نظم الاتحاد الأفريقي الآسيوي للتنمية والسياحة والتكنولوجيا «AFASU»، برئاسة دكتور حسام درويش، ندوة بمناسبة مرور 66 عامًا على إنشاء منظمة تضامن الشعوب الأفريقية الآسيوية «AAPSO» التابع لها الاتحاد، تلك المنظمة التي أنشأها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عقب مؤتمر باندونج الذي أقامته دول عدم الانحياز، وترأس المنظمة الرئيس الراحل أنور السادات وعدد من الشخصيات السياسية والثقافية البارزة مثل الدكتور مراد غالب والدكتور أحمد حمروش وغيرهم، حتى أصبح رئيس الحالي للمنظمة الدكتور حلمي الحديدي وزير السياحة الأسبق.

جدير بالذكر أن المنظمة، تضم ستة اتحادات وأكثر من 65 لجنة على مستوى دول أفريقيا وآسيا.

وأقيمت الندوة، في مقر منظمة التضامن بالمنيل بالقاهرة حيث ألقى الدكتور حلمي الحديدي رئيس المنظمة كلمة تحدث فيها عن تاريخ المنظمة ورؤسائها ومسيرتها كما عبر فيها عن رؤيته للتحديات والآمال المتعلقة بعمل المنظمة في الحاضر والمستقبل، طارحًا مجموعة من الأفكار العملية المستندة إلي العمل التضامني الشعبي بهدف تعزيز التعاون المصري الإفريقي في ظل التوجه المصري نحو المزيد من التعاون المتعدد المستويات والمحاور مع دول القارة السمراء.

منظمة تضامن الشعوب الأفروآسيوية

وأوضح الحديدي، أن ما يحدث على الأراضي الفلسطينية هذه الأيام أكثر من كارثة، وأكبر من أن تكون حرب إبادة، ولم يشهد الشعب الفلسطيني مثل هذه الحرب حتى في نكبة 1948 وأن الاعتداء ليس قاصرًا على غزة وإنما في الضفة الغربية والقدس أيضا، وطالب الحديدي بضرورة وقف هذه المذابح فورا ويكفي مائة يوم من الانتهاكات والإطاحة بكل معايير الحرب العسكرية والقوانين الدولية وأن ما يحدث الان هو جريمة حرب يجب ان يتكاتف العالم بأسره ضدها.

وأضاف الحديدي، أن منظمة تضامن الشعوب الإفريقية الآسيوية هى منظمة شعبية وتعمل لمصلحة الدولة وفى إطار سياستها وتحاول بكل الوسائل تشجيع وتأكيد التضامن بين آسيا وإفريقيا وبمعنى آخر أنه على الدولة أن تستفيد منها لأنها إن حظيت بالاهتمام نمت وكبرت.

جدير بالذكر أن تاريخ المنظمة طويل فهى من أقدم المنظمات فى العالم. وقد تأسست عقب مؤتمر باندونج فى خمسينيات القرن الماضى بواسطة مجموعة دول عدم الانحياز لتكون الظهير الشعبى للمجموعة إيمانا من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بضرورة تضافر الجهود بين الشعوب والحكومات والتعامل الكامل بينهما لتحقيق الأهداف الخاصة بالدول الإفريقية والآسيوية.

ونشأت المنظمة، فى ظروف وسنوات سيطر فيها الاستعمار القديم على القارتين الإفريقية والآسيوية، فكان للمنظمة دور كبير فى دعم حركات التحرر فى ذلك الوقت، ولقيت من الدولة دعما كبيرا ما مكنها من تأدية دورها.

وأنه بعد نهاية فترة الاستعمار طورت المنظمة من رؤيتها وأهدافها وأصبحت تعمل على التكامل البيني الافرو-آسيوي

وتحقيق أهداف التنمية المستدامة لذلك انشأت المنظمة اتحادات نوعية متخصصة لتكون اذرعا تنفيذية معاونة لها ومنها الاتحاد الافريقي الآسيوي للتنمية والسياحة والتكنولوجيا AFASU وهو اتحاد نشط جدا برئاسة دكتور حسام درويش الذي ينظم هذه الندوة تحت رعاية المنظمة الأم.

