاق النار في غزة الآن". تصريح معاليه يضعنا أمام حقيقة دامغة وواقع مُشرِّف لكل مواطن عُماني، لما تبذله سلطنة عُمان من جهود حثيثة لنزع فتيل الأزمة وتجنب اشتعال المنطقة؛ حيث إنَّ الاتصالات العُمانية لم تتوقف منذ اندلاع الحرب في غزة، وبدء إسرائيل عدوانها الهمجي البربري على القطاع، وقد تجلّى ذلك بوضوح في جميع البيانات التي أصدرتها سلطنة عُمان والتصريحات التي أدلى بها معالي السيد وزير الخارجية. وكل ذلك يؤكد لنا الموقف العُماني النزيه والداعم للحق والمؤيد للسلام، وأن عُمان لا تخشى في الله لومة لائم، وتصدح بالحق مهما كان الثمن؛ لأنَّ الدبلوماسية العُمانية ترتكز على ثوابت وطنية راسخة، لا تقبل المساومة ولا ترتضي الهوان أو الصمت، بل الجهر بأعلى صوتٍ لإعلاء كلمة الحق. وعندما نقرأ بيان وزارة الخارجية حول العدوان الأمريكي البريطاني على اليمن، نجد أنَّ عُمان استنكرت بشدة "اللجوء لهذا العمل العسكري من قبل دول صديقة، بينما تتمادى إسرائيل في قصفها وحربها الغاشمة وحصارها لقطاع غزة دون حساب أو عقاب"، وهنا عُمان لم تخش من أن تشير إلى هذه المُفارقة الصارخة، التي تُؤكد انتهاج سياسة الكيل بمكيالين، فكيف لدولة مثل أمريكا أن تلجأ لعمل عسكري نتيجة لتحركات اليمن في دعم المقاومة في غزة، في الوقت الذي تشن إسرائيل عدوانًا غاشمًا وحصارًا قاتلًا لقطاع غزة، دون محاسبة أو عقاب؟! إنها لمُفارقة يُندى لها جبين الإنسانية، ودليل دامغ على المعايير المزودجة التي تنتهجها أمريكا لحماية إسرائيل الكيان المارق القاتل.

تصريح معالي السيد وزير الخارجية كذلك يحمل في مضامينه نقطتين بالغتي الأهمية؛ الأولى: أن عُمان لم تكن تتوقع هذا التصرف من "دولة صديقة"، وثانيًا أن واشنطن لم تستمع للنصيحة العُمانية؛ حيث يكشف التصريح أنه لأول مرة أسدت عُمان نصيحة خالصة للولايات المتحدة بعدم اللجوء للعمل العسكري وقصف اليمن، ومع ذلك فإنَّ العنجهية والغطرسة الأمريكية تجاهلت الحكمة العُمانية الصادقة، وتغافلت تمامًا حقيقة أن الحكمة العُمانية تترجم الواقع على الأرض، ببصيرةٍ نافذة للمستقبل قلّما نجدها حاليًا.

من المؤسف القول إنَّ الولايات المتحدة لا تتعظ أبدًا، ولم تدرك حتى الآن أن الحلول العسكرية لا تجلب السلام؛ بل تتسبب في الخراب والتدمير والقتل. ولم تشفع حروب أفغانستان والعراق، ومن قبلهما حرب فيتنام، للولايات المتحدة أن تتعلم من دروس الماضي وأن تتوقف عن مواصلة تأجيج الصراعات من أجل تنشيط مبيعات السلاح لديها ومن ثم المحافظة على نموها الاقتصادي، فأيُّ نموٍ هذا الذي يتحقق بدماء الأبرياء، وسط صرخات الثكالى والأرامل وأنين العجزة، وبكاء الأيتام؟! أيُّ نمو ترتضيه الولايات المتحدة بينما الشعوب المكتوية بنيران الحروب التي أشعلتها، يقبعون في العراء دون مأوى أو طعام أو علاج.

