في خضم الحرب المستعرة في قطاع غزة، وجدت الكثير من النساء أنفسهن أرامل، مع الارتفاع المستمر لأعداد القتلى والذي تعدى الـ23 ألفا، بحسب أرقام وزارة الصحة في القطاع، ومن بينهن مريم أبو عكر التي نجت من الموت مرتين، كما تذكر لمجلة "فورين بوليسي" الأميركية.

وأوضحت أبو عكر، أنها في المرة الأولى نجت من الموت عندما سقطت قذيفة على منزل زوجها في 17 أكتوبر، بيد أنها ابنتها سارة التي بلغت من العمر من العمر 17 عاما، قُتلت بعد أن انشطر جسدها إلى نصفين.

وعقب وفاة سارة، قالت أبو عكر، البالغة من العمر 40 عاما، إنها اعتمدت على زوجها سلامة في الحصول على الدعم النفسي، مضيفة: "لقد كان يواسيني بفقدان طفلتنا، مؤكدا أنها بنعيم الجنة".

وبعد 7 أسابيع، كان سلامة يتحدث مع أحد جيرانه عندما سقطت قنبلة في مكان قريب، مما أدى إلى مقتلهما. وفي تلك اللحظة أصبحت أبو عكر أرملة، ومسؤولة عن رعاية 4 أطفال لوحدها.

وقالت والدموع تنهمر على خديها الشاحبين: "لا أعرف كيف سأواجه غيابه وأربي الأطفال من دونه.. في بعض الأحيان، عندما يغضبني الأطفال، أقول لهم: (سأخبر والدكم بكل شيء)، ثم أتذكر أنه لم يعد معنا".

ماذا يحدث لدى نفاد الطعام؟ خبراء يتحدثون عن الأوضاع الكارثية في غزة يواجه سكان غزة خطر المجاعة بعدما باتوا مهددين بانعدام الأمن الغذائي الحاد بشكل أسوأ من مما كان عليه الوضع قبل الحرب.

وابنة أبو عكر الراحلة وزوجها، هما من بين أكثر من 23 ألف فلسطيني قضوا في الهجمات الإسرائيلية على غزة. ويقدر أن حوالي 70 بالمائة من الضحايا هم من النساء والأطفال - وفقًا لمنظمة كير الدولية، وهي منظمة إنسانية عالمية.

وفي 7 أكتوبر، هاجمت حركة حماس، المصنفة إرهابية، جنوبي إسرائيل، مما أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص، معظمهم من المدنيين وبينهم نساء وأطفال. كما تم اختطاف أكثر من 240 رهينة ونقلهم إلى القطاع الفلسطيني، وفقًا للأرقام الإسرائيلية. 

وردت إسرائيل على الهجوم بحملة قصف واسعة النطاق في غزة، ترافقت مع توغل بري منذ 27 أكتوبر. وتظهر بيانات من منظمة الأمم المتحدة للمرأة في الدول العربية، أن أكثر من 2780 امرأة في غزة أصبحن أرامل. 

"فقدت حياتي"

وبين أولئك الأرامل، وداد أبو جامع، التي فقدت زوجها مؤخراً، قائلة إن الجنود الإسرائيليين "أطلقوا النار عليه وأردوه قتيلاً عندما ذهب إلى مزرعته لتفقد ماشيته والبحث عن طعام لأسرته".

وقالت الأرملة البالغة من العمر 45 عاما: "أشعر وكأنني فقدت حياتي، وليس زوجي فقط"، وذلك في وقت كان أطفالها الستة ملتفين حولها يبكون من الجوع والبرد، خلال تواجدهم بفصل مزدحم بمدرسة تابعة للأمم المتحدة.

وتابعت: "تزوجت عندما كان عمري 15 عامًا. وعشت مع زوجي لفترة طويلة جدًا، حيث عملنا معًا في أرضنا، وأمضينا ساعات طويلة في زراعة المحصول وحصاده".

وختمت : "الآن سأذهب إلى الأرض بدونه. سأكون وحدي بين المحاصيل".

