رفع الدعم عن المحروقات في ليبيا.. الدوافع وردود الفعل
تاريخ النشر: 13th, January 2024 GMT
أعاد تصريح رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد ادبيبة، ملف دعم المحروقات إلى دائرة الضوء بقوله إن قرار استبدال الدعم اتخذ ولا رجعة فيه، الأمر الذي أثار ردود فعل لم يخلو بعضها من التسييس.
تُرجع الحكومة أسباب إعادة النظر في سياسة الدعم إلى الكلفة الباهظة والتي حسب رئيس حكومة الوحدة تصل إلى 50% من الإيرادات العامة، ونقل عن رئيس المؤسسة الوطنية للنفط أن ما يذهب لدعم المحروقات يصل إلى 12 مليار دولار أمريكي (الإيرادات العام 2023م بلغت نحو 21 مليار دولار)، حيث يستهلك تشغيل محطات الكهرباء وما في حكمها نحو 8 مليار دولار من الوقود وتذهب 4 مليار دولار في شكل بنزين وديزل، أما تقرير ديوان المحاسية العام 2022م فيتخطى هذه الأرقام حيث أورد أن ما أنفق على المحروقات بلغ 83 مليار دينار.
وبالإضافة إلى الفاتورة العالية لتشغيل محطات توليد الكهرباء وتوفير البنزين بسعر متدني جدا هناك التهريب الذي يهدر من 750 مليون إلى مليار دولار سنويا، عبر شبكات تنشط في الغرب والشرق والجنوب.
المعارضون لدبيبة يرون أن الدوافع خلف تغيير سياسة الدعم ليست الهدر والتهريب، حيث يتهمون ادبيبة وحكومته في التورط في فساد كبير وبالتالي لا معنى لتبرير رفع الدعم أو استبداله بمقابل مالي بحجة الهدر والتهريب، وأن الدوافع قد تكون سياسية.
وما هو معلوم أن كل أو جل خبراء الاقتصاد يرون أن سياسة الدعم التي تعود إلى نحو 60 عاما، وذلك منذ إنتاج النفط وتصديره بكميات وفيرة منتصف الستينيات من القرن الماضي، تحتاج إلى مراجعة، وما حال دون تبني خيارات إصلاحية هو الوضع الاقتصادي المختل وغير المستقر والذي من مظاهره تدني مستوى دخول الأفراد والافتقار إلى البدائل الخدمية من شبكة قطارات وحافلات ووسائل نقل مريحة.
البيانات لا تزال تمثل مشكلة في ليبيا، وقد أقرت الحكومة بذلك بسبب عدم الوقوف بشكل دقيق على احتياجات البلاد من المحروقات وتكلفتها، والمستهلك والمهدر عبر التهريب، غير أن خبراء يؤكدون أن البنزين المستورد والذي يشكل أكثر من 80% من الاستهلاك المحلي يكلف الخزانة العامة 80 سنتا أمريكيا للتر الواحد (حوالي أربع دينارات ليبية) فيما يباع في محطات الوقود بخمسة عشر قرشا ليبياً للتر(حوالي 3 سنتات)، ويمثل هذا الفرق الكبير في سعر الشراء والبيع السبب الرئيسي في تعاظم التهريب.
التحدي يكمن في خوف قطاع واسع من الليبيين أن ترتفع أسعار الوقود بشكل كبير بعد رفع الدعم وأن لا تفي الحكومة بوعودها في توفير البديل النقدي بشكل مستمر. أيضا يتخوف كثيرون من الأثر المتعدي لرفع الدعم عن المحروقات في شكل ارتفاع في أسعار السلع، ويطالبون بأن تأخذ الحكومة هذا في تقديراتها لمقدار البديل النقدي لرفع الدعم.مصادر مطلعة أكدت أن المهربين يتحصلون على شاحنة نقل الوقود بما قيمته 6 ألاف دينار ليبي ويبيعونها بنحو 90 ألف دينار، حيث تهرب مئات الشاحنات يوميا، وترتب على هذا الوضع عدم توفر الوقود في عديد المدن خاصة الجنوب، واضطراب توزيعه حتى في مدن الشمال.
اللجان التي تشكلت، في السابق والوقت الراهن، بغرض دراسة سياسة الدعم والبحث عن بديل عنها، جميعها اتجهت إلى وضع استبدال الدعم بمقابل مالي يمنح للفرد أو الأسرة على رأس قائمة البدائل، واختلفت في تحديد قيمة البديل ماليا، وفي كيفية إيصال هذا البديل. ولم تغفل الدراسات فكرة منح حصص ثابتة للفرد عبر كروت مخصصة لذلك بالسعر الحالي والزيادة عن المخصص تكون بالسعر بعد رفع الدعم.
