#المرعوبون د. #هاشم_غرايبه
في الأخبار أن رئيسة جامعة هارفارد “كلودين غاي” أرغمت على تقديم استقالتها، بعد حملة أكاديمية شرسة عليها، على خلفية عدم منعها مظاهرة مطالبة بوقف الحرب الحالية.
وفي مقابلة مع الرئيس الأمريكي الأسبق “كارتر” يتحدث فيها عن حقائق الأحداث ويسمي الأمور بمسمياتها بلا تحفظ، فتسأله المذيعة: لماذا لا يتحدث المسؤولون الحاليون مثلك؟، فقال: لا يجرؤون على ذلك، فالسناتور الذي يقول بما يمليه عليه ضميره لن يعاد انتخابه، والمسؤول الذي يقول الحقائق سيهاجم بقسوة وستلفق له تهم فظيعة ستجبره على الاستقالة، أما مؤسسة الإعلام التي تنقل الرأي الآخر ولا تلتزم بسياسة التضليل فسوف تقطع عنها الإعلانات فتفلس.
هذه هي الإجابة على ما يستغربه كثيرون وهو أنه: لماذا لا يتحدث المسؤول الغربي بقناعاته الا بعد مغادرته منصبه، بل وينتقد السياسات الحالية لمن هم على رأس عملهم، والتي كان يطبقها ذاتها عندما كان مسؤولا!؟.
ذلك لأن القوة الظلامية المسيطرة على العالم ترعب الجميع، من أعظمهم سطوة وهو رئيس أقوى دولة في العالم، الى الأفراد العاديين، وكل يتعرض لضغط يوازي خطورة منصبه.
هذا هو النظام العالمي الراهن، الأقوى يستضعف من هو دونه، ويخضعه لتنفيذ ما يحقق مصلحته، لذلك أصبح العالم رغم التقدم والحضارة الموهومة مجرد قطيع من الأغنام، لا يملك حرية الا في تناول الطعام، ولا يتحرك إلا بحدود ما يريده الراعي، وعليه فالأمان مفقود، لأن كل فرد مرعوب ممن هو فوقه.
أذكر منذ كنت في السابعة، عندما قامت الوحدة بين سوريا ومصر عام 58، ورغم أنني لم أكن أعي الأحداث السياسية، إلا أني لاحظت اندلاع الحماس في كل بيت اردني، مطالبة بالانضمام للوحدة، لكن القمع أرعب الناس وألجم الألسنة، لدرجة أن والدي خبأ جهاز الراديو في مخزن التبن، والذي كان من الأجهزة القليلة في القرية آنذاك، فلا يفتحونه وأصحابه إلا خلسة، لأن من كان يضبط وهو يستمع لإذاعة “صوت العرب” أو أغاني الوحدة من اذاعة دمشق، يعتقل وينكل به.
وكان الناس يسدلون الستائر السميكة ليلا لإخفاء النور، لأن العسس والمخبرين المنشرين في كل مكان سيلاحظونه، وسيتنصتون على الشبابيك، ليرصدوا الاجتماعات والأحاديث التي تجري فيها.
عندما درست في بغداد بدايات السبعينيات، حزنت لحال العراقيين، لأن حالنا أرحم بكثير، فقد رأيتهم مرعوبين من المرور في مناطق معينة، ولو مروا بقربها في سيارة لا يمكنها أن تتوقف ولو انفجر إطارها، بل يحرصون على عدم النظر تجاه الجهة المرعبة، ولا حتى الى الاشارة اليها.
نحن غير العراقيين لم نكن نعرف تلك المناطق، إذ لا توجد أية لافتة أو إشارة دالة عليها، وعندما نمر بمنطقة “كرادة مريم” مثلا، كنا نستغرب خلو الشوارع من المارة وقلة السيارات، مع كثرة الأكشاك التي يجلس فيها رجل مقطب الجبين، يضع أمامه علبة سجائر مفتوحة ليوحي بانه بائع سجائر فرط، لكن القلم في جيبه يدل على أنه مخبر يسجل ما يراه مشبوهأ.
في سوريا كان الرعب أعظم، إذ أن كثافة المخبرين أكثر، ومن الممكن ان يعتقل المرء ولا يرى الشمس ثانية لمجرد تردده عن التصفيق كلما ذكر اسم الرئيس، أوعدم ترديده للهتاف بحياته.
طبعا هذه الصور ذاتها في كل الأقطار العربية بلا استثناء، والرعب حاضر على كل المستويات، كل فرد ممن هو فوقه مرتبة، من أدناهم وهو الفرد المواطن، ويزداد كلما ارتقى منصبه.