وقالت العديد من المنظمات الإنسانية، إنه مع نزوح ما لا يقل عن 85 بالمائة من سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، وندرة الغذاء والوقود والأدوية والمياه، فإن هذه الأسر التي أضحت تعيلها نساء، "تكافح من أجل البقاء".

وبحسب خبراء وحقوقيين، فإن هؤلاء النسوة "أصبحن الآن عرضة بشكل متزايد للعنف القائم على النوع الاجتماعي، وغير قادرات على إعالة أنفسهن وأسرهن، ويفتقرن إلى الوصول إلى المنظمات التي يمكن أن تساعدهن".

أسفٌ أممي لإعاقة إسرائيل إدخال المساعدات الإنسانية إلى شمال غزة أسفت الأمم المتحدة، الخميس، للعقبات التي تضعها السلطات الإسرائيلية أمام إيصال المساعدات الإنسانية إلى شمال قطاع غزة، مشيرة إلى أن كل تأخير يُكلّف أرواحا. 

وقالت لوسي ثلجية، رئيسة برنامج المرأة في مركز تحويل الصراع الفلسطيني، وهي منظمة مجتمع مدني مقرها بيت لحم، إن "معظم العبء سيقع على عاتق النساء". 

وتابعت: "على هؤلاء الأرامل أن يكن قويات حتى يتمكن من بدء حياة جديدة ورعاية أطفالهن، دون أن ننسى معاناة النساء اللواتي أصبح أزواجهن معاقين أو لديهم إصابات خطيرة، وبالتالي بات العبء عليهن ثقيلا".

وقالت الأمم المتحدة في تقرير صدر عام 2018، إن "القوانين في قطاع غزة تضع المرأة تحت حماية ووصاية الرجل، وتفشل في حماية المواطنات من جرائم الشرف والاغتصاب الزوجي والعنف المنزلي".

وأشار التقرير إلى أنه "يمكن أن تفقد المرأة حقها في النفقة، إذا اختارت مغادرة منزل زوجها". 

وفي عام 2021، قضت محكمة تديرها حركة حماس، بأن المرأة "تحتاج إلى إذن من زوجها أو والدها أو أخيها أو حتى ابنها للسفر".

وعلى الرغم من ارتفاع معدلات معرفة القراءة والكتابة بين الإناث في غزة، فإن 17 بالمئة فقط من النساء كن يشكلن القوى العاملة اعتبارًا من عام 2021، مقارنة بـ 69 في المئة من الرجال، وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

تقرير: حرب غزة تدمر اقتصاد إسرائيل وشركاتها التكنولوجية سلط تقرير لنيويورك تايمز التبعات التي يواجهها قطاع التكنولوجيا الذي تشتهر به إسرائيل بسبب الحرب التي تشنها على غزة عقب هجوم السابع من أكتوبر الدامي. 

وفي عام 2017، كان في غزة أعلى معدل بطالة في العالم بنسبة 44 في المئة، وفقا لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية. 

وقالت منظمة العمل الدولية في أواخر ديسمبر الماضي، إن ما لا يقل عن ثلثي الوظائف في غزة فُقدت منذ بدء الحرب (ما يقرب من 192 ألف وظيفة)، محذرة من أن النساء العاملات في الزراعة "يمكن أن يخسرن المزيد من أعمالهن إذا أدى ارتفاع البطالة إلى استيلاء الرجال على أعمالهن".

"كيف سأكمل طريقي؟"

وكانت أبو عكر قد تزوجت في العشرين من عمرها، دون أن تتمكن من إتمام دراستها الجامعية، لتصبح ربة منزل تعتمد ماليًا على زوجها الراحل، الذي كان يكسب حوالي 9 دولارات يوميًا من بيع الملابس في السوق.

وأوضحت: "كان هو المعيل الوحيد لنا.. لست معتادة على تحمل المسؤولية وحدي، ولا أعرف كيف سأكمل طريقي مع أطفالي".

