يتجدد الحوار -عبر هذا المقال- مع نماذج الذكاء الاصطناعي، وهذه المرة مع النموذج التوليدي «شات جي بي تي» بعد نشر مقالين، أوردت في الأول حوارا مع النموذج التوليدي «بَارْد»، والثاني مع «شات جي بي تي»، وتبين أن نموذج «شات جي بي تي» يتفوق على نموذج «بَارْد» من حيثُ القدرة الحوارية في تقديم حوار متسق مع فكرة المحاوِر وأسئلته دون الوقوع في مأزق الحشو غير الضروري وتكرار النصوص، وسبق أن بيّنت في مقال مستقل جاء بعد هذين المقالين مميزات نموذج «شات جي بي تي» وأسباب تفوقه على نموذج «بَارْد»، ويمكن للقارئ أن يعود إلى هذا المقال -لتفاصيل المقارنة بين النموذجين- المنشور في جريدة عُمان بتاريخ 23 ديسمبر 2023م.

أعود مرة أخرى عبر حوارٍ جديد مع نموذج «شات جي بي تي» لمناقشة العلوم في حياتنا وتأثيراتها على الإنسان وحضارته. سأشير إلى المحاوِر بـ«السائل» والمحاوَر بـ«شات جي بي تي». ستبقى إجابة النموذج التوليدي كما هي، مع إجراء تعديلات لغوية متى ما كان ضروريا لضبط النص وتحريره وحذف أيّ تكرار أو حشو غير ضروري. أذكّر بهدف هذه الحوارات أنها لفهم آلية الحوار بين الإنسان والآلة الرقمية وتتبع مآلات التطور الرقمي وتحليل قدرته على محاكاة السلوك الإنساني وتفكيره.

السائل: مرحبا، سأجري معك حوارا عن العلوم وتأثيراتها في حياتنا. سأطرح سؤالا وأريد منك الإجابة بكل وضوح واختصار مع تجنب التكرار غير الضروري.

شات جي بي تي: بالطبع، سأكون مستعداً للإجابة على أسئلتك فيما يخص العلوم وتأثيراتها في حياتنا. يمكنك البدء بطرح السؤال الأول.

السائل: كيف ترى العلوم في حياتنا من حيث تطورها عبر التاريخ وتفاعل الإنسان معها؟

شات جي بي تي: أدت العلوم دورًا حاسمًا في تطور حياتنا عبر التاريخ وتفاعل الإنسان معها؛ فبواسطة الأبحاث والاكتشافات، ساهمت العلوم في تطوير التكنولوجيا والطب والزراعة والعديد من الجوانب الأخرى للحياة. ساعد هذا التطور في تحسين جودة حياتنا وزيادة فهمنا للعالم من حولنا، وبفضل العلوم، نملك الآن وسائل اتصال متقدمة، وعلاجات طبية فعّالة، ومصادر طاقة متجددة، وغيرها من الابتكارات التي تسهم في تحسين حياتنا اليومية. إلى جانب ذلك، فإن تفاعل الإنسان مع العلوم يشجع على فهم أفضل للبيئة والتحديات التي نواجهها، مما يمكننا من اتخاذ قرارات أفضل وأكثر استدامة في مجالات مثل البيئة والصحة والاقتصاد. باختصار، العلوم هي أساس تقدم حياتنا وتفهمنا للعالم، وتفاعل الإنسان معها يسهم في تحسين جودة حياتنا ومستقبلنا.

السائل: برأيك ما البداية الزمنية الأولى لظهور العلوم في حياة الإنسان؟ بمعنى آخر، أيمكن اعتبار أن العلوم بدأت بشكل عملي بعد الثورة الصناعية الأولى أم أن مفهومنا للعلوم وبدايتها يعود إلى فترات زمنية ما قبل الثورة الصناعية؟

