الاستثمار في ذاكرة المواطن
تاريخ النشر: 13th, January 2024 GMT
هند الحمدانية
تاج مقلوب له شكل مظلة ومعبأ بالأغصان الكثيفة والظلال الوارفة التي توفر الماء وتُقلل التبخر وتُساعد على بقاء الشتلات الصغيرة التي تنمو تحت الشجرة الأم، إنها شجرة دم الأخوين النادرة والتي تنمو في جزيرة أرخبيل سقطرى اليمنية؛ حيث أطلق عليها هذا الاسم نسبة إلى ما يخرج منها من سائل أحمر يشبه الدم، شجرة مميزة الشكل واستثنائية التفاصيل لا يمكن لك أن تتجاوز ملامحها الجمالية الفريدة.
فماذا عنك؟ وما الذي يميزك أو يميز بلدك ويجعل منكما مغناطيسًا جاذبًا وفريدًا للمستثمر المحلي والخارجي؟ ثم كيف تُسوِّق مواردك وكيف تُروِّج أفكارك وتجد الاستثمار المناسب لها؟ ما الذي يجعلك فريدًا وكيف تُكافِئ المستثمر إذا وافق على أن يكون شريكًا وداعمًا لرؤيتك؟
الحقيقة أن سلطنة عُمان وضعت مرتكزات واضحة للتنمية الاقتصادية والتي تنبثق من الرؤية المستقبلية "عُمان 2040"، والتي أكدت من خلالها على تحقيق الازدهار ومواجهة التحديات وتشجيع وجذب الاستثمارات المتنوعة داخليًا وخارجياً، لكن يستلزم أن نضع في عين الاعتبار أننا يجب أن نجتهد لجذب المستثمرين العمالقة أو الملائكيين وحشد الاهتمام بسوق الأعمال وبرامج التنويع الاقتصادي والثورات الصناعية وبيئة البلد التنظيمية والتشريعية.
يؤكد علم النفس أن النَّاس يشترون الناس قبل الأفكار، لذا عليك أن تروج نفسك (شعبك) قبل أن تروج بيئة الاستثمار، بعدها سوف تخلق فرصة حقيقية لتعرض أفكارك وتصطاد المستثمر المناسب لها.
الغاية الأصيلة والمتجذرة في روح الناس هي ما يميز أي بيئة استثمارية محفزة، الرؤية الاستثمارية واضحة لكن يستوجب أن تكون أشبه بقاعدة ثقافية داخل المجتمع، يؤمن بها الجميع على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية ومراكزهم المختلفة، تماماً كحادثة الرئيس جون كينيدي وبواب وكالة ناسا، عندما سأل جون كينيدي البواب: ماذا تفعل لناسا؟! فأجابه البواب: أنا أضع رجلًا على القمر، هنا يتضح جليًا أنَّ البواب يُدرك غايته الأصيلة ودوره الفعال في إعداد المبنى للمهندسين الذين سيأتون ويقومون بمعادلاتهم الحسابية، لأنه يُؤمن بأهمية دوره وقيمته الفعالة في تحقيق الرؤية الشاملة لوكالة ناسا وأهدافها العظيمة.
نحن لا نتحدث هنا عن مهمتك (وهو ما تفعله كل يوم) ولا عن طريقك ومسارك حيث تتجه، صحيح أن كلاهما- أي المهمة والاتجاه- محركان مهمان في الاستثمار، ولكنهما يتغيران بتغير القيادة، هنا نسلط الضوء على الغاية التي يجب أن تكون واضحة وجليه لكل أطياف المجتمع، بل يجب أن تصبح جزءا أثرياً من ثقافة المجتمع، هذا هو المعيار الذي يدفع مواطن عادي للتعامل بذكاء ولطف مطلق مع مستثمر أجنبي يزور البلد لأول مرة ليكسب انطباعه الإيجابي وربما يكون بعدها بطلاً في قصة ملهمة يرويها المستثمر الأجنبي في جولاته حول العالم.
عشرات الصفقات تُعقد يوميًا، ورواد الأعمال الناجحون يتنقلون بين الأقطار، وتتدفق رؤوس الأموال العالمية عبر الأسواق والبلدان، فلماذا يختار المستثمر بلدًا مُعينًا للاستثمار دون غيره؟ وما الذي يحفزه لضخ أمواله في سوق جديدة بالنسبة له؟!
يطمح المستثمرون لتوسيع استثماراتهم وتنويعها، لذلك يسعون إلى الاستثمار في بلدان جديدة، ونستطيع اختصار ما يجذب المستثمر لبلد دون غيره بما يعرف بـ"الإطار المؤسسي للبلدان"، والذي يتمحور حول ثلاث نقاط أساسية حسب البحوث والدراسات: استقلال البنك المركزي الخاص بالدولة، وأسلوب معاملة الأجانب (الترحيب بهم)، ومعدل الفساد في البلد.