التحدي يكمن في خوف قطاع واسع من الليبيين أن ترتفع أسعار الوقود بشكل كبير بعد رفع الدعم وأن لا تفي الحكومة بوعودها في توفير البديل النقدي بشكل مستمر. أيضا يتخوف كثيرون من الأثر المتعدي لرفع الدعم عن المحروقات في شكل ارتفاع في أسعار السلع، ويطالبون بأن تأخذ الحكومة هذا في تقديراتها لمقدار البديل النقدي لرفع الدعم.
رفض مجلس النواب والحكومة التابعة له والمتنفذة في شرق البلاد لتوجهات حكومة الوحدة بخصوص الدعم يمكن أن يشكل عائقا حقيقيا أمام تبني خطة استبدال الدعم، ومن الواضح أن ردود الفعل انتهت إلى تراجع الحكومة عن توجهها، فكلام ادبيبة مع لجنة المحروقات الذي ذكر فيه أن القرار اتخذ ولا رجعة فيه قابله تصريح لاحق أكد فيه أن الموضوع لم يحسم بعد وأن رأي الشارع الليبي سيأخذ في الاعتبار عبر استطلاعات واستبيانات، مما يعني أن رفع الدعم لن يقع في المدى القصير، وسيعتمد التغيير على موقف الرأي العام وعلى نشاط الحكومة التعبوي بالخصوص.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية دعم المحروقات رفع ليبيا رأي ليبيا دعم محروقات رأي رفع المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ملیار دولار سیاسة الدعم لرفع الدعم رفع الدعم
إقرأ أيضاً:
شـواطئ.. روسيا والغرب.. لمن الغلبة؟ (10)
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يتابع عالم السياسة الشهير ألكسندر جليبوفيتش رار فى كتاب (روسيا والغرب.. لمن الغلبة؟) والذى نقله إلى العربية (محمد نصر الدين الجبالى) بقوله: تعتمد العلاقات الروسية مع الاتحاد الأوروبي على ألمانيا، حيث تميل الأخيرة إلى إلغاء التأشيرات مع روسيا وتسعى لذلك أكثر من دول أوروبية أخرى. وتحتل ألمانيا المرتبة الأولى في الاستثمارات الأوروبية في روسيا، ويتوجب على روسيا إقامة علاقات وطيدة مع ألمانيا لا تنطلق فقط من المصالح التجارية، فليس سرًا أنه وبعد أن أنقذت ألمانيا الاتحاد الأوروبي من أزمته المالية بدأت في لعب دورًا أكبر في بناء أوروبا. ويعي حكماء السياسة في ألمانيا أن روسيا لن تستطيع بناء أوروبا المستقبل وحدها، كما يعون أيضا أنه دون المحروقات الروسية لن يجد البيت الأوروبي ما يضمن له الدفء.
سيكون بمقدور التحالف الروسي الأوروبي تحقيق التماسك في القارة. ولكن الأمر لا يبدو سهلا، حيث يتعرض سوق الغاز إلى تغيرات حادة. وتشهد روسيا تطورات في سوق الغاز وتظهر شركات جديدة وتنضم إلى هذا الاقتصاد. وما زالت شركة "غازبروم" تعد المنتج الأكبر والرئيسي للغاز والمصدر الأكبر له. إلا أن شركة "روس نفط" تستحوذ على أسهم جديدة وأصول في قطاع الغاز سواء في روسيا أو خارجها. ويجرى العمل على إصدار تشريعات لتحرير تصدير الغاز المسال من قبل الشركات الأخرى العاملة على أراضي روسيا الاتحادية. وهناك مطالب أخرى وتحديات جديدة ترتبط بإنتاج وتصدير الغاز المسال.
