ذكر مقال بصحيفة نيويورك تايمز أن إدارة الرئيس جو بايدن استخدمت أسلوب "الرفض الساذج" فيما يتعلق باتهام إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بارتكاب إبادة جماعية في غزة، مكتفية بمصطلح "لا أساس لها"، مقابل ملف مليء بالأدلة الدامغة قدمته جنوب أفريقيا لإثبات انتهاك تل أبيب التزاماتها بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948.

ولفتت الصحيفة الأميركية -في مقال بقلم ميغان ك. ستاك- إلى قول وزير الخارجية أنتوني بلينكن في تل أبيب إن "تهمة الإبادة الجماعية لا أساس لها من الصحة"، وقول المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي إنها "لا قيمة لها وتؤدي إلى نتائج عكسية، ولا أساس لها في الواقع مطلقا"، مشيرة إلى أن موقف اللامبالاة هذا الذي تتخذه الإدارة يوحي بالسذاجة.

وأوضحت الكاتبة أن الوثيقة المعروضة على المحكمة تم توثيقها وضبط مصادرها بدقة، ويقول العديد من الخبراء إن الحجة القانونية فيها قوية بشكل غير عادي.

وقد قدمت كلمات المسؤولين الإسرائيليين دليلا على النوايا، من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يحث الإسرائيليين على "تذكر" رواية العهد القديم عن مذبحة عماليق "لا تعفوا عن أحد بل اقتلوا الرجال والنساء"، إلى وزير الدفاع يوآف غالانت الذي تعهد بأن "غزة لن تعود إلى ما كانت عليه من قبل، سوف نزيل كل شيء"، إلى وزير الطاقة والبنية التحتية بتعهده "لن يحصلوا على قطرة ماء أو بطارية واحدة حتى يغادروا هذه الدنيا".

مجاهرة بالإبادة

ومن خلال التحدث علنا عن تدمير غزة وتشتيت سكانها، نجح القادة الإسرائيليون -كما ترى ستاك- في نشر ما تم إخفاؤه أو إنكاره في حالات أخرى من الإبادة الجماعية، إلا أن جلسات محكمة العدل الدولية لن تجيب عن كون إسرائيل ارتكبت أو لم ترتكب إبادة جماعية، ولكن إذا اقتنعت لجنة القضاة بأن الاتهام بالإبادة الجماعية أمر معقول، فعليها أن تأمر "على وجه السرعة القصوى" إسرائيل بوقف هجومها من أجل حماية الفلسطينيين والحفاظ على الأدلة.

وحتى التأكيد على أن الأدلة تشير إلى حدوث إبادة جماعية من شأنه أن يجبر المجتمع الدولي على حماية سكان غزة الذين يعانون من الصدمة والجوع، وذلك من خلال المطالبة بوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات، وعلى المدى الطويل يمكن أن تضع هذه القضية الأساس المبكر لفرض عقوبات على إسرائيل أو محاكمة مسؤوليها.

وتتابع الكاتبة بأن هذه الإجراءات هي بالنسبة للولايات المتحدة أيضا ذات معنى لأن إدارة بايدن هي الراعي الذي لا غنى عنه لهذه الحرب، إذ قامت بتسليح وتمويل إسرائيل وحمايتها دبلوماسيا على الرغم من التقارير الرهيبة المتزايدة عن قتل وتهجير الفلسطينيين، وبالتالي إذا تبين أن العنف في غزة يمثل إبادة جماعية، فقد تتهم واشنطن بالتواطؤ في الإبادة الجماعية، وهي جريمة في حد ذاتها.

ولكن نظرا للقوة التي تتمتع بها الولايات المتحدة، وسجلها الحافل بالإفلات من العقاب على المستوى الدولي، فإن احتمالات حدوث أي عواقب كبيرة قد تكون ضئيلة، ومع ذلك، ينبغي للأميركيين أن يفهموا أن القضية جوهرية وخطيرة، وأن حكومتهم متورطة فيها، كما تقول ستاك.

لا مبررات

وقد استشهد المسؤولون الإسرائيليون والأميركيون مرارا وتكرارا بـ"الدفاع عن النفس" لتفسير أعمال العنف في غزة، لكن هذه الحجة لا يمكن أن تبرر أعمال الإبادة الجماعية، خاصة أن الهجوم الإسرائيلي على غزة يشكل -وفقا للكاتبة- ردا غير متناسب على هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

وفي مقطع تلفزيوني إسرائيلي استشهدت به جنوب أفريقيا في دعواها، تحدث العقيد يوغيف بار شيشيت من غزة قائلا "من يعود إلى هنا -إذا عاد إلى هنا بعد ذلك- سيجد الأرض المحروقة، لا منازل ولا زراعة ولا شيء، ليس لديهم مستقبل".