شات جي بي تي: العلوم لها جذور تاريخية تعود إلى فترات ما قبل الثورة الصناعية. قبل الثورة الصناعية، تطورت العلوم بشكل أساسي باعتبارها علوما طبيعية وفلسفة طبيعية؛ فعلى سبيل المثال، كان الإغريق القدماء يقومون بالأبحاث والتجارب في مجالات الرياضيات والفلسفة والفيزياء والكيمياء، إلا أن الثورة الصناعية في القرن 18 و 19 أسهمت بشكل كبير في تسارع تطور العلوم وتطبيقها في الحياة العملية؛ فأدت هذه الثورة إلى تطوير تقنيات جديدة وتوسع في مجالات مثل الهندسة والصناعة وعلوم الحاسوب، مما أسهم في تحسين الإنتاجية وتغيير شكل الحياة اليومية بشكل جذري، ونشأت حينها العلوم وتطورت قبل الثورة الصناعية، ولكن الثورة الصناعية أسهمت بدور مهم في تعزيز تطبيقاتها العملية وتقدمها السريع.

السائل: هناك من يرى أن عصر التنوير سابق لعصر العلوم الطبيعية؛ إذ ساهمت الثورة الفكرية التي تأسست مع صعود العقل الفلسفي إلى تبنّي أفكار تنويرية أسهمت في نقل العقل البشري من حالة الجمود الفكري إلى التحرر الفكري؛ مما ساعد على تشكيل بِنية علمية صُلبة تتبنى الرأي الذي يطرحه العلم وتصادق على المشاهدة التي تثبتها التجربة. ما رأيك في هذه المعادلة التي أتصور أنها تفسر نشأة العلوم الحديثة؟

شات جي بي تي: التنوير والعلوم الطبيعية على وجه التحديد جزءان مهمان من تطور العلوم الحديثة، ويمكن تصويرهما باعتبارهما جوانبَ متشابكة في نشأتها؛ حيث ساهمت الثورة التنويرية في تغيير نهج الفكر البشري والتحرر من القيود الدينية والتقاليد، مما أتاح للأفكار العلمية أن تنمو وتتطور بشكل أفضل. من الجدير بالذكر أن التنوير دفع بالناس إلى التفكير النقدي وتطوير المنهج العلمي الحديث، حيث شُجِّعَ على إجراء التجارب والتحليل العقلي. أسهم هذا النهج المنهجي في تطور العلوم الطبيعية وفهمنا للعالم بشكل أعمق. بشكل عام، يمكننا أن نرى التنوير والعلوم الطبيعية باعتبارها عناصرَ مترابطة تكمل بعضها بعضا في نشأة العلوم الحديثة. ساهم التنوير في تشكيل منهج علمي صلب وفهم علمي منظم، ثم تطورت العلوم الطبيعية لتصبح القوة القائمة خلف التقدم العلمي والتكنولوجي الذي نشهده اليوم.

السائل: هناك بعد آخر لا يمكن أن أهمله ساهم في نشأة العلوم الحديثة بل في قيام النهضة الغربية المرتبطة بالثورة الصناعية، وهذا البعد هو الحراك العقلي والعلمي الذي قاده المسلمون والعرب خصوصا إبان حكم المسلمين للأندلس، وفي وقتها كانت أوروبا تعيش عصورها الوسطى «المظلمة»، فأين ترى نقطة تزاوج العلوم التي نشأت بواسطة المسلمين بالثورة الفكرية التي بدأت عند الغرب في القرنين الخامس عشر والسادس عشر؟ وكيف حصل هذا التأثر بين الحضارتين الإسلامية والغربية؟

شات جي بي تي: صحيح، تأثرت الثقافة الإسلامية بشكل كبير بالعلوم والفلسفة اليونانية القديمة في فترة العباسيين والأمويين والمسلمين في الأندلس. وقد ترجم علماء المسلمين الأعمال اليونانية ونقلوها إلى العربية وقاموا بتطويرها وإثرائها بمساهماتهم الخاصة. هذا التأثير والتقاط التراث اليوناني القديم كان له تأثير كبير على التفكير العلمي في العالم الإسلامي. بالنسبة للتأثير على الثقافة الغربية، فإن الحروف العربية والعلوم العربية وصلت إلى أوروبا عن طريق الاتصالات الثقافية بين المسلمين في الأندلس والغرب الأوروبي فترة العصور الوسطى، ودُرِست الأعمال المترجمة والمعرفة العربية في الجامعات الأوروبية والمدارس؛ مما ساهم في نشر العلوم والفلسفة الكلاسيكية اليونانية في أوروبا وتأثيرها على التفكير الغربي؛ لذلك، يمكننا رؤية نقاط التزاوج بين الثقافتين الإسلامية والغربية في نقل المعرفة والعلوم من العالم الإسلامي إلى أوروبا، مما ساهم في تطور العلوم الحديثة في الغرب بشكل مباشر وغير مباشر.