لقد كشف العدوان البربري الإسرائيلي على غزة أن هذا الكيان المارق يقود ويتحكم ويُسيطِر ويُهمين ويستحوذ ويُحرك الإدارة الأمريكية، سواء كانت تحت حكم الديمقراطيين أو الجمهوريين، فالحمار لا يختلف عن الفيل، والاحتلال يسوق كليهما لأجل مصلحته وإشباع رغبته الدموية في زهق أرواح الشعب الفلسطيني المظلوم والمُهدر حقه.

لكن ما زال الأمل في تحقيق العدالة قائمًا، فبعد المرافعة التاريخية التي قدمتها دولة جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية متهمةً إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، معززة ملفها القانوني بالأدلة والبراهين والقرائن والحقائق الدامغة التي تُثبِت ارتكاب الاحتلال جريمة الإبادة الجماعية. في المُقابل، وجدنا كيف أن كيان الاحتلال يرتعد خوفًا ويرتجف من تبعات هذه المحاكمة التاريخية، حتى إن رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو يهزي بعدم اعترافه بمحكمة العدل الدولية، وأن أي قرار صادر عنها لن يُنفذه، في خرق واضح وانتهاك جسيم وغير مسبوق لأعلى سلطة عدل دولية في هذا العالم.

ويبقى القول.. إنَّ الفوضى التي تُريدها أمريكا تستند على إشعال الحروب وتأجيج الفتن وإيجاد الذرائع لهدم الدول وإفقار الشعوب، والوضع الحالي يُنذر بعواقب بالغة الخطورة، ويهدد المنطقة والعالم بتداعيات لم يسبق لها مثيل إذا ما اشتعلت حرب إقليمية كبرى تتسبب فيها الولايات المتحدة.. ومن هنا فإنَّ على عقلاء العالم أن يستمعوا لصوت الحكمة، صوت عُمان الداعي لوقف إطلاق النَّار في غزة فورًا، وبدء مسار تفاوضي لإحلال السلام الشامل والدائم، ومعاقبة إسرائيل على جرائمها البشعة بحق الشعب الفلسطيني، وتسوية كل الملفات الأمنية في الشرق الأوسط، حتى تنعم شعوبه بثمار التنمية، وتعيش المنطقة في وئام واستقرار.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الشعب الفلسطینی الولایات الم الشرق الأوسط الع مانیة فی غزة التی ت

إقرأ أيضاً:

«تمرد عسكري» في إسرائيل.. لماذا تعصف الفوضى والتفكك بجيش الاحتلال؟!

- أزمة بعد سقوط عشرات العناصر العسكرية والأمنية الإسرائيلية بـ«نيران صديقة».

- ضباط وجنود يفصلون بين الولاء للكيان وخدمة أطماع نتنياهو بعد خسائر الحرب.

- مذكرات احتجاج جوية - بحرية.. وعناصر بالاستخبارات العسكرية يسجلون موقفهم.

- رسائل عسكرية تُعارض استمرار العمليات العسكرية التي تهدد حياة الأسرى والقوات.

- قائد القوات الجوية الإسرائيلية يهدد.. ونتنياهو للمعارضة: «أنتم أعشاب مؤذية لنا».

- تراجع اهتمام 300 ألف من قوات الاحتياط يُعمّق الأزمة في صفوف قوات المشاة.

في محيط محور «نتساريم» العسكري الفاصل شمال غزة عن جنوبها، ووسط الفوضى المترتبة على استمرار العدوان الإسرائيلي على القطاع، تتفاقم أحداث الحرب الدموية مع التمرد العسكري في صفوف جيش الاحتلال، بعدما بادر ضباط وجنود إلى إعلان الفصل بين الولاء للكيان وخدمة الأطماع السياسية لحكومة اليمين المتطرف، برئاسة بنيامين نتنياهو، خاصة مع تواصل الخسائر الشاملة للحرب.

وقبل شهور من الأزمة السياسية - العسكرية العاصفة في إسرائيل، حاليًا، وقع حادث مأساوي في نطاق محور «نتساريم» الذي أنشأه جيش الاحتلال للتحكم في حركة الفلسطينيين داخل قطاع غزة وتنسيق عملياته، حينها وقع اشتباك عنيف مع المقاومة الفلسطينية، وأثناء القتال قصفت دبابة إسرائيلية مبنًى تتجمع فيه قوة عسكرية إسرائيلية، سقط خلاله مقاتلان من قوات الاحتياط بنيران زملائهم، ما كشف عن غياب الانضباط والتنسيق بين الوحدات العسكرية للاحتلال.