ودعا الكاتب الصحفي نزار الخالد، القائم بأعمال الأمين العام للمنظمة وأمين عام اتحاد الإعلاميين الأفروآسيوي، فقد دعا في بداية كلمته إلى قراءة الفاتحة على أرواح شهداء غزة ضحايا هذه الحرب البربرية على الأراضي الفلسطينية، كما قام الخالد بتذكير الحاضرين بذكرى رحيل الكاتب الكبير الشهيد الدكتور يوسف السباعي بمناسبة ذكرى رحيله وهو صاحب الدور الحيوي في دعم المنظمة خاصةً فترة عمله بها والذي انتهى باستشهاده في طريقه لتحقيق المزيد من نجاحاتها.

منظمة تضامن الشعوب الأفروآسيوية

وتحدث الخالد، عن قيمة مصر، دولة المقر، في وجدان كافة الشعوب العربية والآسيوية، وكذلك أهمية دور منظمة تضامن الشعوب الأفروآسيوية في التقريب بين الشعوب والعمل على توحيد الصف الأفريقي اللآسيوي لدعم العلاقات السياسية والاقتصادية التجارية والثقافية التي تزيد من خلق حالة من التفاهم بين الدول سواء على مستوى الأنظمة أو الشعوب حتى يسود السلام العادل دول العالم وتكاتف الشعوب في مواقف تدعم الحرية والاستقلال وتناهض العنف هو من أهم الأولويات التي يجب على جميع الشعوب العمل عليها، أما الدكتور عادل المسلماني الرئيس التنفيذي للاتحاد فقال ان أبرز العراقيل التى تقف أمام تلك الجهود تتمثل أولاً في كوننا منظمة شعبية وأن المنظمات الشعبية فى بلادنا ضعيفة لا تلقى الدعم الكافى من دولها وليس لها مصادر للتمويل تعتمد عليها، وثانيا فى أننا نفتقد مساندة وتعاون دولنا فى سبيل تحقيق أهدافنا فكلما تزايد تفهم الدول لطبيعة العمل وأهداف المنظمة قويت اللجان الوطنية وقويت المنظمة وأدت دورها على أكمل وجه لذا اهيب بالدولة المصرية وهي دولة المقر، وبكل الدول الأعضاء العمل على دعم المنظمة ماديا ومعنويا لتستطيع ان تستكمل دورها وتحقق اهدافها وتعود الي الساحة الأفريقية الآسيوية من جديد.

وقال اللواء حسام بدر الدين الأمين العام للاتحاد الأفريقي الآسيوي، والذي تولى إدارة الندوة، أنه قد توالى على رئاسة منظمة تضامن الشعوب الأفريقية الآسيوية AAPSO شخصيات عامة مصرية كان لها دورها الوطني والثقافي. وهم على الترتيب الأديب ووزير الثقافة يوسف السباعي الذي أعطى دفعة قوية للمنظمة في بدايتها وكرس استقلالها بحكم صلته بالرئيس جمال عبد الناصر وأنه أحد الضباط الأحرار والذي استشهد وهو يرأس وفد المنظمة في قبرص، والكاتب والشاعر والمؤلف المسرحي عبد الرحمن الشرقاوي صاحب رواية الأرض ومسرحية الحسين ثائرا، ود.مراد غالب سفير مصر في الاتحاد السوفيتي ويوغوسلافيا ووزير الخارجية والإعلام الأسبق. والكاتب أحمد حمروش، والذي أرخ لثورة 1952 في خمسة مجلدات وكان من الضباط الأحرار، وحاليا د.حلمي الحديدي، الذي شغل مناصب سياسية وتنفيذية كان من بينها عضوية البرلمان بغرفتيه مجلس الشعب ومجلس الشورى، ووزير الصحة الأسبق.

وأضاف اللواء حسام الدين أن الأمين العام للمنظمة هو المناضل العراقي نوري عبد الرزاق شفاه الله وعافاه، الذي شغل موقع سكرتير عام المنظمة منذ نشأتها حوالي ٦٥ عاما وحتى الآن، وهو صاحب الخبرات السياسية الواسعة.