السائل: ما الذي تحمله هذه العلوم في مستقبل حياة الإنسان؛ إذ نرى أن التطور العلمي يمضي قدما دون اعتبارات -في بعض حالاته- لقيم الإنسان وحياته بما في ذلك صحته العضوية والنفسية؛ فنرى تسارعا في الصناعات العسكرية وتقنياتها بما في ذلك الأسلحة البيولوجية، وكذلك التطويرات الرقمية التي أحدثت خللا في النمط الإنساني النفسي والاجتماعي، فأين نجد موقعنا في المستقبل مع هذه العلوم وتطوراتها المتسارعة؟

شات جي بي تي: تجلب التطورات العلمية والتكنولوجية العديد من التحديات والمسائل الأخلاقية والاجتماعية التي يجب التفكير فيها ومعالجتها بعناية. من الضروري أن نجمع بين التقدم العلمي والتنمية التقنية وبين الاهتمام بقيم الإنسان وصحته العضوية والنفسية. فيما يخص التسارع في الصناعات العسكرية والتقنيات المحورية، يجب أن نعمل على تنظيم ورصد هذه التطورات بشكل فعّال، وضمان استخدام التكنولوجيا بطرق تحافظ على الأمان الإنساني والسلام العالمي. يتطلب ذلك تطوير قوانينَ دولية وتعاون دولي لمنع انتشار الأسلحة البيولوجية وضمان سلامة البشر. أما فيما يتعلق بالتطورات الرقمية، فهناك حاجة ملحة للتفكير في حماية خصوصية البيانات والمعلومات الشخصية وضمان الأمان السيبراني. يجب أيضًا تنشيط النقاش فيما يتعلق بتأثير التكنولوجيا على الصحة النفسية والاجتماعية للإنسان، وتحقيق توازن بين الاستفادة من التقنيات الجديدة والحفاظ على العلاقات الاجتماعية والتواصل الإنساني. في النهاية، يجب أن نعترف بأن التقدم العلمي والتكنولوجي له آثار إيجابية وسلبية، ولذلك يجب علينا باعتبارنا مجتمعات عالمية العمل معًا لتوجيه هذا التطور نحو تحسين جودة حياة الإنسان وحفظ البيئة والقيم الإنسانية.

د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: قبل الثورة الصناعیة العلوم الطبیعیة العلوم الحدیثة شات جی بی تی الإنسان مع العلوم فی فی حیاتنا فی تحسین

إقرأ أيضاً:

من الحروب التجارية إلى الذكاء الاصطناعي: المنافسة الأمريكية- الصينية

أصبح التنافس المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين هو المنافسة الجيوسياسية المحددة في القرن الحادي والعشرين، حيث اتسع نطاقه ليشمل السياسات الاقتصادية، والاستراتيجيات العسكرية، والطموحات الإقليمية، والتقدم التكنولوجي.

وتتجلى هذه المنافسة المتعددة الأوجه بوضوح في حربهما التجارية، التي تميزت بالتعريفات العقابية التي تعيد تشكيل سلاسل التوريد العالمية والتحالفات الاقتصادية من جنوب شرق آسيا إلى أمريكا اللاتينية. وفي الساحة العسكرية، تستفيد الولايات المتحدة من شبكتها الواسعة من القواعد والتحالفات عبر منطقة المحيط الهادئ الهندية، في حين تعمل الصين على تعزيز نفوذها في بحر الصين الجنوبي وتوسيع مبادرة الحزام والطريق، مما يعكس استراتيجيات متباينة للسيطرة على المناطق البحرية والإقليمية الحاسمة.

ويشكل الغزو المحتمل لتايوان نقطة اشتعال متقلبة، حيث يجعل الموقع الاستراتيجي للجزيرة منها ساحة معركة حاسمة لاستعراض القوة، حيث تدعم الولايات المتحدة تايوان من خلال مبيعات الأسلحة والضمانات الدبلوماسية، التي تواجهها التدريبات العسكرية المكثفة والضغوط الدبلوماسية التي تمارسها الصين.