انقسام وشكوك

كانت تلك الحادثة، وما تلاها من حوادث دامية خلال العدوان المستمر منذ ما يقرب من 20 شهرًا، سببًا في زيادة الشكوك داخل صفوف الجيش الإسرائيلي، بعدما أظهرت كيف أن الانهيار التدريجي للانضباط العسكري أصبح أمرًا واقعًا تعانيه قوات الاحتلال، ووفقًا لتحقيقات داخلية، سجلت التقارير سقوط عشرات العناصر العسكرية والأمنية الإسرائيلية بـ«نيران صديقة» خلال العدوان على غزة.

تتعدد الأسباب: تجاهل التعليمات القتالية الأساسية، وسوء التنسيق بين الوحدات، والإرهاق المتزايد، قبل أن يتسلل الانقسام من ميادين القتال في قطاع غزة والضفة الغربية إلى أروقة القيادتين العسكرية والسياسية، ممثلتين في حكومة نتنياهو.

وفي خطوة جريئة، مؤخرًا، بعث أكثر من 150 ضابطًا سابقًا في البحرية الإسرائيلية، وأضعافهم من القوات الجوية ووحدات الاستخبارات العسكرية، وجموع من المحسوبين على فئات أخرى، كالأطباء الاحتياطيين وغيرهم، رسائل تطالب بإنهاء الحرب في غزة.

الرسائل تُعارض استمرار العمليات العسكرية التي أدت إلى تفاقم الأزمة وتعريض حياة الأسرى الإسرائيليين والقوات المنتشرة في قطاع غزة للخطر الدائم. ومن بين هذه الرسائل، بيان أُصدر عن نحو 250 مقاتلًا في وحدة الاستخبارات العسكرية «8200»، عبّروا فيه عن دعمهم العلني لدعوات الطيارين المحتجين. ما يزيد من خطورة هذا البيان هو أن هؤلاء يشكلون العمود الفقري للتجسس الإلكتروني والعمليات الخاصة، مطالبين بتعديل فوري لسياسة الحكومة، وإعادة الأسرى إلى ديارهم.

حتساريم تعترض

في قاعدة «حتساريم» الجوية جنوب الأراضي المحتلة، تواجه قيادة الجيش الإسرائيلي أزمة داخلية لا تقل سخونة عما يحدث في جبهات القتال، ما دفع قائد القوات الجوية الإسرائيلية، تومر بار، إلى الإدلاء بتصريحات حادة، شدد خلالها على ضرورة محاربة أي رفض للالتحاق بالخدمة الاحتياطية، مؤكدًا أن أي تهديد بعدم الالتزام بأوامر الخدمة لن يمر دون عقاب، حتى لو وصل الأمر إلى استبعاد الطيارين من الأنشطة العملياتية الحيوية.

وقد تسببت هذه التحذيرات في تأثير سلبي على معنويات عدد كبير من الضباط والجنود، الذين شعروا أن مستقبلهم وجاهزيتهم العسكرية باتا على المحك. وأصبح الوضع داخل سلاح الجو مشوبًا بالشكوك، نتيجة التسرع في اتخاذ قرارات عقابية دون مراعاة للمخاطر المترتبة عليها، فضلًا عن الإحباط من الفجوة الكبيرة بين التعليمات الصادرة من القمة والواقع الميداني اليومي الذي يعيشه الجنود.

لم تقتصر مظاهر التمرد على القوات الجوية، إذ سجلت وحدات أخرى مواقف مفاجئة من حيث معدلات المشاركة، بعدما كشفت تقارير أن نسبة مشاركة جنود الاحتياط في الوحدات التي تعمل في مناطق التصعيد (قطاع غزة، جنوب لبنان، الضفة الغربية) انخفضت بشكل ملحوظ، فتراوحت بين 75 و85%، بعد أن شهدت بداية الحرب مشاركة غير مسبوقة تجاوزت 100%.