وهذا موجود أيضا عينه في الأنظمة الشمولية الأخرى، كالدول التي كانت سابقا تمثل المعسكر الشرقي، وتختلف عن الدول الغربية في أن المرعوب المستهدف هو المسؤول وصاحب القرار، سواء السياسي أو التجاري أو الإعلامي، وكلما كان تأثيره المجتمعي أكبر كلما كانت الرقابة عليه أكثر، لذلك فهو في رعب مقيم من خسارة منصبه أو تجارته، إن رفض إملاءات من فوقه، وأصر على اتباع ضميره.
الوحيدون في العالم الذين أصروا على التمرد هم أهل القطاع، فقدموا الثمن غاليا، ولذلك رأينا محور الشر الخفي قد سلط كل كلابه عليهم.
المصدر: سواليف
إقرأ أيضاً:
بعض الأسئلة التي تخص قادة الجيش
قبل أن أطرح بعض الأسئلة التي تخص قادة الجيش- ربما ليست شاملة-، أود أن أضع استفساراً هنا في المقدمة -وضعته أيضاً كسؤال في هذه الحزمة للتأكيد عليه-، وذلك لأهميته في رأيي وحتى يكون مدخلاً إضافياً لتحفيز الذاكرة مع مرور ذكرى مجزرة فض اعتصام القيادة العامة في أواخر أيام شهر رمضان (وافق 3 يونيو 2019)، وذلك لطرح أسئلة والبحث عن إجابات مرتبطة به وهو:
اختلف قادة الجيش والدعم السريع على العديد من القضايا حتى وصلت البلاد للحرب، وخرجا وتبادلا الاتهامات بعد ذلك حتى أن حميدتي لم يتوان في خطاباته العامة عن إفشاء أسرار جلسات الندامى الخاصة وكرر الحديث عن ممارسات شخصية لقادة الجيش!
الحدث الوحيد الذي تفادى الجميع الخوض فيه هو مجزرة فض الاعتصام، حيث لم يجرؤ أحد منهم على الحديث علناً عن دقائق الاجتماعات التي سبقته ومواقف أصدقاء الأمس أعداء اليوم في تلك الاجتماعات، وأدوارهم ومن رفض ومن أيّد الفض، من جاء أرض الاعتصام ومن لم يكن على علم، ومن كذب على قادة القوى المدنية وأنكر معرفته بالمجزرة، أو اعترف وقال حدث ما حدث، في المنصات الإعلامية للعامة أو الاجتماعات المغلقة، وما هو دور وتأثير قيادة الإسلاميين وغيرهم في ذلك الحدث الذي غير وأثّر كثيراً في مستقبل مشروع الانتقال والاتفاق السياسي بل ومستقبل البلاد بعده!
هناك جهات صحفية تؤكد أن لديها شواهد بأن حميدتي مثلاً زار أرض المجزرة في صبيحة فض الاعتصام ووقف على ما جرى بنفسه، فهل لدى قادة الجيش أي شواهد أو أقوال مماثلة؟ وإن وجدت لماذا يصمتون عنها حتى اليوم وهو الذي فضح كل شيئ وسيفعل في كل سانحة؟ ما الذي لا يزال بينهم حتى يخفون أسرار هذا الأمر الجلل ويتفادون كشفه علناً حتى بعد وقوع الحرب؟!