وفي الوقت نفسه، فإن السباق من أجل التفوق في الذكاء الاصطناعي يشهد قيام البلدين بالاستثمار بكثافة في البحث والتطوير، حيث تستفيد الولايات المتحدة من مراكز الابتكار لديها، بينما تقوم الصين بتسخير موارد البيانات الهائلة والمبادرات التي تقودها الدولة.

يستكشف هذا المقال كيف تستخدم الولايات المتحدة والصين أصولهما الجغرافية بشكل استراتيجي لتأمين الانتصارات في مجالات المنافسة الرئيسية هذه، مما يوفر تحليلا شاملا للآثار الأوسع على الاستقرار العالمي وتوازن القوى المتغير.

معركة التعرفة الجمركية

رفع الرئيس الأمريكي جو بايدن الرسوم الجمركية بشكل حاد على السلع المصنوعة في الصين في أيار/ مايو، مدعيا أن "الحكومة الصينية خدعت الولايات المتحدة من خلال ضخ الأموال في الشركات الصينية، مما ألحق الضرر بالمنافسين الذين يحترمون قواعد التبادل التجاري". وتسلط هذه الخطوة الحاسمة الضوء على استراتيجية أوسع في ظل إدارة بايدن، وتهدف إلى إحياء صناعات التكنولوجيا الفائقة الأمريكية وتقليل الاعتماد على الواردات الأجنبية، وخاصة من الصين. وتتضمن الاستراتيجية تقديم إعانات دعم كبيرة لقطاعات الطاقة المتجددة وأشباه الموصلات، مما يضمن بقاء الولايات المتحدة في طليعة الإبداع التكنولوجي. وتشكل زيادة الرسوم الجمركية عنصرا حاسما في هذه الاستراتيجية، مما يؤكد من جديد التزام الإدارة بتكافؤ الفرص أمام الشركات الأمريكية.

ومع ذلك، لم تقف الصين مكتوفة الأيدي في مواجهة هذه التعريفات. وفي مناورة جديدة، تهرّب المصدرون الصينيون من الرسوم الجمركية الأمريكية عن طريق إعادة توجيه البضائع عبر المستودعات بالقرب من الحدود المكسيكية. على هذه النقطة الحدودية بالذات، يتم تفريغ الحاويات وإعادة تعبئتها، ثم نقلها إلى الولايات المتحدة، مستغلين ثغرة في قواعد التجارة الأمريكية المعروفة بإعفاء "الحد الأدنى". وتسمح هذه القاعدة للطرود التي تقل قيمتها عن 800 دولار بدخول الولايات المتحدة معفاة من الرسوم الجمركية، مما يؤدي إلى زيادة كبيرة في مثل هذه الواردات. وفي عام 2023، وصلت صادرات الصين تحت هذا الإعفاء إلى أكثر من 1.4 مليار حزمة بقيمة لا تقل عن 66 مليار دولار، مقارنة بـ500 مليون حزمة في عام 2019. وتسلط هذه الزيادة الكبيرة الضوء على التحديات التي تواجه إنفاذ التعريفات الجمركية والتشوهات المحتملة في البيانات التجارية التي تسببها.

الثغرة ليست مجرد سهو بسيط؛ فهو يمثل خللا كبيرا في استراتيجية الرسوم الجمركية الأمريكية. ويسعى بعض المشرّعين الأمريكيين الآن إلى سد هذه الثغرة، وهي خطوة، على الرغم من كونها ضرورية، قد تؤثر بشكل غير متناسب على الأمريكيين ذوي الدخل المنخفض الذين يعتمدون على السلع المستوردة الأرخص.

التنافس على الأسواق الاقتصادية والأنظمة البنكية

وبالإضافة إلى حرب الرسوم الجمركية، هناك صراع موازٍ يختمر حول نفوذ الشركات الصينية الكبرى في الشرق الأوسط، خصوصا بعد الزيارات الأخيرة للرئيس الإماراتي محمد بن زايد ومن ثم زيارات المسؤولين السعوديين إلى الصين. وقد شهد الشرق الأوسط، وخاصة دول الخليج، استثمارات كبيرة من الشركات الصينية مثل شركة "Xiaomi". وتؤكد اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة الموقعة بين الإمارات والصين على عمق العلاقات الاقتصادية التي بدأت تقلق الولايات المتحدة. ودعت الولايات المتحدة مرارا وتكرارا إلى الحد من نفوذ الشركات الصينية، وضغطت على الدول العربية لإعادة النظر في عقود النفط والغاز المبرمة مع الصين.