من جانبها، قالت المستشارة الإقليمية لشؤون الحماية والنوع الاجتماعي في حالات الطوارئ بمنظمة "كير"، نور بيضون، إن "بعض الأمهات يأكلن مرة واحدة فقط في اليوم، لأنهن يضعن صحة أطفالهن في المقام الأول"، وسط تحذيرات برنامج الأغذية العالمي من ارتفاع حالات الجفاف وسوء التغذية.

وبالنسبة لقضايا الصحة العقلية الخطيرة، تحاول منظمة "كير" الاستفادة من البنية التحتية الحالية للرعاية الصحية، لإحالة الأشخاص إلى الأطباء النفسيين وتزويدهم بالأدوية.

ومع ذلك، توقف مستشفى الطب النفسي الوحيد في غزة عن العمل في نوفمبر، بعد تعرضه لأضرار إثر إصابته بعدة قذائف. 

وحتى منتصف ديسمبر، كان أقل من ثلث مستشفيات غزة البالغ عددها 36 مستشفى لا يزال يعمل، وبشكل جزئي فقط، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.

وتوصلت الأبحاث التي أجرتها مجموعة من المنظمات تشمل البنك الدولي ومكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إلى أن "العنف القائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك الاستغلال الجنسي والإتجار، يتزايد أثناء الحرب وفي حالات ما بعد الصراع، بسبب الصعوبات الاقتصادية والنزوح وانهيار المجتمعات المحلية والهياكل الاجتماعية".

منظمة الصحة تلغي سادس مهمة مساعدات لغزة بسبب مخاوف أمنية ألغت منظمة الصحة العالمية اليوم الأربعاء مهمة مساعدات طبية أخرى مقررة لقطاع غزة بسبب مخاوف أمنية في سادس إلغاء من نوعه في أسبوعين ودقت إنذارا جديدا من احتمال انتشار الأمراض المعدية هناك.

وقالت سانام أندرليني، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشبكة عمل المجتمع المدني الدولي، وهي منظمة معنية بالمرأة والسلام والأمن: "أول ما يحدث هو أن مستويات الفقر تجبر النساء على القيام بأعمال محفوفة بالمخاطر، مثل العمل في مجال الجنس، كما أن تداعيات الحرب تجبر الأطفال على العمل في وقت مبكر".

وتابعت: "بالإضافة إلى ذلك، سنشهد أيضًا ارتفاعًا كبيرًا في حالات الزواج المبكر للفتيات".

ويقيم حاليا نحو 1.4 مليون فلسطيني في قطاع غزة، في ملاجئ تابعة للأمم المتحدة، حيث حذرت وكالات الإغاثة من أن الاكتظاظ في مثل هذه الأماكن "يزيد من خطر الانتهاكات ضد النساء والفتيات".

ووفقا لأندرليني وثلجية، فإن مساعدة الأرامل وربات الأسر في العثور على عمل وكسب المال لدعم أسرهن، هي وسيلة رئيسية لحماية النساء والأطفال من اللجوء إلى العمل عالي الخطورة كخيار وحيد.

فعلى سبيل المثال، يخطط المركز الفلسطيني لمساعدة النساء، على تطوير مشاريعهن الخاصة التي تدر المال، فضلاً عن توفير التمويل الأولي لتأسس شركات صغيرة لهن. 

وقالت ثلجية: "سيعملن من داخل منازلهن على مستوى صغير، لكنهن سيجدن الدعم من منظمات المجتمع المدني".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: الأمم المتحدة من العمر قطاع غزة فی غزة

إقرأ أيضاً:

نساء في السودان بين العنف الجنسي والوصم الظالم من المجتمع

أجرت الحوار: ريم أباظة

تتعرض حوالي سبعة ملايين امرأة وفتاة في السودان لخطر العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي وفق ما أفاد به محمد الأمين ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في السودان، الذي قال إن تلك الجرائم- ومنها الاغتصاب الجماعي- تكررت وإن آثارها على الأفراد والمجتمع ستمتد لسنوات طويلة.

