سرايا - لم تُعرف ألمانيا سابقا كبلد إضرابات واحتجاجات متتالية، حيث يعطى بها المثال في العلاقة المستقرة نسبيا داخل سوق العمل، لكن ما يحدث منذ أيام يعطي صورة مغايرة: عشرات الجرارات تعرقل حركة السير كطريقة لاحتجاج المزارعين، شبكة قطارات شبه متوقفة في العديد من الخطوط بسبب إضراب السائقين، الأطباء يهددون بالإضراب وإغلاق العيادات، وغيرها كثير

"هناك خطر واضح على السلم الاجتماعي، الذي كان موضع تساؤل منذ فترة طويلة في هذا البلد.

علينا فقط أن ننظر إلى الفقر المتزايد والصعوبات المالية والمخاوف التي يعاني منها الكثير من الناس" تقول إيفا فولبل، مستشارة في السياسات الاقتصادية والاجتماعية في مؤسسة روزا لوكسمبورغ، للجزيرة نت

قطاعات كبيرة تحتج رغم المناخ البارد في ألمانيا حاليا، لم يتوقف احتجاج المزارعين، بل اتخذ تصعيدا كبيرا هذا الأسبوع منذ 8 يناير/كانون الثاني، بعد نشر الجرارات والآليات الثقيلة في مراكز المدن ومداخل الطرق السريعة. ولعل أكبر أسباب الاحتجاج هي خطط الحكومة لوقف الإعفاء الضريبي على الديزل الذي كان المزراعون يستفيدون منه، ودفع الاحتجاج الحكومة للتراجع عن خطة الضريبة على المركبات

وبات التنقل داخل عدة مدن ألمانية غاية في الصعوبة، إذ يهدد اتحاد المزارعين الألمان، الداعي للاحتجاج، بمزيد من التصعيد ضد سياسات الحكومة، وإذا لم توقف الحكومة خططها بالكامل، فالاثنين القادم سيشهد مسيرات كبرى للجرارات وفق الاتحاد

وما زاد الضغط على السلطات الألمانية، هو انضمام بعض نقابات الشحن البري إلى احتجاجات المزارعين، بسبب خطط السلطات لمضاعفة رسوم متعلقة بالانبعاثات، كما يطالب المحتجون بتحسين شبكة الطرق

بينما يحتج سائقو القطارات، المضربين للمطالبة برفع رواتبهم وخفض ساعات العمل، ولم تفلح جولات الحوار بينهم وبين إدارة شركة "دويتشه بان" (شركة القطارات الألمانية) في حل الخلاف الذي قد يؤدي لإضرابات على طول العام

وأبقى الكثير من الأطباء عياداتهم مغلقة في أيام العمل بين عطلتي عيد الميلاد وعطلة نهاية العام احتجاجا على ضعف التعويضات وارتفاع ساعات العمل. كما يوجد سخط في قطاعات أخرى منها قطاعات الصيادلة والمطاعم والمخابز والعمال الحرفيين

"لا أعتقد أنه من الحكمة استبعاد الأسباب المباشرة للإضرابات لأجل تقييمها"، يقول فيليكس أندرل من مركز دراسات الصراع في جامعة ماربورغ الألمانية، للجزيرة نت، مشيرا إلى أن عدة من هذه الإضرابات والاحتجاجات غير مرتبطة ببعضها، بل تصادفت معا في الأسبوع ذاته

ولكن مع ذلك، يستدرك الخبير، أن ألمانيا شهدت مؤخرا "ثقافة إضراب أكثر نشاطا، من المرجح أن ترتبط بارتفاع التضخم، والأجور المنخفضة نسبيا مقارنة بدول صناعية أخرى"، لافتا إلى أن الحكومة تأثرت بشكل كبير بطريقة احتجاج المزارعين، خصوصا أن حجم وتوزيع احتجاجات المزارعين كان كبيرا للغاية، ويبين وجود إحباط يتجاوز المطالب المعلنة. ضغوط كبيرة على الحكومة واجهت حكومة أولاف شولتز الكثير من التحديات منذ تكوينها نهاية 2021، إذ ورثت تداعيات جائحة كورونا، ثم جاءت الحرب في أوكرانيا لتخلق موجة تضخم كبيرة ومشاكل كبيرة في الطاقة، فضلا عن استقبال مئات الآلاف من اللاجئين الجدد