ونرى جليًا أنَّ سياسات السلطنة في فرض الحوكمة والأطر والقواعد القانونية، عزَّزت المساءلة ومبدأ الشفافية والالتزام؛ حيث ارتكزت رؤية "عُمان 2040" على 4 مبادئ رئيسية، من أهمها: الحوكمة والأداء المؤسسي. أما فيما يتعلق باستقلال البنك المركزي فهو أيضا يستند على ثلاث ركائز أساسية: الحوكمة العالية والشفافية والرقابة والاستقلال. ونقصد بالاستقلال أن يبتعد البنك المركزي عن التأثيرات السياسية للدولة في تحديد سياساته النقدية، وأن يمتلك القدرة على تنفيذ سياساته النقدية بعيدًا عن التأثير السياسي.
إننا نُدرك جيدًا أن البنوك المركزية تمثل أذرعًا للحكومات ولكن يبقى هناك خط ما فاصل بين البنوك المركزية والحكومات؛ حيث تشير البيانات إلى أن المصارف المركزية التي كانت أكثر استقلالية- كما في ألمانيا وسويسرا والنمسا- حققت معدل تضخم أقل من المصارف التي تربطها علاقات أوثق بالحكومات كالنرويج ونيوزيلندا على سبيل المثال.
دعونا نتفق على أن المستثمر الخارجي يبحث عن سوق كبيرة ونقطة احتياج مؤثرة أو مشكلة فعلية يتوق العميل إلى حلها، ثم يأتي دور المستثمر والذي يتمثل في إنشاء الحل، وملء الفجوة السوقية بشكل فاعل وفعَّال، فما علينا الآن كبلد يشق طريقه نحو تنويع مصادر الاستثمار في أسواقه إلا أن نجعل من غايتنا في التنمية الاقتصادية والاستثمار ذاكرة عضلية في مخ كل مواطن، وأقصد بالذاكرة العضلية هنا دمج الغاية في ذاكرة الناس من خلال تعميق الهدف وتكراره؛ حيث ستخلق هذه العملية أقصى درجات الكفاءة، فيصبح لكل جزء من هذا الوطن (صغير أو كبير) دور مهم يسعى لجذب المستثمر وتوطيد علاقات ناجحة طويلة المدى في سبيل تنمية الوطن وازدهاره.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
حزب الوعي: رسائل الرئيس لأكاديمية الشرطة عكست الرؤية الاستراتيجية نحو استدامة التنمية الشاملة
ثمن عادل زيدان، عضو الهيئة التأسيسية بحزب الوعي، حديث الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال زيارته التفقدية لمقر أكاديمية الشرطة، قائلا: “شكّل محطة مهمة لتوضيح الرؤية الاستراتيجية للدولة المصرية في مواجهة التحديات وتعزيز الإنجازات الوطنية”.
وأكد زيدان، في بيان له، أن تصريحات الرئيس جاءت بمثابة رسائل متعددة الأبعاد تحمل دلالات كبيرة على الصعيدين المحلي والدولي، وتسلط الضوء على جهود الدولة في جميع المجالات الحيوية، مشيرا إلى أن هذا الحديث يعكس ليس فقط حجم العمل الذي تقوم به الدولة، بل أيضًا النظرة المستقبلية نحو استدامة التنمية الشاملة.
وقال إن أبرز الرسائل التي تناولها الرئيس تمثلت في إشارته إلى العاصمة الإدارية الجديدة، حيث أوضح أن جميع المشروعات التي تُقام بها تُمول ذاتيًا من خلال شركة العاصمة الإدارية، حيث تمتلك حسابًا في البنوك بقيمة 80 مليار جنيه.
وأضاف أن هذه الرسالة تحمل دلالة عميقة على قدرة الدولة على تحويل الموارد المتاحة إلى فرص استثمارية ضخمة تسهم في تحقيق التنمية المستدامة، وتعكس منهجًا اقتصاديًا جديدًا يعتمد على تعظيم الاستفادة من الإمكانات الوطنية بعيدًا عن الضغط على الموازنة العامة.
وأوضح زيدان، أنه فيما يخص التعليم، جاءت تصريحات الرئيس لتبرز رؤية الدولة في بناء الإنسان المصري كأولوية قصوى، مشيدا بحديثه عن اقتراب عدد الجامعات في مصر من 100 جامعة، ما يكشف عن جهود ضخمة لتوسيع القاعدة التعليمية وتوفير خيارات تعليمية متنوعة، بما في ذلك الجامعات التخصصية والأهلية، لتخفيف العبء على الجامعات الحكومية.
وأشار إلى أن إنشاء مراكز متخصصة في علوم التكنولوجيا واستحداث منشآت تعليمية متطورة يعكس وعي الدولة بأهمية التعليم الفني والتكنولوجي كركيزة أساسية لتلبية احتياجات سوق العمل المتطور.