لقاءات سرية.. هل تعود المياه لمجاريها بين الهند وأفغانستان في عهد طالبان؟
تاريخ النشر: 13th, January 2024 GMT
كابل- أدت سيطرة حركة طالبان على العاصمة الأفغانية كابل عام 2021 إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات الأفغانية الهندية منذ ظهور الحركة عام 1994، حيث انحازت الهند إلى التحالف الشمالي بقيادة القائد الأفغاني الراحل أحمد شاه مسعود، ولم تحاول الاقتراب من طالبان التي حكمت أفغانستان مدة 6 سنوات في تسعينيات القرن الماضي.
وشهدت العلاقات بين الطرفين مقاطعة مدة 28 سنة، وخلال حضور القوات الأميركية والأجنبية في أفغانستان، وقفت نيودلهي مع الحكومة الأفغانية السابقة، حيث وقّع زعيما البلدين اتفاقية شراكة إستراتيجية خلال زيارة الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي إلى الهند عام 2011.
عندما بدأت مفاوضات السلام بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في قطر عام 2019، عينت الهند خبيرا بالشأن الأفغاني سفيرا لها في الدوحة لبناء علاقات مع الحركة التي كان لها مكتب سياسي بها.
ومنذ تلك الفترة، ونظرا لتغير مواقف الدول من العداء لطالبان إلى التعامل معها، عدّلت الهند إستراتيجيتها وفقا للمناخ العام ودخلت في التعامل مع الحركة، وعندما سقطت العاصمة كابل في أيدي طالبان، لم تر الهند مساحة كبيرة لنفسها في أفغانستان إلا بعد مرور عام من وصول الحركة إلى السلطة.
صفحة جديدة
يقول آخر سفير للحكومة الأفغانية السابقة في الهند فريد ماموندزي، للجزيرة نت "العلاقة بين نيودلهي والحكومة الأفغانية الحالية بزعامة حركة طالبان تتطور وتحسنت كثيرا".
وتابع "رجعت الهند إلى أفغانستان عام 2022 وفتحت سفارتها في كابل، وزار وفد هندي كابل والتقى بوزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي، وهناك اجتماعات سرية بين الطرفين بصورة غير رسمية وسرية لتكتمل هذه العلاقة".
فما هي سياسة الهند تجاه أفغانستان وماذا تريد من طالبان؟
بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان ووصول طالبان إلى السلطة، بدا النهج الهندي بشأن أفغانستان كأنه رد فعل، إذ أغلقت سفارتها في كابل، وانسحب طاقمها الدبلوماسي، واقتصر تعاملها مع الحركة بإيصال المساعدات الإنسانية إلى الشعب الأفغاني وليست حكومة طالبان الجديدة.
يقول مصدر بالخارجية الأفغانية للجزيرة نت "بعد التحول العسكري والسياسي في أفغانستان، غادر الهنود البلاد مع الولايات المتحدة، وأغلقت أبواب سفارتها، وبعد مراجعة سياستها تجاه كابل، ترغب الآن في فتح صفحة جديدة مع الحكومة الأفغانية الحالية".
وأضاف "وأرسلت الهند فريقا دبلوماسيا بمسمى الفريق التقني، لأنها تدرك الحقائق السياسية في أفغانستان وتعلم أن وجودها في كابل أفضل لها ولنا، وهي ترغب في التعامل مع طالبان، ولكنها تفضل أن يبقى الأمر سرا إلى حين الانتهاء من الانتخابات البرلمانية".
ومن جانبها، بذلت الحكومة الأفغانية جهودا جادة لفتح صفحة جديدة مع الهند، وقد سعت إلى الحصول على مساعدات تنموية وتمويل المشاريع الهندية في البلاد، وقامت نيودلهي باستثمارات كبيرة تصل إلى أكثر من 3 مليارات دولار في أفغانستان.
وحسب مصادر في الخارجية الأفغانية، التقى مسؤولون أفغان سرا بممثلي الهند في الاجتماعات الإقليمية والدولية بشأن أفغانستان.
عوائق
يوضح المتحدث باسم الحكومة الأفغانية ذبيح الله مجاهد، للجزيرة نت "علاقتنا مع الهند في القطاع الاقتصادي والتجاري تسير بشكل جيد، هناك بعض العوائق في المجال الدبلوماسي وستتم إزالتها قريبا، نحتاج إلى بعض الوقت، الهند دولة إقليمية مهمة، الإمارة الإسلامية والأفغان بحاجة اليها، نريد بناء العلاقات مع جميع دول الجيران بما فيها الهند".
موقف الهند فيما يتعلق بالاعتراف بالحكومة الأفغانية الجديدة ينسجم مع موقف المجتمع الدولي، ولكنها تتواصل مع السلطات الأفغانية لفتح قنصلياتها في المدن الرئيسية مثل جلال آباد، وهرات ومزار شريف، وتصر على فتح قنصليتها في مدينة قندهار حيث يعيش زعيم حركة طالبان الشيخ هبة الله أخندزاده.