ويمتد هذا الصراع الجيوسياسي إلى النظام المالي العالمي، حيث تتنافس الولايات المتحدة والصين على الهيمنة. ويشكل ظهور "البترو يوان" تطورا مهما في هذا السياق. تمثل العضوية الكاملة للمملكة العربية السعودية في مشروع "M Bridge"، وهي مبادرة للعملة الرقمية للبنك المركزي (CBDC)، تحولا نحو معاملات العملات الفورية ومنخفضة التكلفة عبر الحدود. وتتحدى هذه الخطوة، التي تسمح ببيع النفط السعودي إلى الصين باستخدام اليوان، هيمنة الدولار الأمريكي في تجارة النفط العالمية.

تايوان في وسط التنافس الأمني والعسكري

تقع تايوان حاليا في قلب التنافس الأمني والعسكري المتصاعد الذي له آثار كبيرة على الاستقرار الإقليمي والعالمي. وتقوم الصين بتكديس المعادن والموارد الحيوية الأخرى، وهو ما يفسره الكثيرون على أنها مقدمة محتملة لمحاولة غزو تايوان والسيطرة عليها. ويذكرنا هذا المخزون الاستراتيجي بالسوابق التاريخية، مثل تكديس ألمانيا النازية للمعادن وأهمها النحاس، قبل غزوها لبولندا في عام 1939.

تنبع مناورات الصين الاستراتيجية من قلقها المتزايد بشأن الجهود الدولية الرامية إلى الحد من صعودها كقوة عالمية. وقد أعرب الرئيس الصيني شي جين بينج بصراحة عن أن البيئة الخارجية للصين أصبحت على نحو متزايد غير مؤكدة ولا يمكن التنبؤ بها، واتهم الولايات المتحدة صراحة باتباع سياسة "الاحتواء الكامل والقمع الكامل للصين". ويسلط هذا الاتهام الضوء على التوترات المتزايدة بين القوتين العظميين.

وفي الوقت نفسه، تعمل الولايات المتحدة بنشاط على مواجهة طموحات الصين في مناطق مختلفة. وفي بحر الصين الجنوبي، تكثف الولايات المتحدة جهودها لتحدي مطالبات الصين الإقليمية التوسعية وعسكرة المنطقة. وأصبح الممر المائي الاستراتيجي، الذي يعد حيويا للتجارة الدولية، نقطة اشتعال للتنافس بين الولايات المتحدة والصين، حيث تقوم الولايات المتحدة بعمليات حرية الملاحة وتعزيز التحالفات مع الشركاء الإقليميين.

علاوة على ذلك، تعمل الولايات المتحدة على كبح النفوذ العسكري الصيني في الشرق الأوسط. وحثت الحلفاء على الامتناع عن التعاون العسكري مع الصين، خاصة في مجال تكنولوجيا الصواريخ الباليستية وقطاعات الدفاع الأخرى. ودفعت العلاقات العسكرية المتنامية بين الإمارات العربية المتحدة والصين الولايات المتحدة إلى وضع عقبات أمام تسليم طائرات إف-35 إلى الإمارات، مما يسلط الضوء على التزامها بالحد من موطئ قدم الصين العسكري في المنطقة.

الذكاء الاصطناعي أحد أهم مساحات الصراع

تعد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي جانبا مهما من التنافس الاستراتيجي الأوسع بينهما. وتستثمر الدولتان بكثافة في أبحاث الذكاء الاصطناعي والابتكار، حيث حققت الصين خطوات كبيرة بسبب استثماراتها الكبيرة في رأس المال الاستثماري وقدرتها على تعبئة مجموعات كبيرة من البيانات. وفي عام 2017، شكلت الصين 48 في المئة من رأس المال الاستثماري العالمي في مجال الذكاء الاصطناعي، مقارنة بنحو 38 في المئة للولايات المتحدة. وقد أدى هذا الالتزام المالي إلى تسريع تقدم الصين في مجالات مثل تقنيات التعرف على الوجه والمراقبة.

