لجريدة عمان:
2024-07-07@05:24:58 GMT

«مترو غزة» وانتظار جودو!

تاريخ النشر: 13th, January 2024 GMT

ذات يوم من عام 2012، شاهد المخرج المسرحي الفرنسي هيرفي لويشيمول صورة مكتوبًا عليها «مترو غزة» فابتسم معتقدًا أنها مجرد نكتة، لكنه بعد سنوات اكتشف أن هذه الصورة مستلّة من معرض لفنان تشكيليّ فلسطيني من سكان غزة اسمه محمد أبو سلّ قدم خلاله عملًا تركيبيًّا متعدد الوسائط، وكان قد صمّمه بعد بحث طويل بهدف طرح إمكانية إنشاء شبكة قطارات تحت الأرض تصل الضفة الغربية بقطاع غزة من جهة، وتصل مدن غزة ببعضها البعض من جهة أخرى.

أُعجِب المخرج الفرنسي بفكرة الفنان الفلسطيني وسعى إلى اللقاء به والاتفاق معه على تحويل «مترو غزة» إلى مسرحية، وهذا ما صار. وعُرضتْ المسرحية غير مرة وعلى أكثر من مسرح، فكان عرضها للمرة الأولى في مسرح القصبة برام الله في 11 ديسمبر 2022م، أما عرضها الأخير فكان في بغداد مساء الأربعاء الماضي في افتتاح مهرجان المسرح العربي الذي تنظمه هذه الأيام الهيئة العربية للمسرح.

بلغت مدة العرض المسرحي ساعة وبضع دقائق، والتقط فيه المخرج الفرنسي أهم ثيمة في عمل الفنان الفلسطيني وهي الحُلم؛ الحلم بحياة أفضل، أو لنقل بتعبير أكثر دقة الحلم بحياة أقل تنغيصًا ومكابدات من تلك التي يعيشها الغزيّون منذ عام 2007 حين فُرِض عليهم الحصار الجائر. «الحلم أداة سياسية لتذكير العالم بطريقة مختلفة، فالحلم نوع من محاولات التغيير»، هكذا قال لويشيمول في أحد تصريحاته الصحفية، ولذا فقد اعتمد في مسرحيته التي شاركته كتابتها خولة إبراهيم على ثلاث شخصيات حالمة؛ رجل المترو (أدى دوره الفنان أحمد طوباسي) الذي يحلم بتقصير المسافات بين مدن غزة ومستشفياتها عن طريق مترو يربط بينها من تحت الأرض، والفتاة القادمة من مدينة حيفا (أدت دورها الفنانة شادن سليم) بحثًا عن صديقها الغزّيّ المجهول الذي لا تعرف منه إلا اسمه الأول «جميل» (ولا تخفى هنا رمزية الاسم)، والفتاة الأخرى (أدت دورها الفنانة ياسمين شلالدة) التي وجدت هاتفا جميلا ملقى في أنقاض مجزرة من المجازر الكثيرة التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، والتي نعرف من سردها أيضًا أنها فقدت أفرادًا من عائلتها في المجازر اليومية.

وإذن؛ فالعرض أساسه هذه الشخصيات الثلاث، ويمكن أن نضيف إليها شخصية جميل الصامت الذي لا يظهر إلا بظهره وهو على كرسيّه المتحرك. ونتعرف على حكايات هذه الشخصيات بطريقة مسرح بيكيت؛ الكاتب الإيرلندي الشهير، الذي يقوم مسرحه على شخصيات قليلة بلا صراع درامي واضح، ولا حبكة بمعناها التقليدي، وبتقشف في السينوغرافيا. هذا التقشف رأيناه أيضًا في سينوغرافيا «مترو غزة»، إذ لم تزد عن مقاعد شبيهة بمقاعد انتظار المترو، وخلفية بيضاء تبدو حينًا كجدار، وحينًا آخر ينفتح فيها باب يدخل منه الممثلون، وحينًا ثالثًا تتحوّل إلى شاشة عرض تظهر عليها مقاطع فيديو تتضمن مشاهد حقيقية مما تعانيه غزة من اعتداءات وقصف وتدمير بمؤثرات صوتية لقنابل تنفجر، أو صواريخ تدك أراضي القطاع.

وعلى ذكر بيكيت فقد ورد اسمه في واحد من أجمل حوارات المسرحية، حين سألت فتاةُ حيفا رجلَ المترو ماذا ينتظر فأجابها: «جودو»، في إشارة إلى مسرحية بيكيت الأشهر «في انتظار جودو» فكان أن اندهشت وسألتْه: «أنت تعرف بيكيت؟»، أجابها غاضبًا بكلام مفاده أن الفلسطينيين ليسوا فقط كما نُمِّطوا في الموت والأسر والعذابات، فهم أيضًا يحبون الحياة ويدخلون الجامعات ويقرأون ويعرفون أدباء العالم بمن فيهم بيكيت وكافكا، وهذا الأخير لا يكتفون بقراءته فقط بل يعيشون عوالمه في فلسطين المحتلة.