فما مستقبل الغاز؟ وجد الأمريكيون الحل في تكنولوجيا الحفر المسمى "فريكنج" أي استخراج كميات ضخمة من الغاز من الرمال والصخور. وتحولت الولايات المتحدة الأمريكية من المستهلك الأكبر للنفط والغاز في العالم إلى المنتج الأكبر لهذه المحروقات. وبالتالي فقد أصيبت الأسواق بتخمة في المعروض من النفط والغاز وفاق المعروض الطلبات. وانخفضت أسعار المحروقات في العالم بوتيرة سريعة. فهل ستشهد أوروبا هي أيضا ثورة في النفط والغاز الصخري؟ وستحصل الأسواق على الغاز الأمريكي عندما تقرر واشنطن البدء في التصدير. فما زالت أمريكا تسعى إلى تحقيق الاكتفاء التام في السوق المحلية من المحروقات واستغلالها في الخروج بالبلاد من أزمتها. وبفضل انخفاض سعر الغاز الأمريكي حققت أمريكا ارتفاعا في معدلات النمو وتخطت العديد من الدول وحافظت على مكانتها كدولة اقتصادية عظمى. لقد كانوا محظوظين جدا بظهور الغاز الصخري وقد أحسنوا الاستفادة من هذه السلعة، إلا أن ذلك لا يعنى انه سيكون لديهم القدرة على تصديره عبر المحيط إلى أوروبا. فمن ناحية يتجه العالم إلى إنشاء سوق عالمي موحد للغاز، ومن ناحية أخرى أغلب مشتريي الغاز الروسي راضون حيث أصبحت هناك ضمانة بان الاتفاقيات التي أبرمت سابقا تسمح بإرساء علاقة مستقرة مع روسيا. ويتغير الوضع في سوق الغاز العالمي باستمرار.
ويحاول الأمريكيون وبشكل فج إبعاد شركة غازبروم من السوق الأوروبية وأن تصبح أمريكا المصدر الرئيسي للغاز إلى أوروبا. ولذا نجد الكثير من اللغط والحديث عن التبعية الأوروبية لروسيا وما يتبعها من تبعات خطيرة. وتقف قيادة الاتحاد الأوروبي في صف واشنطن وتعمل على تدمير أو تجميد تطوير البنية الأساسية لقطاع الغاز في روسيا.
وقد أطلق أحدهم مزحة قائلا إن روسيا تعد دولة عظمى في المحروقات دون امتلاك اقتصاد قوى، في حين يعتبر الاتحاد الأوروبي دولة صناعية عظمى دون موارد طاقة. وربما ينجح الاتحاد الأوروبي في الصمود فقط بشرط انضمام روسيا إليه. وتعتقد الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها من دول أوروبا الشرقية هذا الطرح غير مقبول على الإطلاق. وفجأة اشتعلت قضية أوكرانيا في أوروبا. وأصبحت كييف مفتاحا ومحورًا مهما في الجيوسياسية الجديدة في أوروبا. وعلى كييف أن تقرر إما أن تنضم إلى الاتحاد الأوروبي وأن تصبح مرتبطة بالتحالف عبر الأطلسي أو أن تبحث عن مسارها التاريخي في الانضمام إلى الاتحاد الأوراسى.
في عام 2013 دخل الصراع على أوكرانيا بين روسيا والغرب مرحلة شديدة الخطورة. وكان الاتحاد الأوروبي يتفهم أن سياسته في عقد شراكات مع دول الجوار الشرقي قد فشلت. فالهدف الرئيسي – أوكرانيا لا تبذل جهدا في سبيل التقرب من الغرب والارتماء في احضانه. في حين لا يرغب السياسيان مانويل باروسو رئيس المفوضية الأوروبية وستيفان فيولى المفوض التشيكي في ترك منصبيهما دون إنجاز عمل يخلد ذكراهما، حيث أرادا أن يقوما وبأي ثمن بتمهيد الطريق لتحقيق توسع مستقبلي للاتحاد الأوربي. وقد أدى فشل ثورات الربيع العربي إلى سد الطريق أمام مساعي الامتداد جنوبًا في بلدان شمال أفريقيا. وشعرت بروكسل أن أوكرانيا هي فرصتها الأخيرة.
وأصبحت أوكرانيا ضحية لرغبة الغرب في اقتطاعها من روسيا، وكانت في حاجة إلى القوى الخارجية التي تستطيع تحقيق الاستقرار فيها. كان نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا كبيرًا في غرب ووسط أوكرانيا. أما روسيا فتسيطر على الجنوب والشرق. وكان من الممكن حل الأزمة الأوكرانية التي طال أمدها والاتفاق على حل وسط يقضى بأن تقوم أوكرانيا بالتحول من حكومة مركزية إلى كيان فيدرالي يكون للأقاليم علاقاتها الاقتصادية والثقافية المستقلة مع روسيا والغرب.