من بورتسودان تحدث السيد محمد الأمين مع أخبار الأمم المتحدة عبر الفيديو قائلا إن وراء كل ناجية من العنف الجنسي في السودان قصة مروعة. وذكر أن “بعض النساء صارت لديهن مواليد نتيجة لتعرضهن للاغتصاب وأن بعض الناجيات لم يفصحن عن تعرضهن لتلك الانتهاكات وأخفين الأمر عن أسرهن خوفا من العار والوصمة”.

وقال الأمين إن بعض النساء وصلن إلى مرحلة من اليأس دفعتهن إلى محاولة الانتحار، ولكن دعم صندوق الأمم المتحدة للسكان وشركائه يحدث فرقا في حياة الضحايا سواء عن طريق توفير أماكن إيواء آمنة وخدمات الدعم النفسي والاجتماعي أو إتاحة أنشطة مدرة للدخل ليتمكن من إعالة أطفالهن.

وشدد محمد الأمين على ضرورة إنهاء الحرب حفاظا على الشعب السوداني الذي يستحق حياة كريمة. وقد نشبت الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في أبريل 2023.

فيما يلي نص الحوار مع السيد محمد الأمين ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في السودان.

* حذر المسؤولون الأمميون مرارا من تفشي العنف الجنسي والعنف القائم على نوع الجنس في الصراع في السودان. أولا نبدأ بالبيانات، ما هي الأرقام التي تعكس ذلك؟

شكرا على إتاحة الفرصة لتسليط الضوء على هذا الجانب الأسود من الأزمة في السودان. طبعا من الصعب وجود إحصائيات دقيقة حول مدى انتشار العنف في السودان. لكن المؤشرات الموجودة تؤكد أن هناك حجما كبيرا من العنف في أماكن متعددة في السودان: في دارفور، في الخرطوم وغالبية المدن التي تعرضت لمعارك داخلية.

قبل بداية الصراع كانت تقديرات الأمم المتحدة في السودان تفيد بأن حوالي 3 ملايين امرأة وطفلة يمكن أن تكون عرضة للعنف القائم على النوع الاجتماعي سنة 2022. في الوقت الحالي سنة 2024، العدد بلغ تقريبا 6.9 مليون امرأة وفتاة من الممكن أن تتعرض لهذا العنف.

لكن الإحصائيات الدقيقة حول الناجيات غير موجودة لعوامل متعددة منها عدم وجود الفِرق في الميدان، ثانيا لحساسية الموضوع، ثالثا لأن أكثر الناجيات لا يبلغن عن ممارسات العنف التي يتعرضن لها.

* هذا يأخذنا إلى سؤل آخر وهو أن العنف الجنسي لا يقتصر فقط على النساء والفتيات، هناك أيضا عنف جنسي يمارس ضد الرجال. هل هناك أي أرقام أو معلومات عن هذا الأمر؟

حسب المعلومات الموجودة، هذا الأمر محدود في الفترة الحالية لأنه في الحروب بصورة عامة يعتبر العنف، خاصة الاغتصاب، سلاحا في الحرب. وهذا هو الملاحظ في الحرب في السودان في مناطق متعددة. طبعا الأكثرية التي تتعرض لهذه الممارسة هي النساء والفتيات، وبالنسبة للرجال فإن الأمر محدود.

* من هو المسؤول الرئيسي عن هذه الانتهاكات؟

طبعا دائما من الصعب تحديد المسؤول. هناك منظمات مختصة بهذا الأمر (تحديد المسؤولية). نحن في صندوق الأمم المتحدة للسكان نركز على المساعدة في تقديم الخدمات للناجيات والتنسيق الميداني مع الشركاء الذين يعملون في الميدان. وهناك جهات أخرى هي المعنية بالتقصي والتحقيق حول مرتكبي هذه الجرائم. وهذا التمييز بين أدوار منظمات الأمم المتحدة معروف من أجل حماية مقدمي الخدمات والناجيات.

