بين الواقع وخيال القرّاء هل نعيش فى هذا العالم بمفردنا؟
تاريخ النشر: 13th, January 2024 GMT
مَنْ منا لم يسمع بوجود المخلوقات الأسطورية مثل الغول، وحورية البحر، وغيرهما؟ هناك من يصدق بوجود هذه المخلوقات، وهناك من يكذب ذلك. وفى بعض الأحيان قد ترى صورًا ومنشورات على مواقع التواصل تعلن عن وجودها، ومن هنا يزداد البحث للحصول على إجابة وتفسير لمدى وجود هذه المخلوقات، فكثير منها تُعرف بأنها كائنات مزعومة لا يُصدق انتشارها، وأخرى غامضة لها قصص حقيقية، أو جعلتها الظروف تبدو أكثر أسطورية؛
فعلى سبيل المثال فى الجزء الشرقى من ليبيا وفى القرن الخامس قبل الميلاد، أكد الكاتب الرومانى «بلينى الأكبر» أن هناك قبيلة من الرجال بلا رؤوس، بل مجرد عيون وأفواه على صدورهم، وأطلق عليها اسم (بلمبيا) وقال: إنها قبيلة بدوية انتقلت فى ذلك الوقت من ليبيا إلى إثيوبيا، وكانوا أيضاً ذوى طبيعة متوحشة وخطيرين للغاية، وهذا ما زعمه أيضاً الكاتب والمؤرخ اليونانى الشهير «هيرودوت».
وفى عام ١٢١١م ادّعى مُستكشف يُدعى «آرثر فيرمز» أنه عثر على قبيلة من الرجال بلا رؤوس وعيونهم وأنوفهم وأفواههم على صدورهم، يعيشون فى جزيرة فى إثيوبيا، وبعد أكثر من ١٠٠ عام بقليل زعم المُستكشف «جون ماندفيل» أنه شاهدها أيضاً، وفى القرن السابع عشر أكد كذلك السير «والتر رالي» وجود مخلوقات لها عيون على صدورها وشعر طويل ينمو بين الأكتاف، وكل ذلك يؤكد ادعاء «بيلينى الأكبر» والمؤرخ اليونانى «هيرودوت» حول وجود مثل هذه الكائنات الأسطورية، وغيرها.
هذا؛ وعندما انطلق «كولومبوس» فى رحلته عام ١٤٥١ من إسبانيا عبر المحيط الأطلسى، ساعيًا إلى العثور على طريق تجارى غربى آسيا، والتى انتهت باكتشاف الأمريكتين، قادته رحلته بالقرب من جمهورية الدومينيكان، حيث زعم فى ٩ يناير ١٤٩٣ أنه شاهد ثلاث حوريات بحر ووصفها بأنها: «ليست جميلة كما تم رسمها»، وبعد ذلك بما يزيد عن الثلاثة قرون قام فريق يابانى بنشر تقرير يوضح أن حوريات البحر حقيقية، وجاء ذلك بعدما تم العثور فى المحيط الهادئ قبالة جزيرة «شيكوكو» اليابانية على مومياء لمخلوق محنط بالغ من العمر ٣٠٠ عام، ويبلغ طوله ٣٠سم تقريبًا، ويتميز النصف العلوى منه برأس مشعر ووجه ملتوٍ وأسنان مدببة، وقدم تشبه ذيل السمكة، ويحتفظ بهذا المخلوق الآن فى معبدفى مدينة أساكوتشى اليابانية.
وفى النهاية ومع تعدد الأمثلة؛ فإن الأسطورة تعد توليدًا تعبيريًا عن الحياة فى صورتها التلقائية، وهى أيضاً الصورة الأصليَّة التى تعبر عن ارتباط الإنسان بالواقع والحياة، والاختلاق ليس من سمات الأسطورة أو من خصائصها، وهى إن كانت لا تصور الواقع أو تعبر عنه، فإن ذلك لا يمنعها من أن تكشف لنا جانبًا من الجوانب الحقيقية.
ومن هنا تظل الإجابة عن هذا السؤال من وحى خيال القاريء: هل نعيش فى هذا العالم بمفردنا؟!
أستاذ الإعلام المساعد بكلية الآداب
جامعة المنصورة
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أستاذ الإعلام جامعة المنصورة د أحمد عثمان
إقرأ أيضاً:
دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني: بين الواقع والمأمول
كتب الدكتور عزيز سليمان أستاذ السياسة والسياسات العامة
الصراع السوداني الممتد يمثل أحد التحديات الأعقد في تاريخ البلاد الحديث، حيث تشابكت الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية، وبرزت مطالب عاجلة للسلام والاستقرار. ومن بين القضايا المطروحة اليوم بإلحاح من قِبل إدارة الرئيس الأمريكي بايدن هي إمكانية دمج ما تبقى من قوات الدعم السريع في الجيش السوداني بهدف إنهاء النزاع وتحقيق الاستقرار. يطرح هذا الطرح تساؤلات عدة، بين جدلية الاندماج وتأثيره على النسيج الوطني، مرورًا بمسألة المحاسبة والعدالة، وصولاً إلى مواقف الإسلاميين والقوى السياسية والعسكرية التقليدية، ومدى قبول السودانيين أنفسهم لهذه الخطوة بعد كل هذه البشاعات التي قامت بها هذه المليشيات متعددة الجنسيات..
