حرب غزة وعمليات استئصال الوجود المسيحي
تاريخ النشر: 13th, January 2024 GMT
يبدو أن الحرب الإسرائيلية المدمرة والعشوائية تحاول محو تاريخ غزة وثقافتها الإسلامية والمسيحية على حد سواء، إلى جانب الحصار المستمر، باتت تهدد الوجود المسيحي في قطاع غزة لأول مرة في تاريخهم الممتد منذ 2000 عام أي منذ حوالي القرن الثالث لكتابه الفصل الأخير من المسيحية، حيث الفكر السائد لدى جميع المسيحيين الفلسطينيين الآن هو الهجرة، بعد أن دمرت منازلهم وأعمالهم، وبما أنه لا يوجد أفق سياسي يشير إلى نهاية هذه الأزمة، وبعد أن أُستشهد حوالي 3٪ من سكان غزة في الغارات الجوية وهجمات إطلاق النار التي شنتها إسرائيل منذ بداية الحرب، والتي تمثل لحظة تاريخية مظلمة لدي مسيحيى الشرق الأوسط، وتحول العدد من أوائل القرن العشرين، بنحو 17% من سكان فلسطين؛ واليوم يبلغ مجرد 1 إلى 2 في المائة، حيث يعيشون في الشتات.
وكانت الدعاية الإسرائيلية تعتمد علي تصدير صورة أن المسيحيين يتعرضون للاضطهاد من قبل حماس بعكس شهادات بعض الآباء التي أكدت أن حماس وضعت حدًا لمضايقة المجتمع المسيحي، فلم تجد إسرائيل تعزيزًا لروايتها وبما أن المجتمع المسيحي يشكل معضله بالنسبة لإسرائيل بسبب صوتهم المؤثر بشكل عام خارج فلسطين، نظرًا لعلاقاتهم الراسخة مع مؤسسات الكنائس العالمية والغرب، كان لا بد من إخراجهم من المعادلة، بما لديهم من قدرة على نقل الصورة الصحيحة للوضع إلى الخارج، والذي يتعلق بالاحتلال والفصل العنصري، وليس الصراع الديني المزعوم.
إن استهداف إسرائيل المستمر للكنائس أكد على إرسال رسالة مفادها أنه لن ينجو أحد من التطهير العرقي حتى الذين وجدوا مأوى في المباني الدينية مما يفند ادعاءاتها أمام العالم، وقامت بتدمير المزار الأخضر في دير البلح وسط القطاع، وهو أول دير مسيحي بني في فلسطين خلال العصر البيزنطي في محو كامل للتراث المسيحي، حتي الاكتشافات التاريخية علي سبيل المثال، فسيفساء أرضية بيزنطية عمرها 1500 عام، وهذا ما أكده بيان إدانة يوم عيد الميلاد صادر من مركز الميزان لحقوق الإنسان بشأن استهداف إسرائيل المتعمد للمسيحيين الفلسطينيين وأماكن عبادتهم في غزة، مشددًا على أن ذلك يهدف إلى محو التاريخ والثقافة الفلسطينية في غزة دون جدوى من الادانات المتكررة وغض طرف المجتمع الدولي، فقد يشبه الأمر سلسلة من المؤامرات على كنائس الشرق القديم وتقديم التهويد على طبق من فضة، وهي نكبة ثقافيه ووجوديه مستمرة منذ 75 عامًا والتي شهدت التهجير القسري لثلاثة أرباع الشعب الفلسطيني، فما مصير 50 ألف فلسطيني مسيحي في الضفة الغربية والقدس إن امتدت الحرب؟.
إن نضال المسيحيين لم يعد مستترًا، ولكن يواجهون شعورًا بأنهم مستبعدون من النضال من أجل حرية وطنهم بمدى واسع بسبب تناقص الاعداد، بجانب الترويج الإعلامي الذي يصور أن النضال الفلسطيني حرب دينية بين المسلمين واليهود في شبه استبعاد للمسيحيين من المعادلة، وربما يفسر عدم سماح إسرائيل للقادة الدينية للذهاب إلى غزة للمساعدة في تخفيف المعاناة بطريقه عمليه.