* تحدثت عن زيادة كبيرة في أعداد من يتعرضن لهذه الانتهاكات. لماذا يتسم الصراع في السودان بتلك الانتهاكات، هل هناك تفسير لذلك؟

نعم، هناك تفسير. تاريخيا من فترة بدء الأحداث في دارفور بداية الألفية سنة 2003 و2004، كانت هناك ممارسات اغتصاب وعنف مبني على النوع في هذه المناطق القبلية المتداخلة. نفس الممارسات ظهرت في هذه الحرب حتى في المدن الكبيرة مثل الخرطوم وحتى في مناطق أخرى في الجزيرة وأيضا دارفور. هذه الممارسات ملاحظة وموجودة وهي كما أكدت في البداية تعتبر سلاحا في هذه الحرب للضغط على الأسر والمجتمعات وهذا نوع من امتهان كرامة الخصوم في هذه الحرب.

* ما الذي تسمعونه من الضحايا عما يتعرضن أو عما يتعرضون له، لأنكم تقدمون الدعم وتتعاملون معهم بشكل مباشر؟ ما القصص التي يمكن أن نشاركها الآن مع المستمع والقارئ كي يدرك حجم هذه الانتهاكات؟

والله للأسف لكل ناجية قصة مروعة حتى إن هناك قصصا عن ناجيات تعرضن لاغتصاب جماعي في مناطق في دارفور في الفترة الأولى من الصراع. حُبست 18 امرأة في فندق وتم اغتصابهن لمدة ثلاثة أيام. تعرضن لعنف نفسي وجسدي وإهانة للكرامة الإنسانية. هذه القصة تكررت في كثير من الحالات الفردية والجماعية. طبعا كثير من الناجيات نزحن إلى مناطق آمنة الآن وبدأنّ يتكلمن عنها.

بعض الناجيات، لأن الحرب زادت على سنة، صارت لديهن مواليد نتيجة لهذا الاغتصاب. إذا هي قصص مروعة. بعض الناجيات طبعا لم يتكلمن عن الموضوع وأخفين الأمر عن أسرهن وعن المجتمع خوفا من العار ومن الوصمة. ما يحدث هو عنف نفسي وجسدي وبدني وآثار ستمتد لسنوات طويلة على الأفراد وعلى المجتمع.

* ما الذي يحدث الآن بالنسبة لهؤلاء المواليد الذين لا ذنب لهم فيما حدث؟ ما نوع الدعم الذي يمكن أن يقدم لهؤلاء السيدات لرعاية مواليدهن؟ أو ما الذي يحدث على أرض الواقع بهذا الشأن؟

هذا السؤال له شقان أولا الانعكاس على الأم نفسها. هناك حالات في مناطق في السودان مثلا منطقة كسلا، وصلت نازحات من مناطق الصراع من الخرطوم إلى هذه المناطق الآمنة وبعد فترة عندما رُزقت بالمولود شعرت بأن هناك نفورا من المجتمع أو الجماعة الموجودة معها. يكون هناك نوع من الاستبعاد للمرأة الأم، هذا أولا واستبعاد ونظرة دونية من المجتمع.

النقطة الثانية هو مستقبل الولد أو البنت الذين يولدون ويبقون بدون هوية. لأنه من الناحية القانونية يجب أن يكون هناك دليل على معلومات عن الأب أو عقد زواج يبرهن على أن هذا المولود شرعي. هناك منظمات محلية سودانية قانونية تشتغل على هذا المجال لتتوفر أوراق ثبوتية لهوية الأولاد مؤقتا حفاظا على هويتهم ومستقبلهم.

* وما نوع الدعم الذي يمكن أن تقدموه لهذه الحالات الخاصة جدا؟ تحدثت عن الدعم للنساء بشكل عام، ولكن ما هو الدعم للأم التي أصبحت بلا داعم لها مع وجود طفل صغير؟

هناك برامج للدعم الاجتماعي لهذه الأمهات عن طريق أنشطة مدرة للدخل للأمهات لكي يكون عندهن نوع من الاستقلالية المادية. بالنسبة للمواليد طبعا هناك أماكن توفر لهم مثلا الرعاية الصحية وروضات الأطفال، وهناك أيضا متابعات أو مساعدات قضائية وقانونية لأن الأم في بعض الأوقات تحتاج لهذه المساعدة في المتابعات على مستوى الإدارات للحصول على الأوراق الثبوتية. هناك منظمات طوعية سودانية لديها خبرات قانونية وقضائية تساعدها في إطار التعامل مع المحاكم ومع الإدارات المدنية.