يرجع هذا التراجع في صفوف جنود الاحتياط، الذين تم استدعاؤهم (نحو 300 ألف جندي)، إلى مواصلة الخدمة لفترات طويلة دون انقطاع، ما زاد من حدة الاستياء والتذمر، خاصة بسبب الابتعاد عن عائلاتهم وفقدان وظائفهم. ومع استمرار الحرب، تزايدت الصعوبات، إذ عبّر ضباط عن قلقهم من الإرهاق المتفاقم بين الجنود، وانقطاعهم عن العمل والدراسة، ما رفع مستوى السخط بينهم.

الاحتياطيون يستنزفون

يسعى الجيش الإسرائيلي إلى توسيع صفوفه بزيادة مدة الخدمة العسكرية الإلزامية، بهدف إعفاء جنود الاحتياط من الخدمة الممتدة. ومع ذلك، فإن العديد من الجنود الذين خدموا طوال فترة الحرب من المتوقع استدعاؤهم لأكثر من 100 يوم خدمة إضافية في العام المقبل.

وقالت وزارة الدفاع إنه، بسبب «الحجم الكبير جدًا من القتلى والجرحى»، لا يزال الجيش بحاجة إلى مزيد من القوة البشرية. ومن خلال التمديد، سيسمح الجيش بالاحتفاظ بضباط الاحتياط الذين لا يمكن استبدالهم، لضمان القدرة العملياتية للوحدات القتالية. وقد قوبلت هذه التوجهات بإدانات شديدة من المعارضة، التي اعتبرت ذلك استغلالًا غير عادل لجنود الاحتياط لأهداف سياسية وائتلافية.

رغم أن جنود الاحتياط يشكلون العمود الفقري لقوات المشاة، إلا أن تقارير رسمية تكشف عن أزمة جاهزية خطيرة تهدد فعالية الجيش نفسه. ووفقًا لتقرير صادر عن مراقب الدولة قبل اندلاع الحرب، فإن معظم جنود الاحتياط يفتقرون إلى التدريب الكافي بما يمنعهم من تنفيذ المهام القتالية المطلوبة.

وأوضح التقرير أن طبيعة التدريبات ومداها لا تؤهل الجنود لاكتساب المهارات الأساسية، وهو قصور من شأنه تقويض قدرة الجيش على تحقيق أهدافه في وقت الحرب. وعلى الرغم من محاولات الجيش معالجة هذا الخلل، فإن الأزمة تمتد لتشمل الجبهة الداخلية أيضًا، إذ فشل الاحتلال في حماية المواقع المدنية، التي أصبحت أهدافًا رئيسية في أي صراع مستقبلي، بحسب التقرير نفسه.

انتقد التقرير غياب رؤية استراتيجية متكاملة رغم تصاعد التهديدات، وخلص إلى أن العمل على الجبهة الداخلية منذ عام 2004 كان منهجيًا شكليًا بلا نتائج فعالة. حتى وزارة «الدفاع المدني»، التي أُنشئت بعد حرب 2006، انهارت بعد ثلاث سنوات دون أن تُمنح صلاحيات حقيقية. ويظهر من التقرير أن غياب الجاهزية، سواء في الجبهة الأمامية أو الخلفية، لم يعد مجرد خلل فني، بل تهديدًا صريحًا لما يُسمّى «الأمن القومي» الإسرائيلي، وسط عجز مالي وتخبط مؤسسي وقيادة سياسية لا تلتقط إشارات الإنذار.

موجة العصيان

تسعى القيادة العسكرية الإسرائيلية للحد من موجة العصيان عبر إجراءات تأديبية وتنظيم اجتماعات طارئة بين المسئولين، لكن الانقسامات الداخلية تتفاقم. ففي أحد الاجتماعات الخاصة، ناقش كبار قادة جيش الاحتلال أهمية استعادة الانضباط والتركيز على المهمة المشتركة، لكن هذه الدعوات قوبلت بردود فعل سلبية من جنود شعروا بأنهم «ضحايا قرارات سياسية بعيدة عن واقعهم الميداني»، في إشارة إلى توجيهات نتنياهو ووزرائه من أحزاب اليمين المتطرف.