وأكد حسام الدين أنه من البديهي أن تسعى المنظمة جاهدة إلى مواكبة العصر واستخدام أحدث وسائل التكنولوجيا، والتحول الرقمي، وتجديد خطابها مع تغير الظروف والمواقف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يبذل رئيس المنظمة الحالي جهده لإنجازه، وإن كانت الامور المالية تعوق هذا التقدم ورغم الطفرة الكبري التي أحدثتها الاتحادات النوعية حيث أنها بمثابة أذرع تنفيذية هامة إلا أن المنظمة مازالت تعاني من ضعف الموارد وهو الأمر الذي يحول دون أي محاولة للتغيير وأن ما تقوم به الاتحادات المنبثقة عن المنظمة هو حاليا أسهم ولو بقدر قليل في عودة اسم المنظمة مرة أخري.

ومما لا شك فيه أن وجود المنظمة ومقرها في القاهرة بمقرها بالمنيل علي. الصفة الشرقية للنيل يضيف إلى قوة مصر الناعمة ويدعم صوتها في المحافل الأفريقية والأسيوية وعلي مستوي العالم.

وأشار حسام الدين أن هناك العديد من رسائل الدكتوراة والأبحاث العلمية المترجمة بالعديد من اللغات المختلفة كتبت عن المنظمة ودورها في حركات التحرر من الاستعمار ثم تحول دورها الي التكامل والتنمية.

وأضاف الدكتور حسام درويش أن منظمة تضامن الشعوب الأفريقية الآسيوية، تمثل إحدى أخطر أدوات القوة الناعمة لمصر، وعلى القيادة في جمهورية مصر العربية إعادة النظر، مليًّا في موقفها من منظمة تضامن الشعوب الافريقية الاسيوية حيث لا بد من دعم هذا الصرح التاريخي، والمحافظة على موظفيه وحماية ملف التضامن الأفروآسيوي من الشطب من قائمة اهتمامات جمهورية مصر العربية ووزارة الخارجية المصرية بحجة التوفير خطر كبير جدا جدا، الأمر الذي يعني بتر ذراع مهم من أذرع السياسة الخارجية المصرية، مع أن الإبقاء على هذه الذراع (والعمل على تقويتها) تكلفته يسيرة للغاية واقل من القليل.

أكا الكاتب الصحفي الكبيرالاستاذ أسامة سرايا رئيس تحرير الأهرام الأسبق والرئيس الشرفي للاتحاد الافريقي الآسيوي للإعلاميين فقال: مما لا شك فيه أن وجود المُنظمة في القاهرة، بمقرها الرابض على الضفة الشرقية للنيل يُضيف إلى قوة مصر الناعمة ويُدعمُ صوتها في المحافل الشعبية الإفريقية والآسيوية وعلى مستوى العالم.

كانت روح باندونج مصدر إلهام لشـــعوب افريقيا وآسيا لدفع حركات التحرر الوطني، وخاصة في افريقيا، مما ادى الى عقد المؤتمر الدولي في القاهرة في ديسمبر 1957 معلنا تأسيس منظمة تضامن الشعوب الافريقية الآسيوية، وجاءت المبادرة من منظمة التضامن الهندية، برئاسة سريماثي راميســـواري نهرو، التي زارت القاهرة على رأس وفد من المنظمة الهندية واجتمع الوفد مع الرئيس عبد الناصر، واتفقا على انشاء منظمة تضامن الشعوب الافريقية الآسيوية على ان يكون مقرها القاهرة. ولم تتوقف روح باندونج عند تأســـيس هذه المنظمة، بل استمرت الى أن نجحت في مؤتمر بلغراد الاول لحكومات الدول النامية لكي تولد هناك قوة جديدة تحت اسم حركة عدم الانحياز.

ستة وستون عاما مرت على تأســـيس منظمة تضامن الشعوب الأفريقية الآســـيوية، ولكـــن المهام التـــي تواجه شـــعوب القارتين، في هـــذه الايام اكثـــر خطورة وصعوبة وجســـامة، كيف اذن تتصدى الشـــعوب الافريقية والآسيوية لعربدة منطق القوة والحروب والغزوات؟ وكيف يمكن إحياء دور منظمة التضامن واستعادة حيويتها في وقت

تحتاج فيه الشـــعوب، اكثر مـــن اي وقت مضى، الى التضامن في مواجهة قـــوى عاتيـــة تهدر الآن كل مكاســـب الشـــعوب على امتـــداد نصف القرن الماضـــي؟ وتحتاج المنظمة واذرعتها التنفيذية ( الاتحادات) كل الدعم سواء من مصر دولة المقر أو من الدول الأعضاء لتستمر مسيرتها في العطاء لصالح أمتنا.