* ما هي الآثار النفسية، إلى جانب طبعا الجسدية التي شهدتموها؟ ذكر صندوق الأمم المتحدة للسكان أن بعض الناجيات حاولن الانتحار بسبب اليأس.

هناك بعض الناجيات اللاتي حاولن الانتحار لأنهن وصلن إلى مرحلة من اليأس والإحباط ومن فقدان أي أمل في الحياة، لكن بمساعدة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وليس فقط الصندوق- ولكن أيضا 41 شريكا يعملون في السودان لمساعدة الناجيات- هناك أماكن آمنة وقد استفدن من الدعم النفسي والدعم الطبي والسريري وكذلك الدعم الاجتماعي.

هناك مراكز للإيواء تمكن النساء من الرجوع إلى حياة شبه طبيعية في مجتمع أو مع مجموعات تساعدهن على استعادة بعض من المعنويات وبعض من الكرامة، لكن هناك قصص كثيرة لبعض الناجيات اللاتي حاولن الانتحار في مرات عديدة.

* وهذه الخدمات التي تحدثت عنها هل تُقدم داخل السودان، مراكز الإيواء الآمنة مثلا؟

هناك 42 مركزا في السودان بعضها في أماكن تتعرض للصراع، مثل مناطق قرب مدينة الفاشر، وسط الفاشر، هناك مراكز للنازحين قريبا من الفاشر مثل مركز زمزم. هناك مراكز للإيواء تساعد النساء والفتيات على البقاء في أماكن آمنة يتلقين فيها هذه الخدمات الصحية والنفسية وكذلك الخدمات الاجتماعية. ونتشارك مع منظمات أممية أخرى مثل برنامج الأمم المتحدة للأغذية الذي يوفر الغذاء، ومنظمة اليونيسيف التي تساعد الأطفال وكذلك منظمات غير حكومية دولية ومحلية.

* تحدثت عن الوصم ونظرة المجتمع السلبية. بعض مسؤولي الأمم المتحدة قالوا إن العنف الجنسي أثناء الصراع هو الجريمة الوحيدة التي أحيانا يلام عليها الضحية بنظرة المجتمع القاسية. ما الذي تفعلونه لمحاولة تغيير هذا الوضع؟

هناك جوانب متعددة لمعالجة قضايا العنف المبني على النوع. جوانب تتعلق بالاستجابة مثل تقديم الخدمات السريرية الصحية أو النفسية إلى آخره. لكن هناك جانب التوعية الذي يشمل حملات توعية لجميع فئات المجتمع من رجال ونساء وشباب حتى في المؤسسات التعليمية لتوعيتهم بشأن مخاطر العنف وبأن الناجيات لا يمكن أن يتعرضن للعنف ثم يعتبرن أيضا مسؤولات عن ذلك. كانت هناك حملات توعية حتى قبل الحرب واستمرت وتكثفت بعد الحرب وهي تُعنى بكل أفراد المجتمع ولا تخص النساء فقط.

* صندوق الأمم المتحدة للسكان معني بشكل رئيسي بمسألة تعزيز الصحة الجنسية والإنجابية. عندما نتحدث عن الدعم والاهتمام والتمويل من المجتمع الدولي. هل يذهب هذا التمويل لتوفير الغذاء والخدمات الصحية فقط، وإن كانت أمورا مهمة جدا، ما نصيب الأدوار التي تقومون بها من هذا التمويل؟

للأسف مجال المنظمات التي تعمل في مكافحة العنف ضد النساء يعتبر من أقل المحاور تمويلا في خطة الاحتياجات التي يتم اعتمادها سنويا من المنظمات الإنسانية في السودان. التمويل الآن يقارب حدود 18% من الحاجة المالية في هذه الفترة، وهي نسبة ضعيفة جدا.

