عن الحضارة الغربية ومن يمثلها
تاريخ النشر: 13th, January 2024 GMT
إذا كانت الدول الغربية هي المعادل الموضوعي لمصطلح «الغرب» بكل أبعاد المصطلح الثقافية والحضارية والتاريخية فإن الحضارة الغربية قد سقطت سقوطا مدويا نتيجة تورطها في الكثير من الحروب الإجرامية التي نشرت البؤس والشقاء في الكثير من قارات العالم بما في ذلك الدول العربية التي عانت الأمرين من الغرب الاستعماري عبر القرون الماضية وإلى يومنا هذا حيث تشهد غزة الفلسطينية إبادة جماعية بدعم سياسي وعسكري من «الدول» الغربية التي تقدم نفسها باعتبارها صانعة الحضارة «الغربية».
أما إذا كان الأفراد هم المعادل الموضوعي للأبعاد الثقافية والحضارية في مصطلح «الغرب» فإن عليهم الوقوف ضد دعم دولهم، و/أو تورطها في جرائم عنصرية ضد الإنسانية قبل أن يسقطوا فيما تسقط فيه دولهم من مأزق أخلاقي وحضاري.
لقد كشفت الكثير من الدول الغربية عن تواطؤ كبير مع الجرائم التي يرتكبها كيان الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، وهي أحد أبشع الجرائم التي يمكن تصورها، فيما تمتنع هذه الدول عن أبسط فعل يمكن توقعه من دول تدعي التقدم والثراء الحضاري وهو رفض حرب الإبادة والدعوة إلى وقف الحرب.
لكن هذه الدول التي ألفت الحرب عبر تاريخها الطويل مستعدة لفتح جبهات قتال في عدة جهات من أجل الدفاع عن جرائم الإبادة التي تقوم بها إسرائيل في قطاع غزة. فهي مستعدة لشن هجمات دموية في اليمن أو الاستنفار للدفاع عن إسرائيل في محكمة العدل الدولية معتبرة أن إسرائيل لم ترتكب أي فعل يمكن توصيفه على أنه جريمة إبادة! والغرب بهذا التوجه يناقض نفسه بشكل مضحك جدا، فهو الذي وضع توصيف جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية وكذلك جرائم التطهير العرقي، وكل هذه الجرائم ترتكبها إسرائيل في فلسطين منذ أكثر من 75 سنة، وقبل قيام ما عرف بدولة «إسرائيل» عندما كانت الجماعات اليهودية ترتكب مجازر مروعة بحق الشعب الفلسطيني.
ولا أعرف كيف يمكن لدولة شهدت أرضها الكثير من جرائم الإبادة قبيل وخلال الحرب العالمية الثانية تجند نفسها للوقوف في صف إسرائيل بينما تعي تماما أنها ترتكب جرائم تطهير عرقي. فجرائم إسرائيل في قطاع غزة ترتكب بقصد واضح ومعلن لتدمير الفلسطينيين في غزة، وقتل أطفالهم ونسائهم بهدف قطع نسلهم بشكل كامل أو جزئي. كما أن سلوك المؤسسات الإسرائيلية وكذلك المسؤولين القائمين عليها لا يخفي هذا التوجه والرغبة في القضاء على الفلسطينيين في القطاع. ورغم أن العالم أجمع يتحدث عن الإبادة التي تحدث في قطاع غزة إلا أن إسرائيل بوصفها «دولة» احتلال لم تستطع منع/ وقف الإبادة الجماعية، كما فشلت في مقاضاة التحريض المباشر والعلني على الإبادة الذي صدر من قيادات سياسية وعسكرية وأمنية. لقد ارتكبت إسرائيل كل الأفعال دون استثناء التي توصفها القوانين الدولية بأنها جرائم حرب بما في ذلك إخضاع الفلسطينيين لظروف معيشية هدفها تدميرهم ماديا ومعنويا حينما يقتل أطفالهم أمامهم وهم مدنيون، وحينما يستهدف الأطفال بشكل مباشر، وحينما يقطع عنهم الماء والكهرباء والمواد الغذائية ويهجرون من بيوتهم ويلحق بهم الأذى الروحي والجسدي.. ويحدث ذلك أمام مرأى ومسمع العالم وتنقل وسائل الإعلام كل ما يحدث على الهواء مباشرة.
كان الغرب في السابق يشعر ببعض الحرج عندما تكون جرائمه أو الجرائم التي يتستر عليها واضحة وعلنية ولكنه الآن تخلى حتى عن مجرد الحرج، بل راح يدعم تلك الجرائم ويدافع عنها وعن مرتكبيها، بل ويحاول تبريرها أو إعادة توصيفها بشكل فج.
على النخب الغربية التي لا نشك في أدوارها الحضارية ومساهمتها في صناعة حاضر البشرية ومستقبلها أن تقول كلمتها بشكل واضح لا لبس فيه هل هي مع هذه الحرب التي ترتكب فيها إسرائيل وبعض الدول الغربية جرائم بشعة ومخزية للإنسانية وستبقى وصمة عار في جبين الإنسانية التي تعجز حتى الآن عن وقفها أو الوقوف الجاد ضدها؟.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی قطاع غزة إسرائیل فی الکثیر من
إقرأ أيضاً:
مقررة أممية: إسرائيل تعترف بارتكاب جنودها جرائم حرب بغزة
قالت المقررة الأممية الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية فرانشيسكا ألبانيز إن إسرائيل اعترفت ضمنيا بارتكاب جنودها جرائم حرب في غزة، عبر نصحهم بتجنب نشر صور ومشاهد تشكل أدلة تدينهم في ملاحقات خارجية.
ووصفت ألبانيز -في حديث لوكالة الأناضول- موقف الجيش الإسرائيلي بخصوص حث أفراده على تجنب نشر صور ومشاهد بأنه صادم، وأضافت "بدلا من أن تنصح إسرائيل جنودها بعدم ارتكاب جرائم، تقول لهم غطوا وجوهكم، أو اطمسوها عند مشاركة مقاطع الفيديو".
وأكدت ألبانيز أن هذا يعد اعترافا من إسرائيل بأنه من الممكن أن يرتكب جنود إسرائيليون جرائم، وهذا أمر غير مقبول.
وأشارت المقررة الأممية إلى أن استمرار هجمات إسرائيل على غزة أمر غير مقبول.
وفي التاسع من يناير/كانون الثاني الجاري، قالت صحيفة يديعوت أحرونوت إن الجيش الإسرائيلي حث منذ مدة طويلة الأفراد الذين خدموا في غزة على تجنب نشر صور أو مقاطع فيديو من الحرب على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ يمكن استخدامها دليلا في تحقيقات جرائم الحرب.
وأضافت الصحيفة أنه رغم التحذيرات، فإن العديد من الجنود انتهكوا الأوامر العسكرية، مما ساعد المنظمات المؤيدة للفلسطينيين في أوروبا وأماكن أخرى على إنشاء قوائم سوداء تضم هؤلاء العسكريين.
إعلان ملاحقة خارجيةولفتت ألبانيز إلى أهمية سلطة القضاء العالمي، لدى تعليقها على هروب جندي إسرائيلي مؤخرا إلى الأرجنتين بعد أن كان على وشك الاعتقال في البرازيل.
وفي الخامس من يناير/كانون الثاني الجاري، أمرت محكمة في البرازيل الشرطة بالتحقيق مع جندي إسرائيلي يزور البلاد، للاشتباه في ارتكابه جرائم حرب في قطاع غزة، ولكن الجندي تمكن من الفرار إلى الأرجنتين، ثم عاد إلى إسرائيل.
وذكرت ألبانيز بأن قضايا مماثلة ضد جنود إسرائيليين أثيرت أيضا في ألمانيا ودول أوروبية أخرى، وقالت إن سلطة القضاء العالمي هي أداة قوية لتحقيق العدالة حين تخفق كل الوسائل الأخرى.
ويسمح القضاء العالمي للدول أو المنظمات الدولية بمقاضاة شخص متهم بجرائم ضد الإنسانية بصرف النظر عن مكان ارتكاب هذه الجرائم.
مشروع إسرائيل الكبرىوأكدت المقررة الأممية أن إسرائيل انتهكت المبادئ الأساسية للقانون الدولي، مثل حظر كل من العدوان والضم القسري للأراضي والتمييز العنصري والتعذيب والإبادة الجماعية.