في هذا العام 2024تبدأ منظمة تضامن الشـــعوب الافريقية الآســـيوية عامها السادس والستون، ففي آواخر عام 1957 جرى الافتتاح الرسمي للمنظمة في مؤتمر ضم تجمعا دوليا رفيع المستوى في القاهرة يمكن تشكيل المنظمة وليد حدث طارئ استجابت له حركة التضامن الافريقية - الآسيوية، وانما تمتد جذورها التاريخية لسنوات أبعد من ذلك بكثير، الصحوة الافريقية والآســـيوية في مطلع القرن الماضي، وتأســـيس حـــزب المؤتمـــر الهندي وحركة البوكســيـر فـــي الصين عـــام 1900 لمكافحة الاحتـــلال الاجنبي، ومع وصول الكفاح من اجل الاســـتقلال الى ذروته في الهند، عقد مؤتمر العلاقات الآسيوية في الفترة من 22 مارس الى 3 أبريل عـــام 1947 في دلهي وحضـــره 250 مندوبا يمثلون 25 ً بلدا آســـيويا، وأكد الزعيـــم الهندي نهرو في هذا المؤتمـــر على المبادئ الجوهرية لحركة ولدت بعد ذلك بنحو خمســـة عشـــر عاما هي حركـــة عدم الانحياز، وجـــاء انتصـــار الثورة الصينية فـــي عام 1949 ليفتـــح صفحة جديدة في آسيا والعالم بعد ان اصبحت الصين الجديدة مصدر إلهام لسائر شعوب القارة، وخاصة بعد الهزيمة الساحقة لقوى الاستعمار الفرنسي عام 1954 على ايدي الشـــعب الفيتنامي وانسحاب فرنسا من الهند الصينية، وبعد حصول دول آســـيوية اخرى على اســـتقلالها، عقد مؤتمر كولومبو الأول.

عام 1954 للدول الخمس: الهند وسيلان «سري لانكا» وبورما «ميانمار» وباكستان واندونيســـيا وقررت قوى كولومبو عقد مؤتمر للقادة الافارقة والآسيويين عام 1955 في باندونج بأندونيسيا. وبمبادرة من نهرو، وجهت الدعوة الى الزعيم الصيني شـــواين لاي للمشـــاركة فـــي مؤتمر باندونج،

وكذلـــك للرئيس جمال عبد الناصر ليلعب القادة الثلاثة دورا مهما في صياغة سبل التضامن بين القارتين.. آسيا وأفريقيا.

وفي نهاية الندوة قام الاتحاد الأفريقي الآسيوي للتنمية والسياحة والتكنولوجيا AFASU تم تكريم الاستاذ الدكتور حلمي الحديدي رئيس منظمة تضامن الشعوب الافريقية الآسيوية، حيث تم منحه جائزة AFASU الذهبية لقيادة مسيرة التضامن الأفريقي الآسيوي.

كما تم تكريم الأستاذ اسامة سرايا لفوزه بجائزة AFASU الذهبية للإسهامات الصحفية المتميزة.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: دول أفريقيا وآسيا الأفریقیة الآسیویة جمال عبد الناصر عدم الانحیاز فی القاهرة

إقرأ أيضاً:

حروبُ القوى الاستعمارية ضد الشعوب

الدكتور عبد الرحمن المختار

المعروفُ عن الحروب أنَّها نزاعٌ مسلَّحٌ أطرافُـــها دُوَلٌ، والدولُ -كما هو معلومٌ- تمثِّــلُها الأنظمةُ الحاكمةُ في حالات السِّلْمِ وحالاتِ الحرب، وباسم الدولة يعلِنُ النظامُ الحاكم حالةَ الحرب في مواجَهةِ غيرِه من الأنظمة الحاكمة في دُوَلٍ أُخرى.