يطالب مشروع القانون، الذي تدعمه وزارة الدفاع، بتمديد سن الإعفاء من الخدمة العسكرية الاحتياطية من 40 إلى 41 عامًا للجنود، ومن 45 إلى 46 عامًا للضباط، حتى نهاية العام الحالي. وتشمل المسودة أيضًا المتخصصين، مثل الأطباء وأفراد الطاقم الجوي، الذين سيستمرون في الخدمة حتى سن 50 بدلًا من 49، بهدف منع التسريح الجماعي لجنود الاحتياط الذين بلغوا سن الإعفاء في ظل العمليات القتالية المستمرة في غزة.

تحاول الحكومة الإسرائيلية المتطرفة صرف الأنظار عن الصراع السياسي والعسكري، إذ يتعامل نتنياهو بحدة مع المعارضين الذين تتزايد أعدادهم، واصفًا الأصوات الاحتجاجية بأنها «مجموعة صغيرة، صاخبة، أناركية، ومنفصلة عن الواقع من المتقاعدين، غالبيتهم لم يخدموا منذ سنوات»، معتبرًا أن «هذه الأعشاب الضارة تحاول إضعاف إسرائيل وجيشها وتشجع عدونا على إيذائنا». مضيفًا: «بعثوا برسالة ضعف إلى أعدائنا، ولن نسمح لهم بتكرار ذلك. رفض الخدمة هو رفض للخدمة، مهما أطلقوا عليه من أسماء قذرة».

وقد اعتبرت القوى المعارضة هذا التصريح تصادمًا مباشرًا بين الحكومة والمعارضة العسكرية، التي تعبّر عن «مخاوف» من استمرار الحرب وتأثيرها في معنويات الجيش بأكمله، خاصة بعدما وجّه عدد من العسكريين السابقين انتقادات لاذعة لإدارة الحكومة، مؤكدين أن «استمرار القتال دون توازن بين الأهداف العسكرية والمصالح السياسية سيؤدي إلى إضعاف القدرة القتالية للقوات».

«خيانة» داخلية

جنود وضباط إسرائيليون يشاركون في العدوان يتحدثون لوسائل إعلامهم عن شعورهم بـ«الخيانة»، قائلين: «القيادة لم تعد تراعي مصالحنا. لا تقدم لنا الدعم الكافي للتعامل مع التحديات اليومية. نحن على خط المواجهة، نواجه تهديدات داخلية وخارجية في آنٍ واحد.المؤلم أكثر أننا لم نعد نثق فيمن يُفترض أنهم يحموننا».

وتعبّر هذه الشهادات عن حالة من اليأس والغضب تجتاح صفوف الاحتياط، وتؤكد أن الأزمة تجاوزت كونها مجرد تمرد عسكري، بل أصبحت أزمة وجودية تمس الروح المعنوية لقوات الاحتلال، خاصة مع أزمة الخدمة العسكرية للمجتمعات الحريدية (اليهود الأرثوذكس المتشددين)، حيث ترفض هذه الفئة الانخراط في الجيش لأسباب «دينية»، باعتبار أن التفرغ للدراسة الدينية يفوق في قدسيته واجب الخدمة العسكرية.

إلا أن هذا الإعفاء، المستمر منذ عقود، يثير غضب قطاعات واسعة من العلمانيين والعسكريين، خاصة في ظل الحروب المتواصلة والتعبئة الواسعة لجنود الاحتياط، مما جعل الحريديم في نظر كثيرين عبئًا على الدولة لا يشاركون في أعبائها، وعمّق الفجوة بين مكونات المجتمع الإسرائيلي، في ظل سياسات لا تحترم مبدأ الجهود المشتركة.