ولأن الشيء بالشيء يُذكر فإن هذا التنميط للفلسطينيين كان أحد محفزات الروائي الفلسطيني إبراهيم نصر الله - الذي كان في مسقط الأسبوع الماضي- على الكتابة المغايرة عن حياة الفلسطينيين، كما هي الحال في روايته «أعراس آمنة»، وله حوار قديم لموقع «إيلاف» يقول فيه: «ما نكتبه هو مقاومة لفكرة تسعى إلى تنميطنا وتحويلنا إلى تماثيل تمتشق السيوف أو الحجارة في أيديها الملوِّحة، وإذا كان من مهمة للأدب الفلسطيني فهي أن يقول: إن الفلسطيني كائن بشري له قلبه وأحلامه الصغيرة وله أفراحه وأحزانه، أن يقول: إن الأم التي تزغرد في جنازة ابنها الشهيد هي الأم التي تبكيه بكاء لا يتصوره العقل حين يغادر الناس. وفي اعتقادي ما كان يمكن لهذا الشعب أن يقاتل أعداءه، أو أولئك الذين يتناسلون من رحم أعدائه، لو لم يكن يحب الحياة فعلا، وإلا عن أي شيء يدافع هذا الشعب منذ أكثر من مائة عام، إن لم يكن يدافع عن جمال هذه الأشياء؟».

وبالعودة إلى الفنان الفلسطيني الغزّاوي محمد أبو سلّ الذي كُتِب اسمه أيضًا كمعدٍّ للمسرحية، فقد دأب هذا الفنّان على توثيق انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي لغزة في أعماله الفنية، إذْ أقام عام 2017 معرضا آخر في غزة بعنوان «راحة الآلام» هو عبارة عن سبعة أعمال متعددة الوسائط تعيد بصريا بناء البيت/ المكان الغزّي الذي دمرته اعتداءات إسرائيل المتكررة خلال أقل من عقد. كما وثق بواسطة مشروعه الفني «منتجات بشعة لا تفي بحقوقكم» عام 2021 أدوات الاحتلال الإسرائيلي كالقنابل الفتاكة وجدار الفصل العنصري وغيرها. ومن المحزن والمؤسف أنه فقد بيته والأستديو الخاص به خلال حرب الإبادة الجماعية الأخيرة التي تشنها إسرائيل على غزة، لكن عزاءه -وعزاءنا أيضًا- أن أعماله الفنية لم تذهب سدى، وأن حلم مترو غزة تحقق بالفن وإن لم يتجسد بعدُ على أرض الواقع.

سليمان المعمري كاتب وروائي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: مترو غزة

إقرأ أيضاً:

رئيس المركز الفلسطيني للشؤون الاستراتيجية: جيش الاحتلال يذل اليوم في غزة (فيديو)

قال الدكتور محمد المصري، رئيس المركز الفلسطيني للشؤون الاستراتيجية، إن الخلاف والصراع اليوم ليس فقط علي ما سيحدث في اليوم التالي في غزة، بل في الشارع الإسرائيلي أيضا.

وأضاف المصري، خلال استضافته ببرنامج "ثم ماذا حدث"، المُذاع على فضائية "القاهرة الإخبارية"، مع الإعلامي جمال عنايت، أنه منذ الحرب على غزة خرج الإسرائيليين على مدار 39 أسبوعًا تطالب برحيل بنيامين نتنياهو، والوصول لصفقة تبادل.

وأشار إلى أن البنية التحتية في قطاع غزة دمر منها أكثر من 80%، وهذا ما فعله نتنياهو منذ الحرب علي غزة، إضافة إلى استشهاد أكثر من 38 ألف وإصابة أكثر من 80 ألف، فهل هذا الإنجاز الذي يريده الشارع الإسرائيلي، بالطبع لا.

نوه بأن القتال مستمر في مدينة رفح حتى هذه اللحظة، بسبب التحاق الشباب الفلسطيني، للفصائل الفلسطيني، وهذا يعد إخفاقا جديدا لرئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي يسعى لإطالة أمد الحرب.

تابع أن نتنياهو يستغل الجيش والأمن من أجل الضغط على المتظاهرين في الشارع الإسرائيلي، إضافة لوزيره بن جفير الذي يميل للعنف والتشدد، ولا يسعى لحل الأزمة.

مقالات مشابهة

  • البرغوثي: لقاء "بن عامي" خطأ غير مقصود وأطراف مشبوهة استغلته لشن حملة تحريض وتشويه
  • مسجون في إسرائيل بـ 5 أحكام مدى الحياة.. فلسطينيون يعلقون آمالهم على البرغوثي
  • البرغوثي يصدر توضيحا حول مشاركته في ندوة سياسية بإيطاليا
  • الصحراوي قمعون: القضية الفلسطينية وحروب التضليل
  • الفلسطيني للشؤون الاستراتيجية: البنية التحتية في قطاع غزة دمر منها أكثر من 80%
  • رئيس المركز الفلسطيني للشؤون الاستراتيجية: جيش الاحتلال يذل اليوم في غزة (فيديو)
  • 11 مصابا بسبب سلم كهربائي.. وفيديو يرصد ما حدث
  • نجاح أدبي وجماهيري.. شعبة الدراما باتحاد الكتاب تحتفي بصناع أوبريت "قمر الغجر".. أول عرض مسرحي يكشف قسوة وبشاعة ما يتعرض له الشعب الفلسطيني بالأراضي المحتلة من إبادة وتطهير عرقي
  • هنية يشيد بجهود الشعب الأردني لنصرة الشعب الفلسطيني
  • "لم نختار الشركة المنفذة للمشروع بعد".. أمانة بغداد تكشف اخر مستجدات مترو بغداد