وباسم الدولِ أَيْـضاً تُعلِنُ الأنظمةُ الحاكمة عقدَ الاتّفاقيات وإبرامَ المعاهدات والانسحاب منها، ومن هذه الاتّفاقيات والمعاهدات ما يتعلَّقُ بإنهاء النزاعات المسلَّحة، وما يترتب عليها من اعترافاتٍ متبادَلةٍ بالحقوق والالتزامات تجاه بعضها.

وظهر في نهاية العقد السابع من القرن الماضي، نوعٌ من الحروب القذرة، لا تمثِّلُ هذه الحروبُ نزاعاتٍ مسلَّحةً بين أنظمة حاكمة في دولٍ قائمة، ولكنَّها حروبٌ موجَّهةٌ ضد شعوبٍ تتوقُ للحُرية والانعتاقِ من التبعية والارتهان لقوىً خارجيةٍ، وهذه الحروبُ طرفُها الدولي القوى الاستعماريةُ، التي تعمَدُ إلى تشكيلِ تحالُفاتٍ عسكرية دولية، تحتَ عناوينَ متعددةٍ؛ لشَنّ حروبٍ عدوانية قذرة، ضد إرادَة الشعوب الحية التي قرّرت الثورة على أنظمة حكمها الفاسدة العميلة المرتهِنة للقوى الاستعمارية.

وبمُجَـرَّدِ نجاحِ ثوراتِ الشعوب في إسقاط أنظمتها العميلة الفاسدة، تستشعرُ القوى الاستعماريةُ خَطَرَ الثورة على مصالحها وعلى نفوذها، ليس في الدولة التي أسقطت الثورةُ الشعبيَّةُ نظامَها الحاكم، بل في المحيطِ الإقليمي برُمَّتِه؛ ولذلك عملت القوى الاستعماريةُ على إجهاضِ الثورات الشعبيّة ووأدِها في مَهْدِها، وتحويلِها إلى مُجَـرَّدِ نزاعٍ داخلي على السلطة ينتهي بتدمير الدولة ومقوماتها.

وقد يكون تدخُّــلُ القوى الاستعمارية مباشِرًا أَو غيرَ مباشِر، بحسب الأحوال، وأهميَّة وحجم مصالحها في البلد الذي تتدخَّلُ فيه، المُهِمُّ في الأمر حساباتُ المصالح بالنسبة لهذه القوى والمحافظة عليها، وَإذَا ما تم تشكيلُ ما يسمى بقوات حفظ السلام؛ فغالبًا ما يكونُ ضمن مهامها حمايةُ مصالح القوى الاستعمارية، وَإذَا ما كانت نتيجة النزاع على هذا الحال؛ فذلك يعني نجاحَ القوى الاستعمارية في تحقيق أهدافها، والحفاظِ على نفوذها ومصالحها، وعلى هامش هذه المصالح والأهداف، تعملُ القوى الاستعمارية على إدارة النزاع الداخلي، بما يكفَلُ تعزيزَ نفوذها والحفاظ على مصالحها؛ لينتهيَ أمرُ الثورة الشعبيّة إمَّا بالاحتواء، وإما باستمرارِ النزاع داخليًّا تحتَ إدارة هذه القوى وسيطرتها وتمويلها، حتى يتمَّ تدميرُ الدولة ومقوماتها تماماً بأيدي أبنائها، وحالةُ السودان اليومَ شاهدٌ حيٌّ على إدارة القوى الاستعمارية للنزاعِ المسلحِ الذي سينتهي حتمًا بتدمير مقوِّمات دولة الشعب السوداني.

وَإذَا كانت القوى الاستعماريةُ قد نجحت في احتواءِ بعضِ الثورات الشعبيّة، ووأدِ بعضِها الآخر في عددٍ من البلدان، فَــإنَّها قد فشلت فشلًا ذريعًا في بلدانٍ أُخرى، ولم تفلحْ تحالفاتُها وإمْكَانياتُها العسكرية في وقفِ عجلة الثورة الشعبيّة، وكسر إرادَة الشعب الحُرة المصمِّمة على تغيير واقعها والتحرُّرِ من التبعية والارتهان للقوى الاستعمارية، ولعلَّ الشعبَينِ الإيراني واليمني يُعَدَّانِ مِثَالَينِ بارزَينِ لحَالةِ نجاح الشعوب في مواجهة الحرب القذرة للقوى الاستعمارية، الأول في سبعينيات القرن الماضي، والثاني في بداية العقد الثاني من القرن الحالي.