وقد حاول المسؤولون الإسرائيليون تحسين صورتهم بالقول إن "حربنا هي ضد حماس لا شعب غزة"، ونبه نتنياهو وزراءه لضرورة توخي الحذر فيما يقولونه عن الحرب، قائلا "اختر كلماتك بعناية" على الرغم من خطابه العنيف.

ووصف المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية إيلون ليفي، مرارا وتكرارا قضية جنوب أفريقيا بأنها "تشهير دموي"، في إشارة إلى نظريات المؤامرة الأوروبية المعادية للسامية التي غذت اضطهاد اليهود منذ العصور الوسطى، وقال مخاطبا حكومة جنوب أفريقيا "التاريخ سيحكم عليكم، وسيحكم عليكم بلا رحمة".

أما راز سيغال، المؤرخ الإسرائيلي وخبير الإبادة الجماعية، فقد قال إن تصرفات إسرائيل في غزة هي بالفعل "حالة نموذجية من الإبادة الجماعية".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الإبادة الجماعیة إبادة جماعیة جنوب أفریقیا فی غزة

إقرأ أيضاً:

نيويورك تايمز: ما الذي يمنع اندلاع حرب واسعة بين إسرائيل وإيران؟

حذرت صحيفة نيويورك تايمز من أن العالم يحبس أنفاسه مع احتمال تفجر الصراع بين إسرائيل وإيران في أي وقت، وذكرت أن ما يقرب من شهر قد انقضى منذ هاجمت إسرائيل قواعد إيران العسكرية، ولا يزال العالم يترقب كيف سترد طهران.

وتتساءل الصحيفة، في تقرير لمراسلتها في روما، لارا جايكس، عن الأسباب التي تمنع القوتين في الشرق الأوسط من الدخول في حرب أوسع نطاقا بدت للوهلة الأولى أنها على وشك الانفجار.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الحرس الثوري الإيراني: مواجهتنا مع إسرائيل لها امتداد دوليlist 2 of 2إعلام إسرائيل يتساءل: متى سترد إيران؟ وكيف؟end of list

وربما كان المحللون يتوقعون، منذ وقت ليس ببعيد، أن أي ضربة مباشرة من إيران على إسرائيل، أو من إسرائيل على إيران، ستؤدي إلى اندلاع حريق فوري، إلا أن الأمور لم تسر على هذا النحو.

كواليس

وذكرت الصحيفة أن أحد أسباب ذلك التحركات الدبلوماسية المحمومة "خلف الكواليس" من الولايات المتحدة ودول عربية.

ومع ذلك، فإن تبادل الهجمات "المدروسة والمحدودة" بين إسرائيل وإيران تنذر أيضا بحرب "صدمة وترويع" بينهما، قد تكون لها عواقب وخيمة ليس فقط على منطقة الشرق الأوسط فحسب، بل على معظم دول العالم.

وفي هذا الصدد، نقلت الصحيفة عن جوليان بارنز داسي، مدير شؤون الشرق الأوسط في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، قوله إن طبيعة الهجمات المتبادلة تشي -على ما يبدو- بأن الدولتين تدركان مدى خطورة نشوب حرب إقليمية أشد ضراوة، ترغب كلتاهما -على الأرجح- في تفاديها.

واستدرك أن ذلك لا يعني أن النهج الحالي يخلو من مزالق، فهو "مسار محفوف بمخاطر جمة وغير مستدام، سرعان ما قد يخرج عن السيطرة".

التصعيد تدريجيا

وأضاف أن إسرائيل ربما تتعمد التدرج في التصعيد بنية القيام، في نهاية المطاف، بشيء أوسع نطاقا وأكثر حسما.

ورغم كل ذلك، فإن نيويورك تايمز ترى أن الهجمات المتبادلة بين إيران وإسرائيل لا تشبه كثيرا الحرب المعروفة باسم الصدمة والترويع التي تُستخدم فيها القوة النارية الماحقة والتكنولوجيا المتفوقة والسرعة لتدمير قدرات العدو المادية وإرادته في المقاومة، وهو مدلول أطلقه لأول مرة خبيران عسكريان أميركيان عام 1996.

ولعل أبرز مظاهر الصدمة والترويع التي لا تنسى -حسب الصحيفة- تلك التي تجلت في وابل الضربات الجوية التي شنتها الولايات المتحدة في بداية غزوها العراق عام 2003، وحربها على أفغانستان عام 2001.