على الرغم من التقدم السريع الذي حققته الصين، تحافظ الولايات المتحدة على تفوقها في مجالات حيوية مثل مواهب الذكاء الاصطناعي والأبحاث المتطورة. تستفيد الولايات المتحدة من نظام جامعي قوي وتركيز عالٍ من أفضل الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي. وتتصدر الشركات الأمريكية، مثل "Google" و"OpenAI"، تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، بما في ذلك نماذج اللغات الكبيرة التي تظل متفوقة على نظيراتها الصينية مثل روبوت "ERNIE" التابع لشركة "Baidu".

يعد الذكاء الاصطناعي أيضا عنصرا حاسما في الاستراتيجيات العسكرية لكلا البلدين. وتهدف الصين إلى تحقيق "ذكاء" جيشها، والاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتعزيز عملية صنع القرار، وتحسين الأنظمة المستقلة، وتعزيز قدرات القيادة والسيطرة. ويشكل هذا الهدف جزءا من طموح الصين الأوسع لتصبح قوة عسكرية عالمية المستوى بحلول منتصف القرن. وعلى العكس من ذلك، تركز الولايات المتحدة على دمج الذكاء الاصطناعي في عملياتها العسكرية ولكنها تواجه تحديات، مثل مقاومة شركات التكنولوجيا الكبرى للانخراط في مشاريع الذكاء الاصطناعي العسكرية. وتتناقض هذه المقاومة مع التكامل السلس الذي حققته الصين بين جهود الحكومة والقطاع الخاص.

كما تشكل المنافسة الشديدة في مجال الذكاء الاصطناعي بين الولايات المتحدة والصين مخاطر استراتيجية، بما في ذلك الصراعات العسكرية المحتملة والتهديد بالحرب النووية. ولإدارة هذه المخاطر، تبنت الولايات المتحدة نهجا متعدد الأوجه، بما في ذلك الحد من وصول الصين إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة، وإدارة الذكاء الاصطناعي العسكري بشكل مسؤول، ومواصلة الجهود الدبلوماسية للتخفيف من المخاطر الاستراتيجية. على سبيل المثال، يقيد "قانون تشيبس" صادرات أشباه الموصلات إلى الصين، بهدف الحد من قدراتها على تطوير الذكاء الاصطناعي.

وتؤكد الزيارة الأخيرة التي قام بها مستشار الأمن القومي الإماراتي، طحنون بن زايد آل نهيان، إلى الولايات المتحدة، على وجود ربط أمريكي بين الحصول على التكنولوجيا الأمريكية في مجال الذكاء الاصطناعي وبين تقليل الاعتماد على الشركات الصينية في هذا المجال، بحسب السفير وليام روباك، نائب الرئيس التنفيذي لمعهد دول ‏الخليج في واشنطن.

مقالات مشابهة

  • أكاديمية طويق تطلق أول معسكر بمجال الذكاء الاصطناعي التوليدي بالشراكة مع meta
  • OPPO توفر ميزات الذكاء الاصطناعي التوليدي لنحو 50 مليون مستخدم بنهاية 2024
  • بسبب الذكاء الاصطناعي.. ارتفاع انبعاثات غوغل الكربونية 48%
  • شات «جي بي تي» ليس الوحيد.. 5 بدائل متاحة لمحادثات الذكاء الاصطناعي
  • أخلاقيات الذكاء الاصطناعي
  • من الحروب التجارية إلى الذكاء الاصطناعي: المنافسة الأمريكية- الصينية
  • "التعاون الإسلامي" تدعو إلى حوكمة أخلاقية للذكاء الاصطناعي
  • Rootz تحدث ثورة في خدمات التسويق والاتصالات بدمج تقنية الذكاء الاصطناعي المتطورة
  • أفضل 5 بدائل شات جي بي تي المتاحة عبر الإنترنت
  • “بيت الفلسفة” في الفجيرة يستضيف حلقة الشباب الفلسفية حول دور الفلسفة في عصر الثورة التكنوإلكترونية