ففي نهايةِ العقد السابع من القرن الماضي، خرج الشعبُ الإيراني المسلمُ في ثورةٍ شعبيّة عارمة، ضد النظام البهلوي العميل للقوى الاستعمارية، التي لم تتردّدْ في إدانةِ التحَرُّكات الشعبيّة الثورية ضد عملائها، بل لم تتردّدْ في المسارَعةِ لمواجهة ثورة الشعب الإيراني عسكريًّا، حين أشعلت حربًا دوليةً امتدت لثماني سنوات، طرفُها القذرُ القوى الاستعمارية وأدواتُها في المنطقة العربية، التي موَّلت متطلباتِ الحرب العدوانية، وأسهمت إلى جانبِ القوى الاستعمارية في محاصَرةِ الشعب الإيراني.

ورغمَ كُـلِّ ذلك انتصرت إرادَةُ الشعب مرتَينِ:- الأولى حين تمكّنَ من إسقاط نظامِ الشاه العميل، والثانية حين تمكَّنَ من هزيمةِ القوى الاستعمارية وأدواتِها في المنطقة، ولا تزالُ هذه القوى -منذ نهاية عقد الثمانينات من القرن الماضي، وحتى اليوم- في حالة حرب غيرِ معلَنة ضد الشعب الإيراني، وتحاولُ دون جدوى تحريضَ مكونات الداخل ضد بعضها، وتأليبَ الخارج للحد من آثار ثورةِ الشعب الإيراني على نفوذ هذه القوى الإجرامية في المنطقة وفي العالم.

ويعد الشعبُ اليمني المثالَ الثانيَ لفشلِ الحرب العدوانية القذرة للقوى الاستعمارية، التي أشعلتها منذُ بدية العقد الثاني من القرن الحالي في مواجهة ثورتِه الشعبيّة، وهذه الحربُ أشدُّ شراسةً وقذارةً من الحرب التي شنَّتها هذه القوى في مواجهة ثورة الشعب الإيراني؛ باعتبَار أن العالَــمَ شهد خلالَ الأربعة عقود التالية، تطوُّرًا تكنولوجيًّا هائلًا في جميع المجالات؛ فالاتصالُ والتواصل والإعلام، مثَّل سلاحًا فتَّاكًا قذرًا إلى جانب أسلحة التدمير والقتل، بما أصابها من تطور كبير، وسلاح المال المدنَّس، كُـلُّ تلك الأسلحة استخدمتها القوى الاستعماريةُ بكل شراسة في مواجهة شعبنا اليمني، وهدفُها المعلَنُ الصريحُ الصارخُ إسقاطُ الثورة، التي تم وصفُها بـ (الانقلاب)، واستعادةُ سلطة الخونة والعملاء، التي تم وصفُها من جانب القوى الاستعمارية بـ (الشرعية).

وكانت ثورةُ شعبنا اليمني قد تعرضت منذ بداية انطلاقتها لمحاولاتِ احتواء ومصادَرة وإفشال وإسقاط، غير أن كُـلَّ تلك المحاولات انتهت بالفشل الذريع؛ فحين كانت المبادَرَةُ الخليجية وسيلةَ القوى الاستعمارية لاحتواء ومصادَرة الثورة، تحولت تلك المبادرةُ بالنسبة للثورة إلى أدَاةِ فلترة خلَّصت الثورةُ من الشوائب التي عَلِقَت بها، ومن الكائنات القذرة التي ركبت موجتَها، فتم كنسُها إلى مزبلة التاريخ.