وفي موسم العطلات، لم يكن هناك سوى القليل من السكان الفلسطينيين في بيت لحم، ومر عيد الميلاد في صمت والحقيقة أن المدينة احتفلت بيوم الخامس والعشرين من ديسمبر ليس باعتباره عيد الميلاد، بل اليوم الثمانين للحرب الشرسة التي اجتاحت فلسطين التاريخية بالكامل، وظلت كنيسة المهد، أقدم موقع مقدس مسيحي في العالم فارغة لا أحد يقف في الصف ليرى المكان الذي ولد فيه السيد المسيح، فاختفت مشاهد حفل إضاءة الشجرة، والسوق المزدحم، والمسيرات الكشفية وتبدلت بمشاهد الدماء والأشلاء، وعند مذبح الكنيسة، توجد كومة من الطوب والحجارة تشبه الركام، مع دمية طفل المزود ملفوفة في العلم الفلسطيني.
وقد تمكن فنانو بيت لحم من إقامة عرض ضخم لرحلة السيد المسيح ومريم العذراء إلى مصر، تحمل القصة أصداء مؤلمة مع أعمال العنف في غزة، حيث تم تهجير 80% من سكان القطاع، وحتى أنهم يواجهون التهديد الوشيك بالطرد الكامل.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الوجود المسيحي الحرب الإسرائيلية الكنائس
إقرأ أيضاً:
لبنانيون يحيون مناحلهم بعد أن أحرقتها إسرائيل
صور- يتنقّل حسين جرادي بين خلايا النحل التي يربيها في منحله ببلدة معركة، قضاء صور في الجنوب اللبناني، متفقدًا كل خلية بعناية، بعد غياب قسري استمر أكثر من شهرين بسبب اشتداد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان.
العودة لم تكن سهلة، إذ وجد منحله وقد نال منه الخراب، والنحل وقد ذبل أو رحل، والخلايا ماتت أو ضعفت بفعل الإهمال القسري والدمار المباشر وغير المباشر.
هذا الابتعاد عن المنحل لم يكن عابرًا، بل خلّف خسائر فادحة، إذ إن النحل يحتاج إلى رعاية أسبوعية دقيقة تشمل تقديم الأدوية اللازمة والتغذية التكميلية للحفاظ على صحة الخلايا وضمان تكاثرها.
غياب هذه العناية أدّى إلى نفوق عدد كبير من الخلايا، وإضعاف ما تبقى منها، مما ضاعف من الأعباء على المربين بعد انتهاء القصف.
أضرار جسيمةيتحدث جرادي لـ"الجزيرة نت" عن الأضرار التي لحقت بقطاع النحل في الجنوب اللبناني، مشيرًا إلى أن المناحل تُركت دون متابعة طوال فترة الحرب، ولم يتمكّن مربوها من تأمين العلاج اللازم لها خلال فصل الخريف، تحديدًا بين شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني.
وهذا الوقت حاسم لتقوية الخلايا قبل الشتاء، لكن هذا الإهمال القسري، إضافة إلى غياب التغذية التي عادة ما يقدّمها المربّي، أديا إلى ضعف النحل وتراجع قدرته على المقاومة.
ويضيف جرادي أن القصف الإسرائيلي لم يتسبب بأضرار مباشرة فقط، بل إن الروائح الكثيفة الناتجة عن البارود والدخان المنتشر في الأجواء أثّرت سلبًا على النحل وأدت إلى موته. حتى الخلايا التي لم تُصب بشكل مباشر جراء القصف تأثرت بالتلوث الناتج عن الحرب، ما أفقد النحالين عشرات القفران ليس في الجنوب فقط، بل في مناطق أخرى متفرقة من لبنان.
إعلانوبحسب تقرير مشترك صادر عن البنك الدولي والمجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان، فإن عدد قفران النحل التي دُمّرت كليًّا بفعل القصف الإسرائيلي الأخير بلغ حوالي 5 آلاف قفير، في حين قدّرت قيمة التعويضات المطلوبة بنحو 800 ألف دولار، ما يعكس حجم الكارثة التي لحقت بهذا القطاع الحيوي.
من خط المواجهةوفي بلدة جنّاتا، الواقعة في قضاء صور، أصيب منحل حسن طراد بأضرار بالغة جراء غارة إسرائيلية استهدفت منطقة تبعد 50 مترًا فقط عن موقع القفران.
يقول طراد في حديثه لـ"الجزيرة نت" إن القصف أصاب الخلايا مباشرة، ما تسبب في احتراق وتدمير عدد منها بفعل الشظايا، في حين تضررت الخلايا الأخرى بسبب الدخان الكثيف والروائح الخانقة، وهو ما دفع الملكات والنحل إلى الهروب، لتُترك الخلايا خاوية أو شبه ميتة.