لكن بعض الشركاء يساعدون في التمويل ونشكرهم على ذلك. دعمهم السخي هو الذي ساعدنا على مواصلة الجهود في تقديم الخدمات للناجيات، لكن نعول على الكثير من المانحين لتوفير موارد مالية إضافية من أجل توسيع القدرة على الاستجابة.

* ليس خافيا على أحد أن اللاجئين عندما يتوجهون إلى دول قد تكون لديها بعض المشاكل الداخلية، أحيانا يكون اتجاه بعض الأشخاص تجاههم ليس إيجابيا بالقدر المطلوب، فما الذي يمكن أن تقوله لهؤلاء لتوضح لهم حقيقة العنف الذي يفر منه السودانيون وخاصة السيدات؟

أنا كنت في السودان قبل الحرب. وقعت الحرب عندما كنت في مدينة الخرطوم. السودان كان دولة تستقبل اللاجئين، كان يوجد به أكثر من مليون لاجئ من دول متعددة. لم نكن نتصور يوما ما أن نرى السودانيين لاجئين خارج السودان. إذا هذه ظاهرة يمكن أن تحدث لأي شعب وأي بلد.

حق التنقل والتحرك مكفول من مواثيق دولية وخاصة مـيثاق الأمم المتحدة. إذا الرسالة هي أن جميع الدول أو مواطني الدول التي تستقبل- وأكثرها يستقبل بحفاوة وبكرم- هؤلاء اللاجئين أن تأخذ بعين الاعتبار وضعيتهم الخاصة. لا يوجد شخص يخرج من بلده ابتغاء مرضاة نفسه. الناس الذين خرجوا من السودان، فعلوا ذلك نتيجة للحرب، نتيجة لعدم الشعور بالأمان، نتيجة لفقدان ممتلكاتهم والإحساس بالخطر عليهم وعلى حياتهم وحياة أسرهم وأبنائهم.

* السيد الأمين سمعنا أنك ستنهي فترة عملك في السودان قريبا. هل هذا مضبوط؟

صحيح.

* ما هي الرسالة التي تود أن توجهها قبل انتهاء فترة عملك للشعب السوداني أو بشكل عام؟

الرسالة التي أوجهها هي أولا وقبل كل شيء يجب أن تقف هذه الحرب، وقف الحرب ورجوع الأمن والأمان هو أول حل للمسألة. لا يمكن أن تُحل بالموارد المالية ولا بأي شيء، الحل الأول هو إيقاف الحرب والعدائيات، وبداية الرجوع لتفاوض محلي للوصول إلى اتفاق مشترك بين الأطراف المتحاربة من أجل حماية ما تبقى من المنشآت والممتلكات وحفاظا على الشعب السوداني الذي يستحق حياة كريمة في المستقبل.

* مركز أخبار الأمم المتحدة

الوسومالأمم المتحدة الحرب السودان العنف الجنسي النساء النوع الاجتماعي صندوق الأمم المتحدة للسكان محمد الأمين

مقالات مشابهة

  • “سؤال المليار”.. هل نحن على حافة حرب عالمية ثالثة؟
  • منظمة التحرير: الفلسطينيون في "الجليل والمثلث والنقب" يواجهون آليات قمع غير مسبوقة
  • منع الاختلاط ومواجهة الحرب الناعمة.. الحوثيون يشرعنون دعشنة اليمن
  • "الأمم المتحدة للسكان" يحذر من مخاطر العنف القائم على النوع الاجتماعي في السودان
  • حرب ضروس قد تلتهم الشرق الأوسط
  • نساء في السودان بين العنف الجنسي والوصم الظالم من المجتمع
  • بعد لقاء مع طالبان.. قلق أممي من وضعية النساء في أفغانستان
  • كواليس مقتل جندى إسرائيلى فى جنوب غزة
  • انطلاق مؤتمر الأمم المتحدة مع طالبان بالدوحة.. وغضب من عدم إشراك نساء أفغانستان
  • الأمم المتحدة تبحث غدا مع ممثلي المجتمع المدني الأفغاني قضايا حقوق النساء