- لماذا تساهل قادة الجيش مع الد.عم السريع وأصروا على أنه جزء لا يتجزأ منهم ومن مشروعيتهم الدستورية التي نالوها منذ الاستقلال كممثل وحيد للقوة الضاربة في البلاد؟
- لماذا أصر قادة الجيش على أن تكون قوات الدعم الس.ريع جزءاً أصيلاً من دور الجيش في التغيير، فأتوا بقائدها في المجلس العسكري ونصبوه نائباً لرئيسه، وأدخلوه كمفاوض رئيسي، بل ووقع عنهم في الاتفاق السياسي مع القوى المدنية، رغم أن الثوار اعتصموا أمام القيادة العامة للجيش لا أي مكان سواها؟
- لماذا أذعن قادة الجيش لقائد الد.عم الس.ريع وضربوا له التعظيم والتحية العسكرية (التي لا يستحقها وفق الأشراط العسكرية)؟
- لماذا شاركه هؤلاء القادة في مؤامرة الانقلاب على الانتقال وهم يعلمون نواياه مسبقاً وكثيراً ما تحدثوا عنه وعن نواياه وأطماعه في السلطة في غرفهم المغلقة وفق إفادة العطا؟
- لماذا تساهل قادة الجيش مع المليشيا حين بدأت تبحث عن دور جديد عبر الاتفاق الإطاري، حسب وصفهم لاحقاً، وحين بدأت إعلان الحرب بالكلام والخطاب التهديدي من مثل ( العمارات دي إلا يسكنوها الكدايس)؟
- لماذا سمح قادة الجيش بوصول قوات الد.عم الس.ريع إلى تخوم قاعدة مروي العسكرية ومحاصرتها دون أن يعترضها أحد، مع أنها انطلقت من معسكر الزرق نحو مساحة مفتوحة يسهل استهدافها فيها، بل على العكس، خرج قائد الجيش في المدرعات معية مدير الاستخبارات يوم 13 أبريل 2023 وتحدث عن محاولات تهدئة رغم تصريحهم بأن هذه القوات خرجت عن السيطرة؟
- لماذا لم يرعو قادة الجيش وسمحوا بتفريخ مليشيات جديدة وتكبير كومها وتوفير الدعم العسكري لها خارج مظلة القوات المسلحة الرسمية، والإفساح لها في الإعلام الرسمي لتزويق وتزيين نفسها وتلميع قادتها وتحضيرهم لأدوار غير عسكرية عبر القيام بأدوار عسكرية؟ ولماذا حدث ذلك رغم التجربة المريرة التي دخلت فيها البلاد بسبب حدوث ذات الأمر مع مليشيات أخرى(الد.عم الس.ريع)
- لماذا وافق قادة الجيش على الاتفاق الإطاري أول أمره ودافعوا عنه، ثم نكثوا بعهدهم في آخره؟
- كانت هناك حالة قطيعة أو شبهة كراهية متبادلة ومنذ وقت مبكر بين بعض قادة الجيش وقادة الد.عم الس.ريع، كيف تصرف قادة الجيش مع هذا الفتيل الذي كان قابلاً للاشتعال حينها؟ وهل لذلك صلة أو علاقة باشتعال الحرب؟
- حين قدم رئيس الوزراء الانتقالي مبادرة الطريق إلى الأمام في منتصف العام 2021، لماذا امتنع القادة العسكريين عن دعمها رغم أنها كانت مبادرة- أهم أهدافها- من أجل نزع فتيل الصراع بينهم وبين الد.عم الس.ريع؟ وهل لرفضهم علاقة بغضب حميدتي من مشروع المبادرة التي تحدثت عن مستقبل الد.عم الس.ريع ورفضه لها على هذا الأساس؟
- رغم الصراع الذي ظهرت بوادره منذ وقت باكر ذهب قادة الجيش نحو الانقلاب بالشراكة مع قادة الد.عم الس.ريع وتحالف الكتلة الديمقراطية. كيف كان الانقلاب نقطة تلاقي بين قادة الجيش وقادة الد.عم الس.ريع رغم اختلافهم وتزعزع الثقة بينهم والذي كان مشهوداً خلال الشهور التي سبقت الانقلاب؟ ما هي المغريات التي دفعت بهم للانقلاب- خلاف إزاحة المدنيين- وهل كانت هناك أيادٍ خارجية أو أي دواعٍ أخرى جعلتهم يختلفون في كل شيئ ويتفقون فقط على تنفيذ الانقلاب؟
- اختلف قادة الجيش وقادة الد.عم الس.ريع على أشياء كثيرة حتى وصلوا للحرب، لكنهم وحتى يوم الناس هذا لم يخرجوا ببيان ومعلومات واضحة حول فض الاعتصام، دورهم فيه، دور الد.عم الس.ريع، فلول النظام البائد، أخرى؟
- ما هي الإجراءات التي اتخذها قادة الجيش ضد من أعطوا الأوامر بإغلاق بوابات القيادة العامة في الخرطوم عندما لجأ إليها الفارون من قتلة المعتصمين؟! هل كانت هذه أوامر عليا، وممن، ولماذا صمت ويصمت الآخرون؟
في الفيديو المرفق جزء من المؤتمر الصحفي الذي تلى فض الاعتصام حيث كان كباشي يقدم إفادات عن ما جرى، ثم جاءته ورقة مطوية من العطا. أترك هذه الملاحظة العابرة هنا لفطنة القارئ!
#السودان_ماقد_كان_وسوف_يكون
#تفكيك_النص
#ذكرى_فض_اعتصام_القيادة
/