وتعتقد الصحيفة أنه سيكون من الصعب تنفيذ حرب "الصدمة والترويع" في الصراع الدائر حاليا في الشرق الأوسط، ذلك أنه يستدعي إشراك قوات برية وتزويدها بعتاد بري وجوي وبحري أكثر مما قد ترغب إسرائيل أو إيران في نشره عبر مئات الأميال التي تفصل بينهما.

الصدمة والترويع

ولا تزال الأوساط العسكرية تتداول في إذا ما كان هجوم "الصدمة والترويع" قابلا للتطبيق. وهذا ما ناقشه رئيس هيئة الأركان المشتركة المتقاعد، الجنرال الأميركي مارك ميلي، والرئيس التنفيذي السابق لشركة غوغل، إريك شميت، في مقالهما التحليلي الذي نشرته مجلة فورين أفيرز أغسطس/آب الماضي.

وفي ذلك المقال، كتب الاثنان أن عصر حروب الصدمة والترويع، "التي كانت واشنطن قادرة فيها على القضاء على خصومها بقوة نيران قاهرة، قد ولى"، وأن الأسلحة ذاتية التشغيل والذكاء الاصطناعي يغيران طبيعة الحرب.

وقد رد محللان في مركز الدراسات الإستراتيجية التابع للبحرية الملكية البريطانية، الشهر الماضي، على المقال المذكور بأن حرب الصدمة والترويع تتطور ولم تنتهِ، واستدلا على ذلك بهجوم إسرائيل على حزب الله في لبنان عبر أجهزة النداء واللاسلكي المفخخة.

ووفقا لتقرير نيويورك تايمز، فإن تبادل الهجمات الأشهر الماضية بين إسرائيل وإيران جعل المسؤولين حول العالم في حالة تأهب لحرب إقليمية أوسع نطاقا. وبعد ساعات من الضربات، قال القائد العام للحرس الثوري الإيراني الجنرال حسين سلامي إن بلاده قررت خلق "معادلة جديدة" في صراعها المستمر منذ سنوات مع إسرائيل.

مخاطر

غير أن فرزان ثابت، وهو محلل متخصص في السياسة الإيرانية والشرق أوسطية في معهد جنيف للدراسات العليا في سويسرا، صرح للصحيفة الأميركية بأن وابل الهجمات الصاروخية المنضبطة يبدو أنه يشير إلى نوع جديد من الحروب.

لكنه حذر أيضا من الأسوأ ربما يحدث حتى الآن، إذ أشارت إيران مؤخرا إلى أنها مستعدة لضرب مصادر الطاقة الرئيسية في إسرائيل -بما في ذلك حقول الغاز ومحطات الطاقة ومحطات استيراد النفط- في حال استُهدفت بنيتها التحتية المدنية.

ويعتقد ثابت أن إيران "تحاول أن تكون لها الكلمة الأخيرة"، بمعنى أنها "تريد أن تُظهر لشعبها وللرأي العام الإقليمي أنها فعلت شيئا، لكنها لا تريد تصعيد الصراع".

ومع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب للسلطة، فإن نيويورك تايمز تتوقع على نطاق واسع أن ينتهج سياسة خارجية مواتية لإسرائيل، و"يحشد صقورا مناوئين لإيران في حكومته"، مما قد ينقل الحرب بين إيران وإسرائيل إلى مضمار جديد.

مقالات مشابهة

  • 50 يومًا على الإبادة الجماعية والحصار شمالي القطاع
  • نيويورك تايمز: اتفاق محتمل بين إسرائيل ولبنان يلوح في الأفق
  • الفرق بين المحكمتين "الجنائية والعدل" الدوليتين.. خبير قانوني: الإبادة الجماعية القصد منها تدمير جماعة وطنية أو إثنية
  • نيويورك تايمز: ما الذي يمنع اندلاع حرب واسعة بين إسرائيل وإيران؟
  • اتهام مساعد لنتانياهو وجندي في تسريبات هزت إسرائيل
  • حزب "المصريين": أوامر اعتقال نتنياهو وجالانت توثيق لجرائم الإبادة الجماعية في غزة
  • حماس: واشنطن شريك في جرائم الإبادة الجماعية في غزة
  • فلسطين: الفيتو الأمريكي تشجيع لإسرائيل على "الإبادة الجماعية"
  • الولايات المتحدة تكشف للعالم حقيقة وقوفها خلف جرائم الإبادة الجماعية لأبناء غزة (تفاصيل)
  • الغارديان: دعوة البابا للتحقيق في الإبادة الجماعية بغزة تعكس تصاعد التدقيق العالمي