ثم جاءت أزمة الميزانية في نهاية 2023 عندما قضت المحكمة الدستورية بعدم قانونية تحويل 60 مليار يورو لصندوق المناخ، مما أدى إلى فجوة كبيرة في ميزانية 2024 حتمت بخفض الإنفاق

"الحكومة الحالية هي من وفرت السياق لهذه الاحتجاجات"، تقول فولبل، متحدثة عن أنه على ما يبدو، لا أحد داخل الحكومة فكرّ في تداعيات هذه السياسة على القطاع الزراعي

وتشير الخبيرة إلى أن تمسك الحكومة بالتقشف، وبرفض فرض الضرائب على الأغنياء، وغياب نقاش حقيقي حول توزيع الثروة "التي تحتكرها عائلات قليلة"، كل هذا سيؤدي إلى "تغذية الصراعات الاجتماعية إلى حد كبير". وتتحدث الخبيرة كذلك عن أن الصراع بين مكونات الحكومة يفاقم الوضع

وتتكون الحكومة الألمانية من الحزب الاشتراكي الديمقراطي (حزب المستشار)، وحزب الخضر المهتم بالبيئة، والحزب الديمقراطي الحر الداعم لليبرالية. وتتعرض الحكومة لضغوط سياسية كبيرة من المعارضة التي فتحت النقاش حول انتخابات مبكرة لتغيير الحكومة

وتوجد الحكومة، حسب أندرل، في "موقف ضعيف"، بسبب غياب توافق داخلي حول السياسات الكبرى، ويوضح أن الحكومة تواجه مشكلا كبيرا بسبب آلية كبح الديون (آلية سُنت عام 2009 في القانون الأساسي، تضع قيودا أمام الحكومة للاقتراض)، مبرزا أن خفض التمويل الذي أدى للاحتجاجات هو نتيجة لهذه الآلية

ويضيف المتحدث ذاته أن "الحكومة توجد في موقف دفاعي، وهي لا تقترح أي رؤية للمستقبل، بل تدير باستمرار تداعيات صراعاتها الداخلية حول ما يجب اقتطاعه"

لكن ما ظهر أنه سخط عام في عدة قطاعات، خلق مخاوف من استغلال اليمين الشعبوي والمتطرف للأجواء، ومنهم "النازيون الجدد" كمنظمة "الطريق الثالث" التي لا تخفي عداءها للنظام الألماني القائم، لدرجة الاستعداد لاستخدام العنف

"أن نكون غاضبين ضد سوء الحكومة، لا يعني استخدام أيّ وسيلة كانت. نحن سنستمر في الاحتجاج لأجل مستقبل الزراعة، لكن بشكل سلمي، ودون أيّ انجرار للعنف" تقول كارينا غريشكه، من منظمة شباب الأرياف الألمانية (BDL) المشاركة في الاحتجاجات، للجزيرة نت

وتضيف "نحن لا نشكك في شرعية الحكومة المنتخبة. الزراعة الحديثة تحتاج التخطيط الآمن، لكنها تحتاج أكثر إلى السلام والحرية والمجتمع الديمقراطي، ومن أجل أن تعطي الزراعة المستدامة أدوارها، فعليها أن تقف بثبات على هذه الأسس، ولذلك لا تسامح مع التيارات المناهضة للديمقراطية". وجاءت هذه المواقف بعد تقارير متعددة على اختراق النازيين الجدد لعدد من احتجاجات المزارعين. ودقت منظمات وأحزاب ناقوس الخطر بعد ارتفاع مظاهرات اليمين المتطرف في الأشهر الماضية، وكان المهاجرون واللاجئون جزءا من هذا الاستهداف

كما تتخوف السلطات من نشر دعوات "الإضراب الشامل" الذي لم تشهد البلاد مثيلا لها منذ توحيدها، وهو مطلب إن تحقق سيشلّ البلاد بالكامل. وأطلق منتمون للحزب اليميني "البديل من أجل ألمانيا" هذه الدعوات التي تثير الجدل، كون الإضراب الشامل لا يحظى بدعم قانوني ودستوري

ويبرز أندرل، أنه رغم نأي اتحاد المزارعين علنا عن اليمين المتطرف، لكن هذه الجماعات تستمر في التدفق بين المحتجين. ويوضح أن حزب البديل "يقدم نفسه على أنه صوت الريف الألماني، رغم أنه لم يلتزم بجدية في السابق بالقضايا الزراعية، بل اقترح حينها خططا لخفض جميع الإعانات المقدمة للمزارعين"