وواصلت الهند تعاونها مع الجامعة الوطنية للعلوم الزراعية والتقنية في قندهار من خلال توفير المنح الدراسية عبر الإنترنت، يقول مصدر بالسفارة الهندية في كابل للجزيرة نت "تتمتع الهند بعلاقات تاريخية مع أفغانستان وتُعتبر إقليميا من أكبر المانحين لكابل خلال عقدين ماضيين".
ويضيف "لدينا أكثر من 500 مشروع تنموي في عموم أفغانستان وملتزمون بإكمال هذه المشاريع، وقدمنا منحا دراسية إلى هذه الجامعة، ويراقب فريقنا الفني في كابل هذه المشاريع، إضافة إلى دعم المساعدات الإنسانية".
كانت الهند من الدول الداعمة لجبهة المعارضة خلال الحكم الأول لحركة طالبان، لم تسمح هذه المرة لحلفائها القدامى بالبقاء في أراضيها ورفضت طلب اللجوء إليها، وبدلا من ذلك، أعادت فتح سفارتها في كابل التي تسيطر عليها طالبان، وتدرك أن حلفاءها السابقين غير قادرين على تغيير الوضع في أفغانستان -على الأقل- في الوقت الراهن وأن تأثيرها على الوضع السياسي والأمني ضئيل للغاية.
منافسة
ويضيف السفير الأفغاني السابق فريد ماموندزي للجزيرة نت "للهند في أفغانستان مطالب رئيسية أهمها ضمانات أمنية من الحكومة الحالية وكبح الحركات العسكرية مثل "جيش محمد" و"لشكر طيبة" اللتان "تهددان أمن الهند ومواطنيها".
ويتابع "كذلك المنافسة الإقليمية مع باكستان والهند، وتعمل سفارتا هذين البلدين بكل نشاط وجد، وتتوقع نيودلهي من طالبان أن توليها نفس القدر من الاهتمام الذي أعطته لكل من الصين وباكستان".
تواصل الهند تنافسها مع الصين وعداءها لباكستان في أفغانستان، وأن غيابها عن الساحة الأفغانية، وقطع علاقتها بكابل لن يفيداها، بل على العكس من ذلك سيترك طالبان وأفغانستان "لمنافسها وعدوها".
كانت العلاقة بين أفغانستان والهند ودية للغاية في عهد الرئيسين السابقين حامد كرزاي وأشرف غني، والمساعدات التي قدمتها نيودلهي إلى كابل أعطت نفوذا كبيرا للهند مقارنة بالنفوذ الباكستاني، وعندما سيطرت طالبان على السلطة، اعتبرت الهند أن كل ما بنته لبناء الثقة وتوسيع نفوذها في الحكومة الأفغانية السابقة، قد خسرته.
كانت الهند أمام 3 خيارات، أن تولي ظهرها لأفغانستان وتقبل بخسارتها أمام باكستان، أو تدخل في تحالف وثيق مع معارضي طالبان وبالتالي تحافظ على نفوذها في كابل، أو تختار التعامل مع طالبان وتحاول كسر الهيمنة الباكستانية في أفغانستان.
واختارت الهند الخيار الثالث وفضلت التعامل مع حركة طالبان، يقول مصدر بالخارجية الأفغانية للجزيرة نت "أدركت الهند أن النفوذ الباكستاني على الحكومة الأفغانية الجديدة لم يكن كما تتصوره نيودلهي، وإنما هي دولة مستقلة تفكر في مصالحها وأنها ليست تابعة لأحد في سياستها الخارجية مهما يكن، وأرى أن الأمور ستتحسن قريبا".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الحکومة الأفغانیة فی أفغانستان حرکة طالبان صفحة جدیدة التعامل مع للجزیرة نت فی کابل
إقرأ أيضاً:
معظمهم طُردوا من دول الجوار.. ما مصير العائدين إلى أفغانستان؟
كابل- تتطلب الزيادة الكبيرة في عدد المهاجرين العائدين إلى أفغانستان تدخلا سريعا من الحكومة الأفغانية والمجتمع الدولي، نظرا للضغوط الاقتصادية والاجتماعية الجسيمة التي يتحملها العائدون إلى أفغانستان من دول الجوار خاصة إيران وباكستان.
ووفقا للتقارير الصادرة عن المنظمة الدولية للهجرة، ففي عام 2024، عاد 1.5 مليون مهاجر فاقدين للوثائق من إيران وباكستان إلى أفغانستان، منهم حوالي 100 ألف شخص عادوا عبر مطار كابل، بينما عاد الآخرون عبر 4 معابر حدودية بين أفغانستان والدولتين الجارتين.
