هل استُدرجت أميركا لحرب مع الحوثيين؟
تاريخ النشر: 13th, January 2024 GMT
جددت الولايات المتحدة -فجر السبت- هجماتها على أهداف لجماعة الحوثي في اليمن بتنفيذ ضربة استهدفت موقعا للرادار، وذلك بعد مضي 24 ساعة على غارات مشتركة مع بريطانيا استهدفت مواقعهم، بعد تحذيرات لها منذ أسابيع، بالكف عن مهاجمة السفن في البحر الأحمر وإلا ستكون هناك عواقب.
ورغم هذه التحذيرات، واصل الحوثيون إطلاق طائرات مسيرة وصواريخ مما دفع الولايات المتحدة إلى تنفيذ تهديداتها.
جيرالد فايرستاين سفير الولايات المتحدة السابق إلى اليمن أحد هؤلاء الذين يعتقدون أن واشنطن منحت الحوثيين ما أرادوه بالضبط ألا وهو القتال، وقال "بالتأكيد كانوا يحاولون إثارة رد فعل انتقامي من الولايات المتحدة".
وأضاف فايرستاين "كانوا واثقين من قدرتهم على الصمود أمام أي شيء نقدم عليه. رأوا أنهم يحظون بدعم شعبي".
وقالت الحركة، التي تسيطر على مساحات كبيرة من اليمن منذ قرابة 10 سنوات، إن 5 مقاتلين قُتلوا بعد شن 73 ضربة جوية في المجمل. وتوعدت بالانتقام ومواصلة هجماتها على عمليات الشحن التي تقول إنها تهدف إلى دعم الفلسطينيين ضد إسرائيل.
وبعد الضربات الأميركية والبريطانية الأولى للحوثيين التي استهدفت مراكز قيادة وسيطرة ومخازن ذخيرة وأنظمة إطلاق صواريخ وأنظمة رادار، أظهرت لقطات بطائرة مسيرة بثتها قناة المسِيرة التابعة للحوثيين احتشاد مئات الآلاف في صنعاء مرددين شعارات تندد بإسرائيل والولايات المتحدة. وتجمعت حشود في مدن يمنية أخرى أيضا.
ويقول خبراء إن قدرا كبيرا من الثقة لدى الحوثيين ينبع من مقاومتهم هجمات السعودية لسنوات. لكن الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد الحركة قد تكون مختلفة تماما.
وقال مدير العمليات بهيئة الأركان الأميركية المشتركة دوغلاس سيمز للصحفيين -يوم الخميس- إن الضربات الأولى استهدفت 28 موقعا بأكثر من 150 ذخيرة. ولدى حصر الأضرار، قال إنه كان يأمل في عدم تسبب الحوثيين في هذا النوع من الدمار.
وأضاف سيمز "أعتقد لو أنك تعمل على تشغيل قاذفة صواريخ باليستية الليلة الماضية، فمن المؤكد لم تكن ترغب في تنفيذ الضربة. لكن، لا، كنت أتمنى ألا يريدوا أن ننفذ الهجمات".
مظاهرة سابقة في صنعاء نصرة لغزة (الفرنسية) مقاتلون في الجبالويؤكد زعيم جماعة الحوثي عبد الملك الحوثي في خطب وكلمات مسجلة مسبقا أن حركته تتعرض لحصار بسبب الدين.
واكتسب الحوثي سمعة طيبة بكونه قائدا قويا في ساحات المعارك قبل أن يصبح زعيما لحركة الحوثيين، وهم مقاتلون في الجبال خاضوا قتالا ضد تحالف عسكري قادته السعودية منذ عام 2015 في صراع أودى بحياة عشرات الآلاف ودمر اقتصاد اليمن ودفع الملايين إلى براثن الجوع.
وبتوجيه من الحوثي، وهو في الأربعينيات من عمره، ضمت الجماعة عشرات الآلاف من المقاتلين وامتلكت ترسانة ضخمة من الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية زودتها بها إيران إلى حد كبير.
وفي أعقاب الضربات، أقر سيمز ومسؤولون أميركيون آخرون بأن الحوثيين ربما يقدمون على تنفيذ تهديداتهم بالانتقام.
وذكرت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن الحوثيين أطلقوا -أمس الجمعة- صاروخا باليستيا مضادا للسفن باتجاه البحر الأحمر.
وقال مسؤول أميركي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إنه -بعيدا عن ردعهم- ربما يعد الحوثيون العدد القليل المحتمل للقتلى بين مقاتليهم في هذه الضربات بمثابة نجاح للجماعة حتى وإن أدت إلى تراجع قدراتها.