الأبعاد الجدلية لعملية الدمج
قوات الدعم السريع ليست مجرد تشكيل عسكري عادي؛ فهي تتسم ببنية إدارية وتاريخ خاص له ارتباطات مع محاور* ذات أحلام وأمال عراض في موارد السودان وأراضيه وموانئه، نشأت أصلاً كقوة مسلحة شبه مستقلة تحت قيادة منفصلة تحت امرة الرئيس المخلوع البشير كقوات باطشة ومؤمنة للرئيس لضمان حمايته وبقاءه في السلطة، مما أكسبها مكانة فريدة من نوعها، ولكنها مثيرة للجدل داخل الأوساط السودانية. ولعل العامل الأكثر تعقيدًا في عملية دمج هذه القوات هو تاريخها المرتبط بنزاعات عنيفة وارتكاب انتهاكات جسيمة في دارفور وأماكن أخرى، حيث أُلقي على عاتق هذه القوات جرائم كبرى تُصنف تحت بند جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والإبادة الجماعية..
إن مسألة دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني تتطلب، بلا شك، حلاً جذريًا لهيكلية هذه القوات وإعادة تنظيمها بما يضمن ولاءها التام للمؤسسة العسكرية الوطنية، وتحت قيادة مركزية موحدة. يرى البعض أن الاندماج قد يكون سبيلًا لإنهاء النزاعات الداخلية وتوحيد الجهود في مواجهة التحديات الأمنية. لكن في المقابل، يعتبر آخرون أن أي خطوة نحو دمجها دون محاسبة واضحة وشفافة ستكون تضحية بقيم العدالة وسيادة القانون.
موقف السودانيين ومسألة احقاق العدالة
يشكل الرأي العام السوداني عاملًا محوريًا في تحديد ملامح هذا الدمج. فالشعب السوداني الذي عانى من سنوات من القمع والحرب والانتهاكات، يطمح إلى تحقيق العدالة قبل السلام. والمحاسبة، في نظر الكثيرين، هي شرط أساسي قبل التفكير في إدماج أي طرف متورط في انتهاكات حقوق الإنسان في نسيج الجيش الوطني.
ومما لا شك فيه أن الإصرار على تحقيق العدالة قد يؤدي إلى صعوبة تطبيق خيار الدمج، فالمواطنون السودانيون لا يرغبون في رؤية من ارتكبوا الجرائم بحقهم وقد انضموا إلى المؤسسة العسكرية دون خضوعهم للمساءلة. ويرى كثيرون أن تجاهل هذه النقطة قد يؤدي إلى فقدان الثقة الشعبية في الجيش كمؤسسة، مما يعرقل تحقيق الاستقرار المنشود.
موقف الإسلاميين والمؤسسة العسكرية
المشهد السياسي السوداني يسيطر عليه توازن حساس بين القوى المدنية والعسكرية والإسلامية. يتجلى موقف الإسلاميين بشكل خاص في النظر إلى قوات الدعم السريع كمنافس وتهديد، بل ويسعى بعضهم إلى تفكيك هذه القوة، في حين يحاول الجيش أن يستعيد دوره التاريخي في حفظ النظام والأمن.
أما الجيش السوداني، فإن خيار الدمج قد يعزز من سيطرته على الوضع الأمني في البلاد، لكنه أيضًا قد ينطوي على تحديات كبرى، خاصة إذا لم يلتزم قادة الدعم السريع بالهيكلية العسكرية الوطنية وبالقوانين المنظمة لعمل الجيش. إن المؤسسة العسكرية السودانية، التي كانت في يوم من الأيام تمثل العمود الفقري للأمن القومي، تجد نفسها اليوم في وضع حرج، يتطلب منها توخي الحذر في التعامل مع أي قوة عسكرية ذات توجهات أو قيادات مستقلة، لتجنب أي انشقاقات مستقبلية.
خاتمة: معادلة السلام أم تسوية سياسية؟
في النهاية، يبدو أن دمج قوات الدعم السريع او اياً من الحركات المسلحة في الجيش السوداني يمثل معادلة معقدة تحتاج إلى توازن دقيق بين تطلعات السودانيين للسلام وضرورة المحاسبة. وعلى القوى الوطنية السودانية والقادة العسكريين أن يتبنوا خطوات صارمة نحو
ضم او الحاق أي فصيل مسلح يحتكم لأسرة في حالة الدعم السريع او لقبيلة او منطقة في حالة بعض حركات الكفاح المسلح لضمان عقيدة جيش الدولة بعيداً عن الاستقلالية الفردية والولاءات الجانبية. فإذا أُحسن التعامل مع هذا الملف بعد التحقق من السودانوية (الجنسية) ، قد يكون الدمج و التسريح خطوة نحو تعزيز الأمن الوطني وتوطيد الاستقرار.
*المحور المقصود هنا هو دولة الامارات العربية المتحدة
quincysjones@hotmail.com