وجه آخر للأزمة

لم تقتصر تداعيات الحرب على أبعادها العسكرية فقط، بل تسللت آثارها العميقة إلى مختلف مفاصل الحياة في الداخل الإسرائيلي. فقد أدى استمرار العمليات إلى غياب آلاف العمال عن وظائفهم، الأمر الذي تَسبب في خسائر اقتصادية فادحة تُقدَّر بمليارات الدولارات من إجمالي ناتج محلي يبلغ نحو 67 مليار دولار. ويعود ذلك إلى سلسلة مترابطة من العوامل، أبرزها تعبئة جنود الاحتياط، وإجلاء السكان من المناطق المهددة، وإغلاق المدارس، مما انعكس مباشرة على قدرة الأسر الإنتاجية.

أُجبر أكثر من 200 ألف شخص على مغادرة منازلهم في الجنوب والشمال بسبب تصاعد الهجمات، ما أدى إلى تعطيل قطاعات حيوية وشلل في أنشطة اقتصادية متعددة. أما إغلاق المدارس، فقد ألقى بثقله على الأهالي الذين اضطُروا للبقاء في منازلهم لرعاية أطفالهم، مما فاقم من أزمة الغياب عن العمل.

وتشير تقديرات مختلفة إلى أن التكلفة الأسبوعية لهذا الغياب ثقيلة الوطأة. فقد بلغت خسائر الاقتصاد نتيجة إغلاق المدارس وحدها نحو 1.25 مليار شيكل (ما يعادل 325 مليون دولار)، بينما كبّد إجلاء السكان من مناطق الحرب نحو 590 مليون شيكل (154 مليون دولار). أما التجنيد المكثف لجنود الاحتياط، فقد أضيف إلى الفاتورة بما يقرب من 500 مليون شيكل (130 مليون دولار).

ويشدد خبراء الاقتصاد على أن هذه الأرقام لا تمثل مجرد بيانات جامدة، بل تعكس واقعًا إنسانيًا قاسيًا تعيشه آلاف الأسر، التي طحنها التهجير والفقد والضغط النفسي. إذ أصبحت الحياة اليومية في الداخل الإسرائيلي مرآة لأزمة أعمق، تتداخل فيها الهواجس الاقتصادية والاجتماعية مع سخونة الجبهات العسكرية، في ظل بنية مجتمعية هشة غير متجانسة، أُسست على تعدد البيئات والمشارب.

منذ سنوات، تحذر رئاسة أركان جيش الاحتلال من أنّ «استمرار الامتناع عن الخدمة في الاحتياط قد يؤدي إلى تدهور خطير في الكفاءة الميدانية للقوات»، لكن المعطيات الراهنة تكشف أن أزمات الجيش الإسرائيلي لم تعد محصورة في ساحات القتال، بل باتت تعبيرًا عن تصدعات في النظامين العسكري والسياسي.

اقرأ أيضاً«مصادر»: مصر وقطر تسلمتا مقترحا إسرائيليا بوقف مؤقت لإطلاق النار في غزة وبدء مفاوضات

«حماس»: مستعدون لإطلاق جميع المحتجزين الإسرائيليين مقابل وقف النار والانسحاب من غزة

إعلام إسرائيلي: قدامى المحاربين والموساد يطالبون بإعادة الرهائن ووقف الحرب بغزة

مقالات مشابهة

  • اعلام العدو: الولايات المتحدة تزوّد “إسرائيل” بقنابل خارقة للتحصينات
  • المقاتلات الأمريكية تنفذ 20 غارة على مواقع للحوثيين في اليمن
  • نائب إيراني: الصراع مع طهران سيعني انهيار الولايات المتحدة الأمريكية
  • الولايات المتحدة تبلغ إسرائيل بالانسحاب التدريجي من سوريا خلال شهرين
  • رئيس الغرفة التجارية بغزة: إسرائيل تُغذي الفوضى والفساد وتحاربنا اقتصاديا
  • الأمين العام للأمم المتحدة: “إسرائيل” تحرم المدنيين في غزة من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة
  • قائد العمليات الأمريكية الخاصة: فائدتنا في اليمن مقلوبة
  • «تمرد عسكري» في إسرائيل.. لماذا تعصف الفوضى والتفكك بجيش الاحتلال؟!
  • مجلة أمريكية: اليمن يتحدى هجمات الولايات المتحدة بمواصلة إطلاقه الصواريخ على “إسرائيل”
  • محافظ البنك المركزي يتوجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية