سودانايل:
2024-11-12@23:52:01 GMT

الرقابة على الحاكم بين الأمس واليوم

تاريخ النشر: 13th, January 2024 GMT

بسم الله الرحمن الرحيم

سرف المداد

د. الطيب النقر

قد عانت الأمة في غيابها العسف وسامها الطواغيت الخسف، فدين الله الخاتم الذي لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه، قد أزاح ذلك الركام الثقيل من الظلم والاستبداد، وكفل للرعية التي تمقت الجور والشطط أن تبسط رأيها في الحاكم دون أن تخشى المهالك والحتوف، ولعلنا لا نُنكر أو نرتاب في أمر تلك الطائفة التي كانت ندية الصوت، حافلة الخاطر، دامغة الحجة، في صدر الإسلام فقد كانت تتدفق تدفق السيل الهادر إلى سهول الحاكم لتهدي إليه دواوين من العبارات الجزلة، وباقات من البيان المشرق، وآكام من الحجج المُفحِمة، نعم لقد كانت تلك الأمة في أزهى عصورها نابية عن الضعف، أبيَّة على السكون، بما أوجب الله عليها من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ يقول الله عزّ وجلّ في مُحكم تنزيله:«ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون» آل عمران:104.

ويقول المولى جلّ شأنه أيضاً في كتابه المُحكم السبك، الدقيق المعاني، المنسجم التراكيب، الناصع الأسلوب، «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله» آل عمران:110. والنبي المرسل عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم الذي جدّد ما رثّ من حبل القيم، وجمع ما شتّ من شمل العرب، أمرنا بمراقبة الحاكم ورده إلى الصواب كلما أخطأ، وتقويمه كلما أعوج حينما قال:«لتأمرنّ بالمعروف، ولتنهونّ عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطرًا، ولتقصرنه على الحق قصرًا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم ببعض» رواه أبوداود والترمذي، ويقول خير من سار على الثرى أيضاً: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده» رواه الترمذي والنسائي، أما حديثه صلى الله عليه وسلم الذي وعته العقول، وحوته الحفائظ والصدور، والذي يأمرنا فيه بدفع الباطل باليد، واستهجان الضلال باللسان أو حتى بالقلب، فلا أوخم مرعى، ولا أزيد في الشناءة من أن نظل موسومين بالعجز، موصومين بالفشل عن تطبيقه، على ضوء ذلك ليس من المغالاة أن نزعم أن التعاون بالهدي، والتعاضد بالنصيحة، فريضة على كل مسلم مكلف، يقوم المجتمع بقيامها، ويزول بزوالها، وفي هذا الصدد يقول الدكتور فتحي عبدالكريم صاحب كتاب »الدولة والسيادة في الفقه الإسلامي: «ما هلكت أمة يتواصى أبناؤها بالحق، ويتناهون عن الباطل، ولكن دالت دول كما جاء في الكتاب الكريم لأنهم «كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون» المائدة:52. والناس جميعاً في خسر «إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر» العصر:3. اذن هذا الدين السامي الذي يشرق بنور العقل، وينبض بروح العدل، لم يدع الرعية تقاسي معرة الظلم، وتكابد مذلة الحرمان، دون أن تفصح عن دخيلة نفسها، بل حفزها أن تصاول برأيها دون غلو أو مبالغة، وليس شرطاً أن يكون هذا المجاهر برأيه من قبيلة الرجال الذين صقلهم العلم، وهذبتهم المعرفة، فقد ثبت أن الخليفة العادل عمر رضي الله عنه قد اعتلى المنبر وخاف ألا يرده الناس لهيبته فقال فيما معناه: «أيها الناس ماذا تصنعون إذا ملت بعنقي عن الحق هكذا» فقام إليه رجل من عامة الناس ملوحاً بيده وهو يقول: «اذن نقول بالسيف هكذا» فاطمأنت نفس من يجول في غُرته ماء الكرم، ويفوح من شمائلة عُرف المروءة، وقال: «الحمد لله الذي جعل في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من يقوِّم اعوجاج عمر بالسيف» لله درّهم من رجال ولكن دعني أسالك أيها الأغرّ الأكرم هل يمكن أن يتحفنا زماننا هذا بخليفة عادل مثل الفاروق؟ وأن يكون من بين الرعية أسد هصور يجابه من لا يصعر خده، ولا يلوي عذاره؟ هيهات.. إليك رائعة أخرى تفغر فاهك من الدهشة حدث أن حبس معاوية بن سفيان رضي الله عنهما كما يخبرنا حجة الإسلام الغزالي في كتابه «إحياء علوم الدين» العطاء عن الناس ذات مرة فقام إليه أبو مسلم الخولاني فقال له: يا معاوية.. إنه ليس من كدك ولا كد أبيك ولا كد أمك، فغضب معاوية ونزل عن المنبر وقال: مكانكم، ثم غاب عنهم ساعة ثم خرج عليهم وقد اغتسل فقال: ان أبا مسلم كلمني كلاماً أغضبني، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الغضب من الشيطان، والشيطان خُلِق من نار، وانما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليغتسل». وإني دخلت فاغتسلت، وصدق أبو مسلم..انه ليس من كدي ولا من كد أبي ولا من كد أمي فهلموا إلى عطائكم، ليت شعري من أي طينة صالحة برأ الله هذا النفر؟ ولماذا لم يتأتَّ لنا أن نكون على شاكلتهم؟ حب الدنيا الجارف وكراهية الموت هي العقبة الكؤود التي تحول أن نكون مثل هؤلاء الأفذاذ، دعني أفجؤك بقصة أخرى سيدي الفاضل بطلها تابعي نلتمس في كلامه ضوالُ الحكمة، وفي تعابيره مفاصل الصواب، انه سفيان الثوري رحمه الله فقد أُدخِل على الطاغية المستبد أبو جعفر المنصور فخاطبه من يأخذ الناس بالظنة قائلاً في صغار: أرفع إلينا حاجتك، فقال التقي النقي، اتقِ الله فقد ملأت الأرض ظلماً وجورًا، فطأطأ أبو جعفر رأسه، ثم رفعه فقال: ارفع إلينا حاجتك، فقال الثوري انما أنزلت هذه المنزلة بسيوف المهاجرين والأنصار وأبناؤهم يموتون جوعاً فاتق الله وأوصل إليهم حقوقهم، أي شجاعة هذه، وأي جسارة تلك، أحلف غير حانث من صيغ فؤاده من جلاميد الجبال في عصرنا القميء هذا لا يجرؤ أن يخاطب طاغية من طواغيت هذا العصر بمثل هذا الإقدام، ماذا صنع المنصور هل أمر بالنطع والسيف؟ لا بل قال مثل قوله السابق: ارفع إلينا حاجتك، فقال الثوري أنزل الله على رمسه شآبيب رحمته: حج عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال لخازنه كم أنفقت؟ فقال بضعة عشر درهمًا، وأرى ههنا أموالاً لا تطيق الجمال حملها، ثم خرج، ولعل هذه الأمثلة والشواهد التي أوردتها من الصعوبة بمكان أن نحصي أخريات على شاكلتها، كما لا سبيل لإحصائها واستقصائها في هذه العجالة، ولكنها تبرهن بجلاء عن حق الأمة في مراقبة الحاكم ومحاسبته على كيفية ادارته لدفة الحكم، هل أسبغ على رعيته جلابيب النُعماء؟ أم اصطفى نفسه وشيعته بشمول اللألاء؟.

إن الحقيقة التي لا يرقأ إليها شك، والواقع الذي لا تسومه مبالغة، أن الرقابة في عهد الخلافة الراشدة لم تكن فيها معاظلة أو التواء، كما هو الحال الآن بل كانت حقًا مكفولاً للجميع، فمن وقت لآخر نبصر مشدوهين بعض الصحابة الميامين ينتقدون في رابعة النهار السلوك الذي يند من الخليفة كما حدث بين سلمان الفارسي وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما في أمر الثياب، هذه الشواهد تجعلنا نشعر بوطأة خزي عجيب أيها السادة، فمجالسنا النيابية والوطنية التي اُنتخبت من قبل هذه الشعوب التي خلت حياتها من قلوب تحنو عليها، يتعالى صهيلها مطالبة «بحقوقها» المهدرة، كما نراها دائمة الوفاق مع السلطة التنفيذية التي لا يعتريها يأس، أو يخامرها قنوط، في تمرير ما توده من سياسات، فجل هذه المجالس تؤدي دون كلل أو ملال نفس الدور الذي تؤديه تلك المجموعات الجميلة التي تقف في شموخ ورفعة خلف مغنٍ فشا ذكره على الألسنة، وقرع صيته الأسماع، تجتر ما يقوله في نشوة، وتدمي أكفها في طرب بالغ
د. الطيب النقر

nagar_88@yahoo.com
/////////////////////  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: عن المنکر الله علیه رضی الله

إقرأ أيضاً:

الجهلُ يعمي البصرَ والبصيرة

بشرى المؤيد

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “بُعِثْتُ بَيْنَ جاهِلِيَّتَيْنِ، لأُخْراهُما شَرٌّ مِن أُولاهُمَا” وحتى يخرج الناس من جهلهم وعدم معرفتهم يجب على المرشد أَو المعلم أن يتخذ أُسلُـوب “الصبر الاستراتيجي” الذي تحدث عنه السيد القائد/ عبدالملك الحوثي -حفظه الله- ويكون هذا المعلم أَو المرشد يتمتع بسعة الصدر والتحمل لما سيلاقي من أذى نتيجة رمي الجاهلين عليه بما لا يتحمل صدره من الأذى والمعاناة فيتخذ أُسلُـوبًا جذاب لرسالته.

منها تعليم الأسس من البداية حتى لو تطلب جهدًا وَوقتًا أكثر، استيعاب أن الناس متفاوتون في مستوى الاستيعاب والذكاء، مهما كان مستوى الإنسان عال في المعرفة إلا أنه ما زال يحتاج إلى التعلم والتطور والنمو في تعليمه حتى لو وصل إلى عمر متقدم يخدم فيها في سبيل الله، وسيلاقي ثمرة جهده وتعبه فديننا يحث على العلم حتى ينقضي العمر المحدّد له من الله عز وجل، فهم النفسيات فالدجَّالون الجاهلون لم ينجحوا إلا أنهم فهموا نفسياتِ من يتعاملون معهم وعلى إثره ينجحون في تمرير ما يريدون، اتِّخاذ “الأُسلُـوب الصحيح وَالراقي” لإقناع الناس وإرشادهم إلى الاتّجاه الصحيح الذي ليس فيه شك أَو ريب، لإيصال فكرة ما تريد إيصالها للناس يجب استخدام وسائل مهارية كفيديوهات، صور، موسيقى، أناشيد، زوامل لتدعيم ما تريد فتصل الفكرة أسرع إلى قلوب وعقول متابعيك، تلاميذك، محبيك، كارهيك.. أيًّا كان نوع الناس الذين تريد تعليمهم.

نرى في أمثلة كثيرة الدعايات الإعلانية الكثيرة التي يمسحون بها وعي الناس باستخدامهم للإعلانات البصرية التي تؤثر على الوعي والمعرفة فَــإنَّ كان الإعلام إيجابيًّا سيقوم بعمل أعمال ممتازة للارتقاء بوعي الناس واستخدام إعلانات بصرية تفيدهم وترتقي بوعيهم وإن كان إعلامًا سلبيًّا سيقوم بما يؤدي إلى تدهور وعي الناس وانحطاطهم إلى أسوأ مستوى؛ فالإعلانات البصرية إما الارتقاء أَو التدهور الأخلاقي والمعرفي والعلمي.

فالدجالون أَو الجاهلون استطاعوا أن يتفوقوا على المتعلمين العارفين بأمور حياتهم باستخدامهم تقنيات ومهارات تناسب فهم المتلقين، الجهلاء {فكريًّا أَو علميًّا}، البسيطون من الناس غير المتعلمين الأميين الذين يسهل غزوهم فكريًّا، ليس الكل؛ لأن هناك أُميين لديهم من الوعي ما يفوق المتعلمين فتكون هذه التقنيات أسرع إلى فهم ما الدجالون إرساله وتلقيه بأُسلُـوبهم ونباهتهم وفهمهم لمستوى عقول المتلقيين أَو مستوى وعي الناس الذين يريدون استقطابهم إلى حَيثُ يريدون.

ولتوضيح الفكرة أكثر سيد الكون سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- حين أراد نشر رسالته العالمية إلى أصقاع الكون لم يكن متعاليًا أَو متكبرًا أَو مغرورًا بنفسه أنه نبي ويعلم الكثير من العلوم والمعارف التي أوحى الله سبحانه إليه عن طريق جبريل عليه السلام، فقام ينشر رسالته بمستو عال، حَيثُ لا يفهمه إلا طبقة معينة من الناس، بل تدرج معهم تدريجيًّا خطوة خطوة ودرجة درجة حتى قدر أن يصل بأمته إلى مستوىً عالٍ وَعظيم من التطور التعليمي وَالفكري العالي فكانوا آنَذاك الوقت “خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ” وكانوا على مستوى عال من الثقافة والإيمان، حَيثُ وصلوا برسالتهم للعالمين.

وَحين وصلوا إلى مستوى عال يمكنهم من نشر الرسالة اختار رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- سفراء له ليقوموا بهذه المهمة الصعبة ليوضحوا للناس “ما هو دين الإسلام المحمدي الأصيل؟” فجعل له سفراء مميزين فاهمين بيئةَ وثقافة هذه الدول وَيفهمون لغة هذه الدول، وَأوصل رسالته عن طريق هؤلاء السفراء المفوهين المؤهلين الواعيين لنقل رسالة سيدنا محمد بشكل صحيح، وما تحوي هذه الرسالة من قيم وأخلاق عالية وَإنسانية ورحمة للعالم أجمع؛ فكان سفراؤه واجهة طيبة ومشرفة لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يمثلون أخلاق الإسلام بكل تفاصيله وقيمه ومبادئه وَإنسانيته، قال تعالى: “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ” وما أدراك أيها الإنسان ما هذه الرحمة التي يمنحها الله سبحانه لعباده.

يُبعَثُ يوم القيامة فيوقف بين يدي الله عز وجل فيقول له: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي. فيقول: رب بعملي، فيقول: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي، فيقول: بل بعملي، فيقول الله لملائكته: قايسوا بنعمتي عليه وبعمله، فيوجد نعمة البصر قد أحاطت بعبادته خمسمِئة سنة، وبقيت نعمة الجسد فضلًا عليه، فيقول: أدخلوا عبدي النار، قال: فيجر إلى النار فينادي رب برحمتكم أدخلني الجنة”

فمهما عمل الإنسان من صالحات يبقى مقصِّرًا ويسأل الله الرحمة والمغفرة وأن يعمل صالحًا في الدنيا والآخرة ليتمكّن من الفلاح وَالنجاح في حياته ويعيش هانئًا مطمئنًا راضيًا راجيًا أن يتقبل أعماله الصالحة.

مقالات مشابهة

  • ما الذي نعرفه عن المقاتلات الأمريكية التي تقصف الحوثيين لأول مرة؟
  • أحمد محمود الذي عركته الصحافة
  • بعد انهيار الائتلاف الحاكم.. ألمانيا تستعد لانتخابات مبكرة في 23 شباط من العام المقبل
  • شاهد| “قمة الرياض” قمة في الشجب والندب والتساؤل، وما اختلفت اليوم عن الأمس!!
  • عالم بالأزهر الشريف: الجهاد يشمل جميع الأعمال التي تقربنا إلى الله
  • من هو أشر الناس الذي حذرنا منه سيدنا محمد؟.. «لديه 3 صفات»
  • إيقاف حكم إنجليزي أهان كلوب مدرب ليفربول السابق
  • الجهلُ يعمي البصرَ والبصيرة
  • رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي: أخاطبكم باسم لبنان للتعبير عن هول الكارثة التي نعيشها هذه الأيام جراء العدوان الإسرائيلي الذي نشر الموت والدمار في انتهاك صارخ للقانون الدولي
  • لماذا جبل الطور الوحيد الذي تجلى الله عليه ؟