وحذرت من أن مشروع "إسرائيل الكبرى" شديد الخطورة، مشيرة إلى أن الدول العربية وغيرها من الدول في المنطقة لا بد أن تشعر بالقلق الشديد، لأن قادة إسرائيل وشرائح من المجتمع الإسرائيلي يتحدثون عن "إسرائيل الكبرى".
ولفتت إلى أن إسرائيل تجاوزت القانون بتجاوزها للحدود المشروعة للقانون الدولي، وأردفت أن إسرائيل اختبرت حدود النظام الدولي، ورأت أن هذه الحدود أصبحت أكثر تراخيا، وأن أعضاء المجتمع الدولي سمحوا بذلك.
الإبادة الجماعيةوشددت ألبانيز على أن الخسائر بين صفوف المدنيين الفلسطينيين في غزة مستمرة في الارتفاع، وأن المجتمع الدولي أخفق في اتخاذ موقف حاسم ضد هذه الإبادة الجماعية.
وقالت إنه لا يوجد منطق فيما يحدث في غزة، ولا يمكن أن يكون هناك مبرر لقصف المدنيين أو استهداف مخيمات اللاجئين، مؤكدة أن الفلسطينيين المدنيين يمزقهم القصف العنيف من الجيش الإسرائيلي، وتستهدفهم القناصة والمسيرات الإسرائيلية.
إعلانوبشأن مقتل المصور الصحفي في غزة سائد أبو نبهان، قالت ألبانيز إن الصحفيين الفلسطينيين مستهدفون بمستوى غير مسبوق، مؤكدة وجود روح انتقامية واضحة في الهجمات ضد الصحفيين في غزة.
وفي العاشر من يناير/كانون الثاني الجاري، استشهد أبو نبهان برصاص قناص إسرائيلي أثناء القيام بعمله في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة.
وقتلت إسرائيل 205 صحفيين في غزة منذ بدء حرب الإبادة التي تشنها على القطاع منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفق مكتب الإعلام الحكومي بغزة.
موقف غربي منحاز لإسرائيلوانتقدت ألبانيز موقف قادة الغرب المؤيد لإسرائيل في مواجهة الإبادة الجماعية في غزة.
وقالت إن ما ينقصنا هو التعاطف والإنسانية، لا سيما من قادة الغرب الذين يتحدثون عن حقوق الإنسان والقيم العالمية كل يوم.
وأضافت أن هؤلاء القادة لا يرون الفلسطينيين أناسا، وأن تصريحات السياسيين الأميركيين والألمان تبدو وكأنها لا تنتمي إلى القرن الـ21، كما أنها تتعارض مع كل ما بني على مدى 80 عاما بعد الحرب العالمية الثانية والهولوكوست التي تركت أثرا عميقا في وعي الشعوب الغربية.
ووصفت موقف الولايات المتحدة ضد المحكمة الجنائية الدولية وتهديداتها بفرض عقوبات بأنه "خطير ومخز".
وشددت على أن هذا يعكس غطرسة القيادة السياسية الأميركية، وأنهم لا يرون بقية العالم على قدم المساواة معهم بما في ذلك أقرب حلفائهم الغربيين، على قدم المساواة.
وفي العاشر من يناير/كانون الثاني الجاري، أقر مجلس النواب الأميركي مشروع قانون يدعو إلى فرض عقوبات على مسؤولين في المحكمة الجنائية الدولية، التي أصدرت بوقت سابق مذكرات اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين.
مذكرة اعتقال الجنائية الدوليةوأدانت ألبانيز تصريحات دول أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية بأنها لن تنفذ مذكرة الاعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وفي 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة.
إعلانوقالت ألبانيز أن دولا مثل بولندا والمجر وفرنسا أدلت بتصريحات مماثلة.
وأضافت أن ذلك لا يضر بالفلسطينيين فقط، بل يخلق أيضا شعورا دائما بالامتياز للإسرائيليين، وهو ما سيؤذي الإسرائيليين على المدى الطويل، فالعديد منهم يشاركون في إبادة جماعية بغزة.