من جانبها تقول فولبل "نحن نرى مجتمعا لم يعد قادرا على الخروج من وضع الأزمة، وتحديدا تداعيات الجائحة والحرب والتضخم والفقر المتزايد وأزمة المناخ. هذا النمط الدائم من الأزمة يستغله اليمين المتطرف لصالحه"

وتتابع أن هذا اليمين "فهم بسرعة أن احتجاج المزارعين هو مشروع إستراتيجي، واختطف جزءا أساسيا منه لأجل التحريض ضد ما يسميه النظام القائم"

المصدر : الجزيرة


المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية

إقرأ أيضاً:

رأس الخيمة.. إغلاق هذه الطرقات لتنفيذ بروفة «طواف الإمارات»

 

أعلنت شرطة رأس الخيمة، إغلاق بعض الطرقات، الاثنين، وذلك لإجراء بروفة تأمين طواف الإمارات 2025.

وهي كالتالي:

الصورة


وترأس العميد أحمد الصم النقبي مدير عام العمليات المركزية بشرطة رأس الخيمة اجتماع لجنة تأمين طواف الإمارات للدراجات الهوائية الذي سيقام في الإمارة، الأربعاء المقبل، على مسافة 179 كيلومتراً وصولاً إلى قمة جبل جيس.
وأكد العميد النقبي خلال الاجتماع الذي حضره العميد ركن دكتور يوسف بن يعقوب نائب مدير عام العمليات المركزية، والمقدم سالم بورقيبه مدير إدارة المرور والدوريات بالإنابة، وممثلون عن الإدارات الشرطية المعنية، أنه تم وضع خطة أمنية شاملة تتضمن كافة التجهيزات والاستعدادات اللازمة لتأمين طواف الإمارات في المرحلة التي ستستضيفها الإمارة، والتي تنطلق من كورنيش القواسم وتمر في العديد من الشوارع والطرقات وصولاً إلى خط النهاية في قمة جبل جيس بما يسهم في الحفاظ على سلامة المشاركين وبالخروج بهذا السباق العالمي بما يليق بسمعة دولة الإمارات ومكانتها المرموقة.
وأضاف أن السباق سينطلق في تمام الساعة الحادية عشرة و54 دقيقة من ظهر الأربعاء، على أن ينتهي في تمام الساعة الرابعة و20 دقيقة على قمة جبل جيس، فيما سيتم انتشار وتوزيع 50 دورية مرورية على طول خط السباق لتوفير أعلى معايير السلامة للمشاركين.
من جانبه، لفت المقدم بورقيبة إلى أنه سيتم إغلاق الشوارع التي يمر بها السباق بشكل وقتي بمعنى أنه سيتم فتح الطريق أمام الجمهور بمجرد مرور آخر متسابق منه والعمل ضمن هذا النظام حتى انتهاء السباق بالكامل لضمان انسياب حركة السير والمرور في الوقت الذي من المقرر فيه عقد بروفة للسباق يوم الاثنين.
وأوضح أنه تم تحديد 7 قطاعات على طول خط سير الطواف الذي يحظى بمشاركة متسابقين دوليين واهتمام عالمي واسع، داعياً قائدي المركبات إلى استخدام الطرق البديلة والتعاون مع رجال الشرطة لتوفير المسار الآمن للمشاركين بالطواف من جهة وبما يحافظ على انسياب الحركة المرورية.

مقالات مشابهة

  • رأس الخيمة.. إغلاق هذه الطرقات لتنفيذ بروفة «طواف الإمارات»
  • لا تسلكوها.. هذه الطرقات مقطوعة بالثلوج
  • البحوث الزراعية: تنفيذ 1322 نشاطًا إرشاديًا لدعم المزارعين
  • ترخيص 77 مشروعا زراعيا وتوزيع 33 ألف طن أسمدة على المزارعين بالمنوفية
  • الزراعة: تكثيف النشاط الإرشادي لدعم المزارعين في الموسم الشتوي
  • أول تعليق من رئيس وزراء لبنان على احتجاجات مطار بيروت .. ماذا قال؟
  • احتجاجات.. هذه الطرقات مقطوعة
  • ماذا يجري على الحدود بين سوريا ولبنان؟ محاولة لضبط الأمن أم تصفية حسابات مع حزب الله وعهد بشار الأسد
  • تصعيد أمني ونزوح جماعي وخطط لإقامة معسكرات إسرائيلية دائمة.. ماذا يجري بالضفة الغربية؟
  • وزير البيئة يناقش احتياجات المزارعين والمواطنين في الحدود الشمالية