كما ذكرت التقارير أن أكبر عدد من المهاجرين العائدين جاء من إيران، حيث تم طرد 66% من بين 1.1 مليون عائد بدون وثائق.
وسجلت الإحصاءات زيادة بنسبة 13% في أعداد العائدين بين شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2025، نتيجة للطرد الجماعي للمهاجرين من مدن باكستانية مثل إسلام آباد وراولبندي.
ويؤكد المتحدث باسم وزارة المهاجرين الأفغانية عبد المطلب حقاني، أن الحكومة الأفغانية تعمل على توفير الدعم لكافة العائدين إلى أراضيها عبر التنسيق مع المنظمات الدولية والمحلية لتلبية احتياجاتهم الأساسية، مضيفا أن ما يقارب من 1.5 مليون مهاجر أفغاني عادوا إلى أفغانستان خلال عام 2024، أغلبهم من الذين كانوا يقيمون في باكستان وإيران.
إعلانوأشار حقاني إلى أن 7 ملايين أفغاني ما يزالوا يعيشون في دول الجوار، بما في ذلك أكثر من 3 ملايين في باكستان، وقرابة 3 ملايين شخص في إيران، مع وجود حوالي مليون أفغاني في دول أخرى حول العالم.
وأضاف المتحدث باسم وزارة المهاجرين الأفغانية للجزيرة نت أن الوزارة سجلت 3 ملايين نازح داخلي، بينما تم إعادة توطين 11 ألفا منهم في مناطقهم الأصلية.
تواجه الحكومة الأفغانية تحديات جسيمة في استيعاب هذا العدد الكبير من العائدين، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بالبلاد بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، إضافة إلى نقص الموارد المالية واللوجيستية اللازمة لاستيعاب لعائدين، فضلا عن تدهور البنية التحتية، وانتشار البطالة، وضعف الخدمات الأساسية.
وتشير التقارير الدولية إلى أن أكثر من 40% من سكان أفغانستان يعيشون تحت خط الفقر، مما يجعل استيعاب العائدين من دول الجوار أمرا في غاية الصعوبة، وفقا للخبراء.
وفي هذا الصدد، قال المتحدث باسم وزارة المهاجرين الأفغانية إن الحكومة تواجه العديد من التحديات في استيعاب هذه الأعداد المتزايدة من المهاجرين العائدين، "لكننا نعمل جاهدين على التنسيق مع المنظمات الدولية والمحلية لتوفير الغذاء، والمأوى، والرعاية الصحية".
وأفادت وزارة المهاجرين بأنها توفر فرص عمل في الداخل، داعية المهاجرين الأفغان للعودة طواعية إلى بلادهم، حيث أكد حقاني أن "الأمن مستتب في كافة أنحاء البلاد، وهناك فرص عمل وظروف معيشية مناسبة".
ويقول رشاد أحمدي، أحد العائدين إلى كابل من باكستان، "لقد قررت العودة لأن الوضع هناك كان صعبا جدا، وخاصة بعد الطرد القسري من باكستان، ولكن الوضع في أفغانستان لا يبدو أفضل، فرغم أنني في بلدي، فإنني لا أجد فرص عمل جيدة".
ويأمل رشاد أحمدي أن تتحسن الأوضاع في أفغانستان مع مرور الوقت، ويستطيع توفير عمل مناسب له لمساعدة أسرته.
إعلانمن جهته، قال مهدي علي زاد، أحد العائدين إلى كابل من إيران، "كانت العودة إلى أفغانستان خطوة صعبة، لكننا لم نجد خيارا آخر، الظروف الاقتصادية في إيران كانت غير مستقرة، والعديد من المهاجرين هناك يواجهون صعوبة في تأمين قوت يومهم".
وأكد علي زاد أنه رغم التحديات في أفغانستان، يظل هناك أمل في المستقبل، إذا تم توفير فرص عمل وتدابير لتحسين الوضع المعيشي.
وتلعب المنظمات الدولية دورا حيويا في دعم العائدين، حيث تقدم مساعدات غذائية وطبية وتعليمية، وتقول المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إنه تم تخصيص 120 مليون دولار لدعم العائدين في عام 2024، ويشمل ذلك توفير مواد غذائية، ومأوى، ورعاية صحية لمليوني شخص.
كما يعمل برنامج الأغذية العالمي على تقديم مساعدات غذائية لقرابة 1.5 مليون عائد في عام 2024، في حين تقوم منظمة الصحة العالمية بتوفير الخدمات الصحية الأساسية في المناطق التي يتركز فيها العائدون.
وتواجه أفغانستان أزمة اقتصادية خانقة، مما يفاقم من معاناة العائدين الذين يواجهون صعوبة في تأمين فرص عمل مستدامة، فضلا عن تدهور الوضع الصحي والتعليمي في معظم أنحاء البلاد، حيث إن المدارس والمستشفيات تفتقر إلى الموارد لتلبية احتياجاتهم، مما يعمق من معاناتهم.