وحين أدركت القوى الاستعماريةُ فشلَ مخطَّطِ الاحتواء والمصادرة، لجأت هذه القوى إلى مخطّطِ إفشال الثورة، لكن الفشل كان حليفًا لهذه القوى وأدواتها في المنطقة، فانتقلت مباشرةً إلى خطة إسقاط الثورة، وحشدت لإنجاح هذه الخطة وتجنُّبِ مصيرِ سابقاتها تحالُفًا دوليًّا استعماريًّا (صهيوغربي آسيوإفريقي) وأعلن هذا التحالف في 26 مارس 2015 حربَه العسكرية العدوانية القذرة من واشنطن عاصمة عصمة الإجرام العالمي.

وقد استخدم هذا التحالُفُ العدواني في حربه القذرة ضد شعبنا اليمني -إلى جانب أحدثِ ما أنتجته مصانعُ الآلة الحربية للغرب الاستعماري من أسلحة فتَّاكة- وسيلتَين أشدَّ قذارةً وحقارةً، هما: حربُ التجويع التي تجسَّدت في الحصار الاقتصادي، الذي فرضته القوى الاستعماريةُ برًّا وبحرًا وجوًّا، وكذلك حرب التضليل الإعلامية، التي رافقت الحربَ العدوانية العسكرية وحربَ التجويع الاقتصادية.

ولأَنَّ تلك الحرب التي استمرت قرابةَ عقد من الزمان، كانت في مواجهة ثورة شعبنا اليمني، فقد فشلت تلك الحربُ العدوانية وما رافقها من حرب اقتصادية وحرب تضليل إعلامية، رغم كُـلّ ما توافر لها من إمْكَانيات هائلة، إلا أن تصميمَ وصبر وتصدي شعبنا قد أفشلها، وبإذن الله تعالى فَــإنَّ صبر وصمود أهلنا في قطاع غزة واستبسالَ وتصدي المجاهدين، وإخوانهم في جبهات إسناد محور المقاومة سيُفشِلُ ما تسمِّيه القوى الاستعمارية -زيفًا وتضليلًا- بالحرب على غزة، التي هي في حقيقتها جريمةٌ وليست حربًا، هي جريمة القرن وكربلاء العصر؛ وكون هذه الجريمة موجَّهةً ضد الأطفال والنساء والشيوخ من أبناء الشعب الفلسطيني؛ فلن يكونَ مصيرُها -بإذن الله تعالى- إلَّا الفشلَ والخيبةَ والخُسرانَ لمقترفيها المجرمين الأشرار.

وإذا كانت الحربُ العُدوانيةُ على شعبنا اليمني تفوقُ في قذارتها ووحشيتِها تلك الحربَ العدوانيةَ التي أشعلتها القوى الاستعمارية وأدواتها، فَــإنَّ جريمةَ القرن التي يقترفُ أفعالُها منذ أكثرَ من ثمانية أشهر جيشُ الكيان الصهيوني، بمشارَكةِ القوى الاستعمارية الغربية، وتواطُؤِ الأنظمة العربية، فَــإنَّ نتائجَ هذه الجريمة ستنقلِبُ -بإذن الله- على مقترفيها، وستفوقُ آثارُها الإيجابيةُ المستقبليةُ آثارَ ثورتَي الشعبَين الإيراني واليمني -بإذن الله تعالى-، والعاقبةُ للمتقين، والخُسرانُ المبينُ للظالمين المعتدين الطُّغاة المجرمين.

مقالات مشابهة

  • حروبُ القوى الاستعمارية ضد الشعوب
  • "تضامن دمياط" تدشن مبادرة "نجاحنا في اتحادنا" لاستقبال طلبة الثانوية العامة
  • منظمة إسرائيلية تطالب بملاحقة أمل كلوني.. ما قصتها؟ 
  • نضال من أجل تحقيق سلام عادل
  • منظمة إسرائيلية تطالب بملاحقة أمل كلوني
  • منظمة إسرائيلية تطلب ملاحقة أمل كلوني لدورها في إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت
  • سيدة صينية تحكي قصة تعلمها العزف على العود وتعلقها بأغاني أم كلثوم و عبادي الجوهر
  • ملك زاهر تشبه حورية البحر في عيدها الـ22 وتفاجيء المتابعين بلوك لافت(صور)
  • وفد من حكومة الإمارات يبحث الشراكة مع منظمة التعاون الاقتصادي
  • تضامن الغربية تنتهي من توزيع لحوم 55 عجل على الأسر الأولى بالرعاية