ومع تصاعد التوترات، ارتفع سعر خام برنت واحدا بالمئة -أمس الجمعة- بسبب المخاوف من احتمال اضطراب الإمدادات. وأظهرت بيانات تتبع السفن التجارية أن ما لا يقل عن 9 ناقلات نفط توقفت أو حولت مسارها بعيدا عن البحر الأحمر.
كما ترى "وكالة بلومبيرغ" الأميركية أن التعرض لهجمات من "الشيطان الأكبر"، كما تعرف أميركا في ما يسمى بمحور المقاومة الإيراني، تحت شعار القتال من أجل القضية الفلسطينية، سيكون جزءا من خطة الحوثيين. لقد تعهدوا الآن بالرد، معلنين أن جميع المصالح الأميركية والبريطانية باتت هدفا لهم، وسيكون من الحماقة التهوين والتشكيك بهذه التحذيرات. ومن المتوقع أن ترفع هذه المعركة مكانتهم في الداخل والخارج.
ويشير الموقع الأميركي إلى أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإيران وحلفاءهم يسعون إلى زيادة الكراهية تجاه إسرائيل والولايات المتحدة عبر الشرق الأوسط، إلى حد أن أي ارتباط معهم يصبح سامًا وغير مرغوب به لدرجة أن القادة من السعودية إلى مصر يضطرون إلى النأي عنهما. وكان الشارع العربي يفور بالغضب حيال إسرائيل ويؤيد أفعال الحوثيين في البحر الأحمر باعتبارها نصرة لأهل غزة، وسيصبح أي نوع من التقارب الاقتصادي والأمني الذي كان جاريا على قدم وساق بين إسرائيل ودول عربية قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول أمرا مستحيلا.
أميركا تتهم إيران بدعم هجمات الحوثيين في البحر الأحمر ( رويترز) مزيد من الضرباتوقال مايكل مولروي نائب مساعد وزير الدفاع السابق لشؤون الشرق الأوسط في عهد إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إنه يتعين على الجيش الأميركي الاستعداد لتنفيذ عمل عسكري إضافي.
وتابع قائلا "على الولايات المتحدة البدء في التخطيط لتصعيد الرد على وقوع مزيد من الهجمات في البحر الأحمر أو سوريا أو العراق"، وطالب بإدراج الحرس الثوري الإيراني ضمن تلك الأهداف.
وتدعم إيران حركة الحوثي باعتبارها جزءا مما يعرف بـ"محور المقاومة" الإقليمي، وهو عبارة عن جماعات متحالفة مع طهران تضم حركة حماس وحزب الله اللبناني وفصائل مسلحة في العراق.
وتتهم الولايات المتحدة إيران بدعم هجمات الحوثيين في البحر الأحمر وتزويدهم بالقدرات العسكرية والاستخباراتية لتنفيذها.
وينفي الحوثيون أن يكونوا دمى في يد طهران ويقولون إنهم يحاربون نظاما فاسدا وعدوانا إقليميا.
ومع ذلك، يحذر فايرستاين من أن تحدي الحوثيين للولايات المتحدة وحلفائها يساعد في تلميع صورتهم في الشرق الأوسط، وهو قلق يشاركه فيه بعض المسؤولين الأميركيين الحاليين.
وقال فايرستاين "يعزز ذلك صورة الحوثيين على المستوى الإقليمي. ويضعهم في الصف الأول بين المتحالفين مع إيران في محور المقاومة".
وأضاف "لا يجب علينا أن نمنح الحوثيين ما يريدون، وهذا ما فعلناه بالضبط".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی البحر الأحمر الحوثیین فی
إقرأ أيضاً:
بعد عودة ترامب.. كيف ستتعامل الصين مع متغيرات السياسة الأميركية؟
يرى خبراء السياسة الدولية أن الصين تسعى لتجاوز الولايات المتحدة كقوة رائدة عالميا، وهناك اتهامات صينية بأن أميركا تسعى لعرقلة هذا التقدم بوصف بكين التحدي الرئيسي أمام هيمنة واشنطن وسيطرتها عالميا.
ولذلك تذهب مجموعة الأزمات الدولية -في تقرير سابق لها- إلى أنه يجب على الإدارة الأميركية القادمة تحقيق تعايش قابل للتطبيق يتيح لكل من واشنطن وبكين التنافس بمسؤولية، وتقليل خطر النزاع المسلح والحفاظ على العناصر الأساسية للوضع السياسي الراهن، وأنها لا تسعى إلى انتصار في حرب باردة ضد الصين.
ومع نجاح دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية التي أجريت مطلع الشهر الحالي، واستعداده لإدارة دفة السياسة الأميركية تجاه الصين يستحضر العالم عهدته الرئاسية السابقة وتوجهات سياسته نحو الصين.
منتدى التعاون الصيني الأفريقي في بكين في سبتمبر/أيلول الماضي (الأناضول) ترامب والصينتقول مجموعة الأزمات إن هناك 3 نقاط رئيسية تميز النهج الذي سيتبعه ترامب في علاقته بالصين:
أنه يرى العلاقات الأميركية الصينية من منظور التجارة بشكل رئيسي، ويبدو أنه ملتزم بتسريع فك الروابط الاقتصادية بين واشنطن وبكين. تظهر تصريحاته خلال حملته الانتخابية عقلية تجارية في الأساس، لذلك فإنه يُخضع معظم أهدافه لتحقيق علاقة اقتصادية أكثر توازنا مع الصين. هناك مستوى من عدم القدرة على التنبؤ بمواقف الرئيس الأميركي السابق، فقد اتخذ مواقف متناقضة طوال فترته الرئاسية فيما يتعلق بالقيادة الصينية نفسها أو القضايا الاقتصادية والسياسية.وبناء على ذلك، يرى محللون وخبراء أنه يمكن أن تتصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وأن الصعود الاقتصادي السريع للصين أثار غضب المحافظين الجدد في واشنطن.
أميركا والصين تمثلان معا نحو 43% من الناتج العالمي (شترستوك) التنافس الاقتصاديتعد الولايات المتحدة والصين القوتين الاقتصاديتين والعسكريتين الرائدتين في العالم، حيث تمثلان معا نحو 43% من الناتج العالمي، و49% من الإنفاق الدفاعي العالمي في عام 2023، وإن تصاعد المنافسة الإستراتيجية بينهما يعد محورا رئيسيا في النظام الدولي المتطور، حسب ما تراه مجموعة الأزمات.
ويقول كبير الباحثين في معهد "تايهي" إينار تانجين إن الولايات المتحدة انخرطت في صراعات مدتها 231 عاما من أصل 248 عاما من وجودها، فغزت دولا وخرقت معاهدات وتجاهلت القانون الدولي، وقوضت مؤسسات دولية، وسعت لتحقيق مصالحها على حساب الآخرين.
وأضاف تانجين -في مقابلة مع الجزيرة نت- أن صراع أميركا مع الصين بدأ منذ أدراكها أن السماح لبكين بالانضمام إلى منظمة التجارة العالمية لن يغير الحكومة الاشتراكية في الصين، وأن هذا الصراع يمتد لسنوات، وما نراه اليوم هو مجرد مرحلة جديدة.
أما خبير الشؤون الأميركية الصينية لدى مجموعة الأزمات علي واين فيرى أن التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين من المرجح أن تتصاعد الفترة القادمة، "إلا أن القلق الأكثر إلحاحًا على الأمدين المتوسط والطويل هو أن استمرار تقليل التعاون بينهما قد يجعل كلا منهما يعتقد أنه يمكنه تحمل الأضرار الاقتصادية التي قد يسببها الآخر إذا دخلا في نزاع مسلح".
التحالفات الصينيةحتمية التنافس الحالي بين القوتين الأميركية والصينية تفرض على الطرفين شبكة من التحالفات التي قد يستثمر فيها كل طرف، ويجعلها دعامة يستند إليها في كسب المزيد من المزايا الإستراتيجية على حساب الطرف الآخر.
لذلك يقول واين -في مقابلة مع الجزيرة نت- إنه من المرجح أن تعمل الصين على إضعاف علاقات أميركا مع الحلفاء والشركاء من خلال الإشارة إلى أنه لم يعد بإمكانهم اعتبار عقلية "أميركا أولا" الخاصة بترامب حالة استثنائية، بل يجب عليهم افتراض أنها ستشكل صورة عامة للسياسة الأميركية في المستقبل.
وأضاف خبير مجموعة الأزمات أن الصين ستستمر على الأرجح في تطوير علاقاتها مع أعداء الولايات المتحدة (مثل روسيا وإيران وكوريا الشمالية) ومع القوى المتوسطة (مثل إندونيسيا والسعودية وجنوب أفريقيا) للتعويض عن الضغوط المتزايدة من الديمقراطيات الصناعية المتقدمة.
لكن تانجين يختلف مع هذا الطرح، ويرى أن الصين تدرك التاريخ جيدا، فهي لا تريد اتباع المسار الذي أدى إلى الحرب العالمية الأولى، وأن إنشاء تحالفات من شأنه فقط أن يجعل السلام أكثر صعوبة.
وأضاف الباحث في معهد تايهي "أن نهج الصين السياسي للتعامل مع الولايات المتحدة هو الصبر الإستراتيجي، وأنها ستستجيب للضغوط ولكنها لن تصعد". ومن الناحية الاقتصادية، ستواصل التوجه نحو الجنوب العالمي وآسيا الوسطى للحصول على الموارد والأسواق.
تايوان تعد بؤرة التوتر بين الصين ومحيطها الجيوسياسي (الجزيرة) ملف تايوانتعد تايوان بؤرة التوتر بين الصين ومحيطها الجيوسياسي، وتعارض الحكومة بحزم أي حديث أو عمل يهدف إلى الاعتراف بتايوان كيانا مستقلا عنها، وازدادت قضية تايوان سخونة بعد مناورات صينية على ما يشبه اقتحام الجزيرة، وازداد التصعيد أكثر بالحشود التايوانية في المقابل.
ورغم أن الولايات المتحدة ما زالت ملتزمة بالخطوط الحمر، ولم تعترف رسميا باستقلال جزيرة تايوان عن البر الصيني، فإنها لم تضيع وقتا ودانت المناورات الصينية، مما استدعى تصعيدا في التصريحات الصينية ضد التدخل الأميركي.
وأمام هذه القضية المحورية في الأبعاد الإستراتيجية بين بكين وواشنطن، ومع عودة ترامب إلى الرئاسة الأميركية فمن المحتمل "أن تعمل الصين على دق إسفين بينه وبين مستشاريه العسكريين الذين يريدون تعزيز الدعم العسكري لتايوان"، حسب المتخصص في الشؤون الصينية الأميركية علي واين.
وأضاف واين أن الصين ستعمل على أن يكون ردها بقوة أكبر على الإكراه البحري الذي تمارسه الولايات المتحدة في بحر جنوب الصين، ومنع ترامب من تقييد حريتها في المناورات إذا كان يأمل الحفاظ على إمكانية صفقة شاملة مع الرئيس الصيني شي جين بينغ.
ويذهب الباحث الصيني خطوة أكبر إلى الأمام، ويرى أن "تايوان واحدة من الخطوط الحمر الأربعة التي وضعها الرئيس الصيني صراحة أمام الرئيس الأميركي جو بايدن في قمة الأبيك" (منظمة التعاون الاقتصادي لمنطقة آسيا والمحيط الهادي). وهو إذ يقولها لبايدن فإن الرسالة في الحقيقة كانت موجهة لترامب.
ويضيف تانجين أن الولايات المتحدة إذا حاولت تزويد تايوان بصواريخ طويلة المدى يمكنها ضرب بكين، أو حاولت تايبيه إعلان الاستقلال، فإن القوات الصينية ستعبر مضيق تايوان نحو تايبيه.
الحرب الروسية الأوكرانية
شكلت الصين موقفها من الحرب الروسية الأوكرانية بما يتماشى مع سياستها الإستراتيجية، وإدراكها القيمة والهدف من التحالفات الدولية، وكانت بالنسبة لها فرصا ومخاطر محددة حسب طبيعة التدخلات الدولية في هذه الحرب، وكانت العلاقة مع الولايات المتحدة على رأس ذلك.
ويقيّم تانجين هذه العلاقات قائلا إن "الصين لا تدعم حرب روسيا في أوكرانيا، ولديها علاقات مع موسكو تتعلق بالتجارة والسياحة والثقافة"، لكنها "تواجه ضغوطا مماثلة من واشنطن التي تحاول عزلها وإجبارها على تغيير النظام".
وأضاف كبير الباحثين في معهد تايهي أن الصين تعتقد أن جميع القضايا الأمنية والسياسية يجب أن تحل من قبل الأطراف المعنية، وليس بالإملاءات من العواصم الأجنبية، كما أن الصين تدعو باستمرار إلى المحادثات، لأن "الحروب نادرا ما تحل أي شيء، وفي معظم الحالات تهيئ المسرح للحرب التالية".
أما علي واين فيري أن "الصين ستستمر في دعم روسيا، ليس فقط لأن أوكرانيا تواجه ضغوطا متزايدة للوصول إلى طاولة المفاوضات، ولكن أيضا لأن المسؤولين الصينيين لا يعتقدون أن التخلي عن موسكو سيغير الاتجاه العريض للسياسة الغربية تجاه بكين".