أما حسين قعفراني، النحّال من بلدة بدياس المجاورة، فقد تكبّد هو الآخر خسائر كبيرة نتيجة الغارات. يؤكد في حديثه للجزيرة نت أن القصف المتكرر والضوضاء المصاحبة له تسببا في هروب وموت عدد كبير من النحل، إذ فقد نحو 25 خلية من أصل مجموع خلاياه، بينما الخلايا الباقية وجدها في حالة صحية متدهورة وتحتاج إلى علاج ورعاية مكثفة لاستعادة نشاطها.
ولم ينتظر النحالون تدخل الجهات المعنية أو وصول فرق التقييم لتقدير الأضرار، بل سارعوا بأنفسهم إلى محاولة ترميم ما خلّفته الحرب. بدؤوا بإصلاح القفران التالفة، واستحداث خلايا جديدة تعويضًا عن تلك التي فُقدت، متحدّين الواقع القاسي بجهود فردية وإرادة جماعية.
ويؤكد حسين جرادي أن من حالفه الحظ واحتفظ بعدد قليل من القفران، استطاع أن يعيد تنشيطها كما فعل هو، موضحًا: "الآن أحاول أن أجري تكاثرًا اصطناعيًّا للخلايا لكي أستعيد القدرة الإنتاجية التي كانت عندي قبل الحرب".
إعلانأما من فقد جميع خلاياه، فقد بدأ من الصفر بشراء خلايا جديدة لاستئناف عمله، لأن هذه المهنة هي مصدر رزقه الأساسي ولا يمكن التخلي عنها مهما بلغت الصعوبات.
ويشدد جرادي على أن قطاع تربية النحل في لبنان قادر على النهوض مجددًا، بشرط تأمين الدعم اللازم من الجهات الرسمية عبر توفير خلايا نحل أو تقديم مساعدات مالية تمكّن النحالين من استعادة نشاطهم.
بدوره، واصل حسن طراد العمل بما تبقّى لديه من خلايا، رغم ضعفها الشديد، موضحًا أنه لجأ إلى تقويتها من خلال التغذية والمعالجة، ونجح في استعادة ما بين 35 إلى 40 وحدة نحل جديدة حتى الآن، ويطمح إلى استعادة كامل إنتاجه السابق.
تربية النحل لم تعد مجرد هواية كما كانت في الماضي، بل تحوّلت إلى مصدر دخل رئيسي لآلاف العائلات في الجنوب اللبناني، خصوصًا في ظل تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد منذ أواخر عام 2019.
النحالون اليوم يعتمدون بشكل كلي أو جزئي على العسل ومنتجات النحل الأخرى لتأمين معيشتهم، وبيعها في الأسواق المحلية يشكّل دخلا حيويا لهم.
يوضح جرادي أن "آلاف العائلات في الجنوب تعتمد بشكل مباشر على النحل"، مشيرًا إلى أن هناك نحالين متفرغين تمامًا لهذا العمل، إذ يشكل مصدر دخلهم الأساسي، إلى جانب الفوائد البيئية الكبيرة التي يقدمها النحل من خلال تلقيح المزروعات، وخصوصًا في بساتين الحمضيات ومواسم الخضار، مما يدعم الاقتصاد الزراعي في الجنوب ولبنان عمومًا.
أما قعفراني، فيرى أن منحله بات مصدر رزقه الوحيد بعد تراجع عمله السابق في مجال البناء، ويصر على الاستمرار في المهنة رغم الخسائر، لأنه لا يملك بديلاً آخر لتأمين دخل ثابت.
بينما يلفت طراد إلى أن فوائد تربية النحل لا تقتصر على الجانب الاقتصادي، بل تشمل أيضًا الأثر البيئي العميق للنحل في حفظ التوازن الطبيعي من خلال عملية التلقيح.
رغم الدمار الذي خلّفته الحرب، لم يستسلم مربو النحل في الجنوب، بل واجهوا الواقع بالإرادة والعزيمة. عادوا إلى مناحلهم المحترقة لإعادة الحياة إليها، لأنهم يدركون أن النحل ليس فقط مصدر رزق، لكنه أيضًا جزء من دورة الحياة التي يرفضون أن تنكسر تحت وقع القصف.
إعلانيقول أحدهم: "قد نحترق مثل خلايانا، لكننا لا نموت، لأن الحياة تبدأ من